تم نسخ النصتم نسخ العنوان
صحة نسبة كتاب من الرسول إلى هرقل - اللجنة الدائمة فتوى رقم (  1411  ):  س: يتعلق بما رفعه سيد / م / م / زامان من  بنجلاديش  حول ما ادعته إحدى السيدات العربيات المقيمة في  لندن  من امتلاكها خطابًا ممهور...
العالم
طريقة البحث
صحة نسبة كتاب من الرسول إلى هرقل
اللجنة الدائمة
فتوى رقم ( 1411 ):
س: يتعلق بما رفعه سيد / م / م / زامان من بنجلاديش حول ما ادعته إحدى السيدات العربيات المقيمة في لندن من امتلاكها خطابًا ممهورًا بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم موجه إلى هرقل ، ودرست اللجنة ما تضمنه كتاب سيد / م / م / زامان من الاستفسار عما يأتي: 1 - كيف يمكن التوصل إلى الخبر اليقين عن نسبة هذا الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ 2 - كيف حصل التوقيع وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمِّيًّا؟ 3 - كيف وصل هذا الكتاب إلى هذه السيدة العربية؟ وهل ورثته أو وصل إليها بطريق آخر وما هو؟
ج: لا يجوز أن ينسب إلى أي إنسان قول أو عمل إلاَّ بعد أن يثبت ذلك عنه، بما يفيد يقينًا أو غلبة ظن نسبته إليه، وخاصة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن نسبة شيء إليهم مما يتعلق بشئون الدين يتضمن نسبته إلى الله تعالى، وأنه تشريع يجب اتباعهم فيه، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ، وقال تعالى:
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه، واللفظ لمسلم . وعلى هذه القاعدة تكون دعوى هذه المرأة العربية: إن الكتاب الذي بيدها هو الرسالة التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل - دعوى غير مقبولة؛ لبنائها على الخرص والتخمين، وذلك لأمور: أولاً: إن بينها وبين زمن كتابة الرسالة أربعة عشر قرنًا، جرى فيها أحداث وحروب طاحنة بين النصارى والمسلمين، أثارتها العداوة الدينية والخصومة في العقيدة بين الفريقين، وذلك مما يبعد معه بقاء مثل هذه الرسالة. ثانيًا: أن قوم هرقل قد كثر منهم الصخب وارتفعت أصواتهم حينما فرغ من قراءة كتاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ سخطًا على ما سمعوا، واستنكارًا له، وحاصوا حيصة حمر الوحش، ونفروا إلى أبواب القصر حينما دعاهم هرقل إلى الإِيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كراهية منهم للإِيمان به، وعصبية لدينهم الباطل، لكن هرقل قد احتاط للأمر؛ لتوقعه ذلك منهم، فغلق الأبواب وأحكم الحصار فلم يتمكنوا من الخروج وأمر بردهم إليه، وآثر البقاء على النصرانية
حرصًا على ملكه، وأخبرهم أنه إنما قال مقالته ليختبر حرصهم على دينهم وصلابتهم فيه، وأنه وجد منهم ما يحبه من قوة تمسكهم بدينهم. فمثل هذه العداوة الدينية والخصومة في العقيدة يحملهم على إتلاف هذا الكتاب، ويقتضي القضاء على معالمه، إما عاجلاً في زمن هرقل ، وإما بعد وفاته، حينما تحين لهم فرصة الخلاص من مثار غضبهم وما ينقض عقيدتهم؛ خشية أن يأتي من يثيره ويدعو إليه. ثالثًا: إن هذه المرأة مجهولة الحال لا تعرف عدالتها وأمانتها وصلاحيتها لمثل هذا الشأن، ولا يدرى عند من وجدت هذه الرسالة أو ممن أخذتها، ولا يدرى عن حالهم وحال من قبلهم، وهذا مثار شك وريبة يمنع من نسبة هذا الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن دعوى أنه هو رسالته الأصلية إلى هرقل . هذا هو مقتضى القاعدة التي يعتمد عليها في نسبة الأقوال والأعمال إلى أصحابها، ومن دعاه حب الاستطلاع وحفزه إلى مزيد الاستقصاء في البحث فليعرض أصل ذلك الكتاب على ذوي الخبرة في الخطوط التطبيقية على الخطوط الأولى، وليعرضه على أهل الخبرة في قدم الأوراق أو الجلود وجدتها، ويقارن بينها وبين ما عرف من الأوراق الأولى؛ ليعرف صحة هذه النسبة أو كذبها،
مع أن تقدير الزمن والمقارنة بين الخطوط والأوراق مما يدخله التخمين والخطأ، ومع أنه لا يمكن مقارنة خط هذا الكتاب حتى يعرف من كتبه للنبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة حتى يعرف خطه، وأنى لنا اليوم؟ وبذلك يعلم أن المقارنة غير ممكنة. رابعًا: ذكر في هذا الكتاب أن المكتوب والختم المشار إليه لفظ: (محمد) وختمه صلى الله عليه وسلم يشتمل ثلاث كلمات وهي: (محمد رسول الله) وهذا مما يؤكد تزوير هذا الكتاب، وأنه لا أساس له من الصحة. ثم إن ما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قد نقله الثقات من علماء المسلمين نقلاً صحيحًا لا تشوبه ريبة، وفي ذلك غنية لنا عن غيره مما تحوم حوله الشكوك، بل دلت القرائن على أنه إلى الكذب أقرب منه إلى الصدق. ثم إن قبول مثل هذا الكتاب واعتباره قد يفتح باب شر على المسلمين، يفتح الباب لمن تسول له نفسه أن يفتري على النبي صلى الله عليه وسلم ويزور عليه كتابًا وختمًا يقلد في خطه وختمه خط الكتاب المذكور وختمه. فالواجب عدم اعتبار هذا الكتاب، والإِعراض عن اتخاذه أثرًا؛ اكتفاءً بما أغنانا الله به من النقول الصحيحة والأحاديث التي رواها الأثبات من العلماء، وسدًّا لذريعة الشر والتزوير في الكتب
والرسائل، وصيانةً لدين الله وللمسلمين عن العابثين وكذب الكاذبين. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

Webiste