تتمة الشريط من تفسير أوائل سورة الواقعة.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ، والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست تابعة لما بعدها ولا لما قبلها. ولهذا كان القول الراجح أنها ليست آية من الفاتحة، وأن الإنسان إذا اقتصر في قراءته على الحمد لله رب العالمين إلى آخر السورة لكان قد أتى بالركن وصحت صلاته. ولو جعلنا البسملة من الفاتحة لكانت صلاته باطلة إذا لم يأت بالبسملة لأنه نقص منها - أي من الفاتحة - آية. فالصواب الذي لا شك فيه أنها - أي البسملة - ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها. وأما قوله تبارك وتعالى في سورة النمل : إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهذا نقل لكتاب سليمان عليه السلام. وليس من القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشريعا لهذه الأمة. إنما هو كلام منقول عن ما كتبه سليمان عليه السلام، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يعني : أبتدأ يعني: أبتدأ أو أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم سورة الواقعة. قال الله عز وجل : إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأَرض رجاً إلى آخره. حذف الله جواب الشرط في هذه الآيات من أجل أن يذهب الذهن في تقديره كل مذهب، يعني إذا وقعت الواقعة صارت الأهوال العظيمة، وصار انقسام الناس. وحصل ما حصل مما أخبر به الله ورسوله مما يكون في يوم القيامة، وقوله : إذا وقعت الواقعة كقوله : الحاقة ما الحاقة والمراد بذلك يوم القيامة ليس لوقعتها كاذبة أي : ليست لوقعتها كذب، بل وقعتها حق ولابد. والإيمان بيوم القيامة أحد أركان الإيمان الستة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان قال : أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره . وكثيراً ما يقرن الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر، لأن الإيمان باليوم الآخر يحدو بالإنسان أن يعمل العمل الصالح، وأن يبتعد عن العمل السيء لأنه يؤمن بأن هناك يوماً آخر يجازى فيه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. خافضة رافعة يعني : هي خافضة رافعة، يعني : يخفض فيها أناس ويرفع فيها آخرون. من الذي يُرفع؟ قال الله - عز وجل - : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات فأهل العلم والإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة. ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان والعلم. إذن تخفض أهل الجهل والعصيان وترفع أهل العلم والإيمان. وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه، معظم عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله. الجبارون المتكبرون يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عالون على عباد الله. لكنهم يوم القيامة موضوعون مهينون قد أخزاهم الله - عز وجل - إذا رجت الأَرض رجاً وبست الجبال بساً فكانت هباءً منبثاً ، إذا رجت الأَرض يعني : زلزلت زلزلة عظيمة. ولهذا قال : رجاً أي : رجًّا عظيماً، وأنت تصور أنك ترج إناء فيه ماء كيف يكون اضطراب الماء فيه. فالأرض يوم القيامة ترج بأمر الله - عز وجل -. وهذا كقوله تعالى : إذا زلزلت الأَرض زلزالها وقوله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . إذن إذا رجت أي هزت وزلزلت، رجا أي رجا إيش؟ عظيما، وبست الجبال بسا : بعثرت وهبطت وصارت كثيباً مهيلاً. ولهذا قال : فكانت هباءً منبثاً كالهباء الذي نراه حينما تنعكس أنوار الشمس في حجرة مظلمة. تجد هذا الهباء تحسه في خلال ضوء الشمس. منبثًّا : متفرقاً. هذه الجبال الصم الصلبة التي يكون الصخر فيها أكبر من الجمال. بل ربما يكون الجبل الواحد صخرة واحدة يكون يوم القيامة هباء منبثًّا بأمر الله - عز وجل -. فتبقى الأرض ليس فيها جبال ولا شجر ولا أودية ولا رمال. كما قال الله - عز وجل - : ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ينسفها ربي نسفاً فيذرها أي الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً . وكنتم الخطاب للآدميين عموماً أزواجاً ثلاثة أزواج بمعنى: أصناف، كما قال الله عز وجل : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي: أصنافهم. وقال تعالى : وآخر من شكله أزواج أي : أصناف. فمعنى أزواجاً يعني أصنافاً ثلاثة لا رابع لها : السابقون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. فينقسم الناس يوم القيامة ثلاثة أقسام لا رابع لها فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون ذكرهم الله تعالى غير مرتبين في الفضل. أصحاب اليمين بين السابقين وبين أصحاب الشمال في المرتبة. فبدأ الله بهم ثنَّى بأصحاب الشمال. ثم ثلَّث بالسابقون. لكن عند التفصيل بدأ بهم مرتبين على حسب الفضل. فبدأ بالسابقين، ثم بأصحاب اليمين، ثم بأصحاب الشمال. وهذا التفصيل المرتب خلاف الترتيب المجمل. وهو من أساليب البلاغة. أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة يعني أنه - عز وجل - أخبر بأن أحد الأصناف أصحاب الميمنة. ثم قال : ما أصحاب الميمنة من هم؟ سيأتي إن شاء الله ذكرهم مفصلاً، وأصحاب المشئمة أي : ذوو الشؤم. وسيأتي أيضاً ذكرهم مفصلاً. والسابقون السابقون هؤلاء أفضل الأصناف. وقوله : والسابقون السابقون أصح الأعاريب فيها أن قوله : والسابقون مبتدأ. وخبره السابقون يعني : أن السابقين إلى الأعمال الصالحة هم السابقون إلى الثواب في الآخرة. فكأنه قال : السابقون هم السابقون. السابقون في الدنيا بالأعمال الصالحة هم السابقون في الآخرة بالثواب أولئك المقربون المقربون إلى من؟ إلى الله - عز وجل - فهم في أعلى الجنان، وأعلى الجنان أقرب إلى الرحمن - عز وجل - ، لأن الفردوس وهو أعلى درجات الجنة فوقَه أو فوقُه عرش الله - عز وجل - فيكون قوله : المقربون أي إلى، إلى من؟ إلى الله عز جل. أولئك المقربون إلى الله، في جنات النعيم فذكر منزلهم قبل ذكر منزلتهم. وكما يقال : الجار قبل الدار. وكما قالت امرأة فرعون : رب ابن لى عندك إيش؟ عندك بدأت بالجوار بيتاً في الجنة وهنا قال : أولئك المقربون قبل أن يبدأ بذكر الثواب، لأن قربهم من الله - عز وجل - فوق كل شيء. جعلنا الله وإياكم منهم. أولئك المقربون في جنات النعيم أي في هذا المقر العظيم الذي فيه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وأضاف الجنات إلى النعيم، لأن ساكنها منعم في بدنه، منعم في قلبه. كما قال - عز وجل - في سورة الإنسان : إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم - اتل ما بعدها - ولقاهم نضرةً وسرورا ً نضرة في الوجوه، وسروراً في القلوب. فهم في نعيم جنات النعيم، نعيم البدن، أو نعيم القلب أو هما؟ هما، نعيم البدن ونعيم القلب، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً وحلوا أساور من فضة هذا من نعيم البدن، وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا هذا من نعيم البدن أيضا. لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم ولهم فيها ما يدعون . هذا من نعيم البدن إلى غير ذلك مما ذكره الله - عز وجل - من النعيم في الجنة. لو لم يكن فيها إلا أن الإنسان يخلد فيها لا يموت ويصح فلا يسقم، ويشب يكون شابًّا دائماً فلا يهرم، وفوق ذلك كله النظر إلى وجه الله - عز وجل - ، كما قال الله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة يعني فوق الحسنى. فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله. اللهم اجعلنا ممن ينظرون إليك في جنات النعيم.
أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأَولين وقليل من الآخرين ثلة من الأَولين قيل : إن المراد بذلك الأمم السابقة وقليل من الآخرين يعني أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى هذا القول تكون قلة هذه الأمة باعتبار كثرة الأمم السابقة. وليس المعنى أن الذين يدخلون الجنة من الأمم السابقين باعتبار كل نبي أكثر من الذين يدخلون الجنة من هذه الأمة. وقيل : المراد بالأولين أول هذه الأمة، أي : ثلة من أول هذه الأمة، وقليل من آخرها. وهذا القول هو الصحيح. بل هو المتعين، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة أي نصفهم. وفي حديث آخر : أن أهل الجنة مائة وعشرون صفًّا منهم ثمانون من هذه الأمة . وعلى هذا فلا يصح أن نقول قليل من هذه الأمة وكثير من الأمم السابقة. بل نقول : ثلة أي كثير من هذه الأمة من أولها، وقليل من؟ من آخرها، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها سرر : جمع سرير. وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم موضونة قال العلماء : منسوجة من الذهب. متكئين عليها أي : معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم. فهم في راحة في اليد وفي الظهر متقابلين أي : يقابل بعضهم بعضاً. وهذا يدل على سعة المكان، لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين. ليش؟ قولوا يا جماعة. لا يتسع لهم، لابد يكونوا صف صف صف، صف من وراء صف. لكن إذا اتسع المكان لو كانوا ألفا ووضعت لهم سررا دائرية تقابلوا ولو كثروا إذا كبر المكان. وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك. ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام، ألفين سنة ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، لا إله إلا الله. عجبا ولكن ليس بعجب لأن الله على كل شيء قدير. والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، من يحيط بسماء واحدة، كيف وهي عرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها من فوق بعض؟! وكلما كان الشيء فوق كانت دائرته أوسع. فمن يحيط بهذا إلا الله - عز وجل - عرضها كعرض السماوات والأرض.
أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأَولين وقليل من الآخرين ثلة من الأَولين قيل : إن المراد بذلك الأمم السابقة وقليل من الآخرين يعني أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى هذا القول تكون قلة هذه الأمة باعتبار كثرة الأمم السابقة. وليس المعنى أن الذين يدخلون الجنة من الأمم السابقين باعتبار كل نبي أكثر من الذين يدخلون الجنة من هذه الأمة. وقيل : المراد بالأولين أول هذه الأمة، أي : ثلة من أول هذه الأمة، وقليل من آخرها. وهذا القول هو الصحيح. بل هو المتعين، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة أي نصفهم. وفي حديث آخر : أن أهل الجنة مائة وعشرون صفًّا منهم ثمانون من هذه الأمة . وعلى هذا فلا يصح أن نقول قليل من هذه الأمة وكثير من الأمم السابقة. بل نقول : ثلة أي كثير من هذه الأمة من أولها، وقليل من؟ من آخرها، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها سرر : جمع سرير. وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم موضونة قال العلماء : منسوجة من الذهب. متكئين عليها أي : معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم. فهم في راحة في اليد وفي الظهر متقابلين أي : يقابل بعضهم بعضاً. وهذا يدل على سعة المكان، لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين. ليش؟ قولوا يا جماعة. لا يتسع لهم، لابد يكونوا صف صف صف، صف من وراء صف. لكن إذا اتسع المكان لو كانوا ألفا ووضعت لهم سررا دائرية تقابلوا ولو كثروا إذا كبر المكان. وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك. ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام، ألفين سنة ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، لا إله إلا الله. عجبا ولكن ليس بعجب لأن الله على كل شيء قدير. والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، من يحيط بسماء واحدة، كيف وهي عرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها من فوق بعض؟! وكلما كان الشيء فوق كانت دائرته أوسع. فمن يحيط بهذا إلا الله - عز وجل - عرضها كعرض السماوات والأرض.
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى ( إذا رجت الأرض رجا وبست ال... - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 63 - 74 ) من سورة الواقعة . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 75 - 82 ) من سورة الواقعة . - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة الواقعة والمراد بالواقعة. - ابن عثيمين
- تتمة كلمة الشيخ في تفسير سورة " ق " . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 39 - 62 ) من سورة الواقعة . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 22 - 38 ) من سورة الواقعة . - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة الواقعة - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 83 - 96 ) من سورة الواقعة . - ابن عثيمين
- تفسير الآيات ( 01 - 21 ) من سورة الواقعة . - ابن عثيمين
- تتمة الشريط من تفسير أوائل سورة الواقعة. - ابن عثيمين