تم نسخ النصتم نسخ العنوان
هل صحَّ عن أحد من العلماء أنه قال أن حلق الشار... - الالبانيالسائل : فضيلة الشيخ ، هل صح عن أحد من العلماء أنه قال بأن حلق الشارب بدعة ؟الشيخ : نعم ذلك في قول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - ، بل...
العالم
طريقة البحث
هل صحَّ عن أحد من العلماء أنه قال أن حلق الشارب بدعة ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : فضيلة الشيخ ، هل صح عن أحد من العلماء أنه قال بأن حلق الشارب بدعة ؟

الشيخ : نعم ذلك في قول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - ، بل أنا أحفظ عنه أنه قال : " مُثْلَة " ؛ " حلق الشارب مُثْلَة " ، والحقيقة أن حلق الشارب أي : استئصاله بالموسى أو بالماكينة الناعمة هو خلاف السنة ، وهنا بحث لا بدَّ لي من شرحه وإن كان قد تأخر الوقت بعض الشيء ، ولكن مَن كان محبًّا لسماع العلم فليكن صبره معي .
سنَّة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنقسم - كما تعلمون - إلى قول وفعل وتقرير ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - في كثيرٍ من الأحيان يتحمَّل وجوهًا من المعاني ، وفي هذه الحالة لا بد لطالب العلم من تتبُّع السنة العملية التي تحدِّد المراد من السنة القولية التي تحتمل أكثر من معنى واحد ؛ فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يتعلَّق بالأخذ من الشارب بعضُ الألفاظ التي يمكن أن تفسَّر بعدة معاني ، وذلك هو الذي وقع ؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام - : حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ، بلفظ آخر : جزُّوا ، في لفظ ثالث : أنهِكُوا ، وكل هذه الألفاظ تُعطينا المبالغة في الأخذ للشارب أو من الشارب ؛ فهل يا تُرى المقصود بهذه الألفاظ هو الشارب كله أو بعضه ؟
هنا وقع الخلاف بين العلماء ، وهنا تتدخَّل السنة العملية التطبيقية لترجيح رأيٍ على رأيٍ ، ودفع الاحتمالات المُمكنة من لفظ من تلك الألفاظ وتحديد معنى من تلك المعاني ، سمعتم قوله - عليه السلام - : حفُّوا الشارب ، جزُّوا ، أنهكوا ؛ معنى ذلك استئصال الشارب كله لأنه أطلق وقال : حفُّوا الشارب ، ما قال في هذا اللفظ وفي غيره : بعض الشارب ، ولذلك وُجِدَ من العلماء قديمًا وحديثًا مَن يذهب إلى حلق الشارب تمامًا وإعفاء اللحية ، لكننا إذا نظرنا إلى شيئين اثنين أحدهما من قوله - عليه السلام - ، والآخر فعله وهو الأهم ، أما قوله ؛ فقد بيَّن - أيضًا - أن الحفَّ والأخذ بأيِّ نوع من الأنواع المذكورة في تلك الألفاظ الثلاثة ليس المقصود أخذ الشارب برمَّته ، وإنما المقصود ما يطول على الشَّفة ، المقصود الأخذ من الحافة ، فقوله في اللفظ الأول : حفُّوا لا يعني الاستئصال وإنما يعني الأخذ من الحافة ؛ كما في القرآن الكريم : وترى الملائكة حافِّين من حول العرش ، فحافَّة الشيء طرفه ، تأكد هذا المعنى وترجَّح بأحد شيئين اثنين أشرتُ إليهما آنفًا ؛ أحدهما : قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من لم يأخُذْ من شاربه فليس منَّا ، لم يقل : من لم يأخذ شاربه ، وإنما قال : من لم يأخُذْ من شاربه فليس منَّا ، إذًا هذا نصٌّ أن الأخذ لا يكون للشارب كله ، وإنما يكون أخذ لبعضه ، ما هو هذا البعض ؟
ذلك بيانه في فعله - عليه السلام - ، هنا بيت القصيد كما يقال ، لقد روى الإمام أبو داود في " سننه " والإمام أحمد في " مسنده " عن المغيرة بن شعبة : " أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد وَفَى شاربه ؛ أي : طال وزاد على الشفة ، فأمر - عليه الصلاة والسلام - بأن يُؤتي له بسواك ومقراض ، فوضع السواك تحت ما طال من الشارب ثم قَرَضَه " ، فهذا فعل يحدِّد المعنى المقصود من كل تلك الألفاظ أنَّه ليس المقصود استئصال الشارب كله ، وإنما استئصال ما زاد على الشفة ، وهو المراد بقوله : حفُّوا الشارب ، وأعفوا عن اللحى ؛ ففعله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث قد رفع كلَّ المعاني من المعاني التي ذكرناها آنفًا ، وعيَّن أن المقصود بالأخذ ما زاد عن الشفة وليس ما عَلَا عليها ؛ ولهذا لقد جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يوفِّر شاربه ولا يأخذه من أصله ، بل وكان يُطيل سدالته ، فقد جاء في " موطأ الإمام مالك " - رحمه الله - بالسند الصحيح أن من خلق عمر - رضي الله عنه - أنه كان إذا غضبَ نفخَ وفتلَ شاربه ؛ فهذا يدل على أن الشارب لا يُؤخذ كله ، وإنما يؤخذ ما زاد على الشفتين .
وهنا نكتة طبِّيَّة بعد أن أسَّسنا أن الحكم النبوي هو المحافظة على الشارب لكن استئصال ما زاد على الشفة ، في ذلك فائدتان طبًّا أو طبِّيَّتين :
الأولى : أن الرجل إذا تساهل بشاربه وطال على شفته أن في ذلك نوع من القذارة فيما إذا أكل خاصَّة إذا كان فيه دهن أو مثل ذلك ، فاستئصال ما طال على الشفتين فيه نظافة تتناسب مع الإسلام الذي هو من طبيعته في كلِّ ما جاءنا من تشريع المحافظة على النظافة .
ومن جانب آخر : فإبقاء الشَّاربين على الشفة فيه فائدة أخرى طبِّيَّة ؛ وهي - كما يقول بعض الأطباء ، وهذا ظاهر والله أعلم أمر مشهود - ؛ أنه كمفسدة للجراثيم التي تفوت بالإنسان وفي خاصَّة من منخرَيه ، فيجد هناك كالشبكة تصطاد هذه الجراثيم ، فتمنعها من الدخول من مجرى الأنف ؛ ذلك حكمة من إبقاء الشارع على الشارب واستئصال ما زاد على الشفة ، ذلك سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما كان عليه هو وبعض أصحابه العارفين بهديه .
ونسأل الله - عز وجل - أن يُلهمنا اتباع نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - بكل ما جاءنا به عن ربِّه ، وأرى أن بعض الحاضرين قد بدأ النعاس يداعب أجفانهم ؛ فلذلك فأرى أن تنطلقوا إن شئتم مَن شاء منكم ومن كان عنده نشاط مثل الشيخ المزعوم فأنا جالس معه .

Webiste