هل يجوز القيام بالمظاهرات والمسيرات السلمية للتعبير عن حقِّ الرأي ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : هل يجوز القيام بمظاهرات ومسيرات سلميَّة للتعبير عن طلبات الشعب الإسلامية ، فإن كان الجواب بلا فنرجو ذكر الدليل ؛ لأن القيام بهذه المسيرات هي من قبيل المصالح المرسلة ، ومن باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، والأصل في الوسائل أنها على الإباحة حتى يأتي النَّصُّ بتحريمها ، وكذلك إن القيام بهذه المظاهرات والمسيرات هي الموافقة للضَّوابط التي ذكرها الشَّيخ " عبد الرحمن عبد الخالق " في رسالته : " المسلمون والعمل السياسي " ؟
الشيخ : صحيح أن الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة فهي الأصل فيها الإباحة هذا لا إشكال فيه ، لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية فمن هنا تُصبح هذه الوسائل غير شرعية ، فالخروج للتَّظاهرات أو مظاهرات وإعلان عدم الرضا أو الرضا وإعلان التأييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض القوانين هذا النظام يلتقي مع الحكم الذي يقول : الحكم للشعب ، من الشعب وإلى الشعب . أما حينما يكون المجتمع إسلاميًّا فلا يحتاج الأمر إلى مظاهرات ، وإنما يحتاج إلى إقامة الحجة على الحاكم الذي يُخالف شريعة الله كما يروى ، وأنا أقول هذا " كما يُروى " إشارةً إلى بعض ما يروى ، ولكنها على كل حال تُبيِّن حقيقة معروفة من الناحية التاريخية أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما قام خطيبًا يحضُّ الناس على ترك المغالاة في المهور ، وإلى هنا الرواية صحيحة .
ومن الشاهد في الرواية الأخرى التي في سندها ضعفٌ وهي أن امرأةً قامت : يا عمر ، الأمر ليس بيدك ، إن الله - عز وجل - ذكرَ في القرآن الكريم : وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ؛ فكيف أنت تقول : لا يجوز إلا أربع مئة درهم مهرًا لبناتكنَّ ؟ فكان جواب عمر - إن صحت الرواية - : " أخطأ عمر وأصابت امرأة " .
فيكون المجتمع الإسلامي ليس بحاجة إلى هذه النُّظُم وما يترتب من ورائها من وسائل ، حينما يتحقَّق المجتمع الإسلامي يستطيع الإنسان أن يدخل ويُبلِّغ رأيه وحجَّته إلى الذي بيده الأمر أو على الأقل إلى نائبه ، وليس بحاجة إلى الظُّهور بمثل هذه التظاهرات التي تلقَّيناها من جملة ما تلقَّيناها من عادات الغربيِّين ومن نُظُمهم . وكما هو الشأن الآن نحن نُقلِّد الغربيين في كثير من عاداتهم وتقاليدهم ، فلا بد من التفصيل بين ما يجوز لنا أن نأخذ عنهم وبين ما لا يجوز ؛ فانظر - مثلًا - نحن نأخذ عنهم بعض الوسائل ، هذه الوسائل إذا كانت تؤدِّي إلى غرض مشروع أو على الأقل جائز وليس فيه إحياء لمعنى التشبُّه بالكفار فهذا هو أمر جائز ، والمثال في ذلك يمكن أن نستحضر مثلَين اثنين ؛ أحدهما ثابت من حيث الرواية ، والآخر فيه ضعف .
أما الثابت فهو ما جاء في " الصحيحين " من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - في قصة خروجه - عليه السلام - مسافرًا ونزوله في مكانٍ ، فلما أصبح به الصباح وخرج لقضاء الحاجة ، فأراد المغيرة بن شعبة أن يصبَّ الوضوء على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصبَّ عليه حتى جاء الرسول - عليه السلام - إلى تشمير كمَّيه .
الشاهد : قال المغيرة : وعليه جُبَّة رومية ضيِّقة الكمَّين ، فلم يستطع من ضيقها أن يشمِّر عن ذراعيه فأخرجها وألقى الجبَّة على كتفيه ؛ حتى توضَّأ - عليه السلام - وغسل ذراعيه .
الشاهد : أنه - عليه السلام - لبس جبَّة رومية ؛ فهذا يعني أنه إذا كان هناك لباس من ألبسة الكفار تُنسب إليهم ولم يكن فيه ظاهرة التشبُّه والتقليد لهم فيجوز لِمَا يترتَّب من وراء ذلك من مصلحة الدفع ونحو ذلك .
وكذلك المثال الثاني أذكُرُه لشُهرته في السيرة وإن كان غير ثابت على الطريقة الحديثية ؛ وهي أن الرسول - عليه السلام - أمَرَهم أن ينزلوا في مكان في غير الخندق ، يمكن لما قال المنذر بن الحباب أن هذا وحي .
السائل : الحباب بن المنذر .
الشيخ : الحباب بن المنذر أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : لا ، هو الرأي . قال : إذًا ننزل في مكان آخر .
الآن أستدرك على نفسي فأقول ، لكن فيه فائدة ، هذا مروي في السيرة وغير صحيح ، لكن ليس له صلة بمثالنا ، إنما المثال هو حفر الخندق ؛ حيث قال سلمان كما رُوي عنه أنهم كانوا إذا حُوصروا في بلدٍ ما أحاطوا البلدة بالخندق ، فالرسول - عليه السلام - وافق على ذلك لِمَا فيه من مصلحة جليَّة مجرَّدة عن أي مفسدة . فبهذا النظام ... نحن أن نتلقَّى عادات الغربيين .
الآن نأتي بمثال آخر ؛ في ناس بيلبسوا جواكيت مختلفة ما في مانع ، لكن ما معنى لبس البنطلون ؟ ما معنى وضع الكرافيت ؟ لا فائدة من ذلك سوى تمثُّل عادات الغربيين والتأثُّر بتقاليدهم ؛ فإذًا يجب أن نُفرِّق بين ما ينسجم مع الإسلام ومبادئه وقواعده وبين ما ينبو وينفر عنه .
فإذًا هذه المظاهرات ليست وسيلة إسلامية تنبي عن الرضا أو عدم الرضا من الشعوب المسلمة ؛ لأن لهم وسائل أخرى باستطاعتهم أن يسلكوها ، والذي يخطر في بالي أننا في الواقع حينما نُقرُّ مثل هذه المظاهرات كأنما نتصوَّر أن المجتمع الإسلامي بعد أن يصبح فعلًا مجتمعًا إسلاميًّا سيظلُّ في نُظُمه وفي عاداته على عادة الغربيين ، سيتغيَّر كل شيء ، سوف يكون الوضع الاجتماعي في المجتمع الإسلامي في غنية عن مثل هذه المظاهرات .
وأخيرًا : الصحيح أن هذه المظاهرات تُغيِّر من نظام الحكم إذا كان القائمين مصرِّين على ذلك ؟ لا ، وكم وكم من مظاهرات قامت ووقعت وقُتِل فيها قتلى كثيرين كثيرين جدًّا ، ثم بقي الأمر على ما كان عليه قبل المظاهرات ؛ فلا نرى أن هذه وسيلة تدخل في خانة أن الأصل في الأشياء الإباحة ؛ لأنها من تقاليد الغربيين .
الشيخ : صحيح أن الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة فهي الأصل فيها الإباحة هذا لا إشكال فيه ، لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية فمن هنا تُصبح هذه الوسائل غير شرعية ، فالخروج للتَّظاهرات أو مظاهرات وإعلان عدم الرضا أو الرضا وإعلان التأييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض القوانين هذا النظام يلتقي مع الحكم الذي يقول : الحكم للشعب ، من الشعب وإلى الشعب . أما حينما يكون المجتمع إسلاميًّا فلا يحتاج الأمر إلى مظاهرات ، وإنما يحتاج إلى إقامة الحجة على الحاكم الذي يُخالف شريعة الله كما يروى ، وأنا أقول هذا " كما يُروى " إشارةً إلى بعض ما يروى ، ولكنها على كل حال تُبيِّن حقيقة معروفة من الناحية التاريخية أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما قام خطيبًا يحضُّ الناس على ترك المغالاة في المهور ، وإلى هنا الرواية صحيحة .
ومن الشاهد في الرواية الأخرى التي في سندها ضعفٌ وهي أن امرأةً قامت : يا عمر ، الأمر ليس بيدك ، إن الله - عز وجل - ذكرَ في القرآن الكريم : وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ؛ فكيف أنت تقول : لا يجوز إلا أربع مئة درهم مهرًا لبناتكنَّ ؟ فكان جواب عمر - إن صحت الرواية - : " أخطأ عمر وأصابت امرأة " .
فيكون المجتمع الإسلامي ليس بحاجة إلى هذه النُّظُم وما يترتب من ورائها من وسائل ، حينما يتحقَّق المجتمع الإسلامي يستطيع الإنسان أن يدخل ويُبلِّغ رأيه وحجَّته إلى الذي بيده الأمر أو على الأقل إلى نائبه ، وليس بحاجة إلى الظُّهور بمثل هذه التظاهرات التي تلقَّيناها من جملة ما تلقَّيناها من عادات الغربيِّين ومن نُظُمهم . وكما هو الشأن الآن نحن نُقلِّد الغربيين في كثير من عاداتهم وتقاليدهم ، فلا بد من التفصيل بين ما يجوز لنا أن نأخذ عنهم وبين ما لا يجوز ؛ فانظر - مثلًا - نحن نأخذ عنهم بعض الوسائل ، هذه الوسائل إذا كانت تؤدِّي إلى غرض مشروع أو على الأقل جائز وليس فيه إحياء لمعنى التشبُّه بالكفار فهذا هو أمر جائز ، والمثال في ذلك يمكن أن نستحضر مثلَين اثنين ؛ أحدهما ثابت من حيث الرواية ، والآخر فيه ضعف .
أما الثابت فهو ما جاء في " الصحيحين " من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - في قصة خروجه - عليه السلام - مسافرًا ونزوله في مكانٍ ، فلما أصبح به الصباح وخرج لقضاء الحاجة ، فأراد المغيرة بن شعبة أن يصبَّ الوضوء على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصبَّ عليه حتى جاء الرسول - عليه السلام - إلى تشمير كمَّيه .
الشاهد : قال المغيرة : وعليه جُبَّة رومية ضيِّقة الكمَّين ، فلم يستطع من ضيقها أن يشمِّر عن ذراعيه فأخرجها وألقى الجبَّة على كتفيه ؛ حتى توضَّأ - عليه السلام - وغسل ذراعيه .
الشاهد : أنه - عليه السلام - لبس جبَّة رومية ؛ فهذا يعني أنه إذا كان هناك لباس من ألبسة الكفار تُنسب إليهم ولم يكن فيه ظاهرة التشبُّه والتقليد لهم فيجوز لِمَا يترتَّب من وراء ذلك من مصلحة الدفع ونحو ذلك .
وكذلك المثال الثاني أذكُرُه لشُهرته في السيرة وإن كان غير ثابت على الطريقة الحديثية ؛ وهي أن الرسول - عليه السلام - أمَرَهم أن ينزلوا في مكان في غير الخندق ، يمكن لما قال المنذر بن الحباب أن هذا وحي .
السائل : الحباب بن المنذر .
الشيخ : الحباب بن المنذر أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : لا ، هو الرأي . قال : إذًا ننزل في مكان آخر .
الآن أستدرك على نفسي فأقول ، لكن فيه فائدة ، هذا مروي في السيرة وغير صحيح ، لكن ليس له صلة بمثالنا ، إنما المثال هو حفر الخندق ؛ حيث قال سلمان كما رُوي عنه أنهم كانوا إذا حُوصروا في بلدٍ ما أحاطوا البلدة بالخندق ، فالرسول - عليه السلام - وافق على ذلك لِمَا فيه من مصلحة جليَّة مجرَّدة عن أي مفسدة . فبهذا النظام ... نحن أن نتلقَّى عادات الغربيين .
الآن نأتي بمثال آخر ؛ في ناس بيلبسوا جواكيت مختلفة ما في مانع ، لكن ما معنى لبس البنطلون ؟ ما معنى وضع الكرافيت ؟ لا فائدة من ذلك سوى تمثُّل عادات الغربيين والتأثُّر بتقاليدهم ؛ فإذًا يجب أن نُفرِّق بين ما ينسجم مع الإسلام ومبادئه وقواعده وبين ما ينبو وينفر عنه .
فإذًا هذه المظاهرات ليست وسيلة إسلامية تنبي عن الرضا أو عدم الرضا من الشعوب المسلمة ؛ لأن لهم وسائل أخرى باستطاعتهم أن يسلكوها ، والذي يخطر في بالي أننا في الواقع حينما نُقرُّ مثل هذه المظاهرات كأنما نتصوَّر أن المجتمع الإسلامي بعد أن يصبح فعلًا مجتمعًا إسلاميًّا سيظلُّ في نُظُمه وفي عاداته على عادة الغربيين ، سيتغيَّر كل شيء ، سوف يكون الوضع الاجتماعي في المجتمع الإسلامي في غنية عن مثل هذه المظاهرات .
وأخيرًا : الصحيح أن هذه المظاهرات تُغيِّر من نظام الحكم إذا كان القائمين مصرِّين على ذلك ؟ لا ، وكم وكم من مظاهرات قامت ووقعت وقُتِل فيها قتلى كثيرين كثيرين جدًّا ، ثم بقي الأمر على ما كان عليه قبل المظاهرات ؛ فلا نرى أن هذه وسيلة تدخل في خانة أن الأصل في الأشياء الإباحة ؛ لأنها من تقاليد الغربيين .
الفتاوى المشابهة
- ما حكم هذه المظاهرات من قبل الشباب والشبات ؟ - الالباني
- هل إذا سمح الحاكم بالمظاهرات يعد مشروعًا؟ - الفوزان
- حكم من مات في المظاهرات - الفوزان
- من قال أن هذه المظاهرات والتجمعات اليوم تظهر في... - الفوزان
- توجيه لمن يقوم بالدعوة إلى المظاهرات - الفوزان
- هل المظاهرات لها أصل في الدين.؟ - ابن عثيمين
- المظاهرات ليست من دين الإسلام - الفوزان
- حكم المظاهرات في الشرع - ابن عثيمين
- هل المظاهرات لقصد الإعراب عن متطلبات الشعوب ال... - الالباني
- هل يجوز القيام بالمظاهرات و المسيرات السلمية ل... - الالباني
- هل يجوز القيام بالمظاهرات والمسيرات السلمية لل... - الالباني