بيان أن التنعم بنعم الله لايدل على الإسراف وأن التبذير منهي عنه في الشريعة الإسلامية ..
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ... بالإضافة إلى أنه بيّن أن المال بالنسبة للرجل الصالح نعمة من نعم الله عز وجل لكنه من ناحية أخرى يضع حدودا للتنعم بهذه النعمة بحيث لا تنقلب على صاحبها نقمة ، من ذلك مثلا ألا يسرف في استعمال هذا المال ويضعه في غير مواضعه التي شرعت لها فيقول عز وجل في بعض صفات عباد الرحمن وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وكذلك نهى عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث أن يستمر الإنسان في تنعمه بتلك النعم التي أحيط بها من ربه تنعما مستمرا لأن ذلك سيدفعه بحياة ملؤها الرخاء والترف وحينذاك مثل هذا الرجل الذي عاش في هذه الحياة المنعمة قد لا يستطيع أن يثبت أمام الحوادث وأمام المصائب فسرعان ما يخضع ويركع أمامها ، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام إياي و التنعم ، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين فقد يظن بعض الناس أن مثل هذا التوجيه النبوي الكريم ينافي بعض الآيات الصريحة في القرآن بأن للمسلم أن يتمتع بما أحل الله كمثل قوله عزوجل قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ... ، قد يظن البعض أن ذاك الحديث يخالف هذه الآية وهذه الآية تخالف ذلك الحديث ، والجواب أنه لا تخالف والحمد لله وذلك لأن الرسول عليه السلام في ذلك الحديث إنما يعني ألا يبالغ أو يستمر الإنسان في هذا التمتع للمحذور الذي أشرنا إليه آنفا ، فقوله إيّاي والتنعم أي إيّاك والتنعم والمبالغة فيه بل تارة وتارة كما ... قال بعض الصحابة " نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا " والترجل هو تسريح الشعر وتسريح الشعر من الزينة التي ذكرت في عموم الآية السابقة لكنه لا يريد للمسلم أن يجعل ديدنه الاعتناء بهندسة هندامه ومظهره لكن تارة وتارة فيترجل ويتسرّح يوم دون يوم وهكذا ، بل جاء في حديث آخر ما قد يشكل على بعض الناس أيضا ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام إن البذاذة من الإيمان يعني عدم الإعتناء بهندسة الثياب والشكل ونحو ذلك ، فيجعل تلك الهندسة هي حياته وديدنه وإنما تارة وتارة حسب ما أفاد الحديث النهي عن الترجل إلا غباً ، كل ذلك لكي يتمكن المسلم من أن ينطلق في حياته على حدود ما وصف به عباد الرحمن وكان بين ذلك قواما ، ولا يخفاكم أن وقوف الرجل في الخط الوسط بين الإسراف والتقتير ليس بالأمر اليسير خاصة من الذين كما أشرنا في مطلع كلمتنا هذه أحيطوا من الله تبارك وتعالى بالنعم الكثيرة الغزيرة ، فإذا كان من المعلوم أن من الدين النصيحة فأنا أذكّر بهذه المناسبة الطيبة بأنني رأيت في هذه البلاد وفي غيرها مثل الإمارات وغيرها أن الأمر لا ينجو عند كثير من إخواننا السلفيين فضلا عن غيرهم من الوقوع في شيء من الإسراف قد يكون تارة جليا ظاهرا وتارة يكون خفيا بسبب أن كثيرا من المتفقهين فضلا عن غيرهم قد يكونون عن ذلك النوع من الإسراف من الغافلين ، أضرب بعض الأمثلة البسيطة بالنسبة لما يخصنا نحن معشر السلفيين ، أما عامة الناس فالدعوة التي يقيمونها ثم ترمى الأطعمة التي حُضّرت لتلك الدعوة في القمامات فهذا لعلكم تعرفونه أكثر مني وهو معروف لدى جميع الناس لكني أتحدث عمّن نظن فيهم أنهم من خاصة الناس وهم إخواننا السلفيون ، فهم مثلا حينما يجلسون على الطعام لا يستعملون الأوامر الشرعية التي جاءت عن الرسول عليه السلام من حيث عدم ترك فضلات الطعام في الصحن بل أمر الرسول عليه السلام بلعق الإناء فضلا عن أنهم لا يفعلون بل يستهجنون لعق الأصابع مع أن الرسول عليه السلام قد أمر بذلك حينما قال في حديث الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا أكل أحدكم فلا يمسح أصابعه قبل أن يَلعقها أو يُلعقها ، فنعلم أن التيار الكافر الغربي يكتسح المجتمعات الإسلامية اكتساحا رهيبا جدا وبصورة خاصة البلاد التي توفر فيها المال بغزارة لا مثيل لها في البلاد الأخرى فإن هذه الوفرة في المال تساعد كما أشرنا آنفا على الإسراف وتبذير المال ، ونحن نعلم أن الله تبارك وتعالى يقول إِنَّ المُبذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ... فأصبحنا لا نحس بأننا نبذر أموالنا ونضيعها فنقع في هذا التبذير الذي هو من صفة إخوان الشياطين وليس من صفة عباد الرحمن ، بل لم يقف في الأمر كما ألمحت آنفا إلى أننا تركنا لعق الأصابع وتركنا لعق الصحون لكثرة المال بل أصبح عند الكثيرين حتى من إخواننا السلفيين ولا أزكي إلا القليل منهم أصبح هذا أمرا مستهجنا ، وفي كثير من البلاد كما لاحظت أنه توضع العلبة أو الباكيت الذي فيه الورق المسمى بورق الكلينكس توضع هذه العلبة على الطاولة أمام كل طاعم لا يكاد يأكل لقمة أو لقمتين إلا ويأخذ ورقة ويمسح أصابعه أو فمه فهذا كله إضاعة للمال ، والرسول عليه السلام يقول في بعض الأحاديث فإنه لا يدري في أي طعامه البركة هل البركة فيما أكل أم البركة فيما لحس ، هذه أمور غيبية ، إذا كنا حقيقة سلفيين نستسلم لأحكام رب العالمين ولا نُعمل عقلنا المادي وعاداتنا وأهواءنا وشهواتنا فنحن نخضع لأمر الرسول عليه السلام كما هو معروف لدى الجميع لكن كما أشرت آنفا إنما أنا مذكّر والذكرى تنفع المؤمنين فيجب أن نغتنم فرصة هذه النعمة ونقدرها حق قدرها ولا نبذرها تبذيرا ، ولعل في ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
الفتاوى المشابهة
- ما صحة حديث: ( نهى عن الترجل إلا غَبًّا ) وما... - الالباني
- هل الإسراف في العبادات أمر نسبي وأن شراء الط... - ابن عثيمين
- الإسراف في مناسبات الزواج - الفوزان
- التحذير من الإسراف والتبذير في رمضان. - ابن عثيمين
- ما هي الضوابط والقواعد التي يتوصل من خلالها كو... - الالباني
- حكم التبذير والإسراف في الولائم - ابن باز
- التحذير من الإسراف والتبذير - ابن عثيمين
- الضابط في معرفة الإسراف والتبذير - ابن باز
- الإسراف والتبذير - الفوزان
- بيان أن التنعُّم بنعم الله لا يدلُّ على الإسرا... - الالباني
- بيان أن التنعم بنعم الله لايدل على الإسراف وأن... - الالباني