تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :تقدم الكلام على قوله تعالى :  إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم و...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة . قال الله تعالى (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة )) ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
تقدم الكلام على قوله تعالى : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ، وبينا أن هذا العذاب الأليم لمن أحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وذكرنا أن هذا يتنوع إلى نوعين : عام وخاص .
وإذا كان هذا الوعيد فيمن يحب أن تشيع الفاحشة في المؤمنين فكيف بمن أشاع الفاحشة في المؤمنين ؟!
وبينا أن من إشاعة الفاحشة أو محبة إشاعتها هذه الصحف والمجلات الخليعة التي تنشر الرذيلة والفساد وأنه يجب ، ونقول الآن : إنه يجب على كل إنسان ذي عقل وذي دين أن يحذر من هذه الصحف ، وأن يتجنبها وأن لا يجعلها في البيت لما فيها من الفساد ، فساد الخلق ويتبعه فساد الدين ، لأن الأخلاق إذا فسدت فسدت الأديان نسأل الله العافية .
وأشرنا إلى أن هذه الآية الكريمة نزلت في قصة الإفك ، التي افتراها المنافقون على بنت الصديق ، على الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها ، فراشِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينا أن المنافقين أشاعوا هذا لا كراهة لعائشة ولكن كراهةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبغضٌ له ، ومحبة أن يدنس فراشه قاتلهم الله أنا يؤفكون ، ولكن الله أنزل في هذه القصة عشرَ آيات من القرآن ابتدأها بقولها : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ : والذي تولى كبره : هو رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ المنافق ، فإنه هو الذي كان يشيع الخبر .
لكنه خبيث لا يشيعه بلفظ صريح فيقول مثلاً : إن فلاناً زنى بفلانة، لكنه يشيعه بقوله : يُذكر، يُقال، يقولون، وما أشبه ذلك، لأن المنافقين يتسترون ، جبناء لا يصرحون بما في نفوسهم، فيقول عز وجل : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ : يعني يوبخهم الله عز وجل ، الذين تكلموا في هذا الأمر، يقول : هلا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ، وذلك أن أم المؤمنين أمهم فكيف يظنون بها ما لا يليق بها رضي الله عنها ؟! وكان الواجب عليهم لما سمعوا هذا الخبر ظنوا بأنفسهم خيراً وتبرؤوا منه وممن قاله.
لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ : يعني هلا جاءوا عليه بأربعة شهداء يشهدون على هذا الأمر.
فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ : ولو صدقوا، ولهذا لو أن شخصاً شاهد إنساناً يزني، وجاء إلى القاضي وقال أنا أشهد أن فلاناً يزني، قلنا: هات أربعة شهداء، فإذا لم يأت بأربعة شهداء جلدناه ثمانين جلدة، فإن جاء برجل ثان معه جلدناهم كل واحد ثمانين جلدة، وثالث نجلدهم كل واحد ثمانين جلدة.
يعني لو جاءنا ثلاثة يشهدون بأنهم رأوا فلانا يزني بفلانة، ولم يثبت ذلك، فإننا نجلد كل واحد ثمانين جلدة، ولهذا قال : لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ،
لولا الفضل والرحمة من الله لأصابكم فيما أفضتم فيه ، وفي قوله : أَفَضْتُمْ فِيهِ : دليل على أن الحديث انتشر وفاض واستفاض واشتهر لأنه أمر جلل عظيم خطير، والعادة تجري أن الأمور الكبيرة تنتشر بسرعة وتملأ البيوت، تملأ الأفواه والآذان ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ .
تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ : من غير رَوِيهّ، ومن غير بينة، ومن غير يقين،
وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ : عند الله عظيم لماذا؟ لأنه قذف لأطهر امرأة على وجه الأرض، هي وصاحباتها زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأمر صعب وعظيم .
وفيه أيضاً من عظمه أن فيه تدنيسا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ : فإذا كان عائشة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل هذا الأمر منها وحاشاها منه ، فإن ذلك يدل على خبث زوجها والعياذ بالله، لأن الخبيثات للخبيثين، ولكنها رضي الله عنها طيبة وزوجها طيب، زوجها محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
وهنا يقول تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عظيم ، وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يعني: هلا إذ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، هذا الواجب عليكم أن تنزهو الله أن يقع مثلُ هذا ، ولهذا قال: سُبْحَانَكَ ، وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ :
وتأمل كيف جاءت هذه الكلمة التي تتضمن تنزيه الله عز وجل، إذ أنه لا يليق بحكمة الله ورحمته وفضله وإحسانه أن يقع مثلُ هذا من زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ *يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني : لا تعودوا لمثل هذا أبداً إن كنتم مؤمنين ، وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، والحمد لله على بيانه، ولهذا أجمع العلماء على أن من رمى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بما جاء في حديث الإفك فإنه كافر مرتد، كافر ، كالذي يسجد للصنم، فإن تاب وأكذب نفسه وإلا قتل كافراً، لأنه كذب القرآن، مع أن الصحيح أن من رمى زوجة من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فإنه كافر، لأنه منتقص لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كلُّ من رمى زوجة من زوجات الرسول بما برّأ الله منه عائشة ، فإنه يكون كافر مرتداً، يجب أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل بالسيف، وألقيت جيفته في حفرة من الأرض، بدون تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة، لأن الأمر خطير.
ثم قال عز وجل : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ :
وسبق في درس أمس أن الذين تورطوا في هذا من الصحابة ثلاثة : حسان بن ثابت رضي الله عنه، ومِسطح بن أُثاثة، وهو ابن خالة أبي بكر، والثالث : وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش، وزينب بنت جحش زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام وضَرة عائشة، ومع ذلك حماها الله، لكن أختها تورطت، ولما أنزل الله براءتها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحدّ هؤلاء الثلاثة حدَّ القذف، فجلدوا على ثمانين جلدة كل الثلاثة ، مسطح ، حسان ، وحمنة ، أما المنافقون فلم يقم عليهم الحد، واختلف العلماء لماذا ؟
فقيل : لأن المنافقين لا يصرحون ، وإنما يقولون: يُقال، يُذكر سمعنا، وما أشبه ذلك.
وقيل : لأن المنافق ليس أهلاً للتطهير، الحد طهرة للمحدود، يطهره وهؤلاء المنافقون ليسوا بأهلا للتطهير، ولهذا لم يجلدهم الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه لو جلدهم لطهرهم من موبق هذا الشي، لكنهم ليسوا أهلاً للتطهير، لأنهم في الدرك الأسفل من النار، فتركهم وذنوبهم، وليس فيهم خير، وقيل غير ذلك في الأسباب .
على كل حال إن هذه القصة قصة عظيمة ، فيها عِبر ولولا ضيق الوقت لتكلمنا على أشياء كثيرة مما تتضمنه هذه الآيات ، فالحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ، رواه مسلم " .

Webiste