التسيير والتخيير في ضوء الكتاب والسنة
اللجنة الدائمة
فتوى رقم ( 4657 ):
س: مضمونه أن نقاشًا دار بين جماعتين في أن الإِنسان مسير أو مخير ويطلب الإِفادة على الصواب في ذلك على ضوء الكتاب والسنة؟
ج: أولاً: ثبت أن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير. وقد دل على ذلك وما في معناه نصوص الكتاب والسنة، وهي كثيرة معروفة عند أهل العلم، ومن طلبها من القرآن ودواوين السنة وجدها، من ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وقوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وقوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وقوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ، وقوله: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وقوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، وقوله: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ، وقوله: وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا الآية.
ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حث على الذكر به عقب الصلاة من قول: لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، وكذا ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه من سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: الإِيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ، فهذه النصوص وما في معناها تدل على كمال علمه تعالى بما كان وما هو كائن على تقديره كل شؤون خلقه، وعلى عموم مشيئته وقدرته، ما شاءه سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن. ثانيًا: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، رحيم بعباده، وأنه تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب وشرع الشرائع وأمر كلاًّ منهم أن يبلغها أمته، وأنه تعالى لم يكلف أحدًا إلاَّ وسعه، رحمة منه وفضلاً، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ، وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع، ومن لم تبلغه الدعوة حتى تبلغه، رحمة منه تعالى وإحسانًا.
وثبت عقلاً وشرعًا الفرق بين حركة الصاعد على سلّم مثلاً والساقط من سطح مثلاً، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضي إلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أو نهي، وثبت الفرق أيضًا بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعًا ولا عقلاً أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطرًا إليها، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثاني فقد يحمد كما في حركات العبادات الشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهم دليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم. ثم إن الله تعالى حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجئون وعليه مكرهون. وإذًا فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم
النافذ من عقائد الإِيمان الثابتة التي يجب الإِذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإِنسان لإِدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه سبحانه هو العلي القدير الحكيم الخبير، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال لهم: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له . روى البخاري من طرق عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال: اعملوا، فكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ، إلى قوله تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ، ورواه أيضًا مسلم وأصحاب السنن. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
س: مضمونه أن نقاشًا دار بين جماعتين في أن الإِنسان مسير أو مخير ويطلب الإِفادة على الصواب في ذلك على ضوء الكتاب والسنة؟
ج: أولاً: ثبت أن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير. وقد دل على ذلك وما في معناه نصوص الكتاب والسنة، وهي كثيرة معروفة عند أهل العلم، ومن طلبها من القرآن ودواوين السنة وجدها، من ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وقوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وقوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وقوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ، وقوله: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وقوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، وقوله: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ، وقوله: وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا الآية.
ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حث على الذكر به عقب الصلاة من قول: لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، وكذا ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه من سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: الإِيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ، فهذه النصوص وما في معناها تدل على كمال علمه تعالى بما كان وما هو كائن على تقديره كل شؤون خلقه، وعلى عموم مشيئته وقدرته، ما شاءه سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن. ثانيًا: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، رحيم بعباده، وأنه تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب وشرع الشرائع وأمر كلاًّ منهم أن يبلغها أمته، وأنه تعالى لم يكلف أحدًا إلاَّ وسعه، رحمة منه وفضلاً، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ، وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع، ومن لم تبلغه الدعوة حتى تبلغه، رحمة منه تعالى وإحسانًا.
وثبت عقلاً وشرعًا الفرق بين حركة الصاعد على سلّم مثلاً والساقط من سطح مثلاً، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضي إلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أو نهي، وثبت الفرق أيضًا بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعًا ولا عقلاً أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطرًا إليها، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثاني فقد يحمد كما في حركات العبادات الشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهم دليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم. ثم إن الله تعالى حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجئون وعليه مكرهون. وإذًا فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم
النافذ من عقائد الإِيمان الثابتة التي يجب الإِذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإِنسان لإِدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه سبحانه هو العلي القدير الحكيم الخبير، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال لهم: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له . روى البخاري من طرق عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال: اعملوا، فكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ، إلى قوله تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ، ورواه أيضًا مسلم وأصحاب السنن. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
الفتاوى المشابهة
- ضرورة التلقي من الكتاب والسنة على ضوء فهم السل... - الالباني
- كلمة من الشيخ في ضرورة تلقي الكتاب والسنة على... - الالباني
- نصيحة الشيخ بضرورة تلقي الكتاب والسنة على ضوء... - الالباني
- ما عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر؟ - ابن باز
- شرح قول المصنف : باب ما جاء في منكري القدر و... - ابن عثيمين
- الدعوة إلى الله في ضوء السنة النبوية - اللجنة الدائمة
- هل المراد بهذه الآية التخيير ؟ - ابن عثيمين
- موقف الفرق من صفة العلوِّ لله - تبارك وتعالى -... - الالباني
- وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره والإنسان ب... - اللجنة الدائمة
- تسيير العبد وتخييره - ابن باز
- التسيير والتخيير في ضوء الكتاب والسنة - اللجنة الدائمة