فائدة : بيان قد يتسائل شخص كيف يحاسب ويوم الحساب لم يأت بعد ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : بعد هذا أريد أن ألفت النظر إلى مسألة قد تخطر في بال بعض الناس ، فقد يتساءل البعض في الحديث هنا : حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم فقد يرد السؤال : هل وقع الحساب ؟ يوم الحساب : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، فكيف جاء في الحديث هنا : حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم ولم يجد في صفحته إلى آخر الحديث ؟ فهل قامت القيامة وهل وضع الميزان بالقسط وحوسب الناس وتبيَّن أن الناس فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير ؟ طبعًا الجواب لا لا قامت القيامة ، ولا حوسب الناس ، فكيف يقول أصدق الناس : حُوسِبَ رجل ممَّن كان قبلكم ؟ الجواب على هذا جوابان : أحدهما أن يكون قوله - عليه السلام - هنا : حُوسِبَ كقوله - عز وجل - : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ يعني قامت الساعة ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ترقّبوا الساعة ، يقول علماء البلاغة : " أن هذا معناه الإخبار بلسان الماضي عن أمر لما يقع وسيقع قريبًا تحقيقًا لوقوعه " هذا أسلوب في اللغة العربية ، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ : يعني سيقع كما لو أنه وقع فعلًا وصار في خبر ماضي ، هذا : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ . كذلك على هذا الميزان قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - : حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم يعني سيحاسب قريبًا وسريعا وسيوجد في صحيفته لا شيء من الحسنات إلا الإيمان إلى آخره فيقول الله - عز وجل - هو إن نجاوز عن عبادي فأنا أحق بالتجاوز عنه تجاوزوا عنه ، هذا الجواب الأول .والجواب الآخر : وهو الأظهر والأقرب : أن هذا وقع فعلًا لأن الأصل في كل جملة عربية لا سيما إذا كانت قرآنًا أو حديثًا نبويًا أن تفسر على ظاهرها فلا نقول : حوسب بمعنى سيحاسب بخلاف الآية السابقة ، حين قال : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ لا بد من تأويل أَتَى بمعنى يأتي قريبًا ، ليه ؟ لأن الله - عز وجل - أتبع قوله : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ بقوله : فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ فجملة فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ معناه أن هذا الأمر لم يأت بعد لكنه سيأتي قريبًا فلا تستعجلوا الطلب ... لأنه آتيكم قريبًا ، القصد أن في الآية جملة تؤكد أن أتى هنا على اعتباره فعلًا ماضيًا على غير بابه ، أي سيأتي لأنه قال : فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ، وإلا لو كان أتى بمعنى أتى فعلًا فما معنى فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ؟ قد يقول : فذوقوه ، فهذه الجملة كانت قرينة تفسير أتى بما سيأتي ، أما هنا حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم فليس هناك قرينة ؛ لذلك الراجح أن يفسَّر الحديث على ظاهره ، وهذا هو المعنى الثالث : حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم ؛ أي : فعلًا حُوسِبَ ، يعني عجّل له حسابه ، والله - عز وجل - على كل شيء قدير ، ولا فرق عنده أبدًا بين التعجيل بالحساب والتأني به والتأخير إلى يوم الحساب ، كله سواء عنده - عز وجل - فحاسب هذا الرجل لتظهر فائدة ونتيجة محاسبة الله لبعض عباده مع أنهم كانوا من الجناة والعصاة وإنما عفا الله عنهم لخصلة أو لخلق كان بهم ، عجّل الله - عز وجل - حساب هذا الإنسان لهذه الحكمة أو لغيرها مما قد يفهمه بعض الناس ولا يفهمه البعض الآخر .
الفتاوى المشابهة
- هل يحاسب المسلم عما يسره في نفسه .؟ - ابن عثيمين
- هل يحاسب المسلم على ما حدَّثت به نفسه ؟ - الالباني
- فوائد حديث : ( ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا... - ابن عثيمين
- ذكرتم وفقكم الله، أن المسلم لا يحاسب عما يأك... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : ويحاسب الله الخلائق - ابن عثيمين
- ما الدليل على أن الله يحاسب الناس في يوم .؟ - ابن عثيمين
- تتمة شرح حديث : ( حوسب رجل ممن كان قبلكم ... ) . - الالباني
- تفسير قوله تعالى: (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) - ابن عثيمين
- إشكال في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( حُوسِ... - الالباني
- إشكال في قوله صلى الله عليه وسلم " حوسب رجل "... - الالباني
- فائدة : بيان قد يتسائل شخص كيف يحاسب ويوم الحس... - الالباني