بيان حرمة التدين بالتقليد ، لا التقليد نفسه.
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : إنَّما نحرِّم شيئًا نعبِّر عنه بالتدين بالتقليد ، لا نحرِّم التقليد ، بل هو أمر لا ينجو منه أهل العلم فضلًا عن غيرهم ، وإنما نحرِّم التديُّن بالتقليد ، ما معنى التديُّن بالتقليد ؟ أي : أن نجعل تقليد إمام من أئمَّة المسلمين دينا نعبد الله به ، ولا نقدِّر أئمة المسلمين الآخرين ولا نستفيد من علمهم شيئا ، لا ممَّا روَوا لنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحاديث صحيحة ، ولا ما حدَّثونا به من آثار عن الصَّحابة ثابتة ، ولا بما أفادونا إيَّاه من استنباطات ثابتة أيضا استنبطوها من كتاب الله وحديث ، لا نستفيد إلا من هذا الإمام الواحد ، وبفقهه وعلمه فقط نتديَّن ونتقرَّب إلى الله ، هذا التديُّن بهذا التقليد هذا الذي نحرِّمه ، لماذا ؟ لأن هذا أوَّلًا معناه أنه أعني هذا المقلِّد أو ذاك يخصُّ هذا المقلَّد بما لا يخصُّ به الأئمة الآخرين ، وهذا تعصُّبٌ يؤدِّي إلى افتتان المقلِّدين بالمُقلَّدين من العلم ، وحينئذٍ يرد عليهم ما ذكرَه الله عز وجل في بعض الأمم الذين كانوا من قبلنا ألا وهم النَّصارى حين قال ربُّنا عز وجل في حقِّهم : اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله من صفة الرَّبِّ التي لا يجوز لأحدٍ أو من خصوصيَّات الرَّبِّ التي لا يجوز لأحدٍ أن يُشاركه فيها أن له حقَّ التشريع المتضمِّن للتحليل والتحريم ، فليس لأحدٍ من أهل الأرض حتى الملائكة المقرَّبين أن يحرِّموا ويحلِّلوا لأحدٍ إلا وحيا من الله تبارك وتعالى ينقلونه إلى المُصطَفين من الأنبياء والرسل الأخيار.
النصارى خالفوا هذا النهج ، وأعطوا ما كان من خصوصيَّات الله من حقِّ التشريع نقلوه لبعض قسِّيسيهم ورهبانهم وعلمائهم ، فكانوا إذا حرَّموا لهم شيئاً حرَّموه خضعوا ، وإذا أحلَّوا لهم شيئاً أحلُّوه ، وقد أشكلت هذه الآية على بعض أصحاب الرسول عليه السلام حينما نزلت ، وكان هو من العرب الأقلَّاء الذين تنصَّروا في الجاهلية ، لأنَّكم تعلمون أن العرب أمة أمية كما جاء في الحديث الصحيح ، فما كانوا أهل كتاب لكن بعض الأفراد منهم ممن أوتوا نباهةً وفطنةً تبيَّنت لهم أن أحوال قومهم العرب وثنيَّة محضة ، ووجدوا أن في دين النصارى شيء من العلم والثقافة فتنصَّر بعضهم ، كان من هؤلاء عديُّ بن حاتم الطائي، - حاتم الطائي المشهور بكرمه في العرب - ، تنصَّر في الجاهلية ، فلما جاء الله عز وجل بالإسلام على يد محمَّد عليه الصلاة والسلام أسلم وآمن به في قصة مرويَّة في * مسند الإمام أحمد * وغيره ، لما أسلم كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم يتلقَّى العلم منه ، لأنه عرف أن ما كان عليه من دين النصارى كان فيه انحراف كبير وكثير ، لما نزلت هذه الآية ما فهم المقصد منها ، قال : يا رسول الله ! ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله لأنه فهم كما يفهم كثير من الناس حتى اليوم أن معنى ذلك أن يقولوا : أنّ فلان خالق مع الله وفلان خالق مع الله هذا الكفر الذي اصطلح على تسميته بعض المحقِّقين من أهل العلم بكفر الربوبيَّة ، يُقابله توحيد الربوبيَّة ، ليس هذا هو المقصود في الآية ، خلافًا لما تبادر إلى ذهن عديِّ بن حاتم الطائي ، ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله ! ، فبيَّن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق السُّؤال والجواب ، ومنه تعلمنا نحن بعض أساليبنا في مناقشتنا لبعض الناس ، نسأله لنأخذ الجواب منه ، قال عليه السلام : ألستم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ؟ إذا حرَّموا لكم حلالًا معروف عندكم أنَّه حلال ، لكن القسِّيس والراهب حرَّمه لكم ألستم كنتم تتبعونه ؟ قال : لا والعكس بالعكس ، أي : إذا حلَّل لكم حرامًا ألستم كنتم تحلِّلونه ؟! قال : بلى . قال عليه السلام : فذاك اتِّخاذكم إيَّاهم أربابًا من دون الله ، فالمقلِّد اليوم الذي تقول له : قال الله قال رسول الله فيُجابهك بقوله : هذا خلاف مذهبي
أئمة آخرين قد يكونون أعلى منه علمًا ومقامًا ، وهم على الأقل مثله في ذلك ، لكن معهم كتاب الله وحديث رسول الله ، فلا يُعرِّجوا على كلِّ ذلك ، لماذا ؟ لأنه تديَّن بالتقليد ، هذا التديُّن بالتقليد هذا الذي نحن معشرَ أهل السنة ، معشرَ أهل الحديث ، معشرَ أنصار السنة ، معشرَ السلفيين هذا الذي نحن ننكره ، لا ننكر على عامة الناس أن يُقلِّدوا ، لكن من الذين يُقلِّدون ؟ من هم المُقلَّدون لديهم ؟ هم الذين يقولون : قال الله قال رسول الله ، لا يجب عليهم بل لا يجوز لهم أن يُقلِّدوا من قال لهم هذا حرام ، ليه ؟ شو بعرفك أنت ؟ هيك النَّص هيك الفقه هيك الإمام قال هيك شيخي، هذا هو تطبيق حديث للضَّلال القديم اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله فنحن نريد من عامة المسلمين من عموم المسلمين عامَّتهم وخاصَّتهم ، الخاصَّة يقومون بواجب العلم الصحيح المستنبط من الكتاب والسًّنَّة ، العامَّة أن يسألوا أهل الذِّكر كم قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
إذن نحن لا نقول بهذه الرواية التي جاء السؤال عنها ، ولا أدري لها أصلًا أيضًا ، لا نحرِّم التقليد ولا نُوجب التقليد ، إنما نُوجب أن نكون عند أمر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين على بصيرة أنا ومن اتبعني فنحن ندعو كل المسلمين خاصَّتهم وعامَّتهم أن يكونوا على بصيرة من دينهم، لكن الطريق يختلف، الخاصَّة يكونون على بصيرة من دينهم بدون واسطة السؤال لغيرهم ، وإنما بالرجوع إلى كتاب الله وحديث رسول الله حينما يكونون أهلًا لذلك ، العامة بواسطة سؤالهم لهؤلاء، وحينذاك تتحقَّق البصيرة للأمة كلها.
ويجب أن نعلم أن أثر هذا التوجيه وهذه البصيرة التي ندعو المسلمين- كما قلنا نكرِّر - عامَّتهم وخاصَّتهم أن يكونوا عليها أنَّنا بذلك نغلق باب التدجيل أن ينطلي على بعض المسلمين ، لأن هؤلاء قد تسلَّحوا بقال الله وقال رسول الله ، فإذا جاءهم أحد الدَّجَّالين ليقول لهم قولًا ما سبقه أحد من العلماء السابقين السالفين ، ولا له دليل من كتاب الله ولا من حديث رسول الله ، فهذه البصيرة تدفع أهل البصيرة أن يُجابهوا هؤلاء بقولهم : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وسوف لا يستطيعون أن يُثبتوا أنهم من الصادقين، بل حين يعجزون عن الإتيان بالبرهان يثبتون لأنفسهم أنهم من الكاذبين، غيره .
السائل : السائل السابق يزعم أن هذا رواه أبو يعلى في ترجمة أحمد بن جعفر بن يعقوب الفارسي الصفدي عن الإمام أحمد ... زعم.
الشيخ : يراجع لأن ليس كل ما يذكر في ترجمة إمام من أئمة المسلمين معنى ذلك أن الرواية صحيحة، غيره .
النصارى خالفوا هذا النهج ، وأعطوا ما كان من خصوصيَّات الله من حقِّ التشريع نقلوه لبعض قسِّيسيهم ورهبانهم وعلمائهم ، فكانوا إذا حرَّموا لهم شيئاً حرَّموه خضعوا ، وإذا أحلَّوا لهم شيئاً أحلُّوه ، وقد أشكلت هذه الآية على بعض أصحاب الرسول عليه السلام حينما نزلت ، وكان هو من العرب الأقلَّاء الذين تنصَّروا في الجاهلية ، لأنَّكم تعلمون أن العرب أمة أمية كما جاء في الحديث الصحيح ، فما كانوا أهل كتاب لكن بعض الأفراد منهم ممن أوتوا نباهةً وفطنةً تبيَّنت لهم أن أحوال قومهم العرب وثنيَّة محضة ، ووجدوا أن في دين النصارى شيء من العلم والثقافة فتنصَّر بعضهم ، كان من هؤلاء عديُّ بن حاتم الطائي، - حاتم الطائي المشهور بكرمه في العرب - ، تنصَّر في الجاهلية ، فلما جاء الله عز وجل بالإسلام على يد محمَّد عليه الصلاة والسلام أسلم وآمن به في قصة مرويَّة في * مسند الإمام أحمد * وغيره ، لما أسلم كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم يتلقَّى العلم منه ، لأنه عرف أن ما كان عليه من دين النصارى كان فيه انحراف كبير وكثير ، لما نزلت هذه الآية ما فهم المقصد منها ، قال : يا رسول الله ! ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله لأنه فهم كما يفهم كثير من الناس حتى اليوم أن معنى ذلك أن يقولوا : أنّ فلان خالق مع الله وفلان خالق مع الله هذا الكفر الذي اصطلح على تسميته بعض المحقِّقين من أهل العلم بكفر الربوبيَّة ، يُقابله توحيد الربوبيَّة ، ليس هذا هو المقصود في الآية ، خلافًا لما تبادر إلى ذهن عديِّ بن حاتم الطائي ، ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله ! ، فبيَّن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق السُّؤال والجواب ، ومنه تعلمنا نحن بعض أساليبنا في مناقشتنا لبعض الناس ، نسأله لنأخذ الجواب منه ، قال عليه السلام : ألستم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ؟ إذا حرَّموا لكم حلالًا معروف عندكم أنَّه حلال ، لكن القسِّيس والراهب حرَّمه لكم ألستم كنتم تتبعونه ؟ قال : لا والعكس بالعكس ، أي : إذا حلَّل لكم حرامًا ألستم كنتم تحلِّلونه ؟! قال : بلى . قال عليه السلام : فذاك اتِّخاذكم إيَّاهم أربابًا من دون الله ، فالمقلِّد اليوم الذي تقول له : قال الله قال رسول الله فيُجابهك بقوله : هذا خلاف مذهبي
أئمة آخرين قد يكونون أعلى منه علمًا ومقامًا ، وهم على الأقل مثله في ذلك ، لكن معهم كتاب الله وحديث رسول الله ، فلا يُعرِّجوا على كلِّ ذلك ، لماذا ؟ لأنه تديَّن بالتقليد ، هذا التديُّن بالتقليد هذا الذي نحن معشرَ أهل السنة ، معشرَ أهل الحديث ، معشرَ أنصار السنة ، معشرَ السلفيين هذا الذي نحن ننكره ، لا ننكر على عامة الناس أن يُقلِّدوا ، لكن من الذين يُقلِّدون ؟ من هم المُقلَّدون لديهم ؟ هم الذين يقولون : قال الله قال رسول الله ، لا يجب عليهم بل لا يجوز لهم أن يُقلِّدوا من قال لهم هذا حرام ، ليه ؟ شو بعرفك أنت ؟ هيك النَّص هيك الفقه هيك الإمام قال هيك شيخي، هذا هو تطبيق حديث للضَّلال القديم اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله فنحن نريد من عامة المسلمين من عموم المسلمين عامَّتهم وخاصَّتهم ، الخاصَّة يقومون بواجب العلم الصحيح المستنبط من الكتاب والسًّنَّة ، العامَّة أن يسألوا أهل الذِّكر كم قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
إذن نحن لا نقول بهذه الرواية التي جاء السؤال عنها ، ولا أدري لها أصلًا أيضًا ، لا نحرِّم التقليد ولا نُوجب التقليد ، إنما نُوجب أن نكون عند أمر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين على بصيرة أنا ومن اتبعني فنحن ندعو كل المسلمين خاصَّتهم وعامَّتهم أن يكونوا على بصيرة من دينهم، لكن الطريق يختلف، الخاصَّة يكونون على بصيرة من دينهم بدون واسطة السؤال لغيرهم ، وإنما بالرجوع إلى كتاب الله وحديث رسول الله حينما يكونون أهلًا لذلك ، العامة بواسطة سؤالهم لهؤلاء، وحينذاك تتحقَّق البصيرة للأمة كلها.
ويجب أن نعلم أن أثر هذا التوجيه وهذه البصيرة التي ندعو المسلمين- كما قلنا نكرِّر - عامَّتهم وخاصَّتهم أن يكونوا عليها أنَّنا بذلك نغلق باب التدجيل أن ينطلي على بعض المسلمين ، لأن هؤلاء قد تسلَّحوا بقال الله وقال رسول الله ، فإذا جاءهم أحد الدَّجَّالين ليقول لهم قولًا ما سبقه أحد من العلماء السابقين السالفين ، ولا له دليل من كتاب الله ولا من حديث رسول الله ، فهذه البصيرة تدفع أهل البصيرة أن يُجابهوا هؤلاء بقولهم : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وسوف لا يستطيعون أن يُثبتوا أنهم من الصادقين، بل حين يعجزون عن الإتيان بالبرهان يثبتون لأنفسهم أنهم من الكاذبين، غيره .
السائل : السائل السابق يزعم أن هذا رواه أبو يعلى في ترجمة أحمد بن جعفر بن يعقوب الفارسي الصفدي عن الإمام أحمد ... زعم.
الشيخ : يراجع لأن ليس كل ما يذكر في ترجمة إمام من أئمة المسلمين معنى ذلك أن الرواية صحيحة، غيره .
الفتاوى المشابهة
- التقليد لا يحرم مطلقا - الفوزان
- ما معنى قول الإمام الأحمد : " ومَن زعم أنه لا... - الالباني
- ما معنى التقليد ؟ - الالباني
- ما حكم تقليد علماء الحديث ، وهل هذا من التقليد... - الالباني
- الكلام على حكم التقليد - الالباني
- التقليد والاتباع . - الالباني
- بعض السلفيين يكثرون في كتاباتهم من قول " قال ش... - الالباني
- بيان أن التقليد ليس دينًا . - الالباني
- ما معنى قول الإمام أحمد في مقولة ما معناها أنه... - الالباني
- بيان أنَّ التقليد ليس علمًا والدليل عليه . - الالباني
- بيان حرمة التدين بالتقليد ، لا التقليد نفسه. - الالباني