تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بِمَ يبدأ بها مَن يريد أن يتعلم الحديث ؟ وما ه... - الالبانيالسائل : يقول : ما هي الأشياء التي يبدأ بها من يريد أن يتعلم الحديث ؟ وما هي الكتب التي يمكن البدء بها ، أثابكم الله ؟الشيخ : لقد تكرَّر مثل هذا السؤال ...
العالم
طريقة البحث
بِمَ يبدأ بها مَن يريد أن يتعلم الحديث ؟ وما هي الكتب التي يمكن البدء بها ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : يقول : ما هي الأشياء التي يبدأ بها من يريد أن يتعلم الحديث ؟ وما هي الكتب التي يمكن البدء بها ، أثابكم الله ؟

الشيخ : لقد تكرَّر مثل هذا السؤال في كل منزل نزلناه ، فالجواب يكون بالإيجاز التالي :
إن كان يريد أن يدرس علم مصطلح الحديث فعليه أن يبدأ بكتاب " الباعث الحثيث =
-- يهديكم الله ويصلح بالكم --
= " الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث " ، الشرح للشيخ أحمد شاكر القاضي المصري - رحمه الله - ، وهو كان من نوابغ علماء الحديث في العصر الحاضر ، والمتن المشروح " اختصار علوم الحديث " للحافظ ابن كثير الدمشقي ، اختصر به " مقدِّمة علوم الحديث " لابن الصلاح ، فهذا الكتاب هو الذي يحسن بالمبتدي في هذا العلم أن يبدأ به ، ثم من بعده يُشغل نفسه وفراغه بـ " شرح النخبة " للحافظ بن حجر العسقلاني ، فإن هذا الحافظ مشهود له بأنه كان أمير المؤمنين في الحديث في زمانه ، واستمرَّت له مثل هذه الإمارة إلى يومنا هذا ؛ حيث لم يأتِ أحدٌ من بعده يخلفه في هذا العلم والإحاطة به علمًا وتفويقًا ؛ فإن كثيرًا من العلماء في مختلف الفنون والعلوم تكون دراساتهم في الغالب نظرية غير عملية ، كالذين يقرؤون - مثلًا - كتب أصول الفقه ، ولكنهم لا يستفيدون من هذا العلم شيئًا ؛ لأنه لا يطبِّقونه على المسائل الفقهية التي يجدون العلماء مختلفين فيها ، فتبقى علمهم يبقى علمهم نظريًّا لا يفيدهم كما ذكرنا شيئًا ، أما الحافظ بن حجر - رحمه الله - فقد جمع العلوم فكرًا وتطبيقًا عمليًّا ، ولذلك فشرحه المسمَّى بـ " شرح النخبة " هو من أجمع مع لطافة حجمه من أجمع كتب علم المصطلح ومن أدقِّها فهمًا ، فإذا عُني طالب العلم بهذا - الكتيِّب صغير جدًّا - فقد جمع أصول هذا العلم ، وعليه بعد ذلك أن يتمرَّن على تطبيق ما درس من هذا علم المصطلح ، فلا بد أن يستمر في الصعود بقراءة ما أُلِّفَ في هذا المجال من التآليف القديمة ، ثم يُشغل بادئ ذي بدء نفسه في قراءة بعض كتب الرجال ، ويُقترح ويُستحسن أن تكون بداءته هذه بكتاب " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " للإمام ... الحافظ الذهبي الدمشقي ، وهو في هذا الكتاب يتكلَّم عن جملة ... جدًّا من الرواة الذين تكلَّم فيهم بعض الأئمة المتقدمين بكلام فيه تضعيف هذا المُترجم ، وقد يكون تضعيفه صوابًا وقد يكون خطأً ، الحافظ الذهبي في هذا الكتاب يبيِّن ما يراه هو صوابًا من حيث ترجيح النقد الذي صيغَ فيه أو ترجيح التوثيق .
وهذا الكتاب " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " ليس مختصًّا في طائفة من الرجال ، وإنما ألمَّ بكثير ممَّن ذُكر له حديث في الكتب الستة ولآخرين لم يُروَ لهم في هذه الكتب وإنما في غيرها ، فهو كتاب جامع لأنواع من الرواة ، وفيه بيان أسلوب نقد المحدِّثين لبعض هؤلاء الرواة ، وبيان نماذج من أحاديثهم التي روَوْها واستُنكرت عليهم ، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأحاديث سبب الطعن فيهم ، وسببًا لتضعيفه ، فيتمرَّن قارئ هذا الكتاب على طريقة علماء الحديث في تجريح الرواة ؛ بحيث يصبح هذا العلم علمًا منطقيًّا معقولَ المعنى وليس علمًا يُسلم به لهم تسليمًا ، ويضم في أول ما يبدأ في كتب الرجال إلى هذا الكتاب كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني المسمَّى بـ " تقريب التهذيب " ، وهذا حقًّا اسم على مسمَّى " تقريب التهذيب " ؛ ذلك لأن " التهذيب " الذي لخَّصه لهذا " التقريب " قد تكون ترجمة كثير من الرواة فيه مطولة جدًّا ، فتكون في بعض التراجم الأقوال المذكورة فيها متضاربة كل التضارب ، وبخاصَّة في ذهن مَن لا علم عنده في علم الجرح والتعديل ، فيحار إلى ماذا يميل من هذه الأقوال التي بعضُها توثيق لهذا المُترجَم وبعضها تضعيف ، فالحافظ في " تقريبه " يقرِّب للمبتدي هذا الأمر الصَّعب بكلمة واحدة ، وهو في ذلك يلتزم علمًا من علوم مصطلح الحديث ؛ ألا وهو قاعدة : الجرح مقدَّم على التعديل بشروطه المعروفة في المصطلح ، وهكذا يمشي هذا المبتدي في هذا النَّوع من العلم حتى يعلو بالرجوع إلى أصول هذه الكتب المختصرة ممَّا ألَّفها علماء الحديث القدامى ؛ كالحاكم أبي عبد الله النيسابوري ، والخطيب البغدادي ، ونحو ذلك ؛ فإنهم هم الذين ألَّفوا وأسَّسوا لهذا العلم ، ثم الذين جاؤوا من بعدهم ما كان منهم إلا أن جمعوا أقوال أولئك وحرَّروا ما استطاعوا التحرير ، هذا كلمة موجزة بالنسبة لهذا السؤال فيما يتعلق بعلم المصطلح .
وهناك بعض الكتب التي تتعلق بمتون الأحاديث النبوية ، وهي متون مستخرجة من الكتب الستة ، وأحيانًا من غيرها - أيضًا - ؛ ككتاب الحافظ بن حجر العسقلاني الذي ألَّفه في جمع الأحاديث أحاديث الأحكام ، وشرحه بعض العلماء منهم الصنعاني الذي سمَّى شرحه بـ " سبل السلام شرح بلوغ المرام من أحاديث الأحكام " للحافظ ابن حجر العسقلاني ، البلوغ هذا - " بلوغ المرام من أحاديث الأحكام " - هو كتيَّب مفسَّر صغير جمع فيه أكثر أحاديث الأحكام ، ومن مزيَّته أنه إذا أوردَ حديثًا من السنن وغيرها ، وكان فيه شيء من الضعف بيَّنه ، وبذلك يكون قارئ هذا الكتاب على بصيرةٍ من بعض الأحاديث الضَّعيفة التي قد تكون مشتهرةً على الألسن ، وخير من كتاب الحافظ هذا كتاب لابن دقيق العيد اسمه " الإلمام بأحاديث الأحكام " ، وهو مطبوع في دمشق الشام قديمًا ، وعلَّق عليه بعض إخواننا من طلبة العلم اسمه " سعيد المولوي " ، فكتاب ... هذا خير من سابقه ؛ لأنه لم يذكر فيه إلا ما صحَّ عنده ، ولم يُشغل بالَ طالب العلم بإيراد بعض الأحاديث الضعيفة التي قد تختلط في ذهنه مع مرور الزمن بالأحاديث الصحيحة ، فيقع في إشكال من حيث لا يريد ولا يشعر .
ومن هذا القبيل - أيضًا - مثل كتاب " الإلمام بأحاديث الأحكام " كتاب لم يُطبع بعد ، وأرجو أن يُوفَّر له بعض أقوياء طلَّاب العلم ... ويعلِّق عليه ، اسمه " الأحكام الصغرى " لـ " عبد الحق الإشبيلي " ، عبد الحق الإشبيلي هذا من كبار علماء الأندلس وحفاظ الحديث ونُقَّاده ، له كتاب كبير هو أصل الكتاب الصغير ، فالكتاب الكبير سمَّاه بـ " الأحكام الكبرى " ، جمعَ فيه أحاديث الأحكام من الكتب الستة وغيرها ، ومن مزايا هذا الكتاب أو من صفاته ، قلت : أو من صفاته ؛ لأن هذه الصفات أو بعض هذه الصفات ليست متميِّزة ، وتفيد القارئ كثيرًا ؛ ذلك لأنه يسوق الأحاديث التي نقلَها من الكتب الستة وغيرها بأسانيد هذه الكتب الستة ، فهو - مثلًا - يقول : البخاري حدثنا فلان عن فلان يسوق الحديث من البخاري بسنده ومتنه ، ولا أرى كبير فائدة في ذكر الأسانيد للأحاديث بالنسبة لأكثر قرَّاء ومثقَّفي العصر الحاضر ، وبخاصَّة إذا كان الحديث في " الصحيحين " ، فإن ذكر الإسناد هو من باب الوسيلة ، والغاية هو المتن ، وإذا كان " الصحيحان " قد اتفق جماهيره علماء الحديث على صحَّتهما إلا في قليل من الأحاديث قد انتقد ... ؛ فلا فائدة تذكر من سوق إسناد البخاري أو إسناد مسلم للحديث لسببين :
أحدهما : ما ذكرته آنفًا ؛ من أن الأحاديث المذكورة في " الصحيحين " صحيحة إلا ... قليلة منها .
والسبب الثاني : أن الذين يُشغلون بدراسة هذا الكتب ليس عندهم من الثقافة ما يمكِّنهم أن يستفيدوا من ذكر إسناد الحديث لو كان الحديث مع السند منقولًا في غير " الصحيحين " .
فما الفائدة من ذكر سند البخاري وسند مسلم ؟ ليس هناك فائدة إلا بالنسبة للعلماء الكبار الذين قد يجدون وهم يقرؤون هذا السند يجدون فيه علَّةً ، وقد تكون علَّة قادحة ، فحينئذٍ يبتعد عن الاحتجاج بالحديث ، وقد تكون تلك العلة غير قادحة ؛ فلا يستفيد من سَوق المؤلف إسناد الحديث فائدةً تذكر ، هكذا أسلوب الحافظ عبد الحق الإشبيلي في كتابه " الأحكام الكبرى " ، يسوق كل الأحاديث التي يذكرها بأسانيدها ؛ فلا فائدة تُذكر من سوق الأحاديث التي نقلها عن " الصحيحين " بأسانيدها ، قد تكون الفائدة في ذكر أحاديث ينقلها عن السنن مثلًا ، وعن بعض المسانيد كـ " مسند البزار " لكي ينظر القارئ في العلة التي سيتحدث عنها هو ، فيقول بعد أن يذكر السند مع المتن : هذا إسناد ضعيف فيه فلان كما رأيت في الإسناد ، وهو ضعيف أو سيِّئ الحفظ أو نحو ذلك .
أنفع من كتابه هذا وكأنه لاحظَ شيئًا مما ذكرته آنفًا من التصويب بذكر أسانيد المتون إطالةً لا فائدة كبرى من ذكرها ، فكأنه بذلك لخَّصَ هذا الكتاب بكتاب آخر له فسمَّاه " الأحكام الوسطى " ، هو الكتاب نفسه الكتاب الأول ، بعناوين كتبه وأبوابه ومتونه سوى أنه حذف الأسانيد ... إذا كان الحديث خارج " الصحيحين " بأنه إذا كان الحديث في " الصحيحين " فقوله : رواه البخاري ومسلم أو رواه البخاري ... في حديث يعزوه المؤلف إلى غير الشيخين ، كقوله رواه أبو داود أو الترمذي أو غيرهما ؛ ففي هذه الحالة مزيَّة " الأحكام الصغرى " أنه يقول : إسناده صحيح أو إسناده ضعيف مع بيان ... ، هذا الكتاب أنفع من الكتاب الأول لما بينهما من تصويب وتلخيص .
ثمَّ ألف كتابًا ثالثًا وأخيرًا سمَّاه بـ " الأحكام الصغرى " ، هي نفس الكبرى ونفس الوسطى لكن مقتصرًا على ما صحَّ عنده من الأحاديث فقط ودون أيِّ كلام ، فتجد الحديث هناك متنًا وتخريجًا ، رواه أبو داود ويسكت ؛ لأنه نصَّ في المقدمة أنه هذا الكتاب " الأحكام الصغرى " انتقاه من " الكبرى " و " الوسطى " ما كان منها صحيحًا ، فهو يسرد الأحاديث بإيجاز ، ... خصَّها بما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلو نُشر هذا الكتاب لَكان فائدة عظيمة جدًّا لطلاب العلم الذين يريدون أن يعرفوا الأحاديث الصحيحة من أقرب طريق ، أما الذي يريد أن يتمرَّن وأن يتمكَّن يتمرَّس على التخريج وكيف يكون التصحيح والتضعيف ؛ فهو يستفيد من " الأحكام الوسطى " ، ثم التي قبلها وهي " الأحكام الكبرى " ، هذا ما يمكن ذكره بمناسبة هذا السؤال .

Webiste