ما حكم مَن أقَرَّ وأخذ التوحيدين الألوهية والربوبية لكنه أنكر توحيد الأسماء والصفات ، وأيَّدَ ذلك أن ابن حزم لا يقول بتوحيد الأسماء والصفات ؟ وقال : إن هذا العلم توحيد الأسماء والصفات لم يعرِفْه أهل القرون الثلاثة الذين مَدَحَهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : السؤال الثاني : ما حكم مَن أقَرَّ وأخذ التوحيدين الألوهية والربوبية لكنه أنكر توحيد الأسماء والصفات ، وأيَّدَ ذلك بقول ابن حزم أنه لا يقول بتوحيد الأسماء والصفات ، وقال : إني لا أفهم أن لله يدين وغير ذلك من الصفات ، وقال : إن هذا العلم توحيد الأسماء والصفات لم يعرِفْه أهل القرون الثلاثة الذين مَدَحَهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟
الشيخ : هذا كلام عجيب يصدر من رجل لم يدرس العلم ، هذا أقل ما يقال ، ولا عجب من أن يجهل رجل مثل هذا الجهل من التوحيد ، لكن العجب كل العجب أن ينسب جهلَه إلى السلف الصالح عمومًا ، ونحن لا نريد التناقش ... مع هذا الإنسان مناقشة عاطفية تحمُّسًا للعقيدة السلفية ، وإنما نقول : إن هذا الرجل كأنه لا يفقه القرآن ، كأنه بل لم يقرأ القرآن ، والقرآن يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، فالله - عز وجل - نفى عن نفسه وصفاته مشابهة شيء من المخلوقات له في شيء من ذلك ، فقوله - تبارك وتعالى - : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ إذا أرَدْنا أن نوضِّح معنى هذه الآية الكريمة يعني إنه - تعالى - كما هو واحد في ذاته لا ندَّ له ولا شريك له في ذلك فهو كذلك واحد في صفاته ؛ لأنه يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، فكيف ينفي هذا النافي توحيد الأسماء والصفات وهذا نصٌّ صريح في القرآن الكريم ؟!
يُضاف إلى ذلك سورة الإخلاص التي يقرؤها المسلم ربما في كل يوم على الأقل مرة واحدة ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ * ، هذا - أيضًا - توحيد لله - عز وجل - في ذاته وفي صفاته ، فلم يكن له كفء ؛ أي : ليس له شبيه ولا مثيل ، والله - تبارك وتعالى - عند عامة المسلمين ذات متَّصف بكل صفات الكمال ، فكما أنه واحد في ذاته فلا يمكن أن يكون إلا واحدًا في أسمائه وفي صفاته أيضًا ، فقول هذا الإنسان بأنه لا يعرف توحيدًا يُسمَّى بتوحيد الأسماء والصفات هذه في الحقيقة نفي لوجود الله ؛ لأنه - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علمائنا علماء السلف - لا يمكن أن نتصوَّر ذاتًا لا صفات لها ، فكلُّ ذات لها صفات تتناسب معها ، والله - عز وجل - ذات أزلية لا أول لها كما ثَبَتَ ذلك في الكتاب والسنة ، فلا بدَّ أن تكون هذه الذات لها صفات ، والصفات هذه في الجملة أمرٌ متَّفق عليها بين علماء السنة جميعًا ، وإن كانوا اختلفوا في إثبات بعض الصفات ، فهو الحيُّ ، فهو القيوم ؛ فهل لا يصف هذا الإنسان ربه - تبارك وتعالى - بأنه حي وبأنه قيوم ، وأنه كما قال : المؤمن المهيمن العزيز الجبَّار المتكبر إلى آخر هذه الصفات الصريحة في القرآن ؟!
لكن من الظاهر جدًّا أن هذا الإنسان ربما درس شيئًا من علم الكلام على مذهب الماتريدية أو الأشعرية ، وربما تعمَّقَ أكثر من ذلك فقرأ آراء المعتزلة في الموضوع ، فوقع في جحد كثير من الصفات الإلهية ، وإلا ما الفرق بين إثبات صفة الحياة لله - تبارك وتعالى - وبين إثبات صفة البصر والسمع ؟
وإذا سُلِّم بإثبات هذه الصفات فإذًا قوله : إنه لا يتصوَّر توحيدًا اسمه توحيد الأسماء والصفات ؛ هو متناقض في نفسه ، وهذا أخفُّ الشَّرَّين ، وإلا فيمكننا أن نُلزِمَه بأنه ينكر وجود الله حقيقةً كما أُلزِمَ بذلك الجهمية الذين قال فيهم بعض علماء السلف بأن مقصد الجهمية في قولهم أن الله - عز وجل - ليس في السماء إنكار وجود الله - تبارك وتعالى - ؛ لأنه حين يقولون : ليس في السماء إله فإذًا ليس هناك إله مطلقًا ، لأنهم إن نفوا وجود الله في السماء وهي صفة مدح ، سبحان ربي الأعلى ؛ فهم من باب أولى ينفون أن يكون في الأرض فهي في نقيض السماء ، فإذا كان من أسماء الله - تبارك وتعالى - أنه العلي وأنه الحي القيوم مع ذلك يوجد مسلم اليوم يقول : أنا لا أفهم أن هناك توحيدًا اسمه توحيد الأسماء والصفات .
الذي يبدو لي مِن وراء ما سمعت مِن عزو لهذا الإنسان أنه من المعطِّلة الذين يُنكرون بعض الصفات الإلهية إن لم نقل ينكرونها كلها ، فإذا كان الأمر الأول وهو فيما نُقِلَ لي آنفًا قطعي النسبة إليه ؛ إذا كان ينكر بعض الصفات ففي النتيجة يلزمه أحد شيئين ؛ إما أن يقرَّ بكل الصفات التي ثبتت بالكتاب والسنة ، وهذا هو الصواب ، وذلك ما نرجوه لكل المسلمين ؛ إما أن يقرَّ بهذه الصفات كلها ليكون متجاوبًا مع نصوص الكتاب والسنة غير متناقض في نفسه ؛ لأننا لا نتصوَّر إنسانًا يؤمن بأن الله حي وهذا المتكلم حي ، فيقول : الله حي لكن حياته ليست كحياتنا ، وهذا هو الصواب ؛ إذًا الله سميع ؛ لكن سمعه ليس كسمعنا .
فهذا هو الذي نفترض أن يقال في هذا الإنسان أنه ينبغي أن يؤمن بكل أسماء الله - عز وجل - وصفاته إيمانًا حقيقيًّا ، وذلك لا يستلزم شيئًا من التشبيه ، كما أنه لا يلزم منه التعطيل ، فهو حي لكن ليس كحياتنا ، وهو السميع ولكن سمعه ليس كسمعنا ، وهكذا يُقال في كل الصفات ، منها صفة أن لله يدين ؛ فهذه صفة أثبتها الله - عز وجل - لنفسه ، وجاء في الحديث الصحيح ما يؤكد لهذه الصفة بصورة خاصَّة ، وصفاته كلها كذلك بصورة عامة أن اليدين المُثبتَتَين لله - عز وجل - ليست كيدَي البشر ، فقال - عليه السلام - في بعض الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره : وكلتا يدي ربي يمين ، هذه الصفة خاصَّة بالله - عز وجل - ؛ فإذًا إثبات صفة اليدين لله أمر ضروري لكل مسلم يؤمن بالله ورسوله حقًّا .
وإن تعجب فعجبٌ احتجاج هذا الإنسان بمذهب ابن حزم وهو يعلم بأن مذهبه منسوب إلى الشُّذوذ في الأصول وفي الفروع ، حتى لقد وصفَه ابن عبد الهادي من تلامذة ابن تيمية البارزين بقوله في كتابه " طبقات الحفاظ " : " بأن ابن حزم جهميٌّ جلد " ، فنَسَبَه إلى التجهم لأنه ينكر بهذه الطريقة أسماء الله - تبارك وتعالى - وشيئًا من صفاته مع الأسف ، فعلى هذا الإنسان إن كان الذي يدرس عقيدة السلف الصالح في عقيدة أبي جعفر الطحاوي الذي يمثِّل فيها مذهب الإمام أبي حنيفة الأول الذي لم يرد عليه فيما بعد تأويلات المتكلمين من أتباعه فعليه أن يقرأ هذه العقيدة وشرحها ، وأن يقرأ كتاب أو كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية ليتبيَّن في أيِّ حضيض وقع في إنكاره توحيد الأسماء والصفات .
فالله - عز وجل - نقول فيه كلمة لا يستطيع هذا الإنسان ولا غيره أن يجادل فيها : الله - تبارك وتعالى - واحد في ذاته ، واحد في ألوهيته ، واحد في أسمائه وصفاته ، والعلماء أظن أن هذا لا يخفى عليه أجمعوا على أنه لا يجوز لمسلم أن يتسمَّى باسم من أسماء الله ؛ فلا يجوز أن يتسمَّى المسلم بالرحمن والرحيم والكريم والعزيز و و إلى آخره ؛ هذا هو توحيد الأسماء ، فتوحيد الصفات من باب أولى ؛ لأنه لا يجوز ، إذا كان لا يجوز أن يتسمَّى باسم من أسماء الله - تبارك وتعالى - عبدٌ ما أو مخلوقٌ ما فَلَأَن لا يجوز وصفُه بمعنى هذا الاسم الذي هو في الواقع بالنسبة لله رب العالمين كل اسم هو اسم له وصفة له ، فإذا كان لا يجوز التسمي باسم من أسماء الله فلا يجوز أن يُوصف عبدٌ من عباد الله بصفة من صفات الله - تبارك وتعالى - .
فالله - عز وجل - يقول عن نفسه : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ، فهل يجوز أن نصف أحدًا من عباده بصفة من صفات الله - تبارك وتعالى - ؟ الجواب : لا . لكن مشكلة هذا الإنسان هو الاشتراك اللفظي الذي يحصل بين ما وصف الله - عز وجل - به نفسه من صفات وبين قول الإنسان - أيضًا - وُصِفَ بشيء من تلك الصفات . ربنا يقول : هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ؛ فهذا اشتراك ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، ثم هذا السميع البصير ربُّنا - تبارك وتعالى - يقول عن الإنسان الأول وعن ذرِّيَّته فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ؛ فإذًا ربُّنا موصوف بصفة السمع والبصر ، والإنسان - أيضًا - موصوف بصفة السمع والبصر بشهادة الله ، لكن لا إشكال في هذا ؛ لأن سمع الله ليس كسمعنا ، وبصره ليس كبصرنا ، فأيُّ إشكال يرد في هذا الوصف ؟ وطرِّدْه في كل صفات الله - تبارك وتعالى - .
ونحن ننهي هذه الكلمة بكلمة قرأتها في بعض المخطوطات في المكتبة الظاهرية للخطيب البغدادي ، كلمة إذا أخَذَها المسلم وآمَنَ بها استراح من المَيْل يمينًا ويسارًا في هذه المسألة الهامة وهي توحيد الله بأسمائه وصفاته ؛ يقول الخطيب البغدادي - رحمه الله - : " يُقال في صفات الله - عز وجل - إثباتًا ونفيًا ما يُقال في ذاته - تبارك وتعالى - ، فكما أن ذاته حقيقة فكذلك صفاته - تبارك وتعالى - صفات حقيقية ، وكما أن ذات الله - عز وجل - لا تُشبه شيئًا من الذوات ، ولا هذه الذوات تُشبه ذات الله - تبارك وتعالى - ؛ كذلك يُقال في صفات الله - عز وجل - ؛ إنها صفات حقيقية لا تُشبه شيئًا من صفات المخلوقين ، ولا شيء من صفات المخلوقين يُشبه شيئًا من صفات ربِّ العالمين ؛ فالله إذًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لا ذاتًا ولا مِثْلًا ولا صفة .
ولعل في هذا ... كفاية بالجواب عن ذاك السؤال .
الشيخ : هذا كلام عجيب يصدر من رجل لم يدرس العلم ، هذا أقل ما يقال ، ولا عجب من أن يجهل رجل مثل هذا الجهل من التوحيد ، لكن العجب كل العجب أن ينسب جهلَه إلى السلف الصالح عمومًا ، ونحن لا نريد التناقش ... مع هذا الإنسان مناقشة عاطفية تحمُّسًا للعقيدة السلفية ، وإنما نقول : إن هذا الرجل كأنه لا يفقه القرآن ، كأنه بل لم يقرأ القرآن ، والقرآن يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، فالله - عز وجل - نفى عن نفسه وصفاته مشابهة شيء من المخلوقات له في شيء من ذلك ، فقوله - تبارك وتعالى - : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ إذا أرَدْنا أن نوضِّح معنى هذه الآية الكريمة يعني إنه - تعالى - كما هو واحد في ذاته لا ندَّ له ولا شريك له في ذلك فهو كذلك واحد في صفاته ؛ لأنه يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، فكيف ينفي هذا النافي توحيد الأسماء والصفات وهذا نصٌّ صريح في القرآن الكريم ؟!
يُضاف إلى ذلك سورة الإخلاص التي يقرؤها المسلم ربما في كل يوم على الأقل مرة واحدة ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ * ، هذا - أيضًا - توحيد لله - عز وجل - في ذاته وفي صفاته ، فلم يكن له كفء ؛ أي : ليس له شبيه ولا مثيل ، والله - تبارك وتعالى - عند عامة المسلمين ذات متَّصف بكل صفات الكمال ، فكما أنه واحد في ذاته فلا يمكن أن يكون إلا واحدًا في أسمائه وفي صفاته أيضًا ، فقول هذا الإنسان بأنه لا يعرف توحيدًا يُسمَّى بتوحيد الأسماء والصفات هذه في الحقيقة نفي لوجود الله ؛ لأنه - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علمائنا علماء السلف - لا يمكن أن نتصوَّر ذاتًا لا صفات لها ، فكلُّ ذات لها صفات تتناسب معها ، والله - عز وجل - ذات أزلية لا أول لها كما ثَبَتَ ذلك في الكتاب والسنة ، فلا بدَّ أن تكون هذه الذات لها صفات ، والصفات هذه في الجملة أمرٌ متَّفق عليها بين علماء السنة جميعًا ، وإن كانوا اختلفوا في إثبات بعض الصفات ، فهو الحيُّ ، فهو القيوم ؛ فهل لا يصف هذا الإنسان ربه - تبارك وتعالى - بأنه حي وبأنه قيوم ، وأنه كما قال : المؤمن المهيمن العزيز الجبَّار المتكبر إلى آخر هذه الصفات الصريحة في القرآن ؟!
لكن من الظاهر جدًّا أن هذا الإنسان ربما درس شيئًا من علم الكلام على مذهب الماتريدية أو الأشعرية ، وربما تعمَّقَ أكثر من ذلك فقرأ آراء المعتزلة في الموضوع ، فوقع في جحد كثير من الصفات الإلهية ، وإلا ما الفرق بين إثبات صفة الحياة لله - تبارك وتعالى - وبين إثبات صفة البصر والسمع ؟
وإذا سُلِّم بإثبات هذه الصفات فإذًا قوله : إنه لا يتصوَّر توحيدًا اسمه توحيد الأسماء والصفات ؛ هو متناقض في نفسه ، وهذا أخفُّ الشَّرَّين ، وإلا فيمكننا أن نُلزِمَه بأنه ينكر وجود الله حقيقةً كما أُلزِمَ بذلك الجهمية الذين قال فيهم بعض علماء السلف بأن مقصد الجهمية في قولهم أن الله - عز وجل - ليس في السماء إنكار وجود الله - تبارك وتعالى - ؛ لأنه حين يقولون : ليس في السماء إله فإذًا ليس هناك إله مطلقًا ، لأنهم إن نفوا وجود الله في السماء وهي صفة مدح ، سبحان ربي الأعلى ؛ فهم من باب أولى ينفون أن يكون في الأرض فهي في نقيض السماء ، فإذا كان من أسماء الله - تبارك وتعالى - أنه العلي وأنه الحي القيوم مع ذلك يوجد مسلم اليوم يقول : أنا لا أفهم أن هناك توحيدًا اسمه توحيد الأسماء والصفات .
الذي يبدو لي مِن وراء ما سمعت مِن عزو لهذا الإنسان أنه من المعطِّلة الذين يُنكرون بعض الصفات الإلهية إن لم نقل ينكرونها كلها ، فإذا كان الأمر الأول وهو فيما نُقِلَ لي آنفًا قطعي النسبة إليه ؛ إذا كان ينكر بعض الصفات ففي النتيجة يلزمه أحد شيئين ؛ إما أن يقرَّ بكل الصفات التي ثبتت بالكتاب والسنة ، وهذا هو الصواب ، وذلك ما نرجوه لكل المسلمين ؛ إما أن يقرَّ بهذه الصفات كلها ليكون متجاوبًا مع نصوص الكتاب والسنة غير متناقض في نفسه ؛ لأننا لا نتصوَّر إنسانًا يؤمن بأن الله حي وهذا المتكلم حي ، فيقول : الله حي لكن حياته ليست كحياتنا ، وهذا هو الصواب ؛ إذًا الله سميع ؛ لكن سمعه ليس كسمعنا .
فهذا هو الذي نفترض أن يقال في هذا الإنسان أنه ينبغي أن يؤمن بكل أسماء الله - عز وجل - وصفاته إيمانًا حقيقيًّا ، وذلك لا يستلزم شيئًا من التشبيه ، كما أنه لا يلزم منه التعطيل ، فهو حي لكن ليس كحياتنا ، وهو السميع ولكن سمعه ليس كسمعنا ، وهكذا يُقال في كل الصفات ، منها صفة أن لله يدين ؛ فهذه صفة أثبتها الله - عز وجل - لنفسه ، وجاء في الحديث الصحيح ما يؤكد لهذه الصفة بصورة خاصَّة ، وصفاته كلها كذلك بصورة عامة أن اليدين المُثبتَتَين لله - عز وجل - ليست كيدَي البشر ، فقال - عليه السلام - في بعض الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره : وكلتا يدي ربي يمين ، هذه الصفة خاصَّة بالله - عز وجل - ؛ فإذًا إثبات صفة اليدين لله أمر ضروري لكل مسلم يؤمن بالله ورسوله حقًّا .
وإن تعجب فعجبٌ احتجاج هذا الإنسان بمذهب ابن حزم وهو يعلم بأن مذهبه منسوب إلى الشُّذوذ في الأصول وفي الفروع ، حتى لقد وصفَه ابن عبد الهادي من تلامذة ابن تيمية البارزين بقوله في كتابه " طبقات الحفاظ " : " بأن ابن حزم جهميٌّ جلد " ، فنَسَبَه إلى التجهم لأنه ينكر بهذه الطريقة أسماء الله - تبارك وتعالى - وشيئًا من صفاته مع الأسف ، فعلى هذا الإنسان إن كان الذي يدرس عقيدة السلف الصالح في عقيدة أبي جعفر الطحاوي الذي يمثِّل فيها مذهب الإمام أبي حنيفة الأول الذي لم يرد عليه فيما بعد تأويلات المتكلمين من أتباعه فعليه أن يقرأ هذه العقيدة وشرحها ، وأن يقرأ كتاب أو كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية ليتبيَّن في أيِّ حضيض وقع في إنكاره توحيد الأسماء والصفات .
فالله - عز وجل - نقول فيه كلمة لا يستطيع هذا الإنسان ولا غيره أن يجادل فيها : الله - تبارك وتعالى - واحد في ذاته ، واحد في ألوهيته ، واحد في أسمائه وصفاته ، والعلماء أظن أن هذا لا يخفى عليه أجمعوا على أنه لا يجوز لمسلم أن يتسمَّى باسم من أسماء الله ؛ فلا يجوز أن يتسمَّى المسلم بالرحمن والرحيم والكريم والعزيز و و إلى آخره ؛ هذا هو توحيد الأسماء ، فتوحيد الصفات من باب أولى ؛ لأنه لا يجوز ، إذا كان لا يجوز أن يتسمَّى باسم من أسماء الله - تبارك وتعالى - عبدٌ ما أو مخلوقٌ ما فَلَأَن لا يجوز وصفُه بمعنى هذا الاسم الذي هو في الواقع بالنسبة لله رب العالمين كل اسم هو اسم له وصفة له ، فإذا كان لا يجوز التسمي باسم من أسماء الله فلا يجوز أن يُوصف عبدٌ من عباد الله بصفة من صفات الله - تبارك وتعالى - .
فالله - عز وجل - يقول عن نفسه : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ، فهل يجوز أن نصف أحدًا من عباده بصفة من صفات الله - تبارك وتعالى - ؟ الجواب : لا . لكن مشكلة هذا الإنسان هو الاشتراك اللفظي الذي يحصل بين ما وصف الله - عز وجل - به نفسه من صفات وبين قول الإنسان - أيضًا - وُصِفَ بشيء من تلك الصفات . ربنا يقول : هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ؛ فهذا اشتراك ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، ثم هذا السميع البصير ربُّنا - تبارك وتعالى - يقول عن الإنسان الأول وعن ذرِّيَّته فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ؛ فإذًا ربُّنا موصوف بصفة السمع والبصر ، والإنسان - أيضًا - موصوف بصفة السمع والبصر بشهادة الله ، لكن لا إشكال في هذا ؛ لأن سمع الله ليس كسمعنا ، وبصره ليس كبصرنا ، فأيُّ إشكال يرد في هذا الوصف ؟ وطرِّدْه في كل صفات الله - تبارك وتعالى - .
ونحن ننهي هذه الكلمة بكلمة قرأتها في بعض المخطوطات في المكتبة الظاهرية للخطيب البغدادي ، كلمة إذا أخَذَها المسلم وآمَنَ بها استراح من المَيْل يمينًا ويسارًا في هذه المسألة الهامة وهي توحيد الله بأسمائه وصفاته ؛ يقول الخطيب البغدادي - رحمه الله - : " يُقال في صفات الله - عز وجل - إثباتًا ونفيًا ما يُقال في ذاته - تبارك وتعالى - ، فكما أن ذاته حقيقة فكذلك صفاته - تبارك وتعالى - صفات حقيقية ، وكما أن ذات الله - عز وجل - لا تُشبه شيئًا من الذوات ، ولا هذه الذوات تُشبه ذات الله - تبارك وتعالى - ؛ كذلك يُقال في صفات الله - عز وجل - ؛ إنها صفات حقيقية لا تُشبه شيئًا من صفات المخلوقين ، ولا شيء من صفات المخلوقين يُشبه شيئًا من صفات ربِّ العالمين ؛ فالله إذًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لا ذاتًا ولا مِثْلًا ولا صفة .
ولعل في هذا ... كفاية بالجواب عن ذاك السؤال .
الفتاوى المشابهة
- وجوب وصف الله تعالى بصفات الكمال و توحيده . - الالباني
- بيان توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات - الالباني
- ذكر أنواع التوحيد الثلاث وشرح توحيد الأسماء وا... - الالباني
- ذكر أنواع التوحيد الثلاث وشرح توحيد الأسماء وا... - الالباني
- كلمة الشَّيخ خشَّان في توحيد الأسماء والصفات . - الالباني
- توحيد الأسماء والصفات - اللجنة الدائمة
- أقسام التوحيد وبيان توحيد الأسماء والصفات. - ابن عثيمين
- توحيد الصفات - الالباني
- توحيد الأسماء والصفات. - الفوزان
- الكلام على توحيد الأسماء والصفات. - ابن عثيمين
- ما حكم مَن أقَرَّ وأخذ التوحيدين الألوهية والر... - الالباني