الشيخ : هالصورة اللي أنت وصفتها الآن وهي أنُّو ذاك الوالد كان مستطيعًا للحج وما حجَّ ، هذا ما بيستطيع يحج عنه أحد ولا ولده ، إي نعم ، بخلاف فيما لو كان معذورًا إما بعذر الفقر أو المرض ، بمعنى أنه لم يَجِب عليه الحج ؛ لأن الله يقول في صريح القرآن الكريم : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } ، { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } ، فالوالد إن كان استطاع السَّبيل كما سألت فهذا ولده لا يُسمن ولا يُغني عنه من جوع إطلاقًا ، أما إذا لم يستطِعْ فهنا يأتي دور الولد ، الولد في هذه الحالة ربنا - عز وجل - أقامه مقام أبيه ، طبعًا يُلاحظ في الولد هنا الاستطاعة ؛ لأنُّو إذا ما كان مستطيع فحكمه حكم الوالد ، شايف ؟
السائل : الولد سقط عنه إذا كان ، لما يكون مش مستطيع الولد غير مكلَّف أنُّو كمان يحج عن والده ؟
الشيخ : إذا كان مستطيع ولَّا غير مستطيع ؟
السائل : في هذه الحالة الوالد غير مستطيع الولد ما بيحج عن والده ؟
الشيخ : لا ؛ بالعكس ، أنا بدي أبيِّن لك الآن العكس تمامًا ؛ لكن على التفصيل اللي انتهيت إليه ، قلت أنُّو الولد إذا كان غير مستطيع الحج فهو عن نفسه ما يستطيع يحج فضلًا عن أبيه الميت ، شايف كيف ؟
السائل : صح .
الشيخ : لكن إذا كان مستطيعًا الحجَّ أوَّلًا يجب أن يحجَّ عن نفسه .
السائل : في السنة الأولى ؟
الشيخ : في السنة الأولى ؛ ثم إذا استمرَّت الاستطاعة قائمة فيه فيجب عليه وجوبًا عينيًّا أن يحجَّ عن والده أو والدته إذا كان كلٌّ منهما لم يستطع الحجَّ ؛ واضح كيف ؟ ليش ؟ في عندنا حديث في " الصحيحين " في البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجَّة الوداع بعد أن رمى جمرة العقبة وقفت في طريقه امرأة خثعميَّة من بني خَثْعم ، وكان رِدْف الرسول - عليه السلام - على الناقة الفضلُ بن العباس أخو عبد الله بن عباس المشهور ، فقالت هذه المرأة - هو يقول راوي الحديث بأنها كانت جميلة ، وكان الفضل وضيئًا - قالت : يا رسول الله ، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يثبت على الرَّحل ، وقد أدركته فريضة الله الحج ؛ أَفَأحجُّ عنه ؟ قال : "حجِّي عنه" . شو معنى سؤالها ؟ لا يخفاكم جميعًا أنَّ الأحكام الشرعية ما نزلت طفرة واحدة كلها ، وإنما بالتدرُّج والتمهُّل ، وكان من آخر ما فُرض الحج من الأركان الخمسة ؛ حتى قيل أنُّو الحج فُرض آخر سنة من حياة الرسول - عليه السلام - ؛ ولذلك تأخَّرت حجته إلى آخر سنة من حياته .
فلمَّا نزل فرضية الحج هذا والد الخثعمية كان شيخًا كبيرًا لا يثبت على الرحل ، أي : فهو معذور ؛ بعد ما نزل فرضية الحج وهو شيخ فاني ؛ ولذلك سألت قالت : أَأَحجُّ عنه ؟ قال : "نعم ، حجِّي عنه" . في حديث آخر بيقول - عليه السلام - : "أرأيت إن كان على أبيك دينٌ أفكنت تقضينه عنه ؟" . قالت : بلى . قال : "فدين الله أحقُّ أن يُقضى" . من هنا يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - في أمر الرسول - عليه السلام - للخثعمية أن تحجَّ عن أبيها ، قال الإمام الشافعي : " اعتبر الشارع الحكيم استطاعة الولد امتدادًا لاستطاعة الوالد " ؛ لأنُّو هو كان سبب وجوده ، شايف ؟ وبيؤكد هذا المعنى قوله - عليه السلام - : "أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده ، وإنَّ أولادكم من كسبكم" .
هذا الحديث ورد في المادِّيَّات - في المال يعني - ، لكن حكم المعنويات في نفس المعنى تمامًا ، كما ذكرنا آنفًا : "صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" .
لهذا إذا وُجِد هناك والدٌ لم يجب عليه الحج لكن الولد وجب عليه الحج ، فحج عن نفسه أوَّلًا ، ثم يجب عليه حجَّة أخرى عن أبيه ، وحجَّة ثالثة عن أمِّه إن كانت كأبيه ؛ يعني ما استطاعوا الحج .
السائل : يصير - شيخنا - نية - مثلًا - الثانية ؟
الشيخ : لا .
السائل : الوالد - مثلًا - في الحجَّة الثانية - أيضًا - بيحج عن أبوه وأمه مثلًا ؟
الشيخ : لا لا ، ما بيجوز إلا عن واحد .
السائل : طيب ؛ ما يستطيع .
الشيخ : كل وحدة ، كل حجَّة لواحد ، ما بيجوز واحد حجّتين عن شخص ، حجَّة واحدة عن ... .