الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فإن الأصل في معاملة الإنسان ربه وتعبده له أن يكون ذلك سراً بينه وبين ربه ، لأنه إنما يتعبد لله رجاء ثواب الله عز وجل والنجاة من عقابه ، وهذا لا يحتاج إلى أن يراه أحداً من البشر ، لأن البشر لا يحققون له شيئاً من ذلك إلا حسب ما تقتضيه الشريعة كالدعاء للإنسان مثلاً .
هذا هو الأصل في العبادات لكن قد يكون إظهار العبادة أمراً مشروعاً مرغباً فيه لما يترتب عليه من المصالح ، فانظر إلى الصلاة مثلاً وهي أجل العبادات البدنية يشرع أن تكون جماعة في المساجد معلنة ظاهرة لما في ذلك من الخير الكثير المترتب على إعلانها والاجتماع عليها في المساجد ، ولهذا إذا عورضت المصلحة هذه بما هو أصلح كان المشروع عدم صلاتها في المساجد أو كان الأفضل عدم صلاتها في المساجد ، فالنساء مثلاً لا يشرع لهن أن يصلين جماعة في المساجد وإن كان يباح لهن أن يحضرن جماعة الرجال في المساجد ، أما الرجال فوجوب الجماعة عليهم في المساجد ظاهر ، وذلك لأن هذه المصلحة أعني مصلحة إظهار الجماعة في المساجد بالنسبة للرجال عارضها مشروعية القرار في البيوت وعدم البروز بالنسبة للنساء ، فكان بيوتهن خير لهن ، ولهذا نقول : إن المشروع في حق المرأة أن لا تشهد الجماعة مع الرجال إلا في صلاة العيد خاصة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يخرجن حتى إنه أمر العواتق وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوت المسلمين ويعتزل الحيض المصلى .
إذن الأصل في العبادة أن تكون سراً بين الإنسان وبين ربه ، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي يثيبه عليها ويعاقب الإنسان على معصيته ، لكن إذا كان في إظهارها مصلحة فإنه ترعى هذه المصلحة .
وبناءً على هذه القاعدة يتبين الجواب عن سؤال المرأة التي تسأل عن إخفاء التطوع في بيتها عن أهلها هل هو أفضل أو إظهار التطوع لا رياء ولا سمعة ، ولكن من أجل أن يقتدي بها أهل البيت ؟
فنقول : إن إظهار التطوع في هذه الحال بهذه النية أفضل من إخفائه ، لأن الناس ينشط بعضهم بعضاً ، فإذا رأت المرأة أن إظهار تطوعها في الصلاة أو قراءة القرآن أو الصدقة أو ما أشبه ذلك ينتج عنه خير باقتداء غيرها بها ، فإن إظهاره حينئذٍ يكون خيراً ، وهكذا الرجل ، ولهذا امتدح الله عز وجل : الذين ينفقون سراً وعلانية ، ولم يجعل المدح خاصاً بالذين ينفقون سراً ، وذلك لأن السر قد يكون أولى والعلانية قد تكون أولى بحسب ما يترتب على ذلك من مصالح .
وخلاصة الجواب أن المرأة إذا أظهرت التطوع في الصلاة أو القرآن ، إذا أظهرت التطوع بالصلاة أو القراءة أو الصيام أو الصدقة من أجل أن يقتدي بها أهل البيت فإن ذلك لا بأس به بل هو خير .