تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بالنسبة إلى قضية تكفير الحكام كيف تكون إقامة ا... - الالبانيالسائل : فضيلة الشيخ بالنسبة لقضية التكفير وبخاصة ما يخص تكفير الحكام فإن القول عندنا فيما يخص هذه المسألة هو قول أهل السنة والجماعة في عدم التكفير العي...
العالم
طريقة البحث
بالنسبة إلى قضية تكفير الحكام كيف تكون إقامة الحجة ؟ من الذي يقيمها ؟ متى يصح أن يقال أننا أقمنا عليه الحجة وما هي نوعية هذه الحجة وهل يشترط في إقامتها أن يعقد لقاء معه ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : فضيلة الشيخ بالنسبة لقضية التكفير وبخاصة ما يخص تكفير الحكام فإن القول عندنا فيما يخص هذه المسألة هو قول أهل السنة والجماعة في عدم التكفير العيني لكن نريد من فضيلتكم إلقاء الضوء على فرع من فروع هذه المسألة ، وهي نعلم أنه لا يمكن أن نكفر شخصا بعينه كالحاكم مثلا الذي لا يحكم بما أنزل الله ويزعم أنه مسلم وأن دين الدولة الإسلام مع فشو الفساد في بلاده من زنا وخمر والجهر بالمعاصي ونحو ذلك إلا بعد إقامة الحجة عليه ، فالأسئلة المطروحة هي كيف تكون إقامة الحجة ؟ من الذي يقيمها ؟ متى يصح أن يقال أننا أقمنا الحجة ؟ ثم ما هي نوعية هذه الحجة ؟ وهل يشترط في إقامتها أن يعقد لقاء معه ؟ فهذه أسئلة وإشكالات تعترض طلبة العلم ولا يجدون لها جوابا شافيا فنرجو من فضيلة شيخنا أن يثلج صدورنا وأن يشفي غليلنا بجواب فاصل في هذا الموضوع وأجركم على الله .

الشيخ : لا شك أن الحجة هي قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عرفنا أن هذه الحجة وهذا بدهي جدا أن نعرف الشيء الآخر وهو جواب شطر من الأسئلة التي جاءت مجموعة وهو من الذي يقيم هذه الحجة ، والجواب يكون بطبيعة الحال أن الذي يقيمها إنما هو رجل عالم العارف بمدلولات الكتاب والسنة ، ومن الخطأ الشائع في هذا الزمان أن يتوهم كثير ممن لا يصح ربما أن يحشروا في صفوف طلاب العلم فضلا عن أن يقال إنهم من أهل العلم ، كثير من هؤلاء نسمعهم في كثير من الأحيان أن فلان مثلا الصوفي أنا أقمت الحجة عليه وهو طويلب مبتدئ في العلم ويظن بأنه أقام الحجة وقد يكون ذلك الصوفي عالما ككثير من العلماء في العصر الحاضر الذين تخرجوا من بعض الجامعات كجامعة الأزهر وغيرها فهم يكونون عادة أقوياء فيما يسمى عندهم بعلوم الآلة فيأتي شبه طالب علم ويجادله ويناقشه ثم ينتهي من بعد ذلك ليقول بأنه أقام الحجة عليه .
لا يقيم الحجة إلا من كان متمكنا في معرفة الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح رضي الله عنهم كما يشير إلى ذلك الإمام ابن القيم الجوزية في ما هو منثور عنه ومشهور :
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه"
إلى آخر الكلام .
فالشاهد أن الذي يقيم الحجة هو العارف المتمكن بالكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح .
ثم جاء في تضاعيف هذا السؤال هل يجب أن تكون إقامة الحجة عليه مباشرة أم لا ؟ الجواب بلا شك أن الحجة الأقوى والأنصع والأفضل هو مواجهة المنحرف والضال بالحجة وجها لوجه ، لكن إذا كان ذلك قد لا يتيسر أحيانا لبعض الناس أو لبعض الدعاة من أهل العلم فلا أقل أن يرسل إليه خطاب، والآن وسائل الإرسال والتسميع والتبليغ ميسرة تماما بسبل لم تكن ميسرة من قبل ، فبهذه الطريقة الثانية أيضا يمكن أن يقال إن الحجة قد أقيمت على فلان . ثم في نهاية المطاف إنما يفيدنا هذا التدقيق في هذه الأسئلة فيما لو كان الحكم بيدنا نحن لو كنا حكاما لأنه يترتب من وراء إقامة الحجة تمييز الكافر من المسلم وبخاصة إذا كان هذا المسلم كان مسلما وراثيا ثم بدر منه ما به يخرج عن دينه فيصبح مرتدا ، والمرتد في حكم الإسلام يجب أن يقتل كما قال عليه السلام : من بدل دينه فاقتلوه .
فإقامة الحجة لها هذا الأمر فيما لو كان المقيم للحجة في يده سلطة ، أما إذا كانوا أفرادا من الناس ولو كانوا من أهل العلم فأقام الحجة مثلا على الحاكم الفلاني ثم استمر هذا الحاكم في طغيانه ، لا يفيدنا شيئاً أننا أقمنا الحجة عليه سوى أمام الله عزوجل يوم البعث والنشور بحيث انه لا يبقى له عذر ليقول أن أهل العلم ما علّموني وما أفادوني ، لكن ليس من أثر إقامة الحجة ما يتوهم بعض الغلاة من الإسلاميين اليوم أننا ما دمنا أقمنا الحجة فليس أمامنا إلا الخروج ، هذا الخروج لا يبرر بمثل هذا الإقامة للحجة ، فإقامة الحجة تفيد هنا من حيث فقط أن يكون هذا الذي أقيمت عليه الحجة لا يأخذ بتلابيبنا يوم القيامة ليقول لنا أمام ربنا لماذا لم تدلني على الحق وقد رأيتني منحرفا عنه ، لكن لا يعني ذلك أنه يجوز لنا أن نخرج على هؤلاء لأن هذا الخروج مع الأسف كما هو التاريخ في العصر الحاضر يؤكد بأنه يترتب منه مفاسد كبيرة وكبيرة جدا من إزهاق النفوس وقتل الأبرياء والنساء والأطفال ونحو ذلك ، لذلك كان مما توارثه الخلف عن السلف في عقائدهم أنه لا يجوز الخروج على الحكام . ليس معنى ذلك أن أصل الخروج غير جائز وإنما معنى ذلك أن هذا الخروج يترتب منه مفسدة دون أية مصلحة .
لو افترضنا صورة أن أمة أو جماعة من المسلمين استعدوا .الاستعدادين الذين أشرنا إليهما آنفا بالإجابة عن قوله تعالى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، استعدوا استعدادا كاملا بحيث أنه غلب على ظنهم بأنهم يستطيعون أن يقلبوا نظام الحكم ، حينئذ تأتي مرحلة لا يمكن إلا القول بها ولا يسبقن إلى ذهن أحد أنني سأقول أن هذا المرحلة هي تحقيق ثورة أو تحقيق انقلاب ، لا ، لا يوجد كما صرحت بذلك في بعض تعليقاتي وكتاباتي لا يوجد في الإسلام شيء اسمه انقلاب عسكري أو ثورة دموية أو نحو ذلك ولكن كل ما يستطيع أن يفعله هؤلاء الذين استعدوا هذا الاستعداد بشعبتيه بطرفيه الاستعداد الروحي والاستعداد المادي بحيث أنهم يستطيعون أن يزيلوا عن الحكم الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ليس بالثورة ولا بانقلاب وإنما كما قال تعالى ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
الإسلام بلا شك جاء لتكون كلمة الله هي العليا كما قال عليه السلام في الحديث الثابت بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وقال عليه السلام في الحديث الصحيح أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم عند الله تبارك وتعالى ، في الوقت الذي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وبعث بالسيف أيضا أنه لم يبعث بالسيف إلا كوسيلة لتحقيق الدعوة ، بمعنى أن قتال المسلمين للكفار ليس غاية إنما الغاية الوحيدة هي دعوة الكفار إلى الإيمان بالله عز وجل فمن استجاب فكما جاء في الأحاديث فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن أبى وله أن يأبى بدليل الآية المعروفة لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ، فإن أبى خُيّر بين أمرين اثنين إما أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر وإما السّيف ، فالسّيف جاء في المرحلة الثالثة ، هذه النقطة يجب أن نفهمها جيدا لأن أعداء الإسلام من الغربيين أو المتغربين يتخذون شبهة في مثل هذا الحديث ويزعمون أن الإسلام انتشر بقوة السيف ، السيف يأتي كما رأيتم في آخر مرحلة ، من وقف في طريق الدعوة ووقفنا في وجهه بالسيف ، ومن ترك طريق الدعوة مفتوحا يمشي إلى آخر مدى فيترك وشأنه على أن نثبت الحكم الإسلامي أنه خاضع لأحكامه ، والدليل على ذلك أنه يدفع الجزية عن يد وهو صاغر ، هذا معروف من أحكام الإسلام ، حينئذ نعود إلى ما كنا في صدده ، فإذا ابتلي المسلمون بحاكم يحكم بغير ما أنزل الله وكان عندهم من الاستعداد الروحي والمادي ما يمكنّهم من أن يقيموا دولة الإسلام فلا يجوز لهم أن يحققوا ثورة أو انقلابا وإنما عليهم أن يدعوا الحاكم إلى حكم الإسلام وأن يخيروه إما أن تحكم بما أنزل الله وإما أن تفتح الطريق للذين يريدون أن يحكموا بما أنزل الله فإن استجاب فبها ونعمت لأن الكفار نعاملهم هذه المعاملة وإلا إذا كان يظهر الإسلام كما جاء في السؤال فإن أبى ووقف في وجه هؤلاء الدعاة حينذاك لا بد من استعمال السّيف ، لكن نقول متى ؟ حينما يكون هؤلاء مستعدين ومتهيئين لمواجهة من يقف في سبيل الدعوة المسلمة . أما القيام بثورة أو انقلاب عسكري فهذا لا يجوز غيره .

Webiste