تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بيان الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة في القرآن... - الالبانيالشيخ : وضربت لكم بعض الأمثلة السابقة ، والآن أريد أن أضرب مثلًا آخر لخطورته ؛ أظن أن الكثيرات منكنَّ يعلم الخلاف بين المعتزلة وبين أهل السنة بصورة عامة...
العالم
طريقة البحث
بيان الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة في القرآن الكريم .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : وضربت لكم بعض الأمثلة السابقة ، والآن أريد أن أضرب مثلًا آخر لخطورته ؛ أظن أن الكثيرات منكنَّ يعلم الخلاف بين المعتزلة وبين أهل السنة بصورة عامة في القرآن الكريم ، فالمعتزلة يقولون : إنه حادث . وأهل السنة يقولون : هو قديم أزلي . لماذا ؟ لأن أهل السنة يقولون : القرآن كلام الله ؛ فهو صفة من صفات الله ، فالله أزلي بصفاته ، فإذًا صفة الكلام ليست حادثة ، وإنما هي صفة أزلية لله قديمة كذاته . المعتزلة يقولون : لا ، كلام الله الذي هو القرآن حادث ، والله ما تكلَّم . كيف هذا والله يقول : وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ؟ أثبت الله لنفسه الكلام في هذه الآية وفي غيرها من الآيات ؛ قال الله كذا وكذا ، وقال وقال تكلَّم ؛ كله يدل على أن لله صفة الكلام كلُّ هذه النصوص أنكرها المعتزلة ، هل أنكروها بمعنى قالوا : ليس في القرآن وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ؟ لا ، وإنما أنكروها بتأويلها ؛ أي : بتعطيل معانيها ؛ لماذا ؟ قالت المعتزلة : إذا قلنا : إن الله يتكلَّم ؛ فالإنسان يتكلَّم ؛ فشابَهْنا الله بالإنسان و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ؛ فلا يجوز أن نقول : إن الله يتكلم . إذًا هذا الكلام ما هو الذي بين أيدينا ونقول : كلام الله ؟ قال : هذا الكلام هو تخيَّلوا أشياء ، هذا كلام سجَّله الله في اللوح المحفوظ ، ثم نَقَلَه جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
طيب ؛ فمن تكلَّم به ؟ لا بد أن يتكلم به ؛ إما جبريل حينما أنزله ، أو - أيضًا - جبريل خيَّله هذا الكلام خيَّله في قلب الرسول - عليه السلام - ، فرسول الله عبَّر عنه للصحابة ؛ فإذًا معنى قول المعتزلة : هذا القرآن ليس كلام الله أنُّو تكلم به غير الله ؛ حينئذٍ اشتركوا مع الذين قالوا : إن هو إلا قول البشر ، من هم الذين قالوا : قول البشر ؟ هم المشركون الذين كذَّبوا الرسول - عليه السلام - في قوله : هذا كلام الله أوحاه إليَّ فكذَّبوه ، وقالوا : لا ، هذا كلامه . فيلتقي المعتزلة المؤمنون بالله ورسوله وبأنَّ دين الإسلام قائم على القرآن وعلى الحديث يلتقي المعتزلة بشُؤم التأويل مع هؤلاء الكفار الذين نسبوا القرآن إلى أنه من قول البشر ، وكل إنسان يدري أن الكفر يتحقَّق سواء قيل : هذا القرآن هو قول البشر ، أو قول الملائكة ؛ كله كفر ؛ لأن الحقيقة أنه كلام الله - تبارك وتعالى - ؛ فما الذي أودى بالمعتزلة إلى هذه الهوَّة السحيقة فأنكروا أن يكون القرآن الكريم كلام الله ؛ ولذلك قالوا : فهو حادث ؟! هو من فضائل التأويل !! أي : من شُؤم التأويل أن أودى بهم إلى أن ينكروا أن يكون لله كلام أصلًا ، وبالتالي أنكروا أن يكون هذا القرآن كلام الله - تبارك وتعالى - ؛ إذًا ما هو ؟ هو يا قول محمد ، يا قول جبريل ، يا قول خلق من خلق الله الكثير ؛ المهم أنهم يقولون صراحةً : ليس هو كلام الله - عز وجل - !!
السبب هو عدم انتباهم للفرق بين وجود الله وصفاته وجودًا حقيقيًّا ينافي وجود المخلوق وصفاته منافاةً حقيقية ؛ لم ينتبهوا لهذا ؛ فقالوا : مجرَّد ما يشترك المخلوق مع الخالق في صفة من الصفات من ذلك الكلام لَزِمَ من ذلك أن نشابه الله بخلقه أو نشابه الخلق بربِّه - تبارك وتعالى - . والجواب : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، الله يتكلَّم ولكن كلامه ليس ككلامنا ، كما أنَّ ذاته ليس كذاتنا ، وكل صفاته ليست كصفاتنا .
ثم إن الله - تبارك وتعالى - خلق في هذا العصر آيةً فيها ردٌّ واقعي على المعتزلة وأمثالهم ؛ ذلك لأن المعتزلة يقولون : إذا قلنا : إن الله يتكلم ؛ معناه له شفتان ، معناه له لسان ، معناه أسنان ، معناه له لثة ، معناه ، معناه إلى آخره . هذا كله من ضيق عَطَنِهم وقصر تفكيرهم ، فلم يتَّسع عقلهم أن يكون الله - عز وجل - شيء حقيقي ينافي هذه الحقائق التي خلقها الله ، فخَلَقَ الله - عز وجل - في هذا العصر من جملة ما خلق آلة صمَّاء بكماء هي " الراديو " ، فنحن نسمع " الراديو " يتكلم بكلام عربي مبين ، لا له شفة ، ولا له أسنان ، ولا له لهاة ، ولا ولا إلى أي شيء ؛ هذا في الحقيقة من أكبر آيات الله في هذا العصر للرَّدِّ على المؤوِّلة - أي : المعطِّلة - الذين يتخيَّلون أنُّو ضروري يكون الله مثل حكايتنا في كلامه ، لكن هو ليس مثلنا ؛ إذًا أنكرنا كلامه ... فخلق الله - عز وجل - " الراديو " يتكلم بدون إيش ؟ أي : آلة ، أي : لسان مما هو معروف لدينا بأنُّو هو الأخرس - مثلًا - لماذا لا يتكلم ؟ فيه نقص هناك طبعًا - أنا لست طبيبًا - ، فيه نقص في تركيبه الجسدي ، فلم يستطع أن يتكلم ، الله - عز وجل - خلق " الراديو " يتكلَّم بأوضح كلام في أيِّ لغة من لغات الدنيا ، وهو ليس له أيُّ آلة من آلة الإنسان التي يتكلم بها عادةً .
إذا كان الله خلق الله آلة جامدة تتكلم بدون هذه الوسائل ؛ أليس الله - عز وجل - بقادر على أن يتكلَّم بدون لسان وشفتين وأسنان و و ؟ بلى ؛ إنه على ذلك قدير كل القدرة ... فانظروا إذًا كيف أنُّو المعتزلة ضاق عقلهم أن يتفكَّروا ويعلموا أن الله مش ضروري إذا وصف نفسه بأنه يتكلَّم أن يكون كالإنسان له أعضاء الإنسان التي يتكلم بها ، هذه آية من آيات الله " الراديو " كما قلنا .
باختصار : هذا التأويل الذي ذهب إليه كثير من المتأخِّرين وقليل من المتقدِّمين كان سببًا لانحراف لعلماء كبار عن طريق السنة والصحابة الذين كانوا يؤمنون بكلِّ ما وصف الله - عز وجل - به نفسه بشرط الإثبات والتنزيه ؛ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

Webiste