نعلم بأن الإسلام اليوم محارب في جميع الأرض مع عدم اهتمام الحكومات بذلك ؛ فماذا علينا نحن في هذا الأمر ؟ وهل نأثم على جلوسنا بدون عمل أيِّ شيء ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : تفضل .
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم .
سائل آخر : ارفع صوتك أبا عمار .
السائل : خيرًا إن شاء الله .
نعلم - شيخنا - في هذه الأيام الإسلام محارب في جميع الأرض ، وبعدم اهتمام من الحكومات ؛ فماذا علينا نحن في هذا الأمر ؟ وهل نأثم بجلوسنا بعدم عمل أيِّ شيء ؟ هذا السؤال الأول .
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، مَن يهده الله فلا مضلَّ له ، ومَن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ، أما بعد :
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
السؤال كأنه من حيث ظاهره وألفاظه أقلُّ مما يقصده لافِظُه ، حين يقول : نقعد ولا نعمل أيَّ شيء ؛ فهو يعني في أيِّ شيء ليس أي شيء مطلقًا ، وإنما يعني شيئًا معيَّنًا ؛ لأنه لا أحد إطلاقًا يقول بأنَّ المسلم عليه أن يعيش كما تعيش الأنعام لا يعمل أيَّ شيء ؛ لأنه خُلِقَ لشيء عظيم جدًّا ؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له ؛ ولذلك فلا يتبادر إلى ذهن أحد من مثل هذا السؤال أنه يقصد أن لا يعمل أيَّ شيء ، وإنما يقصد أن لا يعمل شيئًا يناسب هذا الواقع الذي أحاطَ بالمسلمين من كلِّ جانب ، هذا هو الظاهر من مقصود السَّائل وليس من ملفوظ السَّائل .
السائل : نعم ، جزاك الله خير .
الشيخ : وعلى ذلك نجيبه ؛ إن وضع المسلمين اليوم لا يختلف كثيرًا ولا قليلًا عمَّا كان عليه وضع الدعوة الإسلامية في عهدها . أقول : لا يختلف وضع الدعوة الإسلامية اليوم لا في قليل ولا كثير عمَّا كانت عليه الدعوة الإسلامية في عهدها الأول ؛ ألا وهو العهد المكي ، وكلُّنا يعلم أن القائم على الدعوة يومئذٍ هو نبيُّنا محمد .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وعليكم السلام .
أعني بهذه الكلمة أن الدعوة كانت مُحاربة من القوم الذين بُعِثَ فيهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أنفسهم كما في القرآن الكريم ، ثم لما بدأت الدعوة تنتشر وتتَّسع دائرتها بين القبائل العربية حتى أُمِرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالهجرة من مكة إلى المدينة ، طبعًا نحن نأتي الآن برؤوس أقلام ؛ لأن التاريخ الإسلامي الأول والسيرة النبوية الأولى معروفة معلومة عند كثير من الحاضرين ؛ لأنني أقصد بهذا الإيجاز والاختصار الوصول إلى المقصود من الإجابة على ذاك السؤال ؛ ولذلك فإني أقول : بعد أن هاجر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتَبِعَه بعضُ أصحابه إلى المدينة ، وبدأ - عليه الصلاة والسلام - يضع النواة لإقامة الدولة المسلمة هناك في المدينة المنورة بدأت - أيضًا - عداوة جديدة بين هذه الدعوة الجديدة - أيضًا - في المدينة ؛ حيث اقتربت الدعوة من عقر دار النصارى وهي سوريا يومئذٍ التي كان فيها " هرقل " ملك الروم ، فصار هناك عداء جديد للدعوة ليس فقط من العرب في الجزيرة العربية ، بل ومن النصارى - أيضًا - في شمال الجزيرة العربية ؛ أي : من سوريا ، ثم - أيضًا - ظَهَرَ عدوٌّ آخر ؛ ألا وهو فارس ، فصارت الدعوة الإسلامية محاربة من كلِّ الجهات من المشركين في الجزيرة العربية ، ومن النصارى واليهود في بعض أطرافها ، ثم من قِبَل فارس التي كان العداء بينها وبين النصارى شديدًا كما هو معلوم من قوله - تبارك وتعالى - : الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ .
الشاهد هنا : لا نستغربَنَّ وضع الدعوة الإسلامية الآن من حيث أنها تُحارب من كلِّ جانب ، فمن هذه الحيثية كانت الدعوة الإسلامية في منطلَقِها الأول - أيضًا - كذلك محاربة من كل الجهات ، وحينئذٍ يأتي السؤال والجواب : ما هو العمل ؟ ماذا عمل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه الذين كانوا أو كان عددهم يومئذٍ قليلًا بالنسبة لعدد المسلمين اليوم حيث صار عددًا كثيرًا وكثيرًا جدًّا ؟
هنا يبدأ الجواب ، هل حارَبَ المسلمون العرب المُعادين لهم - أي : قومهم - في أول الدعوة ؟ هل حارب المسلمون النصارى في أول الأمر ؟ هل حاربوا فارس في أول الأمر ؟ الجواب : لا لا ، كلُّ ذلك الجواب : لا ؛ إذًا ماذا فعل المسلمون ؟ نحن الآن يجب أن نفعل ما فعل المسلمون الأولون تمامًا ؛ لأنَّ ما يصيبنا هو الذي أصابهم ، وما عالجوا بهم مصيبَتَهم هو الذي يجب علينا أن نُعالج مصيبتنا .
وأظن أن هذه المقدمة تُوحي للحاضرين جميعًا الجواب إشارةً ، وستتأيَّد هذه الإشارة بصريح العبارة فأقول : يبدو من هذا التسلسل التاريخي والمنطقي في آنٍ واحد أنَّ الله - عز وجل - إنما نصر المؤمنين الأوَّلين الذين كان عددهم قليلًا جدًّا بالنسبة للكافرين والمشركين جميعًا من كلِّ مذاهبهم ومِلَلِهم ؛ إنما نصرهم الله - تبارك وتعالى - بإيمانهم ؛ إذًا ما كان العلاج أو الدواء يومئذٍ لذلك العداء الشديد الذين كان يُحيط بالدعوة هو نفس الدواء ونفس العلاج الذي ينبغي على المسلمين اليوم أن يتعاطوه لتتحقَّق ثمرة هذه المعالجة كما تحقَّقت ثمرة تلك المعالجة الأولى ، والأمر كما يُقال : " التاريخ يعيد نفسه " ، بل خيرٌ من هذا القول أن نقول : إن لله - عز وجل - في عباده وفي كونه الذي خَلَقَه وأحسن خلقَه ، ونظَّمه وأحسن تنظيمه ؛ له في ذلك كله سنن لا تتغيَّر ولا تتبدَّل ، سنة الله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا .
هذه السُّنن لا بد للمسلم أن يلاحظها وأن يرعاها حقَّ رعايتها ، وبخاصَّة ما كان منها من السنن الشرعية ، هناك سنن شرعية وهناك سنن كونية ، وقد يُقال اليوم في العصر الحاضر سنن طبيعية ، هذه السنن الكونية الطبيعية يشترك في معرفتها المسلم والكافر ، والصالح والطالح ؛ بمعنى ما الذي يقوِّم حياة الإنسان البدنية ؟ الطعام والشراب والهواء النقي ونحو ذلك ، فإذا الإنسان لم يأكل ، لم يشرب ، لم يتنفَّس الهواء النقي ؛ فمعنى ذلك أنه عرَّضَ نفسه للموت موتًا مادِّيًّا . هل يمكنه أن يعيش إذا ما خرجَ عن اتِّخاذ هذه السنن الكونية ؟ الجواب : لا ، سنة الله ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا .
هذا - كما قلت آنفًا - يعرفه معرفةً تجربيَّة كلُّ إنسان ، لا فرق بين المسلم والكافر والصالح والطالح ، لكن الذي يهمُّنا الآن أن نعرف أن هناك سننًا شرعية ، يجب أن نعلم أن هناك سننًا شرعية ، مَن اتَّخَذَها وصلَ إلى أهدافها وجنى منها ثمراتها ، ومن لم يتَّخِذْها فسوف لن يصل إلى الغايات التي وُضِعَت تلك السنن الشرعية لها ، تمامًا كما قلنا بالنسبة للسنن الكونية إذا تبنَّاها الإنسان وطبَّقَها وصل إلى أهدافها ، كذلك السنن الشرعية إذا أخَذَها المسلم تحقَّقت الغاية التي وضع الله تلك السنن من أجلها من أجل تحقيقها ، وإلا فلا .
أظن هذا الكلام مفهوم ، ولكن يحتاج إلى شيء من التوضيح ، وهنا بيت القصيد ، وهنا يبدأ الجواب عن ذاك السؤال الهامِّ .
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم .
سائل آخر : ارفع صوتك أبا عمار .
السائل : خيرًا إن شاء الله .
نعلم - شيخنا - في هذه الأيام الإسلام محارب في جميع الأرض ، وبعدم اهتمام من الحكومات ؛ فماذا علينا نحن في هذا الأمر ؟ وهل نأثم بجلوسنا بعدم عمل أيِّ شيء ؟ هذا السؤال الأول .
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، مَن يهده الله فلا مضلَّ له ، ومَن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ، أما بعد :
فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
السؤال كأنه من حيث ظاهره وألفاظه أقلُّ مما يقصده لافِظُه ، حين يقول : نقعد ولا نعمل أيَّ شيء ؛ فهو يعني في أيِّ شيء ليس أي شيء مطلقًا ، وإنما يعني شيئًا معيَّنًا ؛ لأنه لا أحد إطلاقًا يقول بأنَّ المسلم عليه أن يعيش كما تعيش الأنعام لا يعمل أيَّ شيء ؛ لأنه خُلِقَ لشيء عظيم جدًّا ؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له ؛ ولذلك فلا يتبادر إلى ذهن أحد من مثل هذا السؤال أنه يقصد أن لا يعمل أيَّ شيء ، وإنما يقصد أن لا يعمل شيئًا يناسب هذا الواقع الذي أحاطَ بالمسلمين من كلِّ جانب ، هذا هو الظاهر من مقصود السَّائل وليس من ملفوظ السَّائل .
السائل : نعم ، جزاك الله خير .
الشيخ : وعلى ذلك نجيبه ؛ إن وضع المسلمين اليوم لا يختلف كثيرًا ولا قليلًا عمَّا كان عليه وضع الدعوة الإسلامية في عهدها . أقول : لا يختلف وضع الدعوة الإسلامية اليوم لا في قليل ولا كثير عمَّا كانت عليه الدعوة الإسلامية في عهدها الأول ؛ ألا وهو العهد المكي ، وكلُّنا يعلم أن القائم على الدعوة يومئذٍ هو نبيُّنا محمد .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وعليكم السلام .
أعني بهذه الكلمة أن الدعوة كانت مُحاربة من القوم الذين بُعِثَ فيهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أنفسهم كما في القرآن الكريم ، ثم لما بدأت الدعوة تنتشر وتتَّسع دائرتها بين القبائل العربية حتى أُمِرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالهجرة من مكة إلى المدينة ، طبعًا نحن نأتي الآن برؤوس أقلام ؛ لأن التاريخ الإسلامي الأول والسيرة النبوية الأولى معروفة معلومة عند كثير من الحاضرين ؛ لأنني أقصد بهذا الإيجاز والاختصار الوصول إلى المقصود من الإجابة على ذاك السؤال ؛ ولذلك فإني أقول : بعد أن هاجر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتَبِعَه بعضُ أصحابه إلى المدينة ، وبدأ - عليه الصلاة والسلام - يضع النواة لإقامة الدولة المسلمة هناك في المدينة المنورة بدأت - أيضًا - عداوة جديدة بين هذه الدعوة الجديدة - أيضًا - في المدينة ؛ حيث اقتربت الدعوة من عقر دار النصارى وهي سوريا يومئذٍ التي كان فيها " هرقل " ملك الروم ، فصار هناك عداء جديد للدعوة ليس فقط من العرب في الجزيرة العربية ، بل ومن النصارى - أيضًا - في شمال الجزيرة العربية ؛ أي : من سوريا ، ثم - أيضًا - ظَهَرَ عدوٌّ آخر ؛ ألا وهو فارس ، فصارت الدعوة الإسلامية محاربة من كلِّ الجهات من المشركين في الجزيرة العربية ، ومن النصارى واليهود في بعض أطرافها ، ثم من قِبَل فارس التي كان العداء بينها وبين النصارى شديدًا كما هو معلوم من قوله - تبارك وتعالى - : الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ .
الشاهد هنا : لا نستغربَنَّ وضع الدعوة الإسلامية الآن من حيث أنها تُحارب من كلِّ جانب ، فمن هذه الحيثية كانت الدعوة الإسلامية في منطلَقِها الأول - أيضًا - كذلك محاربة من كل الجهات ، وحينئذٍ يأتي السؤال والجواب : ما هو العمل ؟ ماذا عمل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه الذين كانوا أو كان عددهم يومئذٍ قليلًا بالنسبة لعدد المسلمين اليوم حيث صار عددًا كثيرًا وكثيرًا جدًّا ؟
هنا يبدأ الجواب ، هل حارَبَ المسلمون العرب المُعادين لهم - أي : قومهم - في أول الدعوة ؟ هل حارب المسلمون النصارى في أول الأمر ؟ هل حاربوا فارس في أول الأمر ؟ الجواب : لا لا ، كلُّ ذلك الجواب : لا ؛ إذًا ماذا فعل المسلمون ؟ نحن الآن يجب أن نفعل ما فعل المسلمون الأولون تمامًا ؛ لأنَّ ما يصيبنا هو الذي أصابهم ، وما عالجوا بهم مصيبَتَهم هو الذي يجب علينا أن نُعالج مصيبتنا .
وأظن أن هذه المقدمة تُوحي للحاضرين جميعًا الجواب إشارةً ، وستتأيَّد هذه الإشارة بصريح العبارة فأقول : يبدو من هذا التسلسل التاريخي والمنطقي في آنٍ واحد أنَّ الله - عز وجل - إنما نصر المؤمنين الأوَّلين الذين كان عددهم قليلًا جدًّا بالنسبة للكافرين والمشركين جميعًا من كلِّ مذاهبهم ومِلَلِهم ؛ إنما نصرهم الله - تبارك وتعالى - بإيمانهم ؛ إذًا ما كان العلاج أو الدواء يومئذٍ لذلك العداء الشديد الذين كان يُحيط بالدعوة هو نفس الدواء ونفس العلاج الذي ينبغي على المسلمين اليوم أن يتعاطوه لتتحقَّق ثمرة هذه المعالجة كما تحقَّقت ثمرة تلك المعالجة الأولى ، والأمر كما يُقال : " التاريخ يعيد نفسه " ، بل خيرٌ من هذا القول أن نقول : إن لله - عز وجل - في عباده وفي كونه الذي خَلَقَه وأحسن خلقَه ، ونظَّمه وأحسن تنظيمه ؛ له في ذلك كله سنن لا تتغيَّر ولا تتبدَّل ، سنة الله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا .
هذه السُّنن لا بد للمسلم أن يلاحظها وأن يرعاها حقَّ رعايتها ، وبخاصَّة ما كان منها من السنن الشرعية ، هناك سنن شرعية وهناك سنن كونية ، وقد يُقال اليوم في العصر الحاضر سنن طبيعية ، هذه السنن الكونية الطبيعية يشترك في معرفتها المسلم والكافر ، والصالح والطالح ؛ بمعنى ما الذي يقوِّم حياة الإنسان البدنية ؟ الطعام والشراب والهواء النقي ونحو ذلك ، فإذا الإنسان لم يأكل ، لم يشرب ، لم يتنفَّس الهواء النقي ؛ فمعنى ذلك أنه عرَّضَ نفسه للموت موتًا مادِّيًّا . هل يمكنه أن يعيش إذا ما خرجَ عن اتِّخاذ هذه السنن الكونية ؟ الجواب : لا ، سنة الله ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا .
هذا - كما قلت آنفًا - يعرفه معرفةً تجربيَّة كلُّ إنسان ، لا فرق بين المسلم والكافر والصالح والطالح ، لكن الذي يهمُّنا الآن أن نعرف أن هناك سننًا شرعية ، يجب أن نعلم أن هناك سننًا شرعية ، مَن اتَّخَذَها وصلَ إلى أهدافها وجنى منها ثمراتها ، ومن لم يتَّخِذْها فسوف لن يصل إلى الغايات التي وُضِعَت تلك السنن الشرعية لها ، تمامًا كما قلنا بالنسبة للسنن الكونية إذا تبنَّاها الإنسان وطبَّقَها وصل إلى أهدافها ، كذلك السنن الشرعية إذا أخَذَها المسلم تحقَّقت الغاية التي وضع الله تلك السنن من أجلها من أجل تحقيقها ، وإلا فلا .
أظن هذا الكلام مفهوم ، ولكن يحتاج إلى شيء من التوضيح ، وهنا بيت القصيد ، وهنا يبدأ الجواب عن ذاك السؤال الهامِّ .
الفتاوى المشابهة
- العمل بهذا الإسلام والدعوة إليه ولو آية واحدة. - ابن عثيمين
- دعوة الكتاب والسنة دعوة علم وعمل ، ما هي حقيقة... - الالباني
- نحن نعيش في بلادنا تحت ظلِّ حكومة علمانية لا ت... - الالباني
- ما هو السبيل إلى العمل للإسلام ؟ - الالباني
- ما هو تصوُّركم الشخصي لهذه الجماعات الإسلامية... - الالباني
- الكلام على أهمية اهتمام الدعاة بالسنة وبيان ضل... - الالباني
- الكلام على أهمية اهتمام الدعاة بالسنة ، وبيان... - الالباني
- بيان العلاج الناجع الذي لابد أن يسلكه المسلمون... - الالباني
- كيف واجهه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين... - الالباني
- ما علينا فعله شيخنا ونحن نرى الإسلام يحارب من... - الالباني
- نعلم بأن الإسلام اليوم محارب في جميع الأرض مع... - الالباني