ذكر مثال عن الحديث الشَّاذ .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : أضرب لكم مثلًا للحديث الشاذ من باب كما يقال : " رمي عصفورين بحجر واحد " ، أول ذلك التمثيل للحديث الشاذ ، وثاني ذلك التَّنبيه على ضعف هذه الزيادة ؛ لأنها قد وردت في أحد " الصحيحين " ؛ ألا وهو حديث مسلم في " صحيحه " عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال يومًا - هذا القول صحيح لكن الشاهد فيما يأتي - : يدخل الجنَّة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ، قال - عليه الصلاة والسلام - هذا الحديث ، ثم دخل حجرته ، فأخذ أصحابه يتظنَّنون ويتحزَّرون بينهم مَن يكون هؤلاء الذين يُغبطون حيث يدخلون الجنَّة بغير حساب ولا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر ؟ بعضهم يقول : من يكون هؤلاء إلا المهاجرون الذين هاجروا من مكة ، وهربوا بدينهم إلى المدينة أو غيرها كالحبشة ؟ وبعضهم يقول : إنما هم الأنصار الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ساعة العُسرة ؟ وبعضهم يقول : لا هؤلاء ولا هؤلاء ، وإنما هم أبناؤهم الذين يأتون من بعدهم ؛ يؤمنون بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يروه ، فما كادوا أن يتمُّوا تحزُّرهم هذا حتى طلع عليهم الرسول - عليه السلام - ليتمَّ لهم حديثه الأول فقال : هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكَّلون ، فقام رجل من الصحابة اسمه عكاشة - ويجوز عكَّاشة - قال : " يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم " . قال : أنت منهم . فقام آخر فقال قولة الأول : " ادع الله أن يجعلني منهم " . قال : سبقك بها عكاشة .
هذا الحديث بهذا السياق صحيح متفق عليه بين الشيخين ؛ أين الشذوذ ؟ تفرَّد مسلم في رواية له بقوله في وصف أولئك السبعين ألف : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ؛ فماذا زاد ؟ يرقون ، قال : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ، الحديث المتفق بين الشيخين دون زيادة : لا يرقون ، وإنما هو بلفظ : هم الذين لا يسترقون ، تفرَّد مسلم في إحدى روايتيه بقوله : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ؛ هل في سند الإمام مسلم لهذه الزيادة من يستحقُّ أن يُوصف بالضعف أو أن يُوصف حديثه بالنكارة ؟ الجواب : لا ، كلُّ رواته عنده من شيخه إلى صحابيِّ الحديث كلُّهم ثقات ، بل وحفَّاظ ؛ من أين جاء ضعف هذه الزيادة : لا يرقون ؟ من تفرُّد شيخ لمسلم هو الإمام الحافظ سعيد بن منصور الذي طُبع بعض أجزاء كتابه " السنن " في الهند ، هذا الحافظ سها فجاء بهذه الزيادة : لا يرقون ، كيف حكمنا على هذا الحافظ بأنه سها ولم يحفظ وهو ضد الصفة - وعليكم السلام - ضد الصفة التي وُصف بها هذا الإمام عند جميع المحدِّثين ؟ فهو من أوائل من ذكرهم الحافظ النَّقاد الذهبي الدمشقي في كتابه " تذكرة الحفاظ " ، فكيف استطعنا أن نحكم بأن زيادة هذا الحافظ في خصوص هذا الحديث زيادة شاذة ؟
وأقولها بصراحة : لم أجد من أستشهد به على حكمي على هذه الزيادة بأنها زيادة شاذة حينما درَّست هذا الحديث في الجامعة الإسلامية قبل نحو أكثر من ثلاثين سنة ، ثم لما حصَّلت نسخة من كتاب " الفتاوي " للإمام ابن تيمية - رحمه الله - وجدته يقول بأن هذه الزيادة إسنادها ضعيف .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : هكذا . وعليكم السلام ورحمة الله .
فاطمأنَنْتُ بعض الشيء لحكمي هذا ، ولكنني ازددت علمًا ويقينًا بصحة حكمي لأنني اعتمدت في ذلك على ما عليه علماء الحديث ، وعلى ما هو الراجح عند علماء الحديث ؛ أن زيادة الثقة ليست مقبولة على الإطلاق ، وإنما إذا تساويا الثقتان فزاد أحدهما على الآخر ؛ هنا يُقال زيادة الثقة مقبولة ، هنا ليس الأمر كذلك ؛ لأن هذا الحديث مداره فيما أذكر على راوٍ اسمه عبد الرحمن بن أبي حصين ، وعليه دارت الطرق ، فالطرق كلها جاءت عنه بإسناده الصحيح إلى ابن عباس في هذا الحديث باللفظ الثاني : هم الذين لا يسترقون ، تفرَّد سعيد بن منصور دون هؤلاء الحفاظ الذين رووا الحديث - الآن تذكرت شيئًا فاتني - من طريق هشيم عن عبد الرحمن بن أبي حصين ، فتفرَّد سعيد بن منصور بهذه الزيادة عن هشيم ، وهشيم هذا من الحفاظ - أيضًا - ؛ فاطمأنَنْتُ لحكمي ، وظننتُ أن قول ابن تيمية كان قولًا ليس فيه الفحص الدَّقيق ، أطلق الضعف ولم يبيِّن السبب ، فقد يشكل على طالب العلم حينما يجد هذا الحديث في " صحيح مسلم " ، ومع ذلك يقول ابن تيمية : إنه حديث ضعيف أو إسناده ضعيف ، لكن إذا عرف تفصيل سبب الضعف زال ما يُشكل على نفسه ، وكما قيل : " إذا عُرف السبب بطل العجب " ؛ فإذًا صحة الحديث : هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكلون ، هذا بيان ضعف هذه الزيادة من حيث إسنادها .
ثم يأتي شيء آخر يسمَّى عند المحدثين بنقد السند ، ويسمَّى عند الأوروبيين - مع الأسف - الذين استفادوا من علمنا أكثر من كثير من أصحابنا وأهلنا ؛ لأنهم عرفوا قيمة هذا العلم ؛ حتى صرَّح بعض كفَّارهم أن الأمة الإسلامية تفرَّدت بهذه المنقبة ؛ وهي وجود الأسانيد في كل الروايات التي تروى عن نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - دون الأمم كلِّها قديمها وحديثها ، ولذلك بدأ بعضهم يدرسون هذا العلم ، فاصطلحوا هم اصطلاحًا جديدًا فيه معنى جديد لا يُنافي الاصطلاح القديم ، الاصطلاح القديم يقول : نقد السند ونقد المتن ، هم قالوا : النقد الداخلي أو النقد الخارجي ، فالنقد الخارجي هو السند ، والنقد الداخلي هو المتن ، فأنا أقول الآن بعد أن نقدنا إسناد هذا الحديث وهو النقد الخارجي ؛ نعود الآن إلى بيان أن في المتن نقدًا داخليًّا ؛ أي حتى لو كان إسناد هذا الحديث صحيحًا فسينقلب النقد الخارجي إلى نقد داخلي ، سينقلب النقد من نقد السند لأنَّه لا نقد فيه إلى نقد المتن ؛ لأن فيه نكارة وشذوذًا ، إذا ما عرضنا هذا المتن على بقيَّة الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - . لا يخفى على الجميع أن الفرق بين هذين اللفظين ظاهر جدًّا هم الذين لا يرقون ؛ أي : غيرهم ، الرقية تصدر من عندهم ، وتُصَبُّ على غيرهم ، هذا معنى لا يرقون ، ولا يسترقون ؛ أي : لا يطلبون الرقية من غيرهم ، ففرق واضح بين معنى اللفظين ، فإذا أردنا أن نتأمَّل في معنى اللفظ الأول نجده يتباين ويتنافر مع سنَّته - عليه الصلاة والسلام - القولية والفعلية التطبيقية ، فأنتم تعلمون أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرقي ، وكان بصورة خاصَّة يرقي ولدَيه الحسن والحسين ، فيقول لهما إذا ما رآهما واضعًا يديه على رأسيهما : أعيذكما بكلمات الله التامَّة من كلِّ شيطان وهامَّة وعين لامَّة ، فكيف يصح - والحالة هذه - - وهذا مثال - أن يقول الرسول في وصف السَّبعين ألف بأنهم لا يرقون غيرهم ؟ هذا معنًى منبوذٌ مرفوضٌ لمواظبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على رقية الآخرين ؛ فهل هو ليس من السبعين ألف ؟ هذا غير منطقي وغير شرعي ، هذا فعله .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
أما قوله ؛ فهو ما رواه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال - وقد سُئل عن رقى يتداولها أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يومئذٍ - فقال : من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه ؛ فليفعل ؛ إذًا هنا أمرٌ بأن يرقي المسلم أخاه برقية مشروعة لعله ينتفع به أخوه ، كيف يكون من صفات السبعين ألف أنهم لا يَرقُون غيرهم ؟ فثبتَ أن هذه الزيادة زيادة شاذَّة سندًا ومتنًا ، وبذلك يظهر الفرق بين زيادة الثقة مقبولة وبين أن الحديث الشاذ ليس مقبولًا .
باختصار أقول : زيادة الثقة المقبولة حينما يكون أحدهما كالآخر في الثقة ، فإذا زاد أحد الثقتَين المتساويَين في الثقة والعدالة على أحدهما قُبلت زيادته ،أما إذا كان أحدُهما أحفظَ من الآخر ، والآخر دون الأول في الحفظ ؛ حينئذٍ تُرفض الزيادة ؛ لأنه زاد على الثقة ، والمفروض في الثقة الحافظ الأضبط أن يكون أحفظ من الذي هو دونه في الحفظ والضبط ، فإذا ما عكسنا الموضوع وقلنا : تُقبل زيادة الثقة مطلقًا لَزِمَنا حينذاك الغمز فيمن كان هو الأحفظ ، وبأولى ومن باب أولى - كما يُقال - لَزِمَنا حينذاك أن نخطِّئ جماعة الحفَّاظ الذين رَوَوا الحديث دون هذه الزيادة ، ورواها ذلك الثقة متفرِّدًا بها ، هنا لا مناص ولا بد من توهين أو تخطئة أحد الصِّنفين ؛ إما أن نوهِّم الثقة الفرد الذي زاد على الجماعة ، أو على الأحفظ والأضبط ، وإما أن نثق بهؤلاء وننسبهم إلى الضبط والحفظ كما هو شأنهم ووصفهم ، ونخطِّئ الثقة الواحد ، وإذا دار الأمر بين مفسدتين - هذه قاعدة أصولية ليس لها علاقة بالحديث ، لكنها تنفعنا أيضًا في علم الحديث - إذا دار الأمر بين مفسدتين لا بدَّ للمسلم أن يقع في أحدهما ؛ فحينذاك يختار أقلَّهما شرًّا ، فالأقل شرًّا أن نوهِّم ونخطِّئ الثقة من أن نوهِّنَ الأوثق أو الأكثر حفظًا . هذا خلاصة ما ذكرنا .
هذا الحديث بهذا السياق صحيح متفق عليه بين الشيخين ؛ أين الشذوذ ؟ تفرَّد مسلم في رواية له بقوله في وصف أولئك السبعين ألف : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ؛ فماذا زاد ؟ يرقون ، قال : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ، الحديث المتفق بين الشيخين دون زيادة : لا يرقون ، وإنما هو بلفظ : هم الذين لا يسترقون ، تفرَّد مسلم في إحدى روايتيه بقوله : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ؛ هل في سند الإمام مسلم لهذه الزيادة من يستحقُّ أن يُوصف بالضعف أو أن يُوصف حديثه بالنكارة ؟ الجواب : لا ، كلُّ رواته عنده من شيخه إلى صحابيِّ الحديث كلُّهم ثقات ، بل وحفَّاظ ؛ من أين جاء ضعف هذه الزيادة : لا يرقون ؟ من تفرُّد شيخ لمسلم هو الإمام الحافظ سعيد بن منصور الذي طُبع بعض أجزاء كتابه " السنن " في الهند ، هذا الحافظ سها فجاء بهذه الزيادة : لا يرقون ، كيف حكمنا على هذا الحافظ بأنه سها ولم يحفظ وهو ضد الصفة - وعليكم السلام - ضد الصفة التي وُصف بها هذا الإمام عند جميع المحدِّثين ؟ فهو من أوائل من ذكرهم الحافظ النَّقاد الذهبي الدمشقي في كتابه " تذكرة الحفاظ " ، فكيف استطعنا أن نحكم بأن زيادة هذا الحافظ في خصوص هذا الحديث زيادة شاذة ؟
وأقولها بصراحة : لم أجد من أستشهد به على حكمي على هذه الزيادة بأنها زيادة شاذة حينما درَّست هذا الحديث في الجامعة الإسلامية قبل نحو أكثر من ثلاثين سنة ، ثم لما حصَّلت نسخة من كتاب " الفتاوي " للإمام ابن تيمية - رحمه الله - وجدته يقول بأن هذه الزيادة إسنادها ضعيف .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : هكذا . وعليكم السلام ورحمة الله .
فاطمأنَنْتُ بعض الشيء لحكمي هذا ، ولكنني ازددت علمًا ويقينًا بصحة حكمي لأنني اعتمدت في ذلك على ما عليه علماء الحديث ، وعلى ما هو الراجح عند علماء الحديث ؛ أن زيادة الثقة ليست مقبولة على الإطلاق ، وإنما إذا تساويا الثقتان فزاد أحدهما على الآخر ؛ هنا يُقال زيادة الثقة مقبولة ، هنا ليس الأمر كذلك ؛ لأن هذا الحديث مداره فيما أذكر على راوٍ اسمه عبد الرحمن بن أبي حصين ، وعليه دارت الطرق ، فالطرق كلها جاءت عنه بإسناده الصحيح إلى ابن عباس في هذا الحديث باللفظ الثاني : هم الذين لا يسترقون ، تفرَّد سعيد بن منصور دون هؤلاء الحفاظ الذين رووا الحديث - الآن تذكرت شيئًا فاتني - من طريق هشيم عن عبد الرحمن بن أبي حصين ، فتفرَّد سعيد بن منصور بهذه الزيادة عن هشيم ، وهشيم هذا من الحفاظ - أيضًا - ؛ فاطمأنَنْتُ لحكمي ، وظننتُ أن قول ابن تيمية كان قولًا ليس فيه الفحص الدَّقيق ، أطلق الضعف ولم يبيِّن السبب ، فقد يشكل على طالب العلم حينما يجد هذا الحديث في " صحيح مسلم " ، ومع ذلك يقول ابن تيمية : إنه حديث ضعيف أو إسناده ضعيف ، لكن إذا عرف تفصيل سبب الضعف زال ما يُشكل على نفسه ، وكما قيل : " إذا عُرف السبب بطل العجب " ؛ فإذًا صحة الحديث : هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكلون ، هذا بيان ضعف هذه الزيادة من حيث إسنادها .
ثم يأتي شيء آخر يسمَّى عند المحدثين بنقد السند ، ويسمَّى عند الأوروبيين - مع الأسف - الذين استفادوا من علمنا أكثر من كثير من أصحابنا وأهلنا ؛ لأنهم عرفوا قيمة هذا العلم ؛ حتى صرَّح بعض كفَّارهم أن الأمة الإسلامية تفرَّدت بهذه المنقبة ؛ وهي وجود الأسانيد في كل الروايات التي تروى عن نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - دون الأمم كلِّها قديمها وحديثها ، ولذلك بدأ بعضهم يدرسون هذا العلم ، فاصطلحوا هم اصطلاحًا جديدًا فيه معنى جديد لا يُنافي الاصطلاح القديم ، الاصطلاح القديم يقول : نقد السند ونقد المتن ، هم قالوا : النقد الداخلي أو النقد الخارجي ، فالنقد الخارجي هو السند ، والنقد الداخلي هو المتن ، فأنا أقول الآن بعد أن نقدنا إسناد هذا الحديث وهو النقد الخارجي ؛ نعود الآن إلى بيان أن في المتن نقدًا داخليًّا ؛ أي حتى لو كان إسناد هذا الحديث صحيحًا فسينقلب النقد الخارجي إلى نقد داخلي ، سينقلب النقد من نقد السند لأنَّه لا نقد فيه إلى نقد المتن ؛ لأن فيه نكارة وشذوذًا ، إذا ما عرضنا هذا المتن على بقيَّة الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - . لا يخفى على الجميع أن الفرق بين هذين اللفظين ظاهر جدًّا هم الذين لا يرقون ؛ أي : غيرهم ، الرقية تصدر من عندهم ، وتُصَبُّ على غيرهم ، هذا معنى لا يرقون ، ولا يسترقون ؛ أي : لا يطلبون الرقية من غيرهم ، ففرق واضح بين معنى اللفظين ، فإذا أردنا أن نتأمَّل في معنى اللفظ الأول نجده يتباين ويتنافر مع سنَّته - عليه الصلاة والسلام - القولية والفعلية التطبيقية ، فأنتم تعلمون أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرقي ، وكان بصورة خاصَّة يرقي ولدَيه الحسن والحسين ، فيقول لهما إذا ما رآهما واضعًا يديه على رأسيهما : أعيذكما بكلمات الله التامَّة من كلِّ شيطان وهامَّة وعين لامَّة ، فكيف يصح - والحالة هذه - - وهذا مثال - أن يقول الرسول في وصف السَّبعين ألف بأنهم لا يرقون غيرهم ؟ هذا معنًى منبوذٌ مرفوضٌ لمواظبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على رقية الآخرين ؛ فهل هو ليس من السبعين ألف ؟ هذا غير منطقي وغير شرعي ، هذا فعله .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
أما قوله ؛ فهو ما رواه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال - وقد سُئل عن رقى يتداولها أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يومئذٍ - فقال : من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه ؛ فليفعل ؛ إذًا هنا أمرٌ بأن يرقي المسلم أخاه برقية مشروعة لعله ينتفع به أخوه ، كيف يكون من صفات السبعين ألف أنهم لا يَرقُون غيرهم ؟ فثبتَ أن هذه الزيادة زيادة شاذَّة سندًا ومتنًا ، وبذلك يظهر الفرق بين زيادة الثقة مقبولة وبين أن الحديث الشاذ ليس مقبولًا .
باختصار أقول : زيادة الثقة المقبولة حينما يكون أحدهما كالآخر في الثقة ، فإذا زاد أحد الثقتَين المتساويَين في الثقة والعدالة على أحدهما قُبلت زيادته ،أما إذا كان أحدُهما أحفظَ من الآخر ، والآخر دون الأول في الحفظ ؛ حينئذٍ تُرفض الزيادة ؛ لأنه زاد على الثقة ، والمفروض في الثقة الحافظ الأضبط أن يكون أحفظ من الذي هو دونه في الحفظ والضبط ، فإذا ما عكسنا الموضوع وقلنا : تُقبل زيادة الثقة مطلقًا لَزِمَنا حينذاك الغمز فيمن كان هو الأحفظ ، وبأولى ومن باب أولى - كما يُقال - لَزِمَنا حينذاك أن نخطِّئ جماعة الحفَّاظ الذين رَوَوا الحديث دون هذه الزيادة ، ورواها ذلك الثقة متفرِّدًا بها ، هنا لا مناص ولا بد من توهين أو تخطئة أحد الصِّنفين ؛ إما أن نوهِّم الثقة الفرد الذي زاد على الجماعة ، أو على الأحفظ والأضبط ، وإما أن نثق بهؤلاء وننسبهم إلى الضبط والحفظ كما هو شأنهم ووصفهم ، ونخطِّئ الثقة الواحد ، وإذا دار الأمر بين مفسدتين - هذه قاعدة أصولية ليس لها علاقة بالحديث ، لكنها تنفعنا أيضًا في علم الحديث - إذا دار الأمر بين مفسدتين لا بدَّ للمسلم أن يقع في أحدهما ؛ فحينذاك يختار أقلَّهما شرًّا ، فالأقل شرًّا أن نوهِّم ونخطِّئ الثقة من أن نوهِّنَ الأوثق أو الأكثر حفظًا . هذا خلاصة ما ذكرنا .
الفتاوى المشابهة
- ما هو الضابط في معرفة الحديث الشاذ ؟ وكيف نفرق... - الالباني
- هل حديث : ( من رمى جمرة العقبة إلخ..) شاذ كما... - الالباني
- توضيح الشيخ للفرق بين الزيادة المقبولة وبين ال... - الالباني
- هل الزيادة الشاذة تصلح شاهدا لزيادة ضعيفة لنف... - الالباني
- توضيح المعنى المراد بالحديث الشاذ وحكمه عند أه... - الالباني
- كيف يعرف طالب العلم أن هذا الحديث شاذ مع أن ظا... - الالباني
- ما الفرق بين الحديث الشاذ وزيادة الثقة ؟ - الالباني
- كيف يعرف الحديث الشاذ .؟ - الالباني
- كيف يعرف طالب العلم أن هذا الحديثَ شاذٌّ مع أن... - الالباني
- كيف يعرف طالب العلم أن هذا الحديثَ شاذٌّ مع أن... - الالباني
- ذكر مثال عن الحديث الشَّاذ . - الالباني