ما حكم الإيمان بالقدر و كيف يكون ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : ما حكم الإيمان بالقدر وكيف يكون؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيّين وإمام المتقين وعلى ءاله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الإيمان بالقدر واجب ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة لأن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره والقدر هو تقدير الله تبارك وتعالى في الأزل أي تقديره تبارك وتعالى ما كان وما يكون فإنه سبحانه وتعالى حين خلق القلَم قال له اكتب قال رب وماذا اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله كالمطر والنبات والحياة والموت أو من أفعال العباد كالاستقامة والانحراف فإنه مكتوب، مكتوب في الأزل عند الله تبارك وتعالى فيجب علينا أن نؤمن بذلك إن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله تبارك وتعالى هو بنفسه وما يفعله عباده قال العلماء وللإيمان بالقدر أربع مراتب، المرتبة الأولى أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي فلا يضِل الرب عز وجل ولا ينسى لما سأل فرعون موسى عليه الصلاة والسلام فَما بالُ القُرونِ الأولى * قالَ عِلمُها عِندَ رَبّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبّي وَلا يَنسَى سبحانه وتعالى فيجب أن نؤمن بعلم الله عز وجل أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلا فالجملة مثل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ والتفصيل مثل قوله تعالى وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ وَيَعلَمُ ما فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا يَعلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ وكذلك قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ ما فِي الأَرحامِ وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا وَما تَدري نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَموتُ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ وكذلك قوله تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم سَتَذكُرونَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم والأمثلة على هذا كثيرة هذه هي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر.
المرتبة الثانية أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة فكل شيء فهو مكتوب عند الله في لوح محفوظ لا يتبدّل ولا يتغيّر ودليل ذلك قوله تعالى أَلَم تَعلَم أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالأَرضِ إِنَّ ذلِكَ في كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ والحديث الذي ذكرناه ءانفا إن الله لما خلق القلم قال له اكتب قال رب ماذا اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة .
المرتبة الثالثة أن تؤمن بأن ما في الكون من حركة ولا سكون ولا إيجاد ولا إعدام إلا بمشيئة الله يعني إلا وقد شاءه الله سواء كان من فعله تبارك وتعالى أم من أفعال خلقه فحركات الإنسان وسكنات الإنسان وطوله وقصره وبياضه وسواده ورضاه وغضبه واستقامته وانحرافه كل ذلك بمشيئة الله لا يشذ عن مشيئة الله شيء حتى الهدى والصلاح بمشيئة الله دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى وَلَو شاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلَ الَّذينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ وَلكِنِ اختَلَفوا فَمِنهُم مَن ءامَنَ وَمِنهُم مَن كَفَرَ وَلَو شاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفعَلُ ما يُريدُ وقال الله تعالى لِمَن شاءَ مِنكُم أَن يَستَقيمَ * وَما تَشاءونَ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " .
أما المرتبة الرابعة فهي الخلق أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء كما قال الله تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ وَكيلٌ وقال تعالى وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديرًا وقد ذكر الله تعالى الخلق عامّا كما في هاتين الأيتين وذكره خاصا مثل قوله فَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ وقوله وَاللَّهُ خَلَقَكُم وَما تَعمَلونَ فكل شيء سوى الله فهو مخلوق خلقه الله عز وجل سواء في الأعيان أو في الأفعال أو في الأوصاف فالآدمي له جثّة له جسد من خلق هذا؟ الله عز وجل، الآدمي طويل وقصير وأبيض وأسود من قدّر هذا الله عز وجل، الآدمي له عمل وحركة صالح أو غير صالح، من خلق هذا العمل؟ الله عز وجل لأن عمل الإنسان من صفات الإنسان والإنسان مخلوق فصفاته مخلوقة ودليل ذلك ما ذكرته الأن وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديرًا وَاللَّهُ خَلَقَكُم وَما تَعمَلونَ .
فيجب علينا أن نؤمن بالقدر على هذه المراتب الأربع، علم الله، كتابته في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، مشيئة الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، خلق الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، فالمعدوم يوجده الله والموجود يعدمه الله.
وقد اختلف بنو ءادم في القدر وتنازعوا فيه واختلفوا فيه فمنهم الغالي ومنهم الجافي ومنهم الوسط، فالغالي في إثبات القدر قال إن الإنسان مجبور على عمله ليس له فيه اختيار إن عمل صالحا فإكراها عليه، إن عمل سيئا فإكراها عليه، إن قام أو قعد فهو مكره مجبر لأن الله تعالى شاء ذلك فيجب أن يكون.
وءاخرون قصّروا في هذا قالوا إن الله يشاء كل شيء ويخلق كل شيء إلا أفعال الإنسان فليس له فيها تصرّف وهؤلاء قصّروا في الربوبية.
وتوسّط ءاخرون فقالوا الإنسان يفعل باختياره ويُفرّق بين الفعل الذي يكره عليه والفعل الذي يختاره، وهذا هو الواقع، أنت تخرج إلى السوق باختيارك، ترجع منه باختيارك، تدخل المدرسة الفلانية باختيارك، تتركها باختيارك، تسافر باختيارك، تبقى في بلدك باختيارك، هذا أمر لا يُنكر ولا يشعر أحد أبدا أنه أكره على هذا الفعل ولهذا لو أكره حقيقة سقط عنه الإثم إن أكره على محرّم أو على ترك واجب حتى إن الله أسقط حكم الكفر عند الإكراه فقال مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ وَلكِن مَن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرًا فَعَلَيهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ .
ولو قلنا بأن الإنسان مكره لبطلت الشريعة كلها وصار لا يُحمد على فعل الخير ولا يُذم على فعل الشر فنحن نرد على هؤلاء الذين قالوا إنه مجبر بهذا، أما الذين قالوا إنه مستقل فنقول سبحان الله الإنسان في ملك الله وكيف يكون في ملك الله ما لا يريد؟ الإنسان مخلوق لله فكيف تكون أفعاله غير مخلوقة لله، هي مخلوقة لله وهي في ملك الله لكن قد يحتج العاصي بالقدر على المعصية فإذا زنا أو سرق أو شرب الخمر قال والله هذا بقدر الله نقول هل إن الله أجبرك، هل تعلم إن الله قدّر عليك أن تزني أو تسرق أو تشرب الخمر؟ أنت لا تعلم ونحن لا نعلم إن الله قدّر أفعالنا أو أقوالنا حتى تقع فإذا وقعت علِمنا أنه أرادها أما قبل أن تقع فليس عندنا علم بما قدّر الله كما قال تعالى وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا فالعاصي حين أقدم على الفعل أقدم عليه باختياره ولم يعلم إن الله قد كتبه له أو عليه إلا إذا وقع، ولهذا لا ترى أحدا يعذر أحدا إذا ضربه، إذا ضربه الضارب وقال المضروب للضارب لم ضربتني قال والله هذا بقدر الله لا تجد أحدا يقبل هذه الحجة.
يُذكر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده فقال له مهلا يا أمير المؤمنين والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله قال ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله، المهم أنه لا يمكن أن يحتج الإنسان بالقدر على ظلم الناس وعدوانهم وإنك لتعجب من هذا العاصي الذي يعصي الله ومعصيته لله ظلم لنفسه ثم يحتج بقدر الله على ظلم نفسه مع أنه لو ظلمه ظالم واحتج على ظلمه بأنه قدر الله ما قبِل منه لذلك لا عذر للعاصي بقدر الله على معصيته ولهذا أبطل الله حجة الذين احتجوا بالقدر فقال سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا ءاباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ قال تعالى كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا وكونهم يذوقون بأس الله يدل على أنه لا حجة لهم لأنه لو كان لهم حجة ما ذاقوا بأس الله.
والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يؤمن بالقدر وأن كل شيء فهو من الله وأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم أصحابه فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له إذًا نحن مأمورون بالعمل وإذا عملنا ما يُرضي الله يسّر الله لنا ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم قوله تعالى فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرى فنقول أومن بالقدر واعمل بالشرع حتى يتم إيمانك.
ومن الإيمان بالقدر الإيمان بما جاء مكروها للعبد كالمصائب في بدنه في أهله في ماله في أصحابه في مجتمعه، لا يخلو الإنسان من مصيبة لأن الله تعالى يبتلي بالنِعم ويبتلي بالنِقم، هذه المصائب إذا حصلت ارض بها، ارض بقضاء الله إياها فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالحك كم من إنسان أصيب بمصيبة فكانت المصيبة فتح باب لاهتدائه، فالمصائب صقل للقلوب إذا أراد الله سبحانه وتعالى هداية الإنسان كما أنها بالعكس في أناس ءاخرين قال الله تعالى وَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ ءامَنّا بِاللَّهِ فَإِذا أوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ يعني إذا أوذي في دينه وضُيّق عليه في دينه جعلها كالعذاب فارتد ونكص على عقبيه والعياذ بالله.
فالمهم أن الإيمان بالقدر يهوّن عليك المصائب لأنك تعلم أنها من عند الله وأن الله مالك كل شيء وأنت من جملة من يملكه الله عز وجل، أنت عبد الله يفعل بك ما شاء فلا تجزع، قال الله تعالى ما أَصابَ مِن مُصيبَةٍ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ يَهدِ قَلبَهُ قال علقمة في معنى وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ يَهدِ قَلبَهُ قال إنه يعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلّم لو أن رجلا أصابك بأذى دافعت عن نفسك ولم ترض لكن إذا كان الذي أصابك من المصائب من عند الله فعليك أن ترضى لأنه ربك مالكك يفعل بك ما شاء فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله صارت تلك المصيبة رفعة في درجاتك وأجرا وثوابا إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسابٍ .
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيّين وإمام المتقين وعلى ءاله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الإيمان بالقدر واجب ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة لأن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره والقدر هو تقدير الله تبارك وتعالى في الأزل أي تقديره تبارك وتعالى ما كان وما يكون فإنه سبحانه وتعالى حين خلق القلَم قال له اكتب قال رب وماذا اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله كالمطر والنبات والحياة والموت أو من أفعال العباد كالاستقامة والانحراف فإنه مكتوب، مكتوب في الأزل عند الله تبارك وتعالى فيجب علينا أن نؤمن بذلك إن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله تبارك وتعالى هو بنفسه وما يفعله عباده قال العلماء وللإيمان بالقدر أربع مراتب، المرتبة الأولى أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي فلا يضِل الرب عز وجل ولا ينسى لما سأل فرعون موسى عليه الصلاة والسلام فَما بالُ القُرونِ الأولى * قالَ عِلمُها عِندَ رَبّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبّي وَلا يَنسَى سبحانه وتعالى فيجب أن نؤمن بعلم الله عز وجل أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلا فالجملة مثل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ والتفصيل مثل قوله تعالى وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ وَيَعلَمُ ما فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا يَعلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ وكذلك قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ ما فِي الأَرحامِ وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا وَما تَدري نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَموتُ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ وكذلك قوله تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم سَتَذكُرونَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم والأمثلة على هذا كثيرة هذه هي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر.
المرتبة الثانية أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة فكل شيء فهو مكتوب عند الله في لوح محفوظ لا يتبدّل ولا يتغيّر ودليل ذلك قوله تعالى أَلَم تَعلَم أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالأَرضِ إِنَّ ذلِكَ في كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ والحديث الذي ذكرناه ءانفا إن الله لما خلق القلم قال له اكتب قال رب ماذا اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة .
المرتبة الثالثة أن تؤمن بأن ما في الكون من حركة ولا سكون ولا إيجاد ولا إعدام إلا بمشيئة الله يعني إلا وقد شاءه الله سواء كان من فعله تبارك وتعالى أم من أفعال خلقه فحركات الإنسان وسكنات الإنسان وطوله وقصره وبياضه وسواده ورضاه وغضبه واستقامته وانحرافه كل ذلك بمشيئة الله لا يشذ عن مشيئة الله شيء حتى الهدى والصلاح بمشيئة الله دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى وَلَو شاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلَ الَّذينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ وَلكِنِ اختَلَفوا فَمِنهُم مَن ءامَنَ وَمِنهُم مَن كَفَرَ وَلَو شاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفعَلُ ما يُريدُ وقال الله تعالى لِمَن شاءَ مِنكُم أَن يَستَقيمَ * وَما تَشاءونَ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " .
أما المرتبة الرابعة فهي الخلق أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء كما قال الله تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ وَكيلٌ وقال تعالى وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديرًا وقد ذكر الله تعالى الخلق عامّا كما في هاتين الأيتين وذكره خاصا مثل قوله فَليَنظُرِ الإِنسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ وقوله وَاللَّهُ خَلَقَكُم وَما تَعمَلونَ فكل شيء سوى الله فهو مخلوق خلقه الله عز وجل سواء في الأعيان أو في الأفعال أو في الأوصاف فالآدمي له جثّة له جسد من خلق هذا؟ الله عز وجل، الآدمي طويل وقصير وأبيض وأسود من قدّر هذا الله عز وجل، الآدمي له عمل وحركة صالح أو غير صالح، من خلق هذا العمل؟ الله عز وجل لأن عمل الإنسان من صفات الإنسان والإنسان مخلوق فصفاته مخلوقة ودليل ذلك ما ذكرته الأن وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديرًا وَاللَّهُ خَلَقَكُم وَما تَعمَلونَ .
فيجب علينا أن نؤمن بالقدر على هذه المراتب الأربع، علم الله، كتابته في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، مشيئة الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، خلق الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، فالمعدوم يوجده الله والموجود يعدمه الله.
وقد اختلف بنو ءادم في القدر وتنازعوا فيه واختلفوا فيه فمنهم الغالي ومنهم الجافي ومنهم الوسط، فالغالي في إثبات القدر قال إن الإنسان مجبور على عمله ليس له فيه اختيار إن عمل صالحا فإكراها عليه، إن عمل سيئا فإكراها عليه، إن قام أو قعد فهو مكره مجبر لأن الله تعالى شاء ذلك فيجب أن يكون.
وءاخرون قصّروا في هذا قالوا إن الله يشاء كل شيء ويخلق كل شيء إلا أفعال الإنسان فليس له فيها تصرّف وهؤلاء قصّروا في الربوبية.
وتوسّط ءاخرون فقالوا الإنسان يفعل باختياره ويُفرّق بين الفعل الذي يكره عليه والفعل الذي يختاره، وهذا هو الواقع، أنت تخرج إلى السوق باختيارك، ترجع منه باختيارك، تدخل المدرسة الفلانية باختيارك، تتركها باختيارك، تسافر باختيارك، تبقى في بلدك باختيارك، هذا أمر لا يُنكر ولا يشعر أحد أبدا أنه أكره على هذا الفعل ولهذا لو أكره حقيقة سقط عنه الإثم إن أكره على محرّم أو على ترك واجب حتى إن الله أسقط حكم الكفر عند الإكراه فقال مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ وَلكِن مَن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرًا فَعَلَيهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ .
ولو قلنا بأن الإنسان مكره لبطلت الشريعة كلها وصار لا يُحمد على فعل الخير ولا يُذم على فعل الشر فنحن نرد على هؤلاء الذين قالوا إنه مجبر بهذا، أما الذين قالوا إنه مستقل فنقول سبحان الله الإنسان في ملك الله وكيف يكون في ملك الله ما لا يريد؟ الإنسان مخلوق لله فكيف تكون أفعاله غير مخلوقة لله، هي مخلوقة لله وهي في ملك الله لكن قد يحتج العاصي بالقدر على المعصية فإذا زنا أو سرق أو شرب الخمر قال والله هذا بقدر الله نقول هل إن الله أجبرك، هل تعلم إن الله قدّر عليك أن تزني أو تسرق أو تشرب الخمر؟ أنت لا تعلم ونحن لا نعلم إن الله قدّر أفعالنا أو أقوالنا حتى تقع فإذا وقعت علِمنا أنه أرادها أما قبل أن تقع فليس عندنا علم بما قدّر الله كما قال تعالى وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا فالعاصي حين أقدم على الفعل أقدم عليه باختياره ولم يعلم إن الله قد كتبه له أو عليه إلا إذا وقع، ولهذا لا ترى أحدا يعذر أحدا إذا ضربه، إذا ضربه الضارب وقال المضروب للضارب لم ضربتني قال والله هذا بقدر الله لا تجد أحدا يقبل هذه الحجة.
يُذكر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده فقال له مهلا يا أمير المؤمنين والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله قال ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله، المهم أنه لا يمكن أن يحتج الإنسان بالقدر على ظلم الناس وعدوانهم وإنك لتعجب من هذا العاصي الذي يعصي الله ومعصيته لله ظلم لنفسه ثم يحتج بقدر الله على ظلم نفسه مع أنه لو ظلمه ظالم واحتج على ظلمه بأنه قدر الله ما قبِل منه لذلك لا عذر للعاصي بقدر الله على معصيته ولهذا أبطل الله حجة الذين احتجوا بالقدر فقال سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا ءاباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ قال تعالى كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا وكونهم يذوقون بأس الله يدل على أنه لا حجة لهم لأنه لو كان لهم حجة ما ذاقوا بأس الله.
والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يؤمن بالقدر وأن كل شيء فهو من الله وأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم أصحابه فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له إذًا نحن مأمورون بالعمل وإذا عملنا ما يُرضي الله يسّر الله لنا ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم قوله تعالى فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرى فنقول أومن بالقدر واعمل بالشرع حتى يتم إيمانك.
ومن الإيمان بالقدر الإيمان بما جاء مكروها للعبد كالمصائب في بدنه في أهله في ماله في أصحابه في مجتمعه، لا يخلو الإنسان من مصيبة لأن الله تعالى يبتلي بالنِعم ويبتلي بالنِقم، هذه المصائب إذا حصلت ارض بها، ارض بقضاء الله إياها فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالحك كم من إنسان أصيب بمصيبة فكانت المصيبة فتح باب لاهتدائه، فالمصائب صقل للقلوب إذا أراد الله سبحانه وتعالى هداية الإنسان كما أنها بالعكس في أناس ءاخرين قال الله تعالى وَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ ءامَنّا بِاللَّهِ فَإِذا أوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ يعني إذا أوذي في دينه وضُيّق عليه في دينه جعلها كالعذاب فارتد ونكص على عقبيه والعياذ بالله.
فالمهم أن الإيمان بالقدر يهوّن عليك المصائب لأنك تعلم أنها من عند الله وأن الله مالك كل شيء وأنت من جملة من يملكه الله عز وجل، أنت عبد الله يفعل بك ما شاء فلا تجزع، قال الله تعالى ما أَصابَ مِن مُصيبَةٍ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ يَهدِ قَلبَهُ قال علقمة في معنى وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ يَهدِ قَلبَهُ قال إنه يعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلّم لو أن رجلا أصابك بأذى دافعت عن نفسك ولم ترض لكن إذا كان الذي أصابك من المصائب من عند الله فعليك أن ترضى لأنه ربك مالكك يفعل بك ما شاء فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله صارت تلك المصيبة رفعة في درجاتك وأجرا وثوابا إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسابٍ .
الفتاوى المشابهة
- ماذا يعني القضاء و القدر بالتفصيل ؟ - ابن عثيمين
- حديث الشيخ على فرقة الجبرية عن إيمانهم بالقدر. - الالباني
- كيف الرد على من يحتج بالقدر على المعاصي .؟ - ابن عثيمين
- ذكر فوائد الإيمان بالقدر وبيان أن القدر فيه... - ابن عثيمين
- مراتب القدر الأربعة والإيمان بها - ابن عثيمين
- ما معنى القدر - اللجنة الدائمة
- شرح قول المصنف : باب ما جاء في منكري القدر و... - ابن عثيمين
- فوائد الإيمان بالقدر ؟ - ابن عثيمين
- ماهي أركان الإيمان و ما حكم الإيمان بها ؟ - ابن عثيمين
- ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر .؟ - ابن عثيمين
- ما حكم الإيمان بالقدر و كيف يكون ؟ - ابن عثيمين