تفسير أول سورة الليل إلى قوله تعالى : " إن علينا للهدى ...... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون الخامس والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع .
وهذا هو الخميس الثامن من شهر جمادى الأولى عام 1415 ونفتتح هذا اللقاء بتفسير سورة حيث الله تبارك وتعالى : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فأقسم الله تبارك وتعالى بالليل إِذَا يَغْشَى يعني حين يغشى الأرض ويغطيها بظلامه لأن الغشاء بمعنى الغطاء وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى أي : إذا ظهر وبان وذلك بطلوع الفجر الذي هو النور الذي هو مقدمة طلوع الشمس والشمس هي آية النهار كما أن القمر آية الليل .
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى يعني وخلق الذكر والأنثى على أحد التفسيرين الذي جعل ما هنا مصدرية أو والذي خلق الذكر والأنثى وهو الله عز وجل على التفسير الآخر فعلى المعنى الأول يكون الله سبحانه وتعالى أقسم بخلق الذكر والأنثى .
وعلى الثاني يكون الله تعالى أقسم بنفسه لأنه هو الذي خلق الذكر والأنثى .
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى يعني إن عملكم لشتى أي : لمتفرق تفرقا عظيما فأنت ترى الآن أن الله أقسم بأشياء متضادة على أشياء متضادة الليل ضد النهار الذكر ضد الأنثى السعي متضاد صالح وسيء فتناسب المقسم به والمقسم عليه وهذا من بلاغة القرآن .
فكأن الله عز وجل يقول : إن اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى أمر ظاهر لا يخفى فكذلك الأعمال أعمال العباد متباينة متفاوتة منها الصالح ومنها الفاسد ومنها ما يخلط صالحا وفاسدا كل ذلك بتقدير الله عز وجل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ثم فصل هذا السعي المتفرق فقال : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى .
أَمَّا مَنْ أَعْطَى : أي أعطى ما أمر بإعطائه من مال أو جاه أو علم وَاتَّقَى اتقى ما أمر باتقائه من المحرمات وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي : صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز وجل وقول رسوله لأن أصدق الكلام وأحسن الكلام كلام الله عز وجل .
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى السين هنا للتحقيق أي : أن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها في أمور دينه ودنياه .
ولهذا تجد أيسر الناس عملا هو من اتقى الله عز وجل من أعطى واتقى وصدق بالحسنى وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له قال الله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسرا في أموره .
ولهذا قال : وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ فلم يُعطِ ما أمر بإعطائه وَاسْتَغْنَى استغنى عن الله عز وجل ولم يتق ربه بل رأى أنه في غنى عن رحمة الله نسأل الله العافية والسلامة .
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي : بالقولة الحسنى وهي قول الله ورسوله .
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ييسر للعسرى في الأمور كلها .
ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول : نجد أن الكفار تيسر أمورهم فيقال : نعم قد تيسر أمورهم لكن قلوبهم تشتعل نارا وضيقا وحرجا كما قال تعالى : وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط لا تنعيم روح ثم هو أيضا وبال عليهم لقول الله تعالى فيهم : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .
وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة .
وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه * فتح الباري * وكان قاضي القضاة في مصر أنه مر ذات يوم وهو على عربة تجره البغال والناس حوله مر برجل يهودي سمان يعني يبيع السمن والزيت وأنتم تعلمون أن بيّع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة فأوقف العربة وقال لابن حجر : إن نبيكم يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فكيف أكون أنا بهذه الحال وأنت بهذه الحال ؟! قال له ابن حجر على البديهة : أنا في سجن بالنسبة لما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها وأما أنت يقول لليهودي فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سببا في إسلامه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله .
ثم قال عز وجل : وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى هو أي هلك أي شيء يغني المال ؟ لا يغني شيئا . ثم قال تعالى : إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ويأتي إن شاء الله ذلك في لقاء مستقبل لأن الآن حان وقت الأسئلة فنبدأ باليمين والسؤال واحد فقط لكل إنسان .
أما بعد :
فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون الخامس والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع .
وهذا هو الخميس الثامن من شهر جمادى الأولى عام 1415 ونفتتح هذا اللقاء بتفسير سورة حيث الله تبارك وتعالى : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فأقسم الله تبارك وتعالى بالليل إِذَا يَغْشَى يعني حين يغشى الأرض ويغطيها بظلامه لأن الغشاء بمعنى الغطاء وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى أي : إذا ظهر وبان وذلك بطلوع الفجر الذي هو النور الذي هو مقدمة طلوع الشمس والشمس هي آية النهار كما أن القمر آية الليل .
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى يعني وخلق الذكر والأنثى على أحد التفسيرين الذي جعل ما هنا مصدرية أو والذي خلق الذكر والأنثى وهو الله عز وجل على التفسير الآخر فعلى المعنى الأول يكون الله سبحانه وتعالى أقسم بخلق الذكر والأنثى .
وعلى الثاني يكون الله تعالى أقسم بنفسه لأنه هو الذي خلق الذكر والأنثى .
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى يعني إن عملكم لشتى أي : لمتفرق تفرقا عظيما فأنت ترى الآن أن الله أقسم بأشياء متضادة على أشياء متضادة الليل ضد النهار الذكر ضد الأنثى السعي متضاد صالح وسيء فتناسب المقسم به والمقسم عليه وهذا من بلاغة القرآن .
فكأن الله عز وجل يقول : إن اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى أمر ظاهر لا يخفى فكذلك الأعمال أعمال العباد متباينة متفاوتة منها الصالح ومنها الفاسد ومنها ما يخلط صالحا وفاسدا كل ذلك بتقدير الله عز وجل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ثم فصل هذا السعي المتفرق فقال : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى .
أَمَّا مَنْ أَعْطَى : أي أعطى ما أمر بإعطائه من مال أو جاه أو علم وَاتَّقَى اتقى ما أمر باتقائه من المحرمات وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي : صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز وجل وقول رسوله لأن أصدق الكلام وأحسن الكلام كلام الله عز وجل .
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى السين هنا للتحقيق أي : أن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها في أمور دينه ودنياه .
ولهذا تجد أيسر الناس عملا هو من اتقى الله عز وجل من أعطى واتقى وصدق بالحسنى وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له قال الله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسرا في أموره .
ولهذا قال : وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ فلم يُعطِ ما أمر بإعطائه وَاسْتَغْنَى استغنى عن الله عز وجل ولم يتق ربه بل رأى أنه في غنى عن رحمة الله نسأل الله العافية والسلامة .
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي : بالقولة الحسنى وهي قول الله ورسوله .
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ييسر للعسرى في الأمور كلها .
ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول : نجد أن الكفار تيسر أمورهم فيقال : نعم قد تيسر أمورهم لكن قلوبهم تشتعل نارا وضيقا وحرجا كما قال تعالى : وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط لا تنعيم روح ثم هو أيضا وبال عليهم لقول الله تعالى فيهم : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .
وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة .
وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه * فتح الباري * وكان قاضي القضاة في مصر أنه مر ذات يوم وهو على عربة تجره البغال والناس حوله مر برجل يهودي سمان يعني يبيع السمن والزيت وأنتم تعلمون أن بيّع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة فأوقف العربة وقال لابن حجر : إن نبيكم يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فكيف أكون أنا بهذه الحال وأنت بهذه الحال ؟! قال له ابن حجر على البديهة : أنا في سجن بالنسبة لما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها وأما أنت يقول لليهودي فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سببا في إسلامه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله .
ثم قال عز وجل : وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى هو أي هلك أي شيء يغني المال ؟ لا يغني شيئا . ثم قال تعالى : إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ويأتي إن شاء الله ذلك في لقاء مستقبل لأن الآن حان وقت الأسئلة فنبدأ باليمين والسؤال واحد فقط لكل إنسان .
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى. - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (والذي قدر فهدى) - ابن عثيمين
- تفسير سورة الفجر من أولها إلى قوله تعالى : "... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الليل قال الله تعالى "والليل إذا... - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة الليل - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وكذب بالحسنى) - ابن عثيمين
- تفسير آخر سورة الليل - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (والليل إذا يسر) - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (إن علينا للهدى) - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى : " إن علينا للهدى ........... - ابن عثيمين
- تفسير أول سورة الليل إلى قوله تعالى : " إن ع... - ابن عثيمين