تفسير سورة الضحى كاملة .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن هذا هو اللقاء السابع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس وهذا اليوم هو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام 1415 نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات وأن يجعلها علما نافعا نهتدي به إلى الله سبحانه وتعالى في لقائنا هذا اليوم نتكلم على ما تيسر من سورة الضحى فقد قال الله تبارك وتعالى : وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وإنما نتكلم على ذلك لأن ما سبق من سورة النبأ إلى سورة الليل قد تكلمنا عليه ولله الحمد .
يقول الله تعالى : وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى الضحى هو أول النهار وفيه النور والضياء وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى هو الليل إذا غطى الأرض وسدل عليها ظلامه فأقسم الله تعالى بشيئين متباينين :
أولهما : الضحى وفيه الضياء والنور.
والثاني : الليل إذا يغشى وفيه الظلمة .
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى أي : غطى الأرض بظلامه مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ أي : ما تركك وَمَا قَلَى أي : ما أبغضك بل الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا فعين الله تعالى تكلأه وترعاه وتحميه وتحفظه وهو الذي قال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم : الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ فما تركه الله عز وجل بل أحاطه بعلمه ورحمته وعنايته وغير ذلك مما يقتضي رفعته في الدنيا والآخرة كما قال في السورة التي تليها : وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ وَمَا قَلَى أي : وما أبغض بل أحب الخلق إليه فيما نعلم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولهذا اختاره الله لأعظم الرسالات وأفضل الأمم وجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده .
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى هذه الجملة مؤكدة باللام لام الابتداء والآخرة هي اليوم الذي يبعث فيه الناس ويأوون إلى مثواهم الأخير إلى الجنة أو إلى النار فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى أي : من الدنيا وذلك لأن الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و موضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولهذا لما خيَّر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مرضه بين أن يعيش في الدنيا ما يعيش وبين ما عند الله فاختار ما عند الله كما أعلن ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حيث قال وهو على المنبر : إن عبدا من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر رضي الله عنه وتعجب الناس من بكائه كيف يبكي من هذا ؟!
ولكنه رضي الله عنه كان أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن المخير هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه اختار ما عند الله وهي الآخرة وأن هذا إيذان بقرب أجله .
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى وَلَسَوْفَ اللام هذه أيضا للتوكيد وهي موطأة للقسم وسوف تدل على تحقق الشيء لكن بعد مهلة وزمن .
و يُعْطِيكَ رَبُّكَ أي : يعطيك ما يرضيك فترضى ولقد أعطاه الله تعالى ما يرضيه وفوق ما يرضيه فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاما محمودا يحمده فيه الأولون والآخرون حتى الأنبياء وأولو العزم من الرسل لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه .
وسأحدثكم عن ذلك : إذا كان يوم القيامة وعظم الكرب والغم على الخلق وضاقت عليهم الأمور طلب بعضهم من بعض أن يلتمسوا من يشفع لهم إلى الله عز وجل فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى هؤلاء أربعة أولهم أبو البشر ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى أربعة من أولي العزم فهم خمسة أولهم آدم أبو البشر وأربعة من أولي العزم كلهم يعتذرون عن الشفاعة للخلق حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقوم ويشفع .
ولا شك أن هذا عطاء عظيم لم ينله أحد من الخلق ثم بين الله سبحانه وتعالى نعمه السابقة عليه حتى يستدل بها على النعم اللاحقة فقال : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى والاستفهام هنا للتقرير يعني قد وجدك الله تعالى يتيما فآواك يتيما من الأب ويتيما من الأم فإن أباه توفي قبل أن يولد وأمه توفيت قبل أن تتم إرضاعه ولكن الله تعالى تكفل به ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه حتى وصل إلى الغاية التي أرادها الله عز وجل
وقوله : يَتِيماً فَآوَى ولم يقل : فآواك لسببين : سبب لفظي وسبب معنوي أما السبب اللفظي : فلأجل أن تتوافق رؤوس الآيات من أول السورة .
وأما السبب المعنوي : فإنه لو قال : فآواك اختص الإيواء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأمر أوسع من ذلك فإن الله تعالى آواه وآوى به آوى به المؤمنين به فنصرهم وأيدهم ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى وَجَدَكَ ضَالاًّ أي : غير عالم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعلم شيئا قبل أن ينزل عليه الوحي كما قال تعالى : وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وقال : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم شيئا بل هو من الأميين هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ لا يقرأ ولا يكتب لكن وصل إلى هذه الغاية العظيمة بالوحي الذي أنزله الله عليه فعلم وعلم .
وهنا قال : ضَالاًّ فَهَدَى ولم يقل : فهداك ليكون هذا أشمل وأوسع فهو قد هدي عليه الصلاة والسلام وهدى الله به فهو هاد مهدي عليه الصلاة والسلام .
إذًا فَهَدَى أي : فهداك وهدى بك قال تعالى : وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى أي : وجدك فقيرا لا تملك شيئا .
فَأَغْنَى أي : أغناك وأغنى بك قال الله تعالى : وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا وما أكثر ما غنم المسلمون من الكفار تحت ظلال السيوف غنائم عظيمة كثيرة كلها بسبب هذا الرسول الكريم حين اهتدوا بهديه واتبعوا سنته فنصرهم الله تعالى به وغنموا من مشارق الأرض ومغاربها .
ولو أن الأمة الإسلامية عادت إلى ما كان عليه السلف الصالح لعاد النصر إليهم والغنى والعزة والقوة ولكن مع الأسف أن الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر كل منها ينظر إلى حظوظ نفسه بقطع النظر عما يكون به نصرة الإسلام أو خذلان الإسلام ولا يخفى على من تأمل الوقائع التي حدثت أخيرا أنها في الحقيقة إذلال للمسلمين وأنها سبب لشر عظيم كبير يترقب من وراء ما حدث ولاسيما من اليهود والنصارى الذين هم أولياء بعضهم لبعض كما قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وهم أعني اليهود والنصارى متفقون على عداوة المسلمين كل منهم لا يريد الإسلام ولا يريد أهل الإسلام ولا يريد عز الإسلام ونسأل الله تعالى أن يقينا شر ما حدث في الآونة الأخيرة من الأمور التي يندى لها الجبين ولكن سينصر الله تعالى دينه مهما كانت الأحوال فالله تعالى ناصر دينه وكتابه وإن حصل على المسلمين ما حصل فإن الله يقول : وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ فربما يأتي اليوم الذي يجاهد فيه المسلمون اليهود حتى يختبأ اليهودي تحت الشجر فينادي الشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي تحتي فيأتي المسلم فيقتله وما ذلك على الله بعزيز .
ولكن المسلمين يحتاجون إلى قيادة حكيمة عليمة عليمة قبل كل شيء بأحكام الشريعة لأن القيادة بغير الاستنارة بنور الشريعة عاقبتها الوبال مهما علت لو علت إلى أعلى قمة فإنها سوف تنزل إلى أسفل قعر الهداية بالإسلام بنور الإسلام لا بالقومية ولا بالعصبية ولا بالوطنية ولا بغير ذلك بالإسلام فقط .
الإسلام وحده هو الكفيل بعزة الأمة لكن كما قلت إنها تحتاج إلى قيادة حكيمة تضع الأشياء في مواضعها وتتأنى في الأمور ولا تستعجل لا يمكن أن يصلح الناس بين عشية وضحاها من أراد ذلك فإنه قد أراد أن يغير الله سننه والله سبحانه وتعالى لا يغير السنن .
فهذا نبي الله عليه الصلاة والسلام بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله ينزل عليه الوحي يدعو بالتي هي أحسن ومع ذلك في النهاية خرج من مكة خائفًا مختفيًا لم تتم الدعوة في مكة فلماذا نريد أن نغير الأمة التي مضى عليها قرون وهي في غفلة وفي نوم أن نغيرها بين عشية وضحاها ؟ هذا سفه سفه في العقل وضلال في الدين .
الأمة الآن تحتاج إلى علاج رفيق علاج رفيق هادئ يدعو بالتي هي أحسن الأمة الإسلامية تحتاج بعد الفقه في دين الله والحكمة في الدعوة إلى الله تحتاج أيضا إلى علم بالواقع وفطنة وخبرة ونظر في الأمور التي تحتاج إلى نظر بعيد لأن النتائج قد لا تتبين في شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين لكن العاقل يصبر وينظر ويتأمل حتى يعرف الأمور تحتاج أيضا إلى عزم وتصميم وصبر لأنه لا بد من هذا لا بد من عزم يندفع به الإنسان ولا بد من صبر يثبت به الإنسان وإلا لفاتت الأمور أو فات كثير منها .
قال عز وجل : وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ هذا في مقابلة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى فإذا كان الله آواك في يتمك فلا تقهر اليتيم بل أكرم اليتيم والإحسان إلى اليتامى وإكرامهم من أوامر الشريعة ومن حسنات الشريعة لأن اليتيم وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ منكسر الخاطر يحتاج إلى جبر يحتاج إلى من يسليه وإلى من يدخل عليه السرور لاسيما إذا كان قد بلغ سنا يعرف به الأمور كالسابعة والعاشرة وما أشبه ذلك وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ هذا في مقابل قوله إيش ؟ لا ضَالاًّ فَهَدَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى إذًا السائل فلا تنهر أول ما يدخل في السائل السائل عن الشريعة عن العلم لا تنهره لأنه إذا سألك يريد أن تبين له الشريعة وجب عليك أن تبينها له لقول الله تبارك وتعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ لا تنهره إن نهرته نفرته ثم إن نهرته وهو يعتقد أنك فوقه يعني أنه لم يأت يسأل إلا أنه يعتقد أنك فوقه إذا نهرته وهو يشعر أنك فوقه أصابه الرعب واختلفت حواسه وربما لا يفقه ما يلقي إليك من السؤال أو لا يفقه ما تلقيه إليه من الجواب وقس نفسك أنت لو كلمت رجلا أكبر منك منزلة ثم نهرك ضاعت حواسك ولم تستطع أن ترتب فكرك وعقلك لهذا لا تنهر السائل وربما يدخل في ذلك أيضا سائل المال يعني إذا جاءك سائل يسألك مالا فلا تنهره لكن هذا العموم يدخله التخصيص إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يريد التعنت وأخذ رأيك وأخذ رأي فلا ورأي فلان وفلان حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض إذا علمت ذلك فهنا لك الحق أن تنهره وأن تقول : يا فلان اتق الله ألم تسأل فلانا ؟ كيف تسألني بعدما سألته ؟ أتلعب بدين الله أتريد إن أفتاك الناس بما تحب سكت وإن أفتوك بما لا تحب ذهبت تسأل هذا لا بأس لأن هذا النهر تأديب له وكذلك سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره ولك الحق أيضا أن توبخه على سؤاله وهو غني إذًا هذا العموم السائل فلا تنهر نقول : هذا العموم مخصوص بما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ نعمة الله على الرسول التي ذكرت في هذه الآيات كم؟ كم نعمة ؟ ثلاث :
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى وبهذه الثلاث تتم النعم حدث بنعمة الله قل : كنت يتيما فآوني الله كنت ضالا فهداني الله كنت عائلا فأغناني الله لكن تحدث بها إظهارا للنعمة وشكراً للمنعِم لا افتخارا بها على الخلق لأنك إذا فعلت ذلك افتخارا على الخلق كان هذا مذموما .
أما إذا قلت أو إذا ذكرت نعمة الله عليك تحدثا بالنعم وشكرا للمنعِم فهذا مما أمر الله به .
هذه كلمات يسيرة على هذه السورة العظيمة وما نقوله نحن أو غيرنا من أهل العلم فإنه لا يستوعب ما دل عليه القرآن من المعاني العظيمة نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الفهم في دين الله والعمل بما علمنا إنه على كل شيء قدير .
أما الآن فإلى الأسئلة ونبدأ باليمين ومن عادتنا ألا يزيد السائل على سؤال واحد وألا يكون هناك تعليق على الإجابة لأن ذلك يؤدي إلى أن يمضي الوقت في سؤال واحد نعم .
أما بعد :
فإن هذا هو اللقاء السابع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس وهذا اليوم هو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام 1415 نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات وأن يجعلها علما نافعا نهتدي به إلى الله سبحانه وتعالى في لقائنا هذا اليوم نتكلم على ما تيسر من سورة الضحى فقد قال الله تبارك وتعالى : وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وإنما نتكلم على ذلك لأن ما سبق من سورة النبأ إلى سورة الليل قد تكلمنا عليه ولله الحمد .
يقول الله تعالى : وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى الضحى هو أول النهار وفيه النور والضياء وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى هو الليل إذا غطى الأرض وسدل عليها ظلامه فأقسم الله تعالى بشيئين متباينين :
أولهما : الضحى وفيه الضياء والنور.
والثاني : الليل إذا يغشى وفيه الظلمة .
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى أي : غطى الأرض بظلامه مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ أي : ما تركك وَمَا قَلَى أي : ما أبغضك بل الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا فعين الله تعالى تكلأه وترعاه وتحميه وتحفظه وهو الذي قال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم : الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ فما تركه الله عز وجل بل أحاطه بعلمه ورحمته وعنايته وغير ذلك مما يقتضي رفعته في الدنيا والآخرة كما قال في السورة التي تليها : وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ وَمَا قَلَى أي : وما أبغض بل أحب الخلق إليه فيما نعلم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولهذا اختاره الله لأعظم الرسالات وأفضل الأمم وجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده .
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى هذه الجملة مؤكدة باللام لام الابتداء والآخرة هي اليوم الذي يبعث فيه الناس ويأوون إلى مثواهم الأخير إلى الجنة أو إلى النار فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى أي : من الدنيا وذلك لأن الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و موضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولهذا لما خيَّر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مرضه بين أن يعيش في الدنيا ما يعيش وبين ما عند الله فاختار ما عند الله كما أعلن ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حيث قال وهو على المنبر : إن عبدا من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر رضي الله عنه وتعجب الناس من بكائه كيف يبكي من هذا ؟!
ولكنه رضي الله عنه كان أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن المخير هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه اختار ما عند الله وهي الآخرة وأن هذا إيذان بقرب أجله .
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى وَلَسَوْفَ اللام هذه أيضا للتوكيد وهي موطأة للقسم وسوف تدل على تحقق الشيء لكن بعد مهلة وزمن .
و يُعْطِيكَ رَبُّكَ أي : يعطيك ما يرضيك فترضى ولقد أعطاه الله تعالى ما يرضيه وفوق ما يرضيه فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاما محمودا يحمده فيه الأولون والآخرون حتى الأنبياء وأولو العزم من الرسل لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه .
وسأحدثكم عن ذلك : إذا كان يوم القيامة وعظم الكرب والغم على الخلق وضاقت عليهم الأمور طلب بعضهم من بعض أن يلتمسوا من يشفع لهم إلى الله عز وجل فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى هؤلاء أربعة أولهم أبو البشر ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى أربعة من أولي العزم فهم خمسة أولهم آدم أبو البشر وأربعة من أولي العزم كلهم يعتذرون عن الشفاعة للخلق حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقوم ويشفع .
ولا شك أن هذا عطاء عظيم لم ينله أحد من الخلق ثم بين الله سبحانه وتعالى نعمه السابقة عليه حتى يستدل بها على النعم اللاحقة فقال : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى والاستفهام هنا للتقرير يعني قد وجدك الله تعالى يتيما فآواك يتيما من الأب ويتيما من الأم فإن أباه توفي قبل أن يولد وأمه توفيت قبل أن تتم إرضاعه ولكن الله تعالى تكفل به ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه حتى وصل إلى الغاية التي أرادها الله عز وجل
وقوله : يَتِيماً فَآوَى ولم يقل : فآواك لسببين : سبب لفظي وسبب معنوي أما السبب اللفظي : فلأجل أن تتوافق رؤوس الآيات من أول السورة .
وأما السبب المعنوي : فإنه لو قال : فآواك اختص الإيواء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأمر أوسع من ذلك فإن الله تعالى آواه وآوى به آوى به المؤمنين به فنصرهم وأيدهم ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى وَجَدَكَ ضَالاًّ أي : غير عالم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعلم شيئا قبل أن ينزل عليه الوحي كما قال تعالى : وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وقال : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم شيئا بل هو من الأميين هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ لا يقرأ ولا يكتب لكن وصل إلى هذه الغاية العظيمة بالوحي الذي أنزله الله عليه فعلم وعلم .
وهنا قال : ضَالاًّ فَهَدَى ولم يقل : فهداك ليكون هذا أشمل وأوسع فهو قد هدي عليه الصلاة والسلام وهدى الله به فهو هاد مهدي عليه الصلاة والسلام .
إذًا فَهَدَى أي : فهداك وهدى بك قال تعالى : وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى أي : وجدك فقيرا لا تملك شيئا .
فَأَغْنَى أي : أغناك وأغنى بك قال الله تعالى : وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا وما أكثر ما غنم المسلمون من الكفار تحت ظلال السيوف غنائم عظيمة كثيرة كلها بسبب هذا الرسول الكريم حين اهتدوا بهديه واتبعوا سنته فنصرهم الله تعالى به وغنموا من مشارق الأرض ومغاربها .
ولو أن الأمة الإسلامية عادت إلى ما كان عليه السلف الصالح لعاد النصر إليهم والغنى والعزة والقوة ولكن مع الأسف أن الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر كل منها ينظر إلى حظوظ نفسه بقطع النظر عما يكون به نصرة الإسلام أو خذلان الإسلام ولا يخفى على من تأمل الوقائع التي حدثت أخيرا أنها في الحقيقة إذلال للمسلمين وأنها سبب لشر عظيم كبير يترقب من وراء ما حدث ولاسيما من اليهود والنصارى الذين هم أولياء بعضهم لبعض كما قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وهم أعني اليهود والنصارى متفقون على عداوة المسلمين كل منهم لا يريد الإسلام ولا يريد أهل الإسلام ولا يريد عز الإسلام ونسأل الله تعالى أن يقينا شر ما حدث في الآونة الأخيرة من الأمور التي يندى لها الجبين ولكن سينصر الله تعالى دينه مهما كانت الأحوال فالله تعالى ناصر دينه وكتابه وإن حصل على المسلمين ما حصل فإن الله يقول : وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ فربما يأتي اليوم الذي يجاهد فيه المسلمون اليهود حتى يختبأ اليهودي تحت الشجر فينادي الشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي تحتي فيأتي المسلم فيقتله وما ذلك على الله بعزيز .
ولكن المسلمين يحتاجون إلى قيادة حكيمة عليمة عليمة قبل كل شيء بأحكام الشريعة لأن القيادة بغير الاستنارة بنور الشريعة عاقبتها الوبال مهما علت لو علت إلى أعلى قمة فإنها سوف تنزل إلى أسفل قعر الهداية بالإسلام بنور الإسلام لا بالقومية ولا بالعصبية ولا بالوطنية ولا بغير ذلك بالإسلام فقط .
الإسلام وحده هو الكفيل بعزة الأمة لكن كما قلت إنها تحتاج إلى قيادة حكيمة تضع الأشياء في مواضعها وتتأنى في الأمور ولا تستعجل لا يمكن أن يصلح الناس بين عشية وضحاها من أراد ذلك فإنه قد أراد أن يغير الله سننه والله سبحانه وتعالى لا يغير السنن .
فهذا نبي الله عليه الصلاة والسلام بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله ينزل عليه الوحي يدعو بالتي هي أحسن ومع ذلك في النهاية خرج من مكة خائفًا مختفيًا لم تتم الدعوة في مكة فلماذا نريد أن نغير الأمة التي مضى عليها قرون وهي في غفلة وفي نوم أن نغيرها بين عشية وضحاها ؟ هذا سفه سفه في العقل وضلال في الدين .
الأمة الآن تحتاج إلى علاج رفيق علاج رفيق هادئ يدعو بالتي هي أحسن الأمة الإسلامية تحتاج بعد الفقه في دين الله والحكمة في الدعوة إلى الله تحتاج أيضا إلى علم بالواقع وفطنة وخبرة ونظر في الأمور التي تحتاج إلى نظر بعيد لأن النتائج قد لا تتبين في شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين لكن العاقل يصبر وينظر ويتأمل حتى يعرف الأمور تحتاج أيضا إلى عزم وتصميم وصبر لأنه لا بد من هذا لا بد من عزم يندفع به الإنسان ولا بد من صبر يثبت به الإنسان وإلا لفاتت الأمور أو فات كثير منها .
قال عز وجل : وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ هذا في مقابلة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى فإذا كان الله آواك في يتمك فلا تقهر اليتيم بل أكرم اليتيم والإحسان إلى اليتامى وإكرامهم من أوامر الشريعة ومن حسنات الشريعة لأن اليتيم وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ منكسر الخاطر يحتاج إلى جبر يحتاج إلى من يسليه وإلى من يدخل عليه السرور لاسيما إذا كان قد بلغ سنا يعرف به الأمور كالسابعة والعاشرة وما أشبه ذلك وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ هذا في مقابل قوله إيش ؟ لا ضَالاًّ فَهَدَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى إذًا السائل فلا تنهر أول ما يدخل في السائل السائل عن الشريعة عن العلم لا تنهره لأنه إذا سألك يريد أن تبين له الشريعة وجب عليك أن تبينها له لقول الله تبارك وتعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ لا تنهره إن نهرته نفرته ثم إن نهرته وهو يعتقد أنك فوقه يعني أنه لم يأت يسأل إلا أنه يعتقد أنك فوقه إذا نهرته وهو يشعر أنك فوقه أصابه الرعب واختلفت حواسه وربما لا يفقه ما يلقي إليك من السؤال أو لا يفقه ما تلقيه إليه من الجواب وقس نفسك أنت لو كلمت رجلا أكبر منك منزلة ثم نهرك ضاعت حواسك ولم تستطع أن ترتب فكرك وعقلك لهذا لا تنهر السائل وربما يدخل في ذلك أيضا سائل المال يعني إذا جاءك سائل يسألك مالا فلا تنهره لكن هذا العموم يدخله التخصيص إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يريد التعنت وأخذ رأيك وأخذ رأي فلا ورأي فلان وفلان حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض إذا علمت ذلك فهنا لك الحق أن تنهره وأن تقول : يا فلان اتق الله ألم تسأل فلانا ؟ كيف تسألني بعدما سألته ؟ أتلعب بدين الله أتريد إن أفتاك الناس بما تحب سكت وإن أفتوك بما لا تحب ذهبت تسأل هذا لا بأس لأن هذا النهر تأديب له وكذلك سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره ولك الحق أيضا أن توبخه على سؤاله وهو غني إذًا هذا العموم السائل فلا تنهر نقول : هذا العموم مخصوص بما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ نعمة الله على الرسول التي ذكرت في هذه الآيات كم؟ كم نعمة ؟ ثلاث :
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى وبهذه الثلاث تتم النعم حدث بنعمة الله قل : كنت يتيما فآوني الله كنت ضالا فهداني الله كنت عائلا فأغناني الله لكن تحدث بها إظهارا للنعمة وشكراً للمنعِم لا افتخارا بها على الخلق لأنك إذا فعلت ذلك افتخارا على الخلق كان هذا مذموما .
أما إذا قلت أو إذا ذكرت نعمة الله عليك تحدثا بالنعم وشكرا للمنعِم فهذا مما أمر الله به .
هذه كلمات يسيرة على هذه السورة العظيمة وما نقوله نحن أو غيرنا من أهل العلم فإنه لا يستوعب ما دل عليه القرآن من المعاني العظيمة نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الفهم في دين الله والعمل بما علمنا إنه على كل شيء قدير .
أما الآن فإلى الأسئلة ونبدأ باليمين ومن عادتنا ألا يزيد السائل على سؤال واحد وألا يكون هناك تعليق على الإجابة لأن ذلك يؤدي إلى أن يمضي الوقت في سؤال واحد نعم .
الفتاوى المشابهة
- الأولى ترك التكبير من سورة (الضحى) إلى آخر القرآن - ابن باز
- تفسير سورة الضحى:" والضحى والليل إذا سجى " و... - ابن عثيمين
- تفسير سورة القدر كاملة . - ابن عثيمين
- حكم التكبير من سورة الضحى إلى آخر القرآن - ابن باز
- سبب نزول سورة الضُّحَى - الفوزان
- تفسير قول الله تعالى : [ والضحى والليل إذا س... - ابن عثيمين
- المناقشة حول تفسير سورة الضحى. - ابن عثيمين
- تفسير سورة الضحى - ابن عثيمين
- تفسير سورة الضحى. - ابن عثيمين
- تفسير سورة الضحى - ابن عثيمين
- تفسير سورة الضحى كاملة . - ابن عثيمين