تم نسخ النصتم نسخ العنوان
خطبة جمعة حول محاسبة النفس . - ابن عثيمينالشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إ...
العالم
طريقة البحث
خطبة جمعة حول محاسبة النفس .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فإن كل تاجر ينظر في سجلات تجارته عند انتهاء السنة المالية، لينظر ماذا ربح؟ ماذا خسر؟ ماذا فاته من الربح؟ هل يمكن تعويضه أو لا يمكن؟ وإننا في آخر هذا العام عام سبعة عشر وأربع مئة وألف، نسأل الله تعالى أن يختمه لنا بخير، وأن يعفو عنا ما قصرناه في واجب، ويغفر لنا ما انتهكناه من محرم.
أيها الإخوة! إن الواجب أن ينظر الإنسان في عامه الماضي، ماذا صنع؟ هل أدى الواجب كما ينبغي أو قصر فيه؟ هل اجتنب المحرم وابتعد عنه أم وقع فيه؟ فإن كان مفرطاً في الواجب فإن عليه أن يتداركه ما دام في زمن الإمهال، ليفكر هل كان قد أتم طهارته؟ قد أتم صلاته؟ قد أتم صيامه؟ قد أتم زكاته؟ قد أتم حجه؟ لينظر في ذلك.
ربما يكون على الإنسان شيء من صيام رمضان فيقول: الأمد أمامي، لي أن أؤخره إلى أن يبقى من شهر شعبان بمقدار ما علي من الأيام، وهذا لا بأس به ولكن الحزم كل الحزم أن يبادر الإنسان بقضاء الصيام الذي عليه، لأنه لا يدري ماذا يعرض له، ربما يصاب بمرض لا يستطيع معه أن يصوم، وربما يموت فلا يقضى عنه، فلينظر.
كذلك لينظر في ماله، هل أحصاه إحصاءً تاماً دقيقاً؟ هل حاسب نفسه وكأن الفقراء شركاء له؟ بل هل حاسب نفسه وكأن أهل الديون شركاء له في ماله؟ لينظر هذا، لأنه إذا أخل بالواجب في الزكاة فإنه يخشى عليه أن يدخل في قول الله تبارك وتعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .
ولقد قال ابن القيم رحمه الله وناهيك به علماً وفقهاً قال: إن الإنسان إذا تهاون في إخراج زكاته حتى مات فإنها لا تبرأ ذمته ولو أخرجها الورثة من ماله بعده، لأنه صمم على أنه لن يخرج الزكاة في حال حياته، وماذا يغني عنه أن يخرج عنه ورثته بعد موته؟ لذلك طهر مالك! طهر نفسك بإخراج الزكاة الواجبة، ولا تتهاون بها! لا تفرط فيها! فإنها هي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل.
فكر كذلك في الحج! هل أنت أتيت بالحج على حسب ما أوصاك به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: خذوا عني منساككم هل أنت أخذت المناسك كما فعلها الرسول عليه الصلاة والسلام، أم أنت تهاونت فيها، ورأيت كأنها طقوس تفعلها أو تخرج بدلاً عنها من فدية أو هدي؟
إن كثيراً من الناس يخلون بالحج إخلالاً عظيماً حتى يجعلونه كأنه طقوس لا فائدة منها، ولا طهارة للقلب بها، ولا يشعر الإنسان فيها بالراحة الروحية، بل كأنها أشياء يفعلها فعلاً مادياً فقط.
عليك أن تحاسب نفسك: هل أنت أديت ما يجب عليك لمن يعاملك؟ هل أديت الدين الذي في ذمتك غير مؤجل وأنت قادر عليه؟ إنك إن أخرت الوفاء فأنت في ظلم إلى أن توفي، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مطل الغني ظلم فكل لحظة تمر على شخص عليه دين حال ولم يخرجه فإنه يكون به ظالماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .
فكر يا أخي في معاملتك أهلك: هل أنت قمت بواجب الزوجة؟ هل أنت عاشرتها بالمعروف أو جعلتها كأمة مستامة لا تبالي بها ولا يهمك القيام بحقها بل ضيعتها وأضعتها؟
فكر في أولادك: هل أنت قمت بحقهم في وجوب الرعاية؟ في منعهم عن المحرمات؟ في حملهم على الواجبات؟ كل هذا يجب أن نحاسب أنفسنا عليه.
فكر: هل أنت قمت بحق إخوانك المسلمين؟ هل تفشي السلام أو أنت تهجر؟
فكر في نفسك: هل كذبت يوماً من الدهر في هذا العام الماضي؟ هل نصحت في المعاملة؟ أشياء وأشياء كثيرة نفرط فيها ونهمل، ولا نحاسب أنفسنا عليها، مع أن التجار وهم أصحاب الأموال الفانية تجدهم يدققون جداً في نهاية العام.
أما في المستقبل، فالعام المستقبل لا ندري ما الله صانع فيه، أيامنا ثلاثة: يوم مضى بما فيه ولا يمكن تداركه، ويوم مستقبل لا ندري ما الله صانع فيه، كما قال الله عز وجل: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً ويومنا الحاضر أوله مضى وآخره لم يأت بعد ولا ندري ماذا يكون فيه.
إذاً علينا أن نعد أنفسنا للمستقبل بعزيمة صادقة، ورغبة في الخير كاملة، حتى نتلقى ونستقبل عامنا الجديد بجد، وإخلاص، وطاعة لله عز وجل.
وليعلم -أيها الإخوة- أن هذه الدنيا ليست دار مقام حتى يحرص الإنسان على إكمال ترفه فيها، إنها دار ممر، إنها دار عمل صالح، لكنها والله أطيب دار لمن عمل صالحاً، أطيب دار بالنسبة للآخرين وإلا فالآخرة خير وأبقى لا شك.
لكن لو سألنا سائل: من أطيب الناس عيشاً في هذه الدنيا؟ لقلنا: هو الذي آمن وعمل صالحاً، كما قال ربنا عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
استقبل أخي المسلم، استقبل هذا العام بجد ونشاط، وتغيير لما فسد من حالك إلى إصلاح، فإن الإنسان الحي يمكنه أن يستقيم بمشيئة الله، وإذا مات مات على ما كان عليه.
استقبل هذا العام الجديد بالنشاط في العمل الصالح، بالنشاط في الأخلاق الفاضلة، بالنشاط في تربية الأولاد، بالنشاط في تربية الأهل، بالنشاط في الإحسان إلى الخلق، بالنشاط في جميع أعمالك، لا تتهاون، من تعود على التهاون صار التهاون خلقاً له وبقي هكذا دائماً، ومن عود نفسه على الجد والحزم ومحاسبتها، فإنه ينجح بإذن الله عز وجل.
أمامنا مستقبل، أمامنا أيام هي مراحل للعمل الصالح.
كل يوم تطلع فيه الشمس فإن على كل مفصل منك صدقة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: يصبح على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس والإنسان فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً فلا بد أن تتصدق ثلاثمائة وستين صدقةً كل يوم، لكن ليست صدقة المال فحسب، بل هي صدقات متنوعة: كل تكبيرة صدقة، كل تهليلة صدقة، أمر بالمعروف صدقة، تكبيرة صدقة، نهي عن منكر صدقة، كل شيء يَتقرب به الإنسان إلى الله فهو صدقة، تجزي عن مفصل من المفاصل، بل قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يجزئ من ذلك أي: يجزئ بدل ذلك ركعتان يركعهما من الضحى .
عليك يا أخي أن تنظر ما هي وظائف اليوم والليلة؟ وظائف اليوم والليلة أعظمها بعد الشهادتين الصلاة، الصلاة منها فرض، ومنها نفل، الفرائض خمس معروفة لا تخفى على مسلم، النوافل: منها ما هو تابع للمفروضات، ومنها ما هو مستقل، ومنها ما هو مقيد بوقت، ومنها ما هو مطلق.
النوافل التابعة للمكتوبات هي: ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعد صلاة الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وأما العصر فليس لها سنة راتبة، لكن جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً .
هناك نوافل غير تابعة للمفروضات كالوتر، الوتر نافلة مستقلة تختم به صلاة الليل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً . فمن كان يقوم الليل فليؤخر الوتر إلى آخر الليل، ومن كان لا يقوم فليوتر أول الليل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل .
والوتر أقله ركعة، يعني لو أن الإنسان صلى راتبة العشاء ركعتين ثم أوتر بركعة كفى لأنه جعل آخر صلاته بالليل وتراً، وإن أوتر بثلاث فهو أفضل، وبخمس فهو أفضل، وبسبع فهو أفضل، وبتسع فهو أفضل، وبإحدى عشرة هو أفضل، فإذا نام الإنسان عن وتره فإنه يصليه من النهار، ولكنه يجعله شفعاً يعني: لا وتراً لأن الليل انتهى، ولكنه يجعله شفعاً حتى يكون قد قضى ورده، ولكن بدون وتر.
هناك أيضاً صلوات أخرى لأمور عارضة، كالصلاة لدخول المسجد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين . سنة الوضوء: إذا توضأ الإنسان فإنه ينبغي له أن يصلي ركعتين، وليحرص على ألا يحدث بهما نفسه، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ وقال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
هناك صلاة الضحى، التهجد في الليل، النفل مطلقاً في كل وقت شئت إلا أوقات النهي، وهي: من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح، وعند الزوال حتى تزول يعني: إذا قامت الشمس حتى تزول ومن صلاة العصر إلى الغروب، هذه الأوقات الثلاثة لا يصلى فيها النفل المطلق، ولكن يصلى فيها النفل ذو السبب، يعني إذا كان النفل له سبب فصلّ ولو في أوقات النهي.
هناك أيضاً زكاة المال واجبة، وهناك واجبات أخرى في المال غير زكاة المال كالنفقات، فإن الإنسان يجب عليه أن ينفق على زوجته وعلى أقاربه.

Webiste