تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير الآيات ( 1 - 9 ) من سورة الرحمن . - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد خاتم النّبيّين وإمام المتّقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .أمّا بعد: فهذ...
العالم
طريقة البحث
تفسير الآيات ( 1 - 9 ) من سورة الرحمن .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد خاتم النّبيّين وإمام المتّقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء الثامن والثّمانون بعد المائة، من اللّقاءات التي تسمّى: لقاء الباب المفتوح، والتي تتمّ في كلّ يوم خميس من كلّ أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر، من شهر جمادى الآخرة، عام 1419ه.
نبتدأ هذا اللقاء بما كنّا نبتدأ به أوّلاً وهو الكلام على آيات الله عزّ وجلّ، وقد انتهينا في الأسبوع الماضي إلى آخر سورة القمر.
أمّا اليوم فنبتدأ بسورة الرّحمن فيها البسملة: بسم الله الرحمن الرحيم :
البسملة آية مستقلة من كلام الله عزّ وجلّ، يفتتح بها السور ما عدا سورة واحدة وهي سورة براءة، وليست مِن السورة التي قبلها ولا التي بعدها، هذا هو الرّاجح من أقوال العلماء، حتّى الفاتحة ليست البسملة آيةً منها، ودليل هذا: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان لا يجهر بالبسملة في الصّلاة الجهريّة، ولو كانت آية من الفاتحة لجهر بها كما يجهر في بقيّة آياتها، ومما يدلّ على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجّدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني و بين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
يقول الله عزّ وجلّ: الرّحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علّمه البيان : الرّحمن: مبتدأ، وجملة علّم القرآن خبر، خلق الإنسان: خبر ثانٍ، علّمه البيان: خبر ثالث، يعني: أنّ هذا الرّب العظيم الذي سمّى نفسه بالرّحمن تفضّل على عباده بهذه النّعم.
والرّحمن هو: " ذو الرّحمة الواسعة التي وسعت كلّ شيء "، كما قال الله تعالى: ورحمتي وسعت كلّ شيء .
وابتدأ هذه السورة بالرّحمن عنوانًا على أنّ ما بعده كلّه من رحمة الله تعالى ومن نعمه.
علّم القرآن علّمه مَن، علّمه جبريل، علّمه محّمداً علّمه الإنسان؟
الجواب: علّمه من شاء من عباده، فعلّمه جبريل أوّلاً، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ثانياً، ثم بلّغه محمّد صلّى عليه وعلى آله وسلّم ثالثاً إلى جميع الناس.
والقرآن هو هذا الكتاب العزيز الذي أنزله الله تعالى باللغة العربية، كما قال الله تعالى: إنّا جعلنه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون ، وقال الله تعالى: نَزل به الرّوح الْأمينُ على قلبك لتكون من المنذرين بِلسان عربِيّ مبين .
وتعليم القرآن يشمل تعليم لفظه، وتعليم معناه، وتعليم كيف العمل به، فهو يشمل ثلاثة أشياء.
خلق الإنسان : والمراد الجنس فيشمل آدم وذرّيّته أي: أوجده من العدم فالإنسان كان معدومًا قبل وجوده، قبل خلقه، قال الله عزّ وجلّ: هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئاً مذكوراً يعني: أتى عليه حينًا من الدهر قبل أن يوجد وليس شيئاً مذكوراً ولا يعلم عنه، وبدأ الله تعالى بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان إشارة إلى أنّ نعمة الله علينا بتعليم القرآن أشدّ وأبلغ من نعمته بخلق الإنسان، وإلاّ من المعلوم أنّ خلق الإنسان سابق على تعليم القرآن، لكن لمّا كان تعليم القرآن أعظم منّة من الله عزّ وجلّ على العبد قدّمه على خلقه.
علّمه البيان علّم من؟
علّم الإنسان.
البيان أي: ما يبين به عمّا في قلبه، وعلّمه البيان أيضًا: ما يستبين به عند المخاطبة، فهنا بيانان:
البيان الأول من المتكلم، والبيان الثّاني من المخاطب، انتبه:
البيان المتكلم يعني: التعبير عمّا في قلبه يكون باللّسان نطقاً، ويكون بالبنان كتابة، أليس كذلك؟
عندما يكون في قلبك شيء تريد أن تخبر به تارة تخبر به بالنطق، وتارة بالكتابة، كلاهما داخل في قوله: علّمه البيان .
أيضاً علّمه البيان كيف يستبين الشيء وذلك بالنّسبة للمخاطَب، أنّ الإنسان يعلم ويعرف ما يقوله صاحبه، ولو شاء الله تعالى لأسمع المخاطَب الصّوت دون أن يفهم المعنى أليس كذلك؟
إذن البيان سواء من المتكلّم أو من المخاطب كلاهما منّة من الله عزّ وجلّ، كم نعمة هذه؟

السائل : ثلاثة.

الشيخ : علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان، ثلاثة.
الشّمس والقمر بحسبان : لما تكلّم عن العالم السّفليّ بيّن العالم العلوي الشّمس والقمر، بحسبان أي: بحساب دقيق يجريان كما أمرهم الله عزّ وجلّ، ولن تتغيّر الشّمس والقمر منذ خلقهما الله عزّ وجلّ إلى أن ينفيهما، يسيران على خطّ واحد كما أمرهما الله، وهذا دليل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى وكمال سلطانه وكمال علمه أن تكون هذه الأجرام العظيمة تسير سيرًا منظّمًا لا تتغيّر على مدى السّنين الطّوال، إذن بحسبان أي: بحساب معلوم، متقن، منتظم أشدّ الانتظام.
والنّجم والشّجر يسجدان : النّجم: اسم جنس والمراد به النّجوم، تسجد لله عزّ وجلّ، هذه النّجوم العليا التي نشاهدها في السّماء هي تسجد لله عزّ وجلّ سجودًا حقيقيًّا لكنّنا لا نعلم كيفيته، لأنّ هذه من الأمور التي لا تدركها العقول، الشّجر يسجد لله عزّ وجلّ سجودًا حقيقيّا، لكن لا ندري كيف ذلك، كما قال الله عزّ وجلّ: تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، إذن النّجم المراد به؟

السائل : النجوم.

الشيخ : يعني كلّ النّجوم، النّجوم كلّها تسجد، الشّجر كلّ الأشجار في الأرض تسجد لله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: ألم ترَ أنّ الله يسجد له من في السَّماوات ومن في الْأرض والشّمس والقمر والنجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثير من النّاس كثير من الناس يقابل: وكثير حق عليه العذاب فلا يسجدون والعياذ بالله، إذن النّجم يعني: النّجوم، الشّجر يعني: الأشجار، يسجدان حقيقة أو مجازًا؟

السائل : حقيقة.

الشيخ : حقيقة، يسجدان لله على أيّ كيفية؟
الله أعلم لا ندري، والله على كل شيء قدير، الآن انظر إلى الأشجار إذا طلعت الشّمس تتّجه أوراقها إلى الشّمس تشاهدها بعينك، وكلّما ارتفعت ارتفعت الأشجار، وإذا مالت للغروب مالت أيضًا، هذا نشاهده، لكن هذا ليس هو السجود، إنمّا السّجود حقيقة لا يعلم.
والسّماء رفعها يعني: ورفع السّماء، ولم يحدّد في القرآن الكريم مقدار هذا الرّفع، لكن جاءت السّنّة بذلك فهي رفيعة عظيمة ارتفاعًا عظيمًا شاهقًا.
ووضع الميزان أي: وضع العدل، والدليل على أنّ المراد بالميزان هنا هو العدل قوله تبارك وتعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزَلنا معهم الْكتاب والمِيزان يعني: العدل وليس المراد بالميزان هنا الميزان ذا الكفّتين المعروف، لا، المراد الميزان العدل.
ومعنى وضع الميزان أي: أثبته للنّاس ليقوموا بالقسط أي: بالعدل.
ألّا تطغوا في المِيزان يعني: ألاّ تطغوا في العدل، يعني: وضع العدل لئلاّ تطغوا في العدل فتجوروا، تحكموا للشّخص وهو لا يستحقّ، أو على الشّخص وهو لا يستحقّ.
وأقيموا الوزن بالقسط : أقيموا الوزن يعني: وزن الإنسان، الوزن يعني وزنكم للأشياء أقيموه، لا تبخسوا فتنقصوا، ولهذا قال: ولا تخسروا الميزان أي: لا تخسر الموزون، فصار الميزان يختلف في مواضعه الثلاث:
وضع الميزان يعني؟

السائل : العدل.

الشيخ : ألاّ تطغوا في الميزان؟

السائل : لا تجوروا.

الشيخ : لا تجوروا في الوزن، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ؟

السائل : الموزون.

الشيخ : الموزون، ثمّ قال عزّ وجلّ: والأرض وضعها للأنام إلى آخره ونتكلّم عليها في الدّرس القادم إن شاء الله حتّى نتفرّغ للأسئلة من الإخوة الضيوف، ونبدأ باليمين.

Webiste