حديث " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ...." ما هذه الأبدية وهل يترحم عليه.؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : نعم؟
السائل : الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله .
يا فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرا في حديث أبي هريرة في الصّحيحين أنّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام قال: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسمّ فسمّه بيده يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدًا ماذا يقصد بهذه الأبديّة؟
هل هي أبديّة قاتل نفسه في النّار؟
وهل يلزم من هذا أنّها ليست كبيرة من كبائر الذّنوب؟
وإن كان بكفره فهل يجوز التّرحّم عليه؟
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين:
هذا سؤال هامّ بل مهمّ، هامٌ مهم، وذلك أنّه يأتي في الكتاب والّسنّة أحيانا نصوصٌ فيها فتح باب الرّجاء والأمل الواسع، مثل أن تكون أعمال صالحة يُرتّب عليها تكفير السيّئات، يرتّب عليها دخول الجنّة أو ما أشبه ذلك، فيفرح الإنسان ويستبشر ويقول: إذن لا تضرّني معصية ما دام هذا العمل اليسير يكفّر عنّي السّيّئات، أو أدخل به الجنّة، فلأعمل ما شئت من المعاصي، وتأتي أحيانا نصوص فيها وعيد شديد على بعض المعاصي أو بعض الكبائر، بل هي كبائر في الواقع ولكنّها لا تخرج من الإسلام، فتجد الرّجل يستحسر ويتوقّف ويقول ما هذا.
ولذلك انقسم أهل القبلة يعني المسلمون الذين ينتسبون إلى الإسلام انقسموا في هذه النّصوص إلى ثلاثة أقسام:
قسم غلَّب جانب نصوص الرّجاء وقال: لا تضرّ مع الإسلام معصية، وهؤلاء هم المرجئة، يغلّبون جانب الرّجاء على جانب الخوف، ويقولون أنت مؤمن، اعمل ما شئت فلا يضرّك مع الإيمان معصية.
وطائفة أخرى غَلّبوا نصوص التّخويف والزّجر، وقالوا: إنّ فاعل الكبائر مخلّد في نار جهنّم أبدًا، ولو كان مؤمنًا، ولو كان يصلّي ويزكّي ويصوم ويحجّ، وهؤلاء هم الوعيديّة من المعتزلة والخوارج، قالوا: الإنسان لو فعل كبيرة كقتل نفسه مثلا، أو قتل نفس غيره، أو زنى، أو سَرَق، فهو خالدٌ مخلّد في نار جهنّم.
وكلّ هؤلاء جانبوا الصّواب، لا الأوّلون ولا هؤلاء.
وأهل السّنّة والجماعة وسط في ذلك، قالوا: نأخذ بالنّصوص كلّها، لأنّ الشّريعة شريعة واحدة صادرة من واحد وهو الله عزّ وجلّ، إمّا في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإذا كان الأمر كذلك فإنّه يكمّل بعضها بعضًا، ويقيّد بعضها بعضًا، ويخصّص بعضها بعضًا، فيأتي نصّ عام ونصّ خاصّ، فيجب أن نحمل العامّ على الخاصّ ونخصّصه به، ويأتي نصّ مطلق ونصّ مقيّد، فيجب أن نحمل المطلق على المقيّد، لأنّ الشّريعة واحدة، والمشرّع واحد، فإذا كان كذلك فلا يمكن أن نأخذ بجانب دون الآخر، وبناء على هذا يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة، فيقال: إنّه ورد في القرآن: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً هذه خمس عقوبات:
جزاؤه جهنم، خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعدّ له عذابًا عظيمًا.
عندما تقرأ هذه الآية تقول: إنّ قاتل المؤمن عمدًا مخلّد في النّار، ولا يمكن يخرج منها، لأنّ الله قال: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ، ومن لعنه الله معناه طرده وأبعده عن رحمته، وهذا يقتضي أنه لا يمكن أن يخرج من النار إلى الجنة، وكذلك ما أشار إليه السّائل فيمن قتل نفسه أنه خالدا مخلّدا أبدا، صرّح بالتأبيد، وهذا يقتضي ألاّ يخرج منها، لأنّ هذا خبر من الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وخبر الرّسول صدق ولا يمكن أن يعتريه الكذب، ولا يمكن أن يتخلّف مدلوله، ولهذا نقول: هذه الأشياء تكون سبباً:
قتل النّفس سبب للخلود المؤبّد في نار جهنّم، كما قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ولكن هناك مانع يمنع من الخلود دلّت عليها النّصوص، وهو أنّ الإنسان إذا كان معه شيء من الإيمان ولو أدنى أدنى أدنى مثقال من إيمان، فإنه لا يخلّد في النار، فنحمل هذه النّصوص على هذه النّصوص، ونقول: هذه جاءت هكذا عامّة، أعني: نصوص الوعيد من أجل التّنفير من هذا العمل والهروب منه، ولكن ليس هناك خلود مؤبّد إلاّ للكافرين، هذا وجه.
الوجه الثّاني: أنّ بعض العلماء يقول: هذه النصوص على ظاهرها، وذلك أنّه قد يُصاب الذي يقتل نفسه بالانسلاخ من الإيمان، فيكون حين قتل نفسه غير مؤمن، وإذا كان غير مؤمن فهو كافر، خالد في النار، لأنه مثلا إذا نحر نفسه، لأيّ سبب، لا بدّ أن يكون لسبب، فإن كان مجنوناً فلا شيء عليه ما فيها إشكال، وإن كان عاقلاً فلا بدّ أن يكون هناك سببا، والسّبب:
هو أنّه يستريح من الضّائقة التي ألمـَّت به، ومن زعم أنّه إذا قتل نفسه نجا من الضّائقة التي ألمـَّت به فقد أنكر البعث، وأنكر عقوبة الآخرة، وإذا أنكر البعث وعقوبة الآخرة صار بذلك كافراً، فيكون مستحقّا للخلود المؤبّد في النّار، لأنّه ليس من المعقول أنّ شخصًا يعدم نفسه فيستريح ممّا هو فيه إلاّ لظنّه أن ينتقل إلى ما هو أريح له، ولا يمكن أن يكون أريح له وقد قتل نفسه، فيكونُ هذا شاكّا أو متردّدا أو جاحدًا لعذاب الآخرة، وبذلك يكون كافرًا.
وعلى كلّ حال المهم أنه يجب أن نعلم أنّ الكتاب والسّنة صدرت من عند الله وحده، منها ما هو من كلامه جلّ وعلا كالقرآن، ومنها ما هو من كلام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ بعضها يقيّد بعضا، ويخصّص بعضها بعضا، ولا تناقض فيها، نعم.
السائل : يترحّم عليه يا شيخ؟
الشيخ : نعم، نعم يترحّم عليه، يقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه، لأنّه ليس بكافر، نعم.
السائل : الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله .
يا فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرا في حديث أبي هريرة في الصّحيحين أنّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام قال: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسمّ فسمّه بيده يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدًا ماذا يقصد بهذه الأبديّة؟
هل هي أبديّة قاتل نفسه في النّار؟
وهل يلزم من هذا أنّها ليست كبيرة من كبائر الذّنوب؟
وإن كان بكفره فهل يجوز التّرحّم عليه؟
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين:
هذا سؤال هامّ بل مهمّ، هامٌ مهم، وذلك أنّه يأتي في الكتاب والّسنّة أحيانا نصوصٌ فيها فتح باب الرّجاء والأمل الواسع، مثل أن تكون أعمال صالحة يُرتّب عليها تكفير السيّئات، يرتّب عليها دخول الجنّة أو ما أشبه ذلك، فيفرح الإنسان ويستبشر ويقول: إذن لا تضرّني معصية ما دام هذا العمل اليسير يكفّر عنّي السّيّئات، أو أدخل به الجنّة، فلأعمل ما شئت من المعاصي، وتأتي أحيانا نصوص فيها وعيد شديد على بعض المعاصي أو بعض الكبائر، بل هي كبائر في الواقع ولكنّها لا تخرج من الإسلام، فتجد الرّجل يستحسر ويتوقّف ويقول ما هذا.
ولذلك انقسم أهل القبلة يعني المسلمون الذين ينتسبون إلى الإسلام انقسموا في هذه النّصوص إلى ثلاثة أقسام:
قسم غلَّب جانب نصوص الرّجاء وقال: لا تضرّ مع الإسلام معصية، وهؤلاء هم المرجئة، يغلّبون جانب الرّجاء على جانب الخوف، ويقولون أنت مؤمن، اعمل ما شئت فلا يضرّك مع الإيمان معصية.
وطائفة أخرى غَلّبوا نصوص التّخويف والزّجر، وقالوا: إنّ فاعل الكبائر مخلّد في نار جهنّم أبدًا، ولو كان مؤمنًا، ولو كان يصلّي ويزكّي ويصوم ويحجّ، وهؤلاء هم الوعيديّة من المعتزلة والخوارج، قالوا: الإنسان لو فعل كبيرة كقتل نفسه مثلا، أو قتل نفس غيره، أو زنى، أو سَرَق، فهو خالدٌ مخلّد في نار جهنّم.
وكلّ هؤلاء جانبوا الصّواب، لا الأوّلون ولا هؤلاء.
وأهل السّنّة والجماعة وسط في ذلك، قالوا: نأخذ بالنّصوص كلّها، لأنّ الشّريعة شريعة واحدة صادرة من واحد وهو الله عزّ وجلّ، إمّا في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإذا كان الأمر كذلك فإنّه يكمّل بعضها بعضًا، ويقيّد بعضها بعضًا، ويخصّص بعضها بعضًا، فيأتي نصّ عام ونصّ خاصّ، فيجب أن نحمل العامّ على الخاصّ ونخصّصه به، ويأتي نصّ مطلق ونصّ مقيّد، فيجب أن نحمل المطلق على المقيّد، لأنّ الشّريعة واحدة، والمشرّع واحد، فإذا كان كذلك فلا يمكن أن نأخذ بجانب دون الآخر، وبناء على هذا يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة، فيقال: إنّه ورد في القرآن: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً هذه خمس عقوبات:
جزاؤه جهنم، خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعدّ له عذابًا عظيمًا.
عندما تقرأ هذه الآية تقول: إنّ قاتل المؤمن عمدًا مخلّد في النّار، ولا يمكن يخرج منها، لأنّ الله قال: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ، ومن لعنه الله معناه طرده وأبعده عن رحمته، وهذا يقتضي أنه لا يمكن أن يخرج من النار إلى الجنة، وكذلك ما أشار إليه السّائل فيمن قتل نفسه أنه خالدا مخلّدا أبدا، صرّح بالتأبيد، وهذا يقتضي ألاّ يخرج منها، لأنّ هذا خبر من الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وخبر الرّسول صدق ولا يمكن أن يعتريه الكذب، ولا يمكن أن يتخلّف مدلوله، ولهذا نقول: هذه الأشياء تكون سبباً:
قتل النّفس سبب للخلود المؤبّد في نار جهنّم، كما قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ولكن هناك مانع يمنع من الخلود دلّت عليها النّصوص، وهو أنّ الإنسان إذا كان معه شيء من الإيمان ولو أدنى أدنى أدنى مثقال من إيمان، فإنه لا يخلّد في النار، فنحمل هذه النّصوص على هذه النّصوص، ونقول: هذه جاءت هكذا عامّة، أعني: نصوص الوعيد من أجل التّنفير من هذا العمل والهروب منه، ولكن ليس هناك خلود مؤبّد إلاّ للكافرين، هذا وجه.
الوجه الثّاني: أنّ بعض العلماء يقول: هذه النصوص على ظاهرها، وذلك أنّه قد يُصاب الذي يقتل نفسه بالانسلاخ من الإيمان، فيكون حين قتل نفسه غير مؤمن، وإذا كان غير مؤمن فهو كافر، خالد في النار، لأنه مثلا إذا نحر نفسه، لأيّ سبب، لا بدّ أن يكون لسبب، فإن كان مجنوناً فلا شيء عليه ما فيها إشكال، وإن كان عاقلاً فلا بدّ أن يكون هناك سببا، والسّبب:
هو أنّه يستريح من الضّائقة التي ألمـَّت به، ومن زعم أنّه إذا قتل نفسه نجا من الضّائقة التي ألمـَّت به فقد أنكر البعث، وأنكر عقوبة الآخرة، وإذا أنكر البعث وعقوبة الآخرة صار بذلك كافراً، فيكون مستحقّا للخلود المؤبّد في النّار، لأنّه ليس من المعقول أنّ شخصًا يعدم نفسه فيستريح ممّا هو فيه إلاّ لظنّه أن ينتقل إلى ما هو أريح له، ولا يمكن أن يكون أريح له وقد قتل نفسه، فيكونُ هذا شاكّا أو متردّدا أو جاحدًا لعذاب الآخرة، وبذلك يكون كافرًا.
وعلى كلّ حال المهم أنه يجب أن نعلم أنّ الكتاب والسّنة صدرت من عند الله وحده، منها ما هو من كلامه جلّ وعلا كالقرآن، ومنها ما هو من كلام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ بعضها يقيّد بعضا، ويخصّص بعضها بعضا، ولا تناقض فيها، نعم.
السائل : يترحّم عليه يا شيخ؟
الشيخ : نعم، نعم يترحّم عليه، يقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه، لأنّه ليس بكافر، نعم.
الفتاوى المشابهة
- هل قاتل نفسه يخلد في النار ؟ ( العمليات الإن... - ابن عثيمين
- ما حكم من قتل نفسه وكيف توجيه النصوص التي في... - ابن عثيمين
- عقيدة أهل السنة والجماعة في حكم قاتل نفسه - ابن عثيمين
- مذاهب الناس في قوله تعالى "ومن يقتل مؤمنا مت... - ابن عثيمين
- هل يستدل بقوله تعالى: [ومن يقتل مؤمناً متعمد... - ابن عثيمين
- هل يخلد القاتل في النار ؟ وما حكم من قتل نفسه ؟ - ابن عثيمين
- وسطية أهل السنة تجاه مرتكب الكبيرة - ابن عثيمين
- حديث ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّ... - الالباني
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد وعثمان ق... - ابن عثيمين
- هل العاصي يدخل النار و يخلد فيها ، وما الجوا... - ابن عثيمين
- حديث " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ... - ابن عثيمين