تفسير أول سورة الغاشية إلى قوله تعالى : " وجوه يومئذٍ ناعمة ".
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات المعتادة في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو آخر خميس من شهر ذي الحجة عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وهو اليوم التاسع والعشرون منه، نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم عامنا بالمغفرة والعفو والرضوان.
نبدأ هذا المجلس بتفسير سورة الغاشية، يقول الله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول الفاتحة - تقدموا هنا، وأن أول الفاتحة هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وهلم جره.
يقول الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ الخطاب إما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإما لكل من يصح خطابه، وهذا يأتي في القرآن كثيراً، يوجه الله الخطاب ويكون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح خطابه، إلا أنه أحياناً يتعين أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام ، مثل : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم.
وأحياناً يترجح العموم، مثل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فهذا أول الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وآخره: إِذَا طَلَّقْتُمُ عام.
فقوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ يجوز أن يكون الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده وأمته تبعٌ له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابهم، والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ويجوز أن يكون للتعظيم، لعظم هذا الحديث عن الغاشية.
حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ أي: نبؤها، والغاشية: هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، وهي يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
ثم قسّم الله سبحانه وتعالى الناس في هذا اليوم إلى قسمين فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ خاشعة أي: ذليلة، كما قال الله تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فمعنى خاشعة يعني: ذليلة.
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ عاملة عملاً يكون به النصب وهو التعب.
قال العلماء: وذلك أنهم يُكلَّفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم والعياذ بالله كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة، لأنه عمل عذاب وعقاب نسأل الله العافية، وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً وذلك لأن الله قيد هذا بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي: يوم إذا تأتي الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة.
إذن: فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.
تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً أي: تُدخل في نار جهنم والعياذ بالله النار الحامية التي بلغت من حموها أنها فضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، يعني: نار الدنيا كلها بما فيها من أشد ما يكون من حرارة، نار جهنم أشد منها بتسعة وستين جزءاً.
ويدلك على شدة حرارتها أن هذه الشمس حرارتها تصل إلينا مع بعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواءٍ باردة غاية البرودة تصل إلينا هذه الحرارة التي تدركونها ولاسيما في أيام الصيف، فالنار أعاذنا الله وإياكم منها نار حامية.
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لما بين لنا مكانهم والعياذ بالله وأنهم في نار جهنم الحامية، بين طعامهم وشرابهم فقال: تُسْقَى أي: الوجوه مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة أو كلما عطشوا سُقوا لا، إنما يؤتون كلما اشتد عطشهم والعياذ بالله واستغاثوا، كما قال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ هذا الماء إذا قرُب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ إذن: لا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً، لا ظاهراً بالبرودة يبرد الوجوه، ولا باطناً بالرِّي، ولكنهم والعياذ بالله يغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ .
فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار أليس كذلك؟ فالجواب: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رءوس الناس على قدر ميل؟ والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شياً، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.
أيضاً: يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، منهم من هو في ظلمةٍ شديدة، ومنهم من هو في نور نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يحشرون في مكان واحد ويعرقون، منهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد.
إذن أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا، فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا: أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا.
ثانياً: أن الله على كل شيءٍ قدير.
ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار، كما قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ الشجر الأخضر رطب ومع ذلك إذا ضرب بعضه ببعض أو ضرب بالزند انقدح خرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير، فهم يسقون من عين آنية في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.
أما طعامهم فقال: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ الضريع قالوا أنه شجر ذو شوك عظيم، إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رعته الإبل، وهو يسمى عندنا الشبرق هذا الضريع هو شجر ذو شوك إذا يبس لا يرعى لأنه شوك وإذا كان أخضر ترعاه الإبل ، هم والعياذ بالله في نار جهنم ليس لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، يختلف عنه اختلافاً عظيماً، ولهذا قال: لا يُسْمِنُ فلا ينفع الأبدان في ظاهرها وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه، ليس فيه إلا الشوك والتجرع العظيم، والمرارة والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئاً.
ثم ذكر الله عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ إلى آخره، وسنذكرها إن شاء الله في الجلسة القادمة، نسأل الله تعالى أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يرزقنا وإياكم دار القرار، إنه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة والعادة أن السائل لا يستحق إلا سؤالاً واحداً نعم .
أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات المعتادة في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو آخر خميس من شهر ذي الحجة عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وهو اليوم التاسع والعشرون منه، نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم عامنا بالمغفرة والعفو والرضوان.
نبدأ هذا المجلس بتفسير سورة الغاشية، يقول الله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول الفاتحة - تقدموا هنا، وأن أول الفاتحة هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وهلم جره.
يقول الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ الخطاب إما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإما لكل من يصح خطابه، وهذا يأتي في القرآن كثيراً، يوجه الله الخطاب ويكون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح خطابه، إلا أنه أحياناً يتعين أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام ، مثل : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم.
وأحياناً يترجح العموم، مثل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فهذا أول الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وآخره: إِذَا طَلَّقْتُمُ عام.
فقوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ يجوز أن يكون الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده وأمته تبعٌ له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابهم، والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ويجوز أن يكون للتعظيم، لعظم هذا الحديث عن الغاشية.
حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ أي: نبؤها، والغاشية: هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، وهي يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
ثم قسّم الله سبحانه وتعالى الناس في هذا اليوم إلى قسمين فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ خاشعة أي: ذليلة، كما قال الله تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ فمعنى خاشعة يعني: ذليلة.
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ عاملة عملاً يكون به النصب وهو التعب.
قال العلماء: وذلك أنهم يُكلَّفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم والعياذ بالله كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة، لأنه عمل عذاب وعقاب نسأل الله العافية، وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً وذلك لأن الله قيد هذا بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي: يوم إذا تأتي الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة.
إذن: فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.
تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً أي: تُدخل في نار جهنم والعياذ بالله النار الحامية التي بلغت من حموها أنها فضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، يعني: نار الدنيا كلها بما فيها من أشد ما يكون من حرارة، نار جهنم أشد منها بتسعة وستين جزءاً.
ويدلك على شدة حرارتها أن هذه الشمس حرارتها تصل إلينا مع بعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواءٍ باردة غاية البرودة تصل إلينا هذه الحرارة التي تدركونها ولاسيما في أيام الصيف، فالنار أعاذنا الله وإياكم منها نار حامية.
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لما بين لنا مكانهم والعياذ بالله وأنهم في نار جهنم الحامية، بين طعامهم وشرابهم فقال: تُسْقَى أي: الوجوه مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة أو كلما عطشوا سُقوا لا، إنما يؤتون كلما اشتد عطشهم والعياذ بالله واستغاثوا، كما قال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ هذا الماء إذا قرُب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ إذن: لا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً، لا ظاهراً بالبرودة يبرد الوجوه، ولا باطناً بالرِّي، ولكنهم والعياذ بالله يغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ .
فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار أليس كذلك؟ فالجواب: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رءوس الناس على قدر ميل؟ والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شياً، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.
أيضاً: يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، منهم من هو في ظلمةٍ شديدة، ومنهم من هو في نور نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يحشرون في مكان واحد ويعرقون، منهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد.
إذن أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا، فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا: أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا.
ثانياً: أن الله على كل شيءٍ قدير.
ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار، كما قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ الشجر الأخضر رطب ومع ذلك إذا ضرب بعضه ببعض أو ضرب بالزند انقدح خرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير، فهم يسقون من عين آنية في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.
أما طعامهم فقال: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ الضريع قالوا أنه شجر ذو شوك عظيم، إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رعته الإبل، وهو يسمى عندنا الشبرق هذا الضريع هو شجر ذو شوك إذا يبس لا يرعى لأنه شوك وإذا كان أخضر ترعاه الإبل ، هم والعياذ بالله في نار جهنم ليس لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، يختلف عنه اختلافاً عظيماً، ولهذا قال: لا يُسْمِنُ فلا ينفع الأبدان في ظاهرها وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه، ليس فيه إلا الشوك والتجرع العظيم، والمرارة والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئاً.
ثم ذكر الله عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ إلى آخره، وسنذكرها إن شاء الله في الجلسة القادمة، نسأل الله تعالى أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يرزقنا وإياكم دار القرار، إنه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة والعادة أن السائل لا يستحق إلا سؤالاً واحداً نعم .
الفتاوى المشابهة
- من تلاوات الشيخ - رحمه الله - ( سورة الغاشية ) - الالباني
- تفسير آيات من سورة الغاشية - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى : " أفلا ينظرون إلى الإبل ك... - ابن عثيمين
- الآيات الأولى من سورة الغاشية وحديث: (إن الر... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ خاشعة. - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة الغاشية - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية) - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة الغاشية - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: " وجوه يومئذٍٍ ناعمة " إلى... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة) - ابن عثيمين
- تفسير أول سورة الغاشية إلى قوله تعالى : " وج... - ابن عثيمين