تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد حديث ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم... - ابن عثيمينالشيخ : في هذا الحديث من الفوائد فوائد كثيرة منها: رعاية الشّريعة للصّحّة لأنّ كون الإنسان يغتسل وهو جنب في ماء راكد لا يطفو عليه شيء ولا يخرج منه شيء ل...
العالم
طريقة البحث
فوائد حديث ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : في هذا الحديث من الفوائد فوائد كثيرة منها: رعاية الشّريعة للصّحّة لأنّ كون الإنسان يغتسل وهو جنب في ماء راكد لا يطفو عليه شيء ولا يخرج منه شيء لا شكّ أنّه سيلوّثه وسيكون علّة له ولغيره.
ومنها: شمول الشّريعة التي جاء بها محمّد صلّى الله عليه وسلّم فهي شاملة لمصالح النّاس في المعاد والمعاش خلافًا لمن قال إنّ الشّريعة هي تنظيم العبادة فيما بين الإنسان وبين ربّه والباقي موكول إلى النّاس هذا غير صحيح، وهذا يخشى أن يكون من باب الكفر ببعض الشّريعة والإيمان ببعضها، الشّريعة شاملة لكنّ النّاس يختلفون في العلم والفهم، قد يقصر علم الإنسان عن الإحاطة بالشّريعة وهذا كثير، وقد يقصر فهمه عمّا أحاط به من الشّريعة فيظنّ أنّ الشّريعة مقصّرة أو قاصرة في هذا الباب.
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم أو كراهة اغتسال الإنسان وهو جنب في الماء الدّائم من أين يؤخذ؟ من النّهي، وقد اختلف الأصوليّون في النّهي هل هو للكراهة أو للتّحريم أو يفرّق بين ما كان مبناه العبادة وما كان مبناه الأدب والنّظافة؟ فالأوّل محرّم النّهي يكون فيه للتّحريم والثاني للكراهة، قالوا: إنّما كان النّهي للتّحريم لأنّه في جانب العبادة والإنسان إنّما خلق لإيش؟ للعبادة، فلا بدّ أن يحقّقها فعلًا للمأمور وتركًا للمحظور، أمّا الأداب وما يعود للصّحّة وما أشبه ذلك فيحمل على الكراهة، والمتأمّل للأحاديث التي فيها النّهي يرى أنّ هذا القول أقرب ما يكون، لأنّه يمرّ بك أحاديث فيها نهي ولم تكن للتّحريم ولا يمكن أن تقول أنّها للتّحريم، ويمرّ بك تقول إنّها للتّحريم فإذا وجد نهي مطلق غير مقرون بما يدلّ على أنّه للتّحريم فأقرب الأقوال في ذلك الوسط أنّ ما كان شأنه شأن العبادة فهو للتّحريم، وما كان للنّظافة والآداب وما أشبه ذلك فهو للكراهة.
طيب من فوائد هذا الحديث جوزا الإغتسال في الماء غير الدّائم والماء غير الدّائم ينقسم إلى قسمين: قسم يجري الآن يجري كالأنهار والسّواقي، السّواقي التي تجري هذه يتطهّر بها الإنسان ولا إشكال في ذلك سواء جنب أو غير جنب فينوي الاغتسال ويغتسل ينغمس فيها، ولكن لا شكّ أنّ الذي يجري سوف يتجدّد الماء على البدن فهل نقول كلّ جرية عن غسلة؟ الجواب: نعم كلّ جرية عن غسلة ولهذا قال الموفّق رحمه في المغني إنّ الرّجل إذا حرّك يده في الماء فقد غسلها ثلاثا لأنّ الماء يتجدّد بالحركة فكذلك أيضًا إذا كان الماء يجري فكلّ جرية تغمر البدن تعتبر إيش؟ غسلة، طيب القسم الثاني من الماء غير الدّائم الذي هو الآن راكد لكن نعلم أنّه سوف يفتح له بعد ساعة أو ساعتين ويمشي ويخلفه آخر كما يوجد هذا في برك البساتين، تجد البركة الآن مملوءة لا تجري الآن لكنّه سوف يفتحها من ينوي توزيع الماء ويوزّعها على الحائط ويأتي ماء جديد هل نجعل هذا من الدّائم أو من الجاري؟
الطالب : الجاري.

الشيخ : من الجاري، هذا لا شكّ من الجاري لأنّ هذا الماء سوف يذهب إذن ما هو الماء الدّائم؟ الماء الدّائم ما يكون في الغدران، أتعرفون الغدران؟ هاه؟
الطالب : ...

الشيخ : ما هي الآبار!
الطالب : المستنقعات.

الشيخ : المستنقعات، مستنقعات الأمطار هذه نعم دائمة لأنّ المطر قد ينزل وقد لا ينزل وقد يبقى الغدير دائمًا على هذا الوضع، فهذا هو الذي ينطبق عليه الحديث.
من فوائد هذا الحديث: وهو من مفهومه أنّه يجوز الاغتسال في الماء الدّائم عن غير جنابة كما لو اغتسل للتّنظيف أو اغتسل غسلًا مستحبًّا كما لو أفاق من إغماء واغتسل غسلًا فهذا مستحبّ، فهل نقول بهذا المفهوم أو نقول المفهوم فيه التفصيل؟ نقول المفهوم فيه التفصيل لأنّ الإنسان إذا اغتسل في الماء الدّائم من غير جنابة قد يكون جسده ملوّثًا بأذى كثير أذى كثير يؤذي النّاس برائحته وإن لم ينغمس في الماء فهذا نقول إنّه ينهى عن أن يغتسل في الماء الدّائم، لكن نأخذه من هذا الحديث أو من القواعد العامّة؟
الطالب : القواعد العامّة.

الشيخ : في أنّ الإنسان لا يجوز أن يؤذي المسلمين وهذا يؤذي المسلمين، لأنّه المفروض أنّه في غدير كلٌّ يأتي فيغتسل أو يشرب منه فإذا كان في الإنسان وسخ كثير يتغيّر به الماء حتى يطفو على سطح الماء ما يكون كالدّهن من الأذى الذي في الجلد فهذا لا شكّ أنّه ينهى عنه من أجل أنّه يقذّره ويكون هذا داخلًا في إيش؟ في القواعد العامّة أمّا إذا كان البدن نظيفًا واغتسل فيه من غير جنابة فالحديث يدلّ على الجواز.
ومن فوائد هذا الحديث: ذكر الجنب فما هو الجنب؟ الجنب من لزمه الغسل عن جماع أو إنزال هذا الجنب، وقد كان كثير من النّاس ولا سيما الشّباب الذي تزوّج أخيرا يظنّ أنّه لا غسل بالجماع المجرّد وهذا خطأ وينبغي لطلبة العلم أن ينشروا بين النّاس أنّ الجماع يوجب الغسل وإن لم يحصل إنزال، بعض الناس يسألنا له شهر أو شهران أو أكثر لا يغتسل من الجنابة إلاّ إذا كان هناك إنزال وهذا خطأ. طيب لماذا أتى المؤلف بهذا الحديث في هذا الباب؟ إشارة لقول بعض العلماء رحمهم الله أنّه إذا اغتسل في الماء الدائم وهو جنب فإنّه يكون نجسًا وبعضهم يقول إنّه يكون طاهرا غير مطهّر، ونحن نقول: الحديث لا يدلّ لا على هذا ولا على هذا، أمّا الأوّل فما أبعد دلالته عليه كيف يكون نجسًا وبدن الجنب؟
الطالب : طاهر.

الشيخ : طاهر، إنّ أبا هريرة كان مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض الطّريق فانخنس يعني انسلّ بخفية واغتسل ثمّ حضر فقال له الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أين كنت يا أبا هريرة؟ قال كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: "سبحان الله! إنّ المؤمن لا ينجس" فقال: إنّ المؤمن إشارة إلى أنّ أبا هريرة لمّا فهم أنّ الجنب لا يجالس الشّرفاء والعظماء بيّن أنّه لا ينجس إذن لا ينجس وهو جنب، فالقول بأنّ الماء ينجس قول ضعيف جدًّا.
القول بأنّه طاهر غير مطهّر من أين لكم ذلك؟ أوّلا أنّنا لا نسلّم وجودا قسما من الماء يسمّى طاهرًا لأنّه ما فيه دليل، وثانيًا: لو سلّمنا هذا أو كان فيه دليلًا عليه فإنّ هذا الحديث لا يدلّ عليه، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يتعرّض لحكم الماء إطلاقًا وإنّما وجّه الخطاب لمن؟ لمن اغتسل أمّا الماء فلم يتعرّض له.
نعم قال: " وللبخاري: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه" " هذا فيه خصوص وعموم مثل ما سبق، هنا قال: "ثمّ يغتسل فيه" ولم يقل من الجنابة بل قال: "ثمّ يغتسل فيه" لكنّه قيّد هذا النّهي عن الاغتسال بما إذا بال فيه، إذا بال فيه، فقوله: "لا يبولنّ" البول معروف، وقوله: "في الماء الدّائم" فسّرها بقوله: "الذي لا يجري" وقوله: "ثمّ يغتسل فيه" أي: ينغمس لأنّ في للظّرفيّة والظّرف يكون عامًّا للمظروف، فإذا جعلنا الماء ظرفًا لزم من ذلك أنّ الإنسان إيش؟ ينغمس فيه، طيب إذن هذا الحديث ليس الحديث لأنّ الحديث الأوّل نهي الرّجل أن يغتسل وهو جنب أمّا هذا فهو نهي الرّجل أن يبول في الماء ثمّ يغتسل فيه، ولا شكّ أنّ هذا النّهي موافق للحكمة لأنّه كيف تبول فيه والبول نجس ثمّ تذهب لتتطهّر به أو تتنظّف به؟! هذا غير لائق حتى الفطرة والطّبيعة تنافي ذلك.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد منها ما سبق والذي قبله وهي مراعاة الشّرع للصّحّة وشموله لمصالح العباد في المعاش والمعاد.
ومنها: نهي الإنسان أن يبول في الماء الدّائم الذي لا يجري ثمّ يغتسل فيه، فيفهم منه جواز البول في الماء الذي يجري وهذا المفهوم فيه تفصيل: إذا كان الماء الذي يجري لا يمرّ بأحد يتلوّث بالنّجاسة لو أصابه فلا حرج أن تبول فيه لأنّ هنا لم تضرّ أحدًا، أما إذا كان الماء سوف ينزل إلى أحد ينتفع به شربًا أو طهارة فهنا لا يجوز أن تبول إذا كان يمكن أن يتغيّر هذا الماء بالبول، أما إذا لم يمكن مثل إنسان بال في وادٍ عظيم أو في نهر هذا لا يؤثّر لا بأس به.

Webiste