تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمينالشيخ : لكنهم يفضلوننا بالتصدق بفضول أموالهم، أي: بما أعطاهم الله تعالى من فضل المال، يعني: ولا نتصدق، وهذا كما جاء في الحديث الآخر عن فقراء المهاجرين ق...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي ذر رضي الله عنه أن ناسا قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: ( أوليس قد جعل لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة ) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ ! قال: ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) رواه مسلم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : لكنهم يفضلوننا بالتصدق بفضول أموالهم، أي: بما أعطاهم الله تعالى من فضل المال، يعني: ولا نتصدق، وهذا كما جاء في الحديث الآخر عن فقراء المهاجرين قالوا: ويعتقون ولا نعتق فانظر إلى الهمم العالية من الصحابة رضي الله عنهم يغبطون إخوانهم بما أنعم الله عليهم من الأموال التي يتصدقون بها ويعتقون منها، ليسوا يقولون عندهم فضول أموال يركبون بها المراكب الفخمة، ويسكنون القصور المشيدة، ويلبسون الثياب الجميلة، لا لأنهم قوم يريدون ما هو خير وأبقى وهو الآخرة، قال الله عز وجل: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ، فهم اشتكوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام شكوى غبطة لا شكوى حسد، ولا اعتراضٍ على الله عز وجل، ولكن يطلبون فضلًا يتميزون به عمن أغناهم الله فتصدقوا بفضول أموالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ يعني: إذا فاتكم الصدقة بالمال فهناك الصدقة بالأعمال الصالحة، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة وقد سبق الكلام على الأربع السابقة في الدرس الماضي، أما قوله صلى الله عليه وسلم: أمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل الصدقات، لأن هذا هو الذي فضَّل الله به هذه الأمة على غيرها فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولكن لا بد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شروط: الشرط الأول: أن يكون الآمر والناهي عالمـًا بحكم الشرع، فإن كان جاهلًا فإنه لا يجوز أن يتكلم، لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمر بما يعتقد الناس أنه شرع الله، وليس له أن يتكلم في شرع الله بما لا يعلم، لأن الله حرم ذلك بنص القرآن فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ، فمن منكرات الأمور أن يتكلم الإنسان عن شيء يقول إنه معروف وهو لا يدري أنه معروف أو إنه منكر وهو لا يدري أنه منكر.
الشرط الثاني: أن يكون عالمـًا بأن المخاطب قد ترك المأمور أو فعل المحذور، فإن كان لا يدري فإنه لا يجوز له أن يفعل، لأنه حينئذ يكون قد قفا ما ليس له به علم، وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ، يوجد بعض الناس الذين عندهم غيرة وحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتسرعون فينكرون من غير أن يعلموا الحال التي عليها المخاطب، مثلًا: يجد إنسانًا معه امرأة في السوق فيتكلم عليها ليش تمشي مع المرأة؟ وهو لا يدري أنها محرم له هذا خطأ خطأ عظيم، إذا كنت في شك فاسأله قبل أن تتكلم، إذا كنت في شك فاسأله قبل أن تتكلم، أما إذا لم يكن هناك قرائن توجب الشك في هذا الرجل فلا تتكلم، ما أكثر الناس الذين يصطحبون نساءهم في الأسواق، وانظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام كيف يعامل الناس في هذه المسألة: دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت؟ قال: لا، قال: قم وصل ركعتين وتجوز فيهما ما قال لماذا لا تقعد، لأن الإنسان إذا دخل المسجد ينهى أن يجلس قبل أن يصلي ركعتين في أي وقت أي وقت تدخل المسجد في الصباح في المساء بعد العصر بعد الفجر لا تجلس حتى تصلي ركعتين، فهذا الرجل جاء وجلس لكن فيه احتمال أنه صلى قبل أن يجلس والرسول صلى الله عليه وسلم لم يره، ولهذا قال له: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما يعني: خفف، فهنا لم يأمره أن يقوم فيصلي حتى سأله وهذه الحكمة.
الشرط الثالث من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ألا يترتب على النهي عن المنكر ما هو أنكر منه، فإن ترتب على ذلك ما هو أنكر منه فإنه لا يجوز، من باب درء أعلى المفسدتين بأدناهما، فلو فرض أن شخصًا وجدناه على منكر وليكن شرب الدخان مثلًا، لكن لو نهيناه عن شرب الدخان ذهب يشرب الخمر، فإننا لا ننهاه إذا كنا نعلم أن الرجل يبي يشرب إما هذا وإما هذا فإننا لا ننهاه عن شرب الدخان لماذا؟ لأن شرب الدخان أهون من شرب الخمر، ولهذا قال الله تعالى يعني دليل هذه المسألة قول الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فسب آلهة المشركين مصلحة مشروع، لكن إذا ترتب عليه سب الله عز وجل وهو أهل للثناء والمجد فإنه ينهى عنه ينهى عنه، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لعن الله من لعن والديه، قالوا: كيف يلعن الإنسان والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه يقابله ويسب أمه فيسب أمه فالحاصل أنه لا بد ألا يتضمن الإنكار ما هو أنكر من المنكر، درءًا لأعلى المفسدتين بأدناهما، ثم إنه يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن ينوي بهذا إصلاح الخلق لا الانتصار عليهم، لأن من الناس من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لينفذ سلطته وينتصر لنفسه، وهذا نقص كبير قد يحصل فيه خير من جهة درء المنكر وفعل المعروف، لكنه نقص كبير أنت إذا أمرت أو نهيت إذا أمرت بالمعروف أو نهيت عن المنكر فانوِ بقلبك أنك تريد إصلاح الخلق، لا أنك تتسلط عليهم وتنتصر عليهم، حتى تؤجر ويجعل الله في أمرك ونهيك بركة والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم:
سبق الكلام على أول هذا الحديث حديث أبي ذر رضي الله عنه أنا ناسًا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إن أهل الدثور يعني: أهل الأموال ذهبوا بالأجور وذكروا من ذلك أنهم يتصدقون ولا يتصدق الفقراء، وأنهم يعتقون ولا يعتق الفقراء فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة ليست خاصة بالمال، تكون بالتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد ففي كل تسبيحة صدقة، وفي كل تحميدة صدقة، وفي كل تكبيرة صدقة، وفي كل تهليلة صدقة وأن الصدقة تكون أيضًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسبق لنا معنى المعروف ومعنى المنكر ومعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروط ذلك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة يعني: أن الرجل إذا أتى امرأته فإن ذلك صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ يعني: لو زنى ووضع الشهوة في الحرام هل يكون عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر والحمد لله، يعني: أن الرجل إذا استغنى بالحلال عن الحرام كان له بهذا الاستغناء أجر ومن ذلك أيضًا، إذا أكل الإنسان طعامًا فإنه ينال شهوته بالأكل والشرب ومع ذلك لكونه يستغني به عن الحرام يكتب له به أجر، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص: واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك مع أن ما يجعله الإنسان في فم امرأته لا بد منه، إذ المرأة تقول أنفق علي أو تطلقني، وتخصمه في ذلك تغليه إذا لم ينفق مع قدرته على النفاق فلها الحق في أن تفسخ النكاح، ومع ذلك إذا أنفق عليها يبتغي بذلك وجه الله فإن الله تعالى يأجره على ذلك.

Webiste