تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ..... - ابن عثيمينالشيخ : قال: " وعنه " : يعني: وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته م...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي . ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : قال: " وعنه " : يعني: وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " : يعني ما حقّه أن يبيت ليلتين إلاّ وقد كتب وصيّته التي يريد أن يوصي بها، وكان ابن عمر رضي الله عنه منذ سمع هذا الكلام من رسول صلى الله عليه وسلم لا يبيت ليلة إلاّ وقد كتب وصيّته، والوصيّة معناها: العهد، وهي أن يعهد الإنسان بعد موته لشخص في تصريف شيء مِن ماله، أو يعهد لشخص في النّظر على أولاده الصّغار، أو يعهد لشخص في أيّ شيء من الأعمال التي يملكها بعد موته فيوصي به، هذه الوصيّة مثل أن يكتب الرجل: وصيتي إلى فلان بن فلان بالنظر على أولادي الصّغار.
وصيتي إلى فلان بن فلان لتفريق ثلث مالي أو ربعه أو خمسه في سبيل الله.
وصيتي إلى فلان في أن ينتفع بما خلّفت مِن عقار أو غيره أو ما أشبه ذلك، المهم هذه الوصية: العهد، عهد الإنسان بعد موته إلى شخص بشيء يملكه هذه هي الوصيّة.
والوصيّة أنواع: واجبة ومحرّمة وجائزة:
أما الواجبة فأن يكون على الإنسان دين، يعني حقّ لغيره، فيجب أن يوصي به، لا سيما إذا لم يكن فيه بيّنة، لأنه إذا لم يوص به فإن الورثة قد ينكرونه، والورثة لا يلزمون بأن يصدّقوا كل من جاء من الناس وقال: إن على ميّتكم كذا وكذا لا يلزمهم أن يصدّقوا، فإذا لم يوص الميّت بذلك فإنه ربّما يكون ضائعا، هذه واحدة، فمن عليه دين يعني حقّ في ذمّته لأحد فإنه يجب عليه أن يوصي به، كذلك أيضا يجب أن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما تيسّر لقول الله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا يعني مالا كثيرا الوصيّة : هذه نائب الفاعل ، للوالدين والأقربين : فخرج من ذلك من الوالدين والأقربين من كانوا ورثة، فإن الورثة لا يوصى لهم ، وبقيت الآية محكمة فيما عدا الوارثين، هكذا دلالة الآية وبها فسّرها ابن عبّاس رضي الله عنهما، وذهب إليها كثير من أهل العلم: أن الإنسان يجب أن يوصي إذا كان عنده مال كثير بما تيسّر لأقاربه غير الوارثين، أما الوارث فلا يجوز أن يوصى له، لأن حقّه من الإرث يكفيه، فهذان أمران تجب فيهما الوصيّة، الأول: إذا كان عليه دين يعني حقا للناس. والثاني: إذا ترك مالا كثيرا فإنه يلزمه أن يوصي لأقاربه غير الوارثين.
وتكون محرّمة إذا أوصى لأحد من الورثة فإنه حرام عليه، مثل أن يوصي لولده الكبير بشيء من بين سائر الورثة، أو يوصي لزوجته بشيء من بين سائر الورثة، فإن هذا حرام عليه، حتى لو قدّر أن الزوجة كانت تخدمه في حياته وترأف به وتحترمه وأراد أن يكافئها فإنه لا يحل له أن يوصي لها بشيء، وكذلك لو كان أحد أولاده يبرّ به ويخدمه ويسعى في ماله فأراد أن يوصي له بشيء فذلك حرام عليه، وكذلك ما يفعله بعض الناس إذا كان له أولاد عدّة وزوّج الكبير أوصى للصغار بمثل المهر الذي زوّج به الكبير، فإن هذا حرام أيضا، لأن التزويج دفع حاجة كالأكل والشّرب، فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيه القدرة وجب عليه أن يزوّجه، ومن لم يحتج إليه فإنه لا يحل له أن يعطيه شيئا مثلما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، حتى على طلبة العلم، يظنّون أنّك إذا زوّجت ولدك فإنك يجب أن توصي للأولاد الصّغار بمثل ما زوّجته به، وهذا ليس بصحيح، الوصيّة للوارث لا تجوز مطلقا .
فإن قدّر أن أحدا جاهل وأوصى لأحد الورثة بشيء فإنه يرجع إلى الورثة بعد موته، إن شاؤوا نفّذوا الوصيّة وإن شاؤوا ردّوها.
وأما الوصية المباحة فهي: أن يوصي الإنسان بشيء من ماله لا يتجاوز الثلث، لأنّ تجاوز الثلث ممنوع، لكن ما دون الثلث أنت حرّ فيه، فلك أن توصي فيه بمن شئت إلاّ الورثة، هذه جائزة ولكن هل الأفضل الثلث أو الرّبع أو ما دون ذلك؟ نقول: أكثر شيء الثلث، لا تزد عليه، وما دون الثلث فهو أفضل منه، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لسعد بن أبي وقّاص : الثلث والثلث كثير " ، وكان أبو بكر رضي الله عنه أوصى بخمس ماله وقال: " وأرضى بما رضي الله لنفسه الخمس " ، فأوصى بخمس ماله، وهذا أحسن ما يكون، وليت أن طلبة والعلم والذين يكتبون الوصايا ينبّهون الموصين على أن الأفضل الوصيّة بالخمس لا بالثلث، وقد شاع عند الناس الثلث دائمًا، الثلث الثلث وهذا الحدّ الأعلى الذي حدّه الرسول عليه الصلاة والسّلام وما دونه أفضل منه، الربع أفضل من الثلث، والخمس أفضل من الربع ، وإذا كان الورثة محتاجين فترك الوصية أولى، هم أحقّ من غيرهم، قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس ، فإذا كان الورثة الذين يرثونك تعرف أن حالهم وسط، المال شحيح عندهم، هم إلى الفقر أقرب، فالأفضل أن لا توصي.

Webiste