تتمة باب فضل قيام الليل: قال الله تعالى: (( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا )). وقال تعالى: (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع )). وقال تعالى: (( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون )).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : يعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها اذهبوا إلى عيسى ، يذهبون إلى عيسى ، عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام الذي هو آخر الرسل قبل محمد عليه الصلاة والسلام ، ليس بينه وبينه نبي ولا رسول ، ولكنه يعتذر بدون أن يذكر شيئًا ، لكنه يدلهم على من هو أكمل منه وهو محمد صلوات الله وسلامه عليه -وأسأل الله تعالى أن يدخلني وإياكم في شفاعته- يأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول : أنا لها ، ويذهب ويسجد تحت العرش بعد إذن الله عز وجل ، ثم يؤذن له بالشفاعة ، فيشفع ، فينزل الرب عز وجل للقضاء بين عباده ، فيقضي بينهم ويستريحون من هذا الموقف .
هذا المقام يا إخواني هل يحمد عليه الرسول ؟ أجيبوا ؟ نعم لا شك ، كل الأنبياء الكرام الرسل أولو العزم كلهم يعتذرون ، حتى تصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانظر كيف كانت هذه السلسلة : يعني لو شاء الله سبحانه وتعالى لدلهم على محمد من أول الأمر ، لكن ليظهر فضل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه ، ويتحقق قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا ، ونِعم هذا المقام مقامًا ، فصلوات الله وسلامه عليه ، ويأتي -إن شاء الله- بقية الكلام على الآيات .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل قيام الليل :
قال الله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا .
وقال تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون .
وقال تعالى : كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل قيام الليل " :
ثم ذكر قول الله تبارك وتعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا : وسبق الكلام على هذه الآية .
ثم ذكر قول الله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون : هذا في سياق قوله تعالى : إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرُّوا سُجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون : فوصفهم الله عز وجل بهذه الأوصاف الجليلة : إذا ذكروا بآيات الله خرُّوا سجداً ، أي : خروا سجدًا فيما يتطلب السجود ، فلا يستكبرون أن يضعوا جباههم وأنوفهم على الأرض ، بل يتذللون لله ، إذا أمر بالسجود سجدوا ويحتمل أن يكون معنى : خروا سجدا أي : أن المراد بذلك كمال التذلل لله بالعبادة ، سواء كان سجدة أو غيرها ، وسبحوا بحمد ربهم : أي : سبحوا الله سبحانه وتعالى ، وتسبيح الله يعني : " تنزيهه عن كل نقص وعيب " ، هذا التسبيح سبحت الله يعني : نزهته وبرأته من كل نقص وعيب ، لأنه جل وعلا كامل الصفات منتفي عنه جميع النقائص ، وقوله : بحمد ربهم الباء للمصاحبة ، أي : سبحوا الله تسبيحًا مقرونًا بالحمد مصاحَبًا به ، والحمد هو : " وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم " ، هذا الحمد حمدت الله يعني اعتقدت أن له أوصافا كاملة وذكرت بلساني ذلك ، فإن كُرر المدح صار ثناء ، كما يدل على ذلك حديث أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي .
وهم لا يستكبرون : يعني لا يستكبرون عن عبادة الله ، إذا أمرهم الله امتثلوا الأمر بذل وخضوع وشعور بالعبودية وشعور بكمال الألوهية والربوبية لله عز وجل .
ومن أوصافهم قوله : تتجافى جنوبهم عن المضاجع تتجافى أي : تتباعد عن المضاجع : عن المراقد ، فهم يحيون الليل بالصلاة وذكر الله عز وجل ، وإذا أتموا صلاتهم ختموا ذلك بالاستغفار ، كما قال تعالى : وبالأسحار هم يستغفرون ، قال بعض السلف : هذا يدل على كمال معرفتهم بأنفسهم ، يقومون الليل ثم يستغفرون في آخر الليل خوفا من أن يكونوا قصروا مع الله عز وجل ، يدعون ربهم خوفاً وطمعًا : يدعون الله دعاء المسألة ودعاء العبادة ، دعاء المسألة : أن يقولوا : يا ربنا اغفر لنا يا ربنا ارحمنا يا ربنا أغننا يا ربنا يسر أمورنا يا ربنا اشرح صدورنا هذا دعاء المسألة ، دعاء العبادة : أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحجوا البيت ويبروا الوالدين ويصلوا الأرحام إلى غير ذلك من العبادات ، وكانت العبادة دعاءً ، لأنك لو سألت العابد : لأي شيء تعبد الله ؟ قال : لنيل رضوانه والجنة ، فهو داع بلسان الحال ، وقد يصحبه دعاء بلسان المقال ، فالصلاة مثلا فيها دعاء ، يدعو الإنسان فيها دعاء ركن في الصلاة ، إذا لم تدع في الصلاة في هذا الدعاء بطلت صلاتك ، في أي موضع ؟ ! الفاتحة : اهدنا الصراط المستقيم هذا دعاء ، ركن في العبادة لو تركته ما صحت صلاتك ، فالصلاة عبادة ، عبادة بلسان الحال ، دعاء بلسان الحال ودعاء بلسان المقال ، ولهذا قال : يدعون ربهم أي : يعبدونه ويسألونه .
خوفا وطمعا : خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه ، لأنهم إن فعلوا المحرم عوقبوا ، وإن تركوا المحرم وقاموا بالواجب أثيبوا ، فهم خائفون طامعون ، وقيل : خوفا من ذنوبهم ، وطمعا في فضل الله .
فالإنسان إذا نظر إلى نفسه وإلى ذنوبه خاف ، لأنها ذنوب أثقل من الجبال وأكثر من الرمال ، نسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه ، وإن نظر إلى سعة رحمة الله وسعة عفوه ، وأن العفو أحب إليه من العقوبة ، وأنه يفرح بتوبة عبده المؤمن أشد من أي فرح على الدنيا ، كلها قال النبي عليه الصلاة والسلام : لله أشد فرحاً اللام هذه للابتداء وهي للتوكيد ، لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم يقول : كان معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فأضلها -ضاعت منه- في أرض فلاة ما حوله أحد ، أضاعها طلبها لم يجدها ، أيس من الحياة ، اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت ، ما بقي إلا أن يموت ، فبينما هو كذلك إذا بخطام الناقة متعلقا بالشجرة خطامها يعني : زمامها فقام وأخذه وقال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك يريد إيش ؟ ماذا يريد ؟ يريد أن يقول : اللهم أنت ربي وأنا عبدك ، لكن من شدة الفرح قال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، فالله جل وعلا أشد فرحا بتوبة عبده من هذا الرجل براحلته .
إذًا نحن نطمع بفضل الله ، ذنوبنا كثيرة عظيمة لكن فضل الله أوسع ورحمته أوسع ، إذا كانت الصلوات الخمس تكفر ما بينها إذا لم ترتكب الكبائر فضل عظيم ، فعلى كل حال : هم يدعون الله خوفا وطمعا : خوفا من عذابه وطمعا في ثوابه ، خوفا من ذنوبهم وطمعا في فضله ، كل الأوجه صحيحة .
ومما رزقناهم ينفقون من : للتبعيض يعني ينفقون بعض ما رزقناهم مو كل ما رزقوا ، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتصدق بكل ماله ، ولهذا لما قال أبو لبابة : يا رسول الله إني أتصدق بكل مالي ، قال : يكفيك الثلث : يكفيك الثلث ، تصدق بالثلث ، حتى إن العلماء قالوا : " إذا نذر الصدقة بماله كله أجزأه ثلثه " ، لأن هذا هو المشروع ، فعلى هذا تكون من للتبعيض يعني ينفقون شيئا مما رزقناهم ، وقيل : إن من للبيان ، بيان الجنس ، فينفقون حسب الحال قد ينفقون قليلا أو كثيرا الثلث أو النصف أو الكل كما فعل أبو بكر رضي الله عنه ، حث النبي صلى الله عليه وسلم يومًا على الصدقة فتصدق أبو بكر بكل ماله ، وتصدق عمر بشطر ماله بالنصف ، وقال : الآن أسبق أبا بكر : الآن أسبق أبا بكر ، لأن الصحابة يتسابقون ليس حسدًا لكن تسابقا في الخيرات ، فلما جاء بنصف ماله ، وإذا أبو بكر قد تصدق بكل ماله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ماذا تركت لأهلك ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله . قال لعمر : ماذا تركت ؟ قال : تركت النصف ، ثم قال عمر : والله لا أسابقه على شيء أبدا بعد اليوم ، لأن أبا بكر رضي الله عنه له سوابق فضائل لا يلحقه لا عمر ولا عثمان ولا علي ولا من دونهم ، المهم أنهم ينفقون مما رزقهم الله فما هو الجزاء ؟ وما هي الثمرة ؟
فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون : اللهم اجعلنا منهم يا رب ، لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين : وذلك في جنات النعيم ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أتظنون أن قول الله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان : أتظنون أن النخل والرمان والفاكهة كالذي في الدنيا ؟
لا والله ، ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء ، اسمه رمان لكن رمان لا يمكن أن يطرأ على بالك ، اسم نخل لكن لا يطرأ على بالك ، اسم فاكهة لكن ما تطرأ على بالك : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الأبرار الكرام البررة ، إنه على كل شيء قدير .
هذا المقام يا إخواني هل يحمد عليه الرسول ؟ أجيبوا ؟ نعم لا شك ، كل الأنبياء الكرام الرسل أولو العزم كلهم يعتذرون ، حتى تصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانظر كيف كانت هذه السلسلة : يعني لو شاء الله سبحانه وتعالى لدلهم على محمد من أول الأمر ، لكن ليظهر فضل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه ، ويتحقق قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا ، ونِعم هذا المقام مقامًا ، فصلوات الله وسلامه عليه ، ويأتي -إن شاء الله- بقية الكلام على الآيات .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل قيام الليل :
قال الله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا .
وقال تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون .
وقال تعالى : كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل قيام الليل " :
ثم ذكر قول الله تبارك وتعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا : وسبق الكلام على هذه الآية .
ثم ذكر قول الله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون : هذا في سياق قوله تعالى : إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرُّوا سُجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون : فوصفهم الله عز وجل بهذه الأوصاف الجليلة : إذا ذكروا بآيات الله خرُّوا سجداً ، أي : خروا سجدًا فيما يتطلب السجود ، فلا يستكبرون أن يضعوا جباههم وأنوفهم على الأرض ، بل يتذللون لله ، إذا أمر بالسجود سجدوا ويحتمل أن يكون معنى : خروا سجدا أي : أن المراد بذلك كمال التذلل لله بالعبادة ، سواء كان سجدة أو غيرها ، وسبحوا بحمد ربهم : أي : سبحوا الله سبحانه وتعالى ، وتسبيح الله يعني : " تنزيهه عن كل نقص وعيب " ، هذا التسبيح سبحت الله يعني : نزهته وبرأته من كل نقص وعيب ، لأنه جل وعلا كامل الصفات منتفي عنه جميع النقائص ، وقوله : بحمد ربهم الباء للمصاحبة ، أي : سبحوا الله تسبيحًا مقرونًا بالحمد مصاحَبًا به ، والحمد هو : " وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم " ، هذا الحمد حمدت الله يعني اعتقدت أن له أوصافا كاملة وذكرت بلساني ذلك ، فإن كُرر المدح صار ثناء ، كما يدل على ذلك حديث أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي .
وهم لا يستكبرون : يعني لا يستكبرون عن عبادة الله ، إذا أمرهم الله امتثلوا الأمر بذل وخضوع وشعور بالعبودية وشعور بكمال الألوهية والربوبية لله عز وجل .
ومن أوصافهم قوله : تتجافى جنوبهم عن المضاجع تتجافى أي : تتباعد عن المضاجع : عن المراقد ، فهم يحيون الليل بالصلاة وذكر الله عز وجل ، وإذا أتموا صلاتهم ختموا ذلك بالاستغفار ، كما قال تعالى : وبالأسحار هم يستغفرون ، قال بعض السلف : هذا يدل على كمال معرفتهم بأنفسهم ، يقومون الليل ثم يستغفرون في آخر الليل خوفا من أن يكونوا قصروا مع الله عز وجل ، يدعون ربهم خوفاً وطمعًا : يدعون الله دعاء المسألة ودعاء العبادة ، دعاء المسألة : أن يقولوا : يا ربنا اغفر لنا يا ربنا ارحمنا يا ربنا أغننا يا ربنا يسر أمورنا يا ربنا اشرح صدورنا هذا دعاء المسألة ، دعاء العبادة : أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحجوا البيت ويبروا الوالدين ويصلوا الأرحام إلى غير ذلك من العبادات ، وكانت العبادة دعاءً ، لأنك لو سألت العابد : لأي شيء تعبد الله ؟ قال : لنيل رضوانه والجنة ، فهو داع بلسان الحال ، وقد يصحبه دعاء بلسان المقال ، فالصلاة مثلا فيها دعاء ، يدعو الإنسان فيها دعاء ركن في الصلاة ، إذا لم تدع في الصلاة في هذا الدعاء بطلت صلاتك ، في أي موضع ؟ ! الفاتحة : اهدنا الصراط المستقيم هذا دعاء ، ركن في العبادة لو تركته ما صحت صلاتك ، فالصلاة عبادة ، عبادة بلسان الحال ، دعاء بلسان الحال ودعاء بلسان المقال ، ولهذا قال : يدعون ربهم أي : يعبدونه ويسألونه .
خوفا وطمعا : خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه ، لأنهم إن فعلوا المحرم عوقبوا ، وإن تركوا المحرم وقاموا بالواجب أثيبوا ، فهم خائفون طامعون ، وقيل : خوفا من ذنوبهم ، وطمعا في فضل الله .
فالإنسان إذا نظر إلى نفسه وإلى ذنوبه خاف ، لأنها ذنوب أثقل من الجبال وأكثر من الرمال ، نسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه ، وإن نظر إلى سعة رحمة الله وسعة عفوه ، وأن العفو أحب إليه من العقوبة ، وأنه يفرح بتوبة عبده المؤمن أشد من أي فرح على الدنيا ، كلها قال النبي عليه الصلاة والسلام : لله أشد فرحاً اللام هذه للابتداء وهي للتوكيد ، لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم يقول : كان معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فأضلها -ضاعت منه- في أرض فلاة ما حوله أحد ، أضاعها طلبها لم يجدها ، أيس من الحياة ، اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت ، ما بقي إلا أن يموت ، فبينما هو كذلك إذا بخطام الناقة متعلقا بالشجرة خطامها يعني : زمامها فقام وأخذه وقال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك يريد إيش ؟ ماذا يريد ؟ يريد أن يقول : اللهم أنت ربي وأنا عبدك ، لكن من شدة الفرح قال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، فالله جل وعلا أشد فرحا بتوبة عبده من هذا الرجل براحلته .
إذًا نحن نطمع بفضل الله ، ذنوبنا كثيرة عظيمة لكن فضل الله أوسع ورحمته أوسع ، إذا كانت الصلوات الخمس تكفر ما بينها إذا لم ترتكب الكبائر فضل عظيم ، فعلى كل حال : هم يدعون الله خوفا وطمعا : خوفا من عذابه وطمعا في ثوابه ، خوفا من ذنوبهم وطمعا في فضله ، كل الأوجه صحيحة .
ومما رزقناهم ينفقون من : للتبعيض يعني ينفقون بعض ما رزقناهم مو كل ما رزقوا ، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتصدق بكل ماله ، ولهذا لما قال أبو لبابة : يا رسول الله إني أتصدق بكل مالي ، قال : يكفيك الثلث : يكفيك الثلث ، تصدق بالثلث ، حتى إن العلماء قالوا : " إذا نذر الصدقة بماله كله أجزأه ثلثه " ، لأن هذا هو المشروع ، فعلى هذا تكون من للتبعيض يعني ينفقون شيئا مما رزقناهم ، وقيل : إن من للبيان ، بيان الجنس ، فينفقون حسب الحال قد ينفقون قليلا أو كثيرا الثلث أو النصف أو الكل كما فعل أبو بكر رضي الله عنه ، حث النبي صلى الله عليه وسلم يومًا على الصدقة فتصدق أبو بكر بكل ماله ، وتصدق عمر بشطر ماله بالنصف ، وقال : الآن أسبق أبا بكر : الآن أسبق أبا بكر ، لأن الصحابة يتسابقون ليس حسدًا لكن تسابقا في الخيرات ، فلما جاء بنصف ماله ، وإذا أبو بكر قد تصدق بكل ماله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ماذا تركت لأهلك ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله . قال لعمر : ماذا تركت ؟ قال : تركت النصف ، ثم قال عمر : والله لا أسابقه على شيء أبدا بعد اليوم ، لأن أبا بكر رضي الله عنه له سوابق فضائل لا يلحقه لا عمر ولا عثمان ولا علي ولا من دونهم ، المهم أنهم ينفقون مما رزقهم الله فما هو الجزاء ؟ وما هي الثمرة ؟
فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون : اللهم اجعلنا منهم يا رب ، لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين : وذلك في جنات النعيم ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أتظنون أن قول الله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان : أتظنون أن النخل والرمان والفاكهة كالذي في الدنيا ؟
لا والله ، ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء ، اسمه رمان لكن رمان لا يمكن أن يطرأ على بالك ، اسم نخل لكن لا يطرأ على بالك ، اسم فاكهة لكن ما تطرأ على بالك : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الأبرار الكرام البررة ، إنه على كل شيء قدير .
الفتاوى المشابهة
- حكم صلاة الليل وصفتها - ابن باز
- ما صفة صلاة قيام الليل؟ - ابن باز
- تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلا من الليل ما ي... - ابن عثيمين
- قيام الليل .. صفته ووقته وفضله - ابن باز
- بيان كيفية أداء صلاة الليل - الفوزان
- فضل صلاة الليل وحال من يقيم الليل في قبره - ابن باز
- ما هو فضل صلاة التهجد في الليل ؟ - ابن عثيمين
- متابعة الكلام على حديث ( كان النبي صلى الله... - ابن عثيمين
- تتمة تفسير قوله تعالى: (( كانوا قليلا من الل... - ابن عثيمين
- باب فضل قيام الليل: قال الله تعالى: (( ومن ا... - ابن عثيمين
- تتمة باب فضل قيام الليل: قال الله تعالى: ((... - ابن عثيمين