تم نسخ النصتم نسخ العنوان
حكم قول الزوج عند الغضب لزوجته: أنت ستون مرة طالق - ابن بازالسؤال:هذا السائل صلاح خيري حسن، من جمهورية مصر العربية، يقول: أنا رجل متزوج، وقد حصل شجار بيني وبين زوجتي، وفي حالة غضبي طلبت مني أن أعطيها كلمة الطلاق...
العالم
طريقة البحث
حكم قول الزوج عند الغضب لزوجته: أنت ستون مرة طالق
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
السؤال:
هذا السائل صلاح خيري حسن، من جمهورية مصر العربية، يقول: أنا رجل متزوج، وقد حصل شجار بيني وبين زوجتي، وفي حالة غضبي طلبت مني أن أعطيها كلمة الطلاق، فقلت لها أثناء هذا الشجار: أنت ستون مرة طالق، وحصل هذا الكلام مني مرتين في خلال عشرة أيام، وعاشرتها بعد ذلك لمدة شهر، وبعدها سافرت إلى خارج بلدي، أفيدوني؛ لأنني في حيرة كبيرة؛ ولأنني مسافر إلى بلدي بعد فترة قصيرة، فماذا أفعل، هل هي طالق فعلًا وتحتاج إلى عقد جديد لإعادتها إلى عصمتي؟
مع العلم أن كل الكلام مني لم يكن من القلب.

الجواب:
هذا الطلاق أولًا منكر، لا يجوز أن يقول: ستون طلقة، ولا ثلاث طلقات، ولا أربع، ولا عشر، المشروع أن يطلق المؤمن طلقةواحدة، ويقول لها: أنت مطلقة، أنت طالق، وأن لا يأتي بأزيد من هذا، فيقول: عشرين، أو ثلاثين، أو ستين، كل هذا منكر؛ ولما سمع النبي ﷺ أن رجلًا طلق بالثلاث غضب، وقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم قال ابن عمر لما بلغه أن رجلًا طلق ثلاثًا، قال: "قد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك" فلا يجوز للزوج أن يطلق بالثلاث أو بالستين أو بالمائة، كل هذا لا يجوز.
أما الواقع وهو أنك قلت لها: ستون طالق، في عشرة أيام مرتين، فهذا ينظر فيه، فإن كان الغضب قد اشتد معك حتى صار عقلك غير مضبوط، فاختل شعورك، أو اشتد معك الغضب جدًا حتى لم تملك نفسك بسبب شدة النزاع والكلام الذي جرى بينكما؛ فهذا على الصحيح لا يقع به طلاق عند شدة الغضب الذي يغلب عليه عدم قدرته على ضبط نفسه، ومنعه من الطلاق، وعدم تعقله مضار الطلاق؛ فهو شبه المجنون، وشبه المعتوه، أو ما يقرب من ذلك، فهذا لا يقع طلاقه، وهكذا لو كان عنده بعض العقل، ولكنه قد اشتد به الغضب، وصار سبعين في المائة، ثمانين في المائة أخو المجنون، وأخو المعتوه لشدة الغضب؛ فهذا لا يقع طلاقه في هذه الأحوال التي اشتد فيها الغضب، وغلب عليه الغضب حتى عجز عن ضبط نفسه، وعن ملكها، وعن الإمساك عن الطلاق.
وهكذا لو كانت في طهر جامعتها فيه، وليست حاملًا، وليست آيسة، بل تحيض أو في نفاس، أو في حيض، فإن هذا الطلاق لا يقع إذا كان في حال حيض أو نفاس أو طهر جامعتها فيه وليست حاملًا، وهي ممن يحيض؛ فإن الطلاق لا يقع في هذه الحالة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
أما إن كانت في طهر لم تجامعها فيه أو في حال حمل؛ فإن الطلقتين واقعتان إذا كان شعورك معك والغضب ليس قد بلغ الشدة التي تمنع من وقوع الطلاق، الغضب العادي؛ فإن الطلاق يقع ويقع بكل جملة طلقة في المرة الأولى طلقة، والثانية طلقة على الصحيح؛ لأن الصحيح أن الطلاق بالثلاث بلفظ واحد، وهكذا ما في حكمه: كالطلاق بالأربع وبالعشر وبالمائة، فالصحيح: أنه يقع واحدة؛ لما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان الطلاق على عهد النبي ﷺ وعهد الصديق، وأول خلافة عمر  طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؛ فأمضاه عليهم" خرجه مسلم في الصحيح.
وثبت معناه من حديث ابن عباس في قصة أبي ركانة عند أحمد بإسناد جيد أنه طلقها بالثلاث، فردها عليه النبي ﷺ وجعلها واحدة، فهذا هو الصواب فيما يقع من قول الرجل: أنت طالق بالثلاث، أو بالستين، أو بالمائة أو بالألف أو ما أشبه ذلك، فهذا حكمه حكم الطلاق واحدة على الصحيح، فتكون هذه المرأة قد وقع عليها طلقتان إذا كان شعور المطلق معه، وليس عنده الغضب السابق، بل كان غضبه عاديًا، فإنه يقع عليها طلقتان إذا كانت حاملًا أو في طهر لم تجامعها فيه طلقتان، ويبقى لك واحدة.
وإذا كنت جامعتها بعد هذا فإن الجماع في معنى الرجعة، فتكون في حبالك وفي عصمتك، ويبقى لك واحدة، ولك الرجوع إليها ومباشرتها، وإن أشهدت شاهدين على الرجعة علاوة على الجماع فهذا حسن، لأن: بعض أهل العلم يرى أن الجماع لا يكفي في الرجعة، وبعضهم يرى أنه لا بد من النية معه بنية الرجعة، فإذا أشهدت شاهدين أنك راجعتها فالمدة قريبة، الشهر بعد جماعك لها، أو بعد الطلقتين الشهر قريب ليس في الغالب حصول خروجها من العدة، بل تحتاج إلى أكثر من ذلك في مرور ثلاث حيض عليها بعد الطلقة الثانية.
فالحاصل: أن الرجعة حصلت بالجماع، وبقي لها طلقة، ولك العود إليها والاتصال بها؛ لأنها زوجتك، لكن إن أشهدت شاهدين عدلين على أنك راجعتها؛ حرصًا على اتباع السنة، فهذا أولى وأفضل؛ لأن الله أمر بذلك  في قوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] فهذا اللفظ في هذه الآية الكريمة تعم شهادة الطلاق وشهادة الرجعة، مع مراعاة ما تقدم في إن كان الطلاق حال الغضب العادي، أو الغضب الشديد الذي أفقدك شعورك، أو قارب ذلك، ومع مراعاة أيضًا كونها في طهر جامعتها فيه، أو في حيض، أو في نفاس، أما إذا كانت في حالة من هذه الأحوال الثلاث: في حيض أو نفاس أو في طهر جامعتها فيه، وليست حاملًا؛ فإن الطلاق لا يقع، علاوة على ما حصل منك من شدة الغضب، نعم.

Webiste