تم نسخ النصتم نسخ العنوان
ما هو ضابط الحركة التي تبطل الصلاة والتي لا... - ابن عثيمينالسائل : لاحظت هنا الكثير من الناس في الصلاة لا يخشعون تماماً فهم يكثرون من الحركات بدون داعٍ، كإدخال اليد في الجيب أو تصليح العمامة أو لبس الساعة والنظ...
العالم
طريقة البحث
ما هو ضابط الحركة التي تبطل الصلاة والتي لا تبطل ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : لاحظت هنا الكثير من الناس في الصلاة لا يخشعون تماماً فهم يكثرون من الحركات بدون داعٍ، كإدخال اليد في الجيب أو تصليح العمامة أو لبس الساعة والنظر فيها ونحو ذلك من الحركات الزائدة، فهل تؤثر هذه الحركات على صحة الصلاة؟ وهل هناك عدد معين من الحركات يبطل الصلاة؟

الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. المصلي يناجي ربه سبحانه وتعالى كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل" فالعبادة لله سبحانه وتعالى، والاستعانة طلب العون من الله عز وجل "ثم إذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" وبهذا نعرف أن الإنسان يناجي الله عز وجل في صلاته، وأن الله عز وجل يجيبه في الفاتحة بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك فإنه ينبغي التأدب مع الله عز وجل إذا كنت واقفا بين يديه تناجيه بكلامه وتتقرب إليه بذكره ودعائه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، وإذا كان هذا هو الحاصل في هذه الصلاة العظيمة فإنه يتأكد جدا أن يكون الإنسان فيها خاشعا بقلبه وجوارحه حتى إن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب الخشوع في الصلاة وهو حضور القلب مع سكون الجوارح، والحركة تنافي ذلك، تنافي الخشوع، لأنها دليل على عدم خشوع القلب، فإن الأعضاء تابعة له أي للقلب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"، فهؤلاء الذين ذكر السائل عنهم أنهم يعبثون في صلاتهم بما لا حاجة لهم فيه لا شك أنهم نقصوا صلاتهم هذه فإن الحركة بغير حاجة مكروهة في الصلاة، وإن كثرت وتوالت فإنها تبطلها، فإصلاح الساعة والنظر إليها والنظر في القلم، والعبث باللحية أو بالأنف وما أشبه ذلك، كل هذا من الحركات المكروهة.
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الحركة في الصلاة خمسة أنواع، النوع الأول: حركة واجبة، وذلك فيما إذا توقف عليها صحة الصلاة، فكل حركة تتوقف عليها صحة الصلاة فإنها واجبة، سواء كانت تلك الحركة لفعل المأمور أو لترك المحظور، مثال فعل المأمور: رجل يصلي إلى غير القبلة فجاءه شخص فقال له القبلة عن يمينك، فهنا يجب عليه أن يتجه إلى اليمين، وهذه حركة للقيام بأمر واجب وهو استقبال القبلة، وهذا إنما يكون في البر في محل الاجتهاد، أما في البلد فإنه إذا صلى بغير اجتهاد فإنه يعيد الصلاة من جديد إذا بين له أنه ليس إلى القبلة.
ودليل هذه المسألة: أن رجلا جاء إلى أهل قباء وهم يصلون متجهين إلى بيت المقدس بعد أن حولت القبلة إلى الكعبة، وهم لا يدرون ذلك، وكانوا في صلاة الفجر، فقال لهم الرجل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها فانصرفوا من جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة، وهذا الانصراف واجب لأنه لتحصيل واجب.
ومثال ما يكون لترك المحظور: ما لو تذكر الإنسان في أثناء صلاته أن عباءته يعني مشلحه أو غترته أو منديله الذي في جيبه فيه نجاسة، فإنه في هذه الحال يجب أن يزيله في الحال، وهذه الحركة للتخلص من محظور، ودليل ذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي في نعليه فخلعهما، فلما خلعهما خلع الناس نعالهم، فلما سلم سألهم: ما بالهم خلعوا نعالهم؟ فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فذكر لي أن فيهما أذىً أو قال: قذراً فخلعتهما"، ومعلوم أن خلع النعلين أو الغترة أو ما أشبهها حركة، لكنها حركة للتخلص من المحظور فكانت واجبة، هذا قسم وهي الحركة الواجبة.
والقسم الثاني: حركة مستحبة، وذلك فيما إذا كان يترتب عليها حصول مستحب في الصلاة، مثل: أن يتقدم الإنسان إلى فرجة في الصف الذي أمامه ليصل بها الصف، ومثل: أن يكون قد صف عن يسار الإمام فيحوله الإمام إلى
يمينه، ومثل: أن يصطف اثنان جماعة فيأتي ثالث فيحول المأموم إلى أن يصف معهم، كل هذه الحركات مستحبة، لأنها لتكميل الصلاة والحصول على مستحباتها فتكون مستحبة.
القسم الثالث: محرمة وهي الحركة الكثيرة المتوالية بدون ضرورة، كالعبث الكثير بحيث يشعر من رأى هذا الرجل أنه لا يصلي لكثرة عبثه وحركته، فهذه تبطل الصلاة، لأنه خرج بالصلاة عن موضوعها، والصحيح أنها لا تتقيد بثلاث حركات أو نحوها، بل ما كثر عرفا وتوالى فإنه مبطل للصلاة لأنه يخرج الصلاة عن موضوعها وعن ما ينبغي أن تكون عليه من الخشوع والسكون.
القسم الرابع: حركة مباحة، وهي اليسيرة للحاجة، والكثيرة للضرورة.
أما الكثيرة للضرورة، فمثل: أن يقوم الإنسان في صلاته، فإذا بعدو يفجؤه يغير عليه، ففي هذه الحال له أن يهرب منه ولو كان يصلي ولو حصل بذلك حركة كثيرة، ومثل: أن يهاجمه سبع أو حية أو نحو ذلك فيسعى في مدافعتها أو القضاء عليها بحركة كثيرة وهو في الصلاة فلا حرج عليه في ذلك، لأنها ضرورة، ودليله قوله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } رجالاً يعني ماشين على أرجلكم، أو ركبانا على رواحلكم.
وكذلك من القسم المباح: العمل اليسير للحاجة، مثل: أن يلتهب بعض جسمه بحكة ويشغله في صلاته فيحكه لأجل أن يرتاح ويطمئن، فهذه حركة يسيرة لكنها للحاجة فتكون جائزة، ومثل: أن يسترخي عليه إزاره ولكنه لا يصل إلى انكشاف العورة، لأنه إذا وصل إلى انكشاف العورة صارت الحركة واجبة، لكنه يسترخي عليه فيحب أن يشده أكثر أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضا لحاجة فتكون مباحة.
القسم الخامس: المكروهة، وهي اليسيرة لغير حاجة، مثل: عمل كثير من الناس كما ذكره السائل من العبث في ساعته أو قلمه أو ثوبه أو عود من الأرض يعبث به أو ما أشبه ذلك، فهذا مكروه.
وبهذه الأقسام الخمسة يتبين لنا حكم الحركة في الصلاة، وأهم شيء أن يكون الإنسان في صلاته حاضر القلب حتى يعلم ما يقول وما يفعل، والله الموفق.

السائل : جزاكم الله خيرا.

Webiste