ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة
اللجنة الدائمة
فتوى رقم ( 830 ):
س: قد اطلعت على حديث شريف أورده شيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه [مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم]؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة ، والسائل هنا يريد بيان هذه المسألة التي قال فيها الإِمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه آنف الذكر: (فهذه المسألة من أجل المسائل فمن فهمها فهو الفقيه ومن عمل بها فهو المسلم، فنسأل
الله الكريم المنان أن يتفضل علينا بفهمها والعمل بها) كما يود إجابته على الأسئلة التالية التي تدور حول الحديث المذكور وهي: 1 - من هي الفرقة الناجية المشار إليها في الحديث؟ 2 - وهل تدخل الفرق الأخرى غير أهل الحديث؛ كالشيعة ، والشافعية ، والحنفية ، والتيجانية وغيرها في الاثنتين والسبعين فرقة التي نص الرسول الكريم على أنها في النار؟ 3 - وإذا كانت هذه الفرق في النار إلاَّ واحدة فكيف تسمحون لهم بزيارة بيت الله الحرام ؟ هل كان الإِمام الكبير على خطأ أم قد حدتم عن الجادة المستقيمة؟
ج: أولاً: ما ذكره الإِمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في [مختصر السيرة] طرف من حديث صحيح مشهور رواه أصحاب السنن والمسانيد كأبي داود والنسائي والترمذي وغيرهم بألفاظ عدة منها: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة، وستفترق هده الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة ،
وفي رواية: على ثلاث وسبعين ملة ، وفي رواية: قالوا: يا رسول الله، من الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، وفي رواية قال: هي الجماعة، يد الله على الجماعة . ثانيًا: الفرقة الناجية قد بينها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث المتقدم بصفتها ومميزاتها في جوابه على سؤال أصحابه: من الفرق الناجية؟ حيث قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، وفي رواية أخرى قال: هي الجماعة يد الله على الجماعة ، فوصفها بأنها هي التي تسير في عقيدتها وقولها وعملها وأخلاقها على ما كان عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، فتنهج نهج الكتاب والسنة في كل ما تأتي وما تذر، وتلزم طريق جماعة المسلمين وهم الصحابة رضي الله عنهم حيث لم يكن لهم متبوع إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاَّ وحي يوحى، فكل من اتبع الكتاب والسنة قولية أو عملية وما أجمعت عليه الأمة ولم تستهوه الظنون الكاذبة ولا
الأهواء المضلة والتأويلات الباطلة التي تأباها اللغة العربية - التي هي لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها نزل القرآن الكريم - وتردها أصول الشريعة الإِسلامية، كل من كان كذلك فهو من الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. ثالثًا: أما من اتخذ إلهه هواه وعارض الكتاب والسنة الصحيحة برأيه أو رأي إمامه وقول متبوعه حمية له وعصبية، أو تأول نصوص الكتاب والسنة بما تأباه اللغة العربية وترده أصول الشريعة الإِسلامية فشذ بذلك عن الجماعة فهو من الفرق الثنتين والسبعين التي ذكر الرسول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم بأنها جميعها في النار، وإذًا فأمارة هذه الفرق التي بها تعرف: مفارقة الكتاب والسنة والإِجماع بلا تأويل يتفق مع لغة القرآن وأصول الشريعة ويعذر به صاحبه فيما أخطأ فيه. رابعًا: المسألة التي ذكرها إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر أنها من أجل المسائل، وأن من فهمها فقد فهم الدين، ومن عمل بها فهو المسلم - هي ما تقدم بيانه في الفقرة الثانية من الإِجابة، من تميز الفرقة الناجية بما ميزها به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الفرق الأخرى على خلافها، فمن ميز بين الفرقة الناجية والفرقة الهالكة بما ميز به النبي صلى الله عليه وسلم، وفهم الفرق بين الفرق الناجية والهالكة على وفق بيانه فقد فهم الدين وميز بين من
يجب أن يلزم جماعتهم ومن يجتنبهم ويفر منهم فراره من الأسد، ومن أخذ نفسه بالعمل بهـذا الفهم الصحيح فلزم جماعة الهدى والحق وإمامهم فهو المسلم؛ لأنه ينطبق عليه وصف الفرقة الناجية علمًا وعقيدةً وقولاً وعملاً. ولا شك أن هذا من أجل المسائل وأعظمها نفعًا وأعمها فائدة، فرحم الله الإِمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رجل البصيرة النافذة والفهم الدقيق لنصوص الدين ومقاصده، حيث نبه على ما يهم المسلمين في أمر دينهم بالإِشارة أحيانًا كما هنا، وبالعبارة والبيان أحيانًا أخرى كما في كثير من مؤلفاته. خامسًا: لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الألقاب التي اشتهرت بها الطوائف المنتسبة للإِسلام سمات تعرف بها الفرق الثنتان والسبعون، ولا عنوانًا يتمايز به بعضها عن بعض، وإنما جعل أمارتها مفارقة الكتاب والسنة وإجماع الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، اتباعًا للظن وما تهوى الأنفس، وقولاً على الله بغير علم وعصبية لمتبوعهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعادون في ذلك ويوالون، كما جعل شعارًا للفرقة الناجية اتباع الكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين، وإيثار ذلك على مداركهم وظنونهم وأهوائهم، فهواهم تبعًا لما جاءت به الشريعة الإِسلامية، يوالون في ذلك ويعادون، فمن يتخذ ميزانًا يزن
به الطوائف سوى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف به فرقها ليميز الفرقة الناجية من الفرق الهالكة فقد تكلم بغير علم وحكم في الفرق بغير بصيرة فظلم بذلك نفسه، وظلم الطوائف المنتسبة للإِسلام، ومن رجع في تمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكة إلى بيانه صلى الله عليه وسلم عدل في حكمه وعرف أن جماعات الأمة درجات متفاوتة، فمنهم من هو أحرص على اتباع الشريعة والاستسلام لها وأبعد الناس عن الابتداع في الدين والتحريف في نصوصه، والزيادة فيه أو النقص منه فهؤلاء أسعد الناس بأن يكونوا من الفرقة الناجية، فعلماء الحديث وأئمة الفقه في الكتاب والسنة منهم من هو أهل للاجتهاد يحرص على الشريعة ويسلم لها إلاَّ أنه قد يتأول بعض نصوصها تأويلاً يخطئ فيه فيعذر في خطئه لكونه في موارد الاجتهاد، ومنهم من ينكر بعض نصوص الشريعة، إما لكونه حديث عهد بالإِسلام، وإما لأنه نشأ في أطراف البلاد الإِسلامية فلم يبلغه ما أنكره، ومنهم من يرتكب معصية أو يبتدع بدعة لا يخرج بها عن حظيرة الإِسلام، فهو مؤمن مطيع لله بما فيه من طاعة، مسيء بما ارتكب من معصية وابتدع من البدع فكان في مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقال: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
فهؤلاء وهؤلاء ليسوا بكفار بتأويلهم الخاطئ أو جحدهم ما جحدوا بل يعذرون ويدخلون في عداد الفرقة الناجية وإن كانوا دون الأولى. ومنهم من جحد معلومًا من الدين بالضرورة بعد ما تبين له واتبع هواه بغير هدى من الله أو تأول بعض نصوص الشريعة تأويلاً بعيدًا مخالفًا في ذلك من سبقه من جماعة المسلمين، ولما بين لهم الحق وأقيمت عليهم الحجة بالمناظرات وغيرها لم يرجعوا فهؤلاء كفار مرتدون عن الإِسلام وإن زعموا أنهم مسلمون، وإن اجتهدوا في الدعوة إليه على عقيدتهم وطريقتهم؛ كجماعة القاديانية الأحمدية الذين أنكروا ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وزعموا أن غلام أحمد القادياني نبي الله ورسوله، أو أنه المسيح عيسى ابن مريم، أو تقمصت روح محمد أو عيسى بدنه فكان بمنزلته في النبوة والرسالة. سادسًا: لأهل السنة والجماعة أصول ثابتة بالأدلة يبنون عليها الفروع، ويرجعون إليها في الاستدلال على المسائل الجزئية وفي تطبيق الأحكام على أنفسهم وعلى غيرهم. ومنها: أن الإِيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فكلما زاد المسلم في الطاعة زاد إيمانه وكلما فرط فيها
أو ارتكب معصية بحيث لا ينتهي به ذلك إلى الكفر الصريح نقص إيمانه، فالإِيمان عندهم درجات والفرقة الناجية طبقات متفاوتة بعضها فوق بعض حسب الأدلة وما كسبوا من الأقوال والأفعال. ومنها: أنهم لا يكفرون أحدًا معينًا أو طائفة معينة من أهل القبلة ويتحرجون من ذلك؛ لإِنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد بن حارثة قتله رجلاً من الكفار بعد أن قال: لا إله إلاَّ الله، ولم يقبل من أسامة اعتذاره عن قتله بأنه قالها متعوذًا ليحرز بها نفسه. بل قال له: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا يعني: أقالها خالصًا من قلبه أم لا. إلاَّ إذا أتى بما هو كفر واضح، كإنكاره لمعلوم من الدين بالضرورة أو مخالفة لإِجماع قاطع وتأويله لنصوص صريحة لا تقبل التأويل ثم لم يرجع عن ذلك بعد البيان. وقد لزم إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله طريقة أهل السنة والجماعة وسار على أصولهم، فلم يكفر أحدًا معينًا ولا طائفة معينة من أهل القبلة بمعصية أو تأويل أو بدعة إلاَّ
إذا قام الدليل على الكفر بذلك، وثبت البلاغ والبيان، ولم تختلف الحكومة السعودية - رعاها الله وأيدها بتوفيقه - عن ذلك في معاملتها لرعيتها وحكمها فيهم، ولا في موقفها من المسلمين في الدول وخاصة من يفد إلى بيت الله الحرام لأداء نسك الحج أو العمرة فهي تحسن الظن بالمسلمين وتعتبرهم إخوانًا لها في الدين وتتعاون معهم على ما يشد أزرهم ويحفظ حقهم ويرد إليهم ما سلب منهم، وترحب بمن يفد إليها وتقوم بما يسهل عليهم أداء نسكهم أو مهمتهم خير قيام بعطف وحدب، يعرف ذلك من خبر أحوالها ووقف على شؤونها وما تبذله من جهود وأموال في سبيل الإِصلاح العام للمسلمين وتوفير الراحة لحجاج بيت الله الحرام . ولهذا تسمح لطوائف المسلمين المختلفة بزيارة بيت الله الحرام دون التنقيب عما خفي من عقائدهم عملاً بالظاهر دون التنقيب عما في البواطن، والله يتولى السرائر، فإذا وضح لها كفر شخص أو طائفة معينة كالقاديانية مثلاً وثبت ذلك لدى العلماء المحققين من الدول الإِسلامية فلا يسعها إلاَّ أن تمنع من ثبت كفره وردته من أداء الحج والعمرة؛ حمايةً لبيت الله الحرام أن يقربه من في قلبه رجس، وعملاً بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
وقوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . ومما تقدم يتبين وجه أهمية المسألة العظيمة التي أشار إليها إمام الدعوة في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجاء طلب بيانه في السؤال، كما يتضح أنه رحمه الله سار على النهج السليم حيث لزم أصول أهل السنة والجماعة ، وإن الحكومة السعودية في معاملتها للمسلمين في العالم لم تحد عن الجادة، بل التزمت أصول أهل السنة والجماعة أيضًا كما لزمها إمام الدعوة، فأخذت المسلمين بظواهرهم ولم تنقب عن قلوبهم، فتسامحت مع من خفي أمره وقست على من كشف عن جريمته، وأصر على ردته بعد المناظرات المتتالية والبيان المتتابع. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
الفتاوى المشابهة
- القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابل... - ابن عثيمين
- الكلام على حديث : ( وسفترق أمتي على ثلاث وسبعي... - الالباني
- هل الفرق الموجودة حاليا تدخل في حديث ستف... - اللجنة الدائمة
- الكلام على حديث : ( وسفترق أمتي على ثلاث وسبعي... - الالباني
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" وستفترق أمت... - ابن عثيمين
- .شرح قول المصنف : لكن لما أخبر النبي صلى الل... - ابن عثيمين
- هل الفرقة الناجية كلهم من أهل الجنة - اللجنة الدائمة
- توضيح حديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة. - ابن عثيمين
- حديث" ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة... - ابن عثيمين
- شرح حديث: "ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ..." - ابن باز
- ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة - اللجنة الدائمة