تم نسخ النصتم نسخ العنوان
صحَّ عن بعض الأئمة الأربعة قولهم : " إذا صحَّ... - الالبانيالسائل : يقولون يكثر السلفيُّون من ذكر قول الأئمة الأربعة " إذا صح الحديث فهو مذهبي " ، فيأتون على حديثٍ أفتى بعض العلماء بخلاف ظاهره فيلزمون الإمام به ...
العالم
طريقة البحث
صحَّ عن بعض الأئمة الأربعة قولهم : " إذا صحَّ الحديث ؛ فهو مذهبي " وقال النووي : " قولهم هذا ليس على ظاهره " ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : يقولون يكثر السلفيُّون من ذكر قول الأئمة الأربعة " إذا صح الحديث فهو مذهبي " ، فيأتون على حديثٍ أفتى بعض العلماء بخلاف ظاهره فيلزمون الإمام به ، مع أن الإمام النووي - رحمه الله - حقَّق في مقدمة " المجموع " أن هذه العبارة ليست على ظاهرها ، ولذلك تفرَّد السلفيون بآراء فقهية ضعيفة يلزمون الأمة بها ؛ فما قولكم ؟

الشيخ : جوابي على هذا السؤال : أنا مع الإمام النووي - رحمه الله - فيما ذهب إليه بشرطين اثنين :
الشرط الأول : إذا كان يعني أنه لا يجوز نسبة الإمام الشافعي إلى مخالفته للحديث لأنه فهمه على وجهٍ خاصٍّ ؛ فهذا صحيح .
والشرط الثاني : أننا نحن - معشر السلفيين - إذا كان الحديث الذي فهمه الإمام الشافعي على وجهٍ ، ووجدنا أئمَّة آخرين عملوا به - على ما يبدو لنا - من الوجه الآخر للمعنى ، وأراد النووي أنه لا يجوز لنا العمل به ؛ لأن الإمام الشافعي عمل به بوجهٍ أو على معنى آخر ؛ حينئذٍ نحن ننفصل عنه ، ونقول : لا يجوز لنا أن نعمل بحديثٍ فهمه الشافعي وسائر الأئمة على وجهٍ ونفهمه نحن في آخر الزمان على وجهٍ آخر ، والحديث في واقعه يحتمل وجهين ، لا نجد أحد سبقنا إلى الأخذ بالوجه الآخر ؛ حينئذٍ فنحن مع الإمام النووي ، أما إذا كان الحديث صريح الدلالة لا يقبل تأويلًا ، وعرفنا أن الإمام الشافعي - مثلًا - أو غيره ، لأنه يتكلم في حدود مذهبه ، وعرفنا أن إمامًا من أئمة المسلمين ومن الفقهاء المجتهدين فسَّره على خلاف ظاهره ، وجاء على تفسيره بدليل لا نعلمه ؛ وجب علينا أن نتَّبعه ، أما إذا كانوا مسلِّمين معنا بأن دلالة الحديث صريحة ، وليس عندنا دليل يصرف هذه الدلالة إلى شيء آخر سوى رأي فلان وعلَّان ؛ حينئذاك نكون مع الحديث ؛ لأن الإمام الشافعي نفسه كان يقول : " الحديث أصلٌ مستقلٌّ في نفسه " ، فيجب على كلِّ مسلم إذا صحَّ لديه أن يعمل به ، أما الإمام الشافعي فسَّره بمعنى آخر فنقول هذا المعنى الأخر إما أن يكون له دليل بالنسبة إلينا ، يعني نقتنع به ، فيجب حينذاك أن نتَّبعه ، أو ليس عنده دليل إلا الاجتهاد ، وكان الحديث ظاهر الدلالة على خلاف ما ذهب إليه ، فنحن في هذه الحالة نطبِّق عموم إرشاد الأئمة : " إذا صح الحديث ؛ فهو مذهبي " ، وقد كنت تعرَّضت لهذه المسألة بشيء من التفصيل في مقدمتي لـ " صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - " فأوردتُ صورةً هي : أن العامي إذا بلغه حديث عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وضاق صدره في ترك العمل به ؛ فهل يجوز له أن يعمل به وهو على خلاف مذهبه ؟
أجاب الإمام السبكي : نعم ، يجوز له العمل به ، إذا أُخبر بأن الحديث صحيح ، وأن معناه على ما وضح له ، كان له عذر عند الله - عز وجل - أن يعمل به ، هذا بالنسبة للأمِّيِّ العامي ؛ فما بالكم بالنسبة للعالم أو طالب العلم ؟!
لكن هنا لا بد لي من وقفة في نهاية الإجابة عن هذا السؤال ، وأرجو من صاحبنا اللِّي جنبي هنا أن يقفَ عند وعده السابق أنه آخر سؤال ، فأقول - إضافةً إلى ما سبق من الجواب - : أريد من طلَّابنا الذين نشؤوا معنا على اتباع الكتاب والسنة ألَّا يكونوا جريئين على التطاول على الأئمة المجتهدين ، وعلى أن يقولوا كما يفلت - أحيانًا - من ألسنتهم قولهم : " نحن رجال وأولئك رجال " ! هذا عارٌ أن يقوله الشباب الناشئ في طلب العلم وهو لا يزال على الأقل شابًّا في طلب العلم ، قد يكون كهلًا وقد يكون شيخًا في السِّنِّ ، ولكنه شابٌّ ناشئ في طلب العلم ، مع ذلك هو يقول حينما يُقال كيف أنت تخالف الأئمة وتستقلُّ في فهمك للحديث ؟! فيكون الجواب : " نحن رجال وأولئك رجال " !!
انظروا الآن بمناسبة الكلام على ما سبق حول أبي حنيفة - رحمه الله - ، من فضل أبي حنيفة أنه قال : " إذا جاءت الآثار عن أصحاب الرسول - عليه السلام - في مسألة ما متَّفقةً لا خلاف بينهم فيها ، فنحن لهم تبع ، أما إذا اختلفوا ؛ فنحن رجال وهم رجال " ، متى قال هذه الكلمة ؟ إذا اختلف أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في مسألة ؛ فهو يختار المناسب لقول من تلك الأقوال ، ولا يخرج عنها إلى غيرها ، فيجب أن نأخذ أدبًا من هذا الأثر عن أبي حنيفة - رحمه الله - ألا نتجرَّأ في تخطئة الأئمة ، وإنما علينا أن نتَّئد وأن نتروَّى في الحكم لخطأ ، ليس خطأ إمام واحد ، بل خطأ أئمة كثيرين ، لست داعيةً إلى التعصب للجمهور ، لا ، لست جمهوريًّا ، ولعلكم تعلمون ذلك علمًا يقينيًّا ، لكني - أيضًا - في الوقت نفسه لا أريد لطلَّاب العلم أن يتجرَّؤوا على تخطئة العلماء بأنه بدا له أن الحديث يُخالفه ، وإنما أريد من طلاب العلم أن ينكبُّوا على دراسة كلِّ مسألة على حدةٍ ، أن يدرسوها كما يقال اليوم دراسة الفقه المقارن ، ولكن بشرط أن يصل إلى النتيجة ، إلى الثمرة ؛ لأن الفقه المقارن اليوم في أكثر الجامعات المعروفة اليوم بالجامعات الإسلامية يتعاطون المقدمات ثم لا يقدِّمون النتائج والثمرات ، فهم يذكرون - مثلًا - أدلة المذهب الفلاني ، ودليل المذهب الفلاني ، ودليل المذهب الفلاني ، ثم لا شيء وراء ذلك ، فيخرج الطلبة حيارى !

سائل آخر : هذا فقه ؟

الشيخ : لا ، هذا ليس فقهًا ، وإنما الفقه أن تقدِّم هذه الأدلة ، وتجري مفاضلة بينها ترجيحًا ؛ كأن تقول - مثلًا - : دليل فلان الآية الفلانية ، لكنها من باب الاستدلال بالدليل العام ، ودليل فلان استدلَّ بآية أخرى خاصَّة ، أو بدليل خاص ، والخاص يقضي على العام ، وهكذا يجري عمليَّة تصفية بين الأدلة ، قد يكون منها حديث المذهب الفلاني لا يصحُّ ، والحديث الذي عارضه هو الصحيح ، إلى آخره ، فأنا أريد من كل طلاب العلم أن يدرسوا المسائل الخلافية دراسة مبسَّطة موضوعة تحت المجهر العلمي ، وبعد ذلك ليخرج بالنتيجة ثم ليقل هذا رأيي ، فإن أصبت ؛ فمن الله ، وإن أخطأت ؛ فمن نفسي .
أرى أن كثيرًا وأخشى أن أقول عامَّة طلاب العلم لا يتأثَّرون ببعض آثار السلف ، ونحن سلفيون ليس اسمًا ، وإنما هو مسمَّى - أيضًا - .
الحديث ذو شجون ، ولقد تأخَّر الوقت أكثر من المفروض ... .

Webiste