التوفيق بين حديث : ( كبِّر كبِّر ) وحديث : ( الأيمن فالأيمن ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : وحديث : كبِّر كبِّر ألا يُبتدأ بالأكبر ثم من أن ... الأكبر ؟ لأنَّ الكذب ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون أن ... ؟
الشيخ : الذي نعرفه - بارك الله فيك - أنَّ من طرق التوفيق بين الأحاديث حينما يبدو لنا شيء من التعارض أن يُروى كلُّ حديث بموضعه الذي جاء فيه ، فلعلَّك تذكر معي بأن هذا الحديث الذي ذكرته كبِّر كبِّر جاء بمناسبة الكلام بين يدي الذي يُراد رفع الأمر إليه ، لعلَّك تذكر .
السائل : في قضية ... الذي ذكرته ؟
الشيخ : إي نعم ، فحينئذٍ كبِّر كبِّر ما دام أنه ليس له عموم يشمل غير ما جاء فيه المناسبة فلا ينبغي - والحالة هذه - أن يُعارض به حديثٌ خاصٌّ في مناسبة خاصَّة ، وإنما يُطبِّق كل حديث في الموضع الذي جاء فيه ؛ فإذا كان حديث : كبِّر كبِّر - وهو في " صحيح البخاري " كما أذكر - فحينئذٍ لا ينبغي أن يُعارض به ... البدء باليمين بيمين الساقي التي ثبتَتْ في حديثين اثنين من حديث أنس بن مالك وحديث سهل بن سعد ؛ ففيهما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقى ، فأُتِيَ بحليب قد شِيبَ بماءٍ في قعْب ، فشرب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وبقي في القَعْب ، وعن يمينه ابن عباس ، وفي رواية : بعض الأعراب ، وعن يساره أبو بكر الصديق ، وفي رواية : ... فاستأذن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ممَّن عن يمينه أن يأذَنَ أن يسقي مَن عن يساره فأبى ، وقال : لا أوثِرُ أحدًا على فضلة شرابك يا رسول الله - أو كما قال - ، فأعطاه الرسول - عليه السلام - هذا القَعْب ، فخاطب الجالسين حتى ما ... في نفوسهم شيء حينما يرى الرسول - عليه السلام - قدَّم الأعرابي على كبار مشايخ ... أو ابن عباس على أبي بكر ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : الأيمن ، فالأيمن ، = -- وعليكم السلام -- = هذا لفظ أنس ، أما لفظة سهل بن كعب الساعدي فقال : الأيمنون ، فالأيمنون ، فالأيمنون .
فنحن نُلاحظ في هذا الحديث الصحيح المروي في البخاري ومسلم من حديث الصحابيين المشهورين أنس وسهل ، نلاحظ أن الساقي نلاحظ أمورًا ، أوَّلها أن الساقي إنما بدأ بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنَّه استسقى ، فخرجت القصة عن مجال الاستجلاب بها ؛ على أنَّ السنة البدء بالإسقاء بكبير القوم ؛ لأن البدء إنما كان لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقى بعد ذلك ، بعد ذلك إذا نظرنا إلى تتمة الحديث وجدنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا شرب ما شرب وبقي لسعد في ... ، وأراد أن يستسقي أبا بكر لجلالة قدره ، لكنه استأذن مَن كان عن يمينه وجدناه صار هو الآن السَّاقي ، فلو كانت الفكرة السائدة في بعض البلاد أن ساقي القوم يبدأ إذًا عن يمينه ، وبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم ، - عفوًا - لو كانت الفكرة السائدة في بعض البلاد أن الساقي يبدأ بكبير القوم وبدأ بأبي بكر الصديق ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حاجة أن يستأذِنَ مَن كان عن يمينه من الأعراب أو من ابن عباس ، لكن ما نراه - كما ذكرنا آنفًا في الرواية الصحيحة - أنَّه استأذن منه ؛ فلولا أنه كان هو الأحقَّ بأن يبدأ به الرسول - عليه السلام - بالسُّقيا لأنه عن يمينه لم يكن - كما قلنا آنفًا - بحاجة إلى أن يستأذنه ، فلما لم يأذَنْ فأعطاه وقال ... من الحاضرين الحكم الشرعي الأيمن ، فالأيمن ، أو فالأيمنون ، فالأيمنون ، فالأيمنون ؛ فحينئذٍ سنَّة السقيا غير سنَّة التكلم ، وهذا الحديث الأول : كبِّر كبِّر يُستعمل في موضعه ، وهذا الحديث الذي طبَّقه الرسول - عليه السلام - وسنَّه للناس بعد تطبيقه إيَّاه بقوله : الأيمنون ، فالأيمنون ، الأيمنون يبقى في سنَّة البدء لليمين في الإسقاء ؛ فلا نرى تعارضًا - والحمد لله - بين الحديثين .
السائل : طيب يا شيخ ، ما رأيك بقضية كبِّر كبِّر كقضية القياس ؟
الشيخ : ... لكن الجواب هو نفسه .
السائل : هل ... - صلى الله عليه وسلم - هو السَّاقي أم المستسقي ؟
الشيخ : لأ .
السائل : الرسول في هذه الحالة هو المستسقي .
الشيخ : لأ ، هو الساقي الآن .
السائل : ... أنَّ الساقي هو ربُّ البيت .
الشيخ : معليش ، نحن ذكرنا آنفًا شيئًا كما يُقال لا يقبل النِّزاع والخلاف ، الساقي بدأ بالرسول - عليه السلام - لأنه استسقى ، انفهمت هذه القضية ، لا يُقال : لِمَ بدأ الساقي بالرسول - عليه السلام - ؟ لأن الجواب واضح ، الآن لما بقي القَعْب في وجه الرسول - عليه السلام - ويريد أن يسقي من عن يمينه أو يساره ؛ مَن هو الساقي ؟ هو الرسول - عليه السلام - ، دور الساقي الأول انتهى ، وبخاصَّة أنه سقى الرسول ؛ لأن الرسول طلب ، فإذًا هنا واضح جدًّا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والقَعْب في يده هو الساقي ، فما ينبغي أن نتغافلَ عن هذه الحقيقة الملموسة لمس اليد ، ونقول أن الرسول - عليه السلام - إن كان الساقي أراد أن يبدأ من عن يمينه ، لكنه يعلم ومنه نحن تعلَّمنا أن أبا بكر أحق بالإجلال والإكبار والتعظيم وإلى آخره ، فلو كان هو ليس بالساقي وبدأ به هناك ما أحد ينكر ذلك ، ولا أحد يعتب عليه ، كيف وهو الذي جاء بالشرع ... ؟ ولَمَا كان به الحاجة أن يستأذن ابن عباس ، لكنه قد استأذن فعلًا لِيُفهِمَ النَّاس أنني معذور في عُرف الناس الذين يخطر في خواطرهم أن الباعث للسُّقيا هو أبو بكر ، فنحن لو أردنا أن نُحكِّمَ عقولنا لَقُلنا بأن هذا هو العلم أن يبدأ بكبير القوم ، لكنه - عليه الصلاة والسلام - أراد أن يُبطِلَ هذا وأن يقرِّرَ حكمًا شرعيًّا ؛ أن يبدأ باليمين ، لكن أراد أن يجمع بين ... سنة اليمين وبين لفت النظر بأنَّه يُمكن لصاحب الحقِّ أن يُؤثر غيره بحقِّه ، فلمَّا أبى ابن عباس - رضي الله عنه - وكلُّنا ذاك الرجل أنا ولَّا أنت ؟ كلُّنا ذاك الرجل تمامًا ؛ لأن هنا كما قال - عليه السلام - تقريبًا : لا حسدَ إلا في اثنتين ، فهذا من الحسد المشهور المحمود ، فأراد الرسول - عليه السلام - كما يُقال في بعض التعابير : أن يرمِيَ عصفورين بحجر واحد ، فهو من ناحية أراد أن يسنَّ للناس سنَّة عامة ، ومن ناحية أخرى أراد أن يسنَّ أنه لا مانع من مخالفة هذه السنة العامة بإيثار صاحب الحقِّ غيره ممَّن هو أجلُّ منه وأعلم منه إلى آخره ، لكن صاحب الحقِّ إذا أبى فليس لأحد سلطان عليه ، فأعطاه - عليه الصلاة والسلام - هذا الحقَّ ، ثم أكد ذلك بالحديث السابق ، ولا ضرورة لإعادته .
ثم هنا شيء يقتضيه النظر السليم التَّجرُبي ؛ الساقي عادةً لا يُشترط فيه أن يكون ذا ثقافةٍ ؛ بحيث يعرف منازل الرجال ومقاديرهم وأسنانَهم واختلافهم في العلوم وما شابه ذلك ؛ فإذا قيل للساقي : ابدأ بكبير القوم كما هو في حديث : كبِّر كبِّر ، هذا أول شيء ينبغي أن يُلاحظ فيه السِّنُّ ... هو ففيه تكليف للسَّاقي بما يشبه ما يُقال في كتب الكلام - واختلفوا مع الأسف في ذلك - هل لله - تبارك وتعالى - أن يكلِّف الله عباده بما لا يطيقون ؟ لقد ذهبت الأشاعرة بأن لله أن يكلِّف عباده بما لا يطيقون ، والذي نعرفه كما قال - تعالى - : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ؛ فهل يكلِّف الله أيَّ ساقٍ يدخل في أيِّ مجلس كهذا أنُّو يعمل له فحص دقيق ، ويشوف يا ترى الشيخ ... أَوْلَى ولَّا ذاك الشيخ الجالس هناك في صدر المكان ؟ ما أدري ؛ خاصَّة إذا كان أحدهما صابغ لحيته من جديد ، فستر شيبه وهذا لا عيب عليه ، والآخر ذهب بعض الخضاب وبقي أثر الشيب كمثلي - مثلًا - حيث لا أستطيع أن أُعنى بصبغ اللحية كثيرًا ، ولكني أفعل هذه السنة والحمد لله - أيضًا - في كثير من الأحيان ؛ فهنا سيضلُّ هذا الساقي بين هذا وبين هذا ؛ هذا يتنافي مع يُسر الإسلام وسماحة الإسلام ، أما الأيمن فالأيمن .
يقول البعض : الصبي إذا ميَّز يمينه من يساره خلاص يُؤمر بالصلاة ، فإن كنت ... هذا لأنه سنة أوضح من هذا الكلام ، فإذا نحن نظرنا إلى هذا كلِّه فأظن أن النفوس المطمئنَّة ستطمئنُّ لهذا الحكم ، ويضعونه في محلِّه ، وحديث : كبِّر كبِّر في الكلام ، وحديث السواك - أيضًا - يكبِّر - أيضًا - في ذلك ، وهذا من جملة الوجوه التي أشرت إليها ممَّا ييسِّر على طلاب العلم التوفيق بين الأحاديث التي قد يبدو شيء من التعارض بينها ، ولا تعارض - والحمد لله - فيها .
السائل : طيب يا شيخ - جزاك الله خير - ، أنت قلت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الساقي الثاني ، لكن الآن استأذن ممَّن عن يمينه ، لكن ... يرغبون رغبة ، فربما ينتابون إذا قُدِّم فلان عليهم .
الشيخ : حسن .
السائل : ينتابون بتقديمه عليهم .
الشيخ : حسن ، فهذا في كل المجالس ؟
السائل : إذا وجدنا هذا .
الشيخ : بس ... خود وأعطِ ، أنا أجبتك بكلمة ؛ الذي تقوله حسن ، و هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ، سألتك : هل هذا في كلِّ المجالس ؟
السائل : لأ ، ما هو بكلِّ المجالس .
الشيخ : ... اسمح لي ، اسمح لي ، إذًا ما دام ليس في كلِّ المجالس ؛ في مثل هذا المجلس الذي أنت تصفه قد جاء الجواب يؤثرون فلانًا لا مانع من ذلك ، لكن في المجلس الآخر ؟
السائل : قد لا يكون .
الشيخ : فأقول : ما هو العمل حين ذاك ؟
السائل : يبدأ بالأيمن .
الشيخ : وجزاك الله خير .
السائل : وإياكم .
الشيخ : ذلك ما نبغيه .
الشيخ : الذي نعرفه - بارك الله فيك - أنَّ من طرق التوفيق بين الأحاديث حينما يبدو لنا شيء من التعارض أن يُروى كلُّ حديث بموضعه الذي جاء فيه ، فلعلَّك تذكر معي بأن هذا الحديث الذي ذكرته كبِّر كبِّر جاء بمناسبة الكلام بين يدي الذي يُراد رفع الأمر إليه ، لعلَّك تذكر .
السائل : في قضية ... الذي ذكرته ؟
الشيخ : إي نعم ، فحينئذٍ كبِّر كبِّر ما دام أنه ليس له عموم يشمل غير ما جاء فيه المناسبة فلا ينبغي - والحالة هذه - أن يُعارض به حديثٌ خاصٌّ في مناسبة خاصَّة ، وإنما يُطبِّق كل حديث في الموضع الذي جاء فيه ؛ فإذا كان حديث : كبِّر كبِّر - وهو في " صحيح البخاري " كما أذكر - فحينئذٍ لا ينبغي أن يُعارض به ... البدء باليمين بيمين الساقي التي ثبتَتْ في حديثين اثنين من حديث أنس بن مالك وحديث سهل بن سعد ؛ ففيهما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقى ، فأُتِيَ بحليب قد شِيبَ بماءٍ في قعْب ، فشرب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وبقي في القَعْب ، وعن يمينه ابن عباس ، وفي رواية : بعض الأعراب ، وعن يساره أبو بكر الصديق ، وفي رواية : ... فاستأذن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ممَّن عن يمينه أن يأذَنَ أن يسقي مَن عن يساره فأبى ، وقال : لا أوثِرُ أحدًا على فضلة شرابك يا رسول الله - أو كما قال - ، فأعطاه الرسول - عليه السلام - هذا القَعْب ، فخاطب الجالسين حتى ما ... في نفوسهم شيء حينما يرى الرسول - عليه السلام - قدَّم الأعرابي على كبار مشايخ ... أو ابن عباس على أبي بكر ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : الأيمن ، فالأيمن ، = -- وعليكم السلام -- = هذا لفظ أنس ، أما لفظة سهل بن كعب الساعدي فقال : الأيمنون ، فالأيمنون ، فالأيمنون .
فنحن نُلاحظ في هذا الحديث الصحيح المروي في البخاري ومسلم من حديث الصحابيين المشهورين أنس وسهل ، نلاحظ أن الساقي نلاحظ أمورًا ، أوَّلها أن الساقي إنما بدأ بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنَّه استسقى ، فخرجت القصة عن مجال الاستجلاب بها ؛ على أنَّ السنة البدء بالإسقاء بكبير القوم ؛ لأن البدء إنما كان لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقى بعد ذلك ، بعد ذلك إذا نظرنا إلى تتمة الحديث وجدنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا شرب ما شرب وبقي لسعد في ... ، وأراد أن يستسقي أبا بكر لجلالة قدره ، لكنه استأذن مَن كان عن يمينه وجدناه صار هو الآن السَّاقي ، فلو كانت الفكرة السائدة في بعض البلاد أن ساقي القوم يبدأ إذًا عن يمينه ، وبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم ، - عفوًا - لو كانت الفكرة السائدة في بعض البلاد أن الساقي يبدأ بكبير القوم وبدأ بأبي بكر الصديق ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حاجة أن يستأذِنَ مَن كان عن يمينه من الأعراب أو من ابن عباس ، لكن ما نراه - كما ذكرنا آنفًا في الرواية الصحيحة - أنَّه استأذن منه ؛ فلولا أنه كان هو الأحقَّ بأن يبدأ به الرسول - عليه السلام - بالسُّقيا لأنه عن يمينه لم يكن - كما قلنا آنفًا - بحاجة إلى أن يستأذنه ، فلما لم يأذَنْ فأعطاه وقال ... من الحاضرين الحكم الشرعي الأيمن ، فالأيمن ، أو فالأيمنون ، فالأيمنون ، فالأيمنون ؛ فحينئذٍ سنَّة السقيا غير سنَّة التكلم ، وهذا الحديث الأول : كبِّر كبِّر يُستعمل في موضعه ، وهذا الحديث الذي طبَّقه الرسول - عليه السلام - وسنَّه للناس بعد تطبيقه إيَّاه بقوله : الأيمنون ، فالأيمنون ، الأيمنون يبقى في سنَّة البدء لليمين في الإسقاء ؛ فلا نرى تعارضًا - والحمد لله - بين الحديثين .
السائل : طيب يا شيخ ، ما رأيك بقضية كبِّر كبِّر كقضية القياس ؟
الشيخ : ... لكن الجواب هو نفسه .
السائل : هل ... - صلى الله عليه وسلم - هو السَّاقي أم المستسقي ؟
الشيخ : لأ .
السائل : الرسول في هذه الحالة هو المستسقي .
الشيخ : لأ ، هو الساقي الآن .
السائل : ... أنَّ الساقي هو ربُّ البيت .
الشيخ : معليش ، نحن ذكرنا آنفًا شيئًا كما يُقال لا يقبل النِّزاع والخلاف ، الساقي بدأ بالرسول - عليه السلام - لأنه استسقى ، انفهمت هذه القضية ، لا يُقال : لِمَ بدأ الساقي بالرسول - عليه السلام - ؟ لأن الجواب واضح ، الآن لما بقي القَعْب في وجه الرسول - عليه السلام - ويريد أن يسقي من عن يمينه أو يساره ؛ مَن هو الساقي ؟ هو الرسول - عليه السلام - ، دور الساقي الأول انتهى ، وبخاصَّة أنه سقى الرسول ؛ لأن الرسول طلب ، فإذًا هنا واضح جدًّا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والقَعْب في يده هو الساقي ، فما ينبغي أن نتغافلَ عن هذه الحقيقة الملموسة لمس اليد ، ونقول أن الرسول - عليه السلام - إن كان الساقي أراد أن يبدأ من عن يمينه ، لكنه يعلم ومنه نحن تعلَّمنا أن أبا بكر أحق بالإجلال والإكبار والتعظيم وإلى آخره ، فلو كان هو ليس بالساقي وبدأ به هناك ما أحد ينكر ذلك ، ولا أحد يعتب عليه ، كيف وهو الذي جاء بالشرع ... ؟ ولَمَا كان به الحاجة أن يستأذن ابن عباس ، لكنه قد استأذن فعلًا لِيُفهِمَ النَّاس أنني معذور في عُرف الناس الذين يخطر في خواطرهم أن الباعث للسُّقيا هو أبو بكر ، فنحن لو أردنا أن نُحكِّمَ عقولنا لَقُلنا بأن هذا هو العلم أن يبدأ بكبير القوم ، لكنه - عليه الصلاة والسلام - أراد أن يُبطِلَ هذا وأن يقرِّرَ حكمًا شرعيًّا ؛ أن يبدأ باليمين ، لكن أراد أن يجمع بين ... سنة اليمين وبين لفت النظر بأنَّه يُمكن لصاحب الحقِّ أن يُؤثر غيره بحقِّه ، فلمَّا أبى ابن عباس - رضي الله عنه - وكلُّنا ذاك الرجل أنا ولَّا أنت ؟ كلُّنا ذاك الرجل تمامًا ؛ لأن هنا كما قال - عليه السلام - تقريبًا : لا حسدَ إلا في اثنتين ، فهذا من الحسد المشهور المحمود ، فأراد الرسول - عليه السلام - كما يُقال في بعض التعابير : أن يرمِيَ عصفورين بحجر واحد ، فهو من ناحية أراد أن يسنَّ للناس سنَّة عامة ، ومن ناحية أخرى أراد أن يسنَّ أنه لا مانع من مخالفة هذه السنة العامة بإيثار صاحب الحقِّ غيره ممَّن هو أجلُّ منه وأعلم منه إلى آخره ، لكن صاحب الحقِّ إذا أبى فليس لأحد سلطان عليه ، فأعطاه - عليه الصلاة والسلام - هذا الحقَّ ، ثم أكد ذلك بالحديث السابق ، ولا ضرورة لإعادته .
ثم هنا شيء يقتضيه النظر السليم التَّجرُبي ؛ الساقي عادةً لا يُشترط فيه أن يكون ذا ثقافةٍ ؛ بحيث يعرف منازل الرجال ومقاديرهم وأسنانَهم واختلافهم في العلوم وما شابه ذلك ؛ فإذا قيل للساقي : ابدأ بكبير القوم كما هو في حديث : كبِّر كبِّر ، هذا أول شيء ينبغي أن يُلاحظ فيه السِّنُّ ... هو ففيه تكليف للسَّاقي بما يشبه ما يُقال في كتب الكلام - واختلفوا مع الأسف في ذلك - هل لله - تبارك وتعالى - أن يكلِّف الله عباده بما لا يطيقون ؟ لقد ذهبت الأشاعرة بأن لله أن يكلِّف عباده بما لا يطيقون ، والذي نعرفه كما قال - تعالى - : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ؛ فهل يكلِّف الله أيَّ ساقٍ يدخل في أيِّ مجلس كهذا أنُّو يعمل له فحص دقيق ، ويشوف يا ترى الشيخ ... أَوْلَى ولَّا ذاك الشيخ الجالس هناك في صدر المكان ؟ ما أدري ؛ خاصَّة إذا كان أحدهما صابغ لحيته من جديد ، فستر شيبه وهذا لا عيب عليه ، والآخر ذهب بعض الخضاب وبقي أثر الشيب كمثلي - مثلًا - حيث لا أستطيع أن أُعنى بصبغ اللحية كثيرًا ، ولكني أفعل هذه السنة والحمد لله - أيضًا - في كثير من الأحيان ؛ فهنا سيضلُّ هذا الساقي بين هذا وبين هذا ؛ هذا يتنافي مع يُسر الإسلام وسماحة الإسلام ، أما الأيمن فالأيمن .
يقول البعض : الصبي إذا ميَّز يمينه من يساره خلاص يُؤمر بالصلاة ، فإن كنت ... هذا لأنه سنة أوضح من هذا الكلام ، فإذا نحن نظرنا إلى هذا كلِّه فأظن أن النفوس المطمئنَّة ستطمئنُّ لهذا الحكم ، ويضعونه في محلِّه ، وحديث : كبِّر كبِّر في الكلام ، وحديث السواك - أيضًا - يكبِّر - أيضًا - في ذلك ، وهذا من جملة الوجوه التي أشرت إليها ممَّا ييسِّر على طلاب العلم التوفيق بين الأحاديث التي قد يبدو شيء من التعارض بينها ، ولا تعارض - والحمد لله - فيها .
السائل : طيب يا شيخ - جزاك الله خير - ، أنت قلت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الساقي الثاني ، لكن الآن استأذن ممَّن عن يمينه ، لكن ... يرغبون رغبة ، فربما ينتابون إذا قُدِّم فلان عليهم .
الشيخ : حسن .
السائل : ينتابون بتقديمه عليهم .
الشيخ : حسن ، فهذا في كل المجالس ؟
السائل : إذا وجدنا هذا .
الشيخ : بس ... خود وأعطِ ، أنا أجبتك بكلمة ؛ الذي تقوله حسن ، و هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ، سألتك : هل هذا في كلِّ المجالس ؟
السائل : لأ ، ما هو بكلِّ المجالس .
الشيخ : ... اسمح لي ، اسمح لي ، إذًا ما دام ليس في كلِّ المجالس ؛ في مثل هذا المجلس الذي أنت تصفه قد جاء الجواب يؤثرون فلانًا لا مانع من ذلك ، لكن في المجلس الآخر ؟
السائل : قد لا يكون .
الشيخ : فأقول : ما هو العمل حين ذاك ؟
السائل : يبدأ بالأيمن .
الشيخ : وجزاك الله خير .
السائل : وإياكم .
الشيخ : ذلك ما نبغيه .
الفتاوى المشابهة
- الأفضلية في الصلاة: إلى الصف الأيمن أم الأيسر؟ - ابن عثيمين
- يقول في الحديث من آداب المجلس أن يقدِّم الساقي... - الالباني
- قراءة من مادة الثقافة الإسلامية للصف الأول ثان... - الالباني
- التفصيل في أفضلية الصلاة في الصف الأيمن - ابن عثيمين
- هل إشعار الهدي يكون على السنام الأيمن.؟ - ابن عثيمين
- ما حكم عادة البدء بالأكبر دون الأيمن؟ وبيان ال... - الالباني
- هل يبدأ بالأيمن أم بالأكبر في تقديم الشراب ؟ - الالباني
- كيف الجمع بين حديث كبر كبر وحديث أبدأ باليمين .؟ - الالباني
- نصيحة الشيخ بالتزام أدب البدأ بالأيمن فالأيمن... - الالباني
- ألا يدل حديث ( كبر كبر ) على الابتداء بالأكبر... - الالباني
- التوفيق بين حديث : ( كبِّر كبِّر ) وحديث : ( ا... - الالباني