تم نسخ النصتم نسخ العنوان
كيف توجَّهتم إلى علم الحديث مع أن الوالد كان ح... - الالبانيالسائل : طيب ؛ هنا مسألة تلفت النظر ؛ وهي كيف توجَّهت إلى الحديث ونحو ذلك مع أني يعني من خلال بعض كلماتكم وكلمات الشيخ شعيب أن الوالد كان حنفيًّا يعتدُّ...
العالم
طريقة البحث
كيف توجَّهتم إلى علم الحديث مع أن الوالد كان حنفيًّا معتدًّا بالمذهب الحنفي كما علمتُ منكم ومن الشيخ شعيب الأرناؤوط ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : طيب ؛ هنا مسألة تلفت النظر ؛ وهي كيف توجَّهت إلى الحديث ونحو ذلك مع أني يعني من خلال بعض كلماتكم وكلمات الشيخ شعيب أن الوالد كان حنفيًّا يعتدُّ بالمذهب الحنفي جدًّا ؟ فكيف أفلت من ؟

الشيخ : ذلك الفضل من الله ، لكن من حيث الأسباب أو السبب هو كما يقال إذا أراد الله أمرًا هيَّأ أسبابه ، أنا فعلًا كنت عيش في جو حنفي متعصب ، والدي كان يُعتبر خاصة بين الأرناؤوط هو أعلمهم في الفقه الحنفي ، وكان ملاذَهم ومرجعَهم ، فلما تخرَّجت من المدرسة الابتدائية ودرست على التفصيل السابق على بعض المشايخ كان لدي هواية في المطالعة بصورة غريبة جدًّا ، لكن مطالعة فيما يبدو للناظر لا فائدة منها ، بل قد يكون لها آثار ضارَّة ، لكن في ما بعد تبيَّن أثر هذه الدراسة في لغتي ، فقد قوَّت هذه اللغة في نطقي ، فالغريب أني كنت مولعًا بقراءة الكتب العصرية الخيالية التي تُعرف بالروايات ، وبخاصة منها قصص اللص الأمريكي المشهور " آرسين لوبين " ، فكنت مغرمًا فعلًا بقراءة هذا النوع من القصص والروايات ، ثم وجدْتُني نقلت إلى مرحلة ثانية قد تكون خيرًا من تلك ؛ وهي دراسة القصص العربية ، ولو أنها خياليَّة ، فمثلًا قرأت " ألف ليلة وليلة " ، قرأت قصة " عنترة بن شداد " ، قصة " صلاح الدين الأيوبي " ، قصة " ذات الهمة والبطَّال " ، وهكذا كنت شغوفًا جدًّا بمثل هذه المطالعات والقراءات .
ثم من تمام تدبير الله - عز وجل - ولطفه بي أنني حينما غيَّرت مهنتي ولزمتُ والدي كان هناك وجد لي فراغ من الوقت ، كنا نتبادل الجلوس في دكانه ، فهو يأتي وأنا معه صباحًا حتى يصلي الظهر ، فإذا صلى الظهر ذهب إلى الدار يستريح وبقيت أنا في الدكان ، ويأتي بعد صلاة العصر ، نحن شغِّيلان ، كان أحيانًا يوجد لدي فراغ من الوقت ما في ساعات أصلحها ، فأستأذن من والدي بأن أخرج ، وإلى أين ؟ وهذا - أيضًا - توفيق من الله ، أذهب إلى المسجد الأموي أحضر هناك بعض الدروس العامة ، وتأثَّرت بشيء منها من الناحية الفكرية بعضها صواب فيما تبيَّن لي فيما بعد ، وبعضها خطأ ، وهذا الخطأ يتعلَّق بنوعين التقليد والتصوُّف ، ثم في فسحتي هذه التي أخرج فيها من دكان أبي قيَّض الله لي رجلًا مصريًّا كهلًا ، كان يشتري بعض التركات من الكتب ، ويعرضها أمام دكان له تجاه الباب الغربي من المسجد الأموي ، فكنت أمرُّ على الكوم من الكتب التي كان يبسطها أمام دكَّانه الصغير ، فأقلِّب فأجد فيها من تلك الروايات ما شئتُ ، فأستأجر منه وأقرأ وأُعيد وهكذا ، ذات يوم وجدت عنده بعض الأعداد من " مجلة المنار " ، فأذكر جيِّدًا أني قرأت فيه فصلًا بقلم السيد رشيد رضا - رحمه الله - يتكلم عن مزايا كتاب " الإحياء " للغزالي ، وينقده من بعض النواحي كصوفياته - مثلًا - ، وكأحاديثه الضعيفة والواهية ، وبهذه المناسبة ذكر أن لأبي الفضل زين الدين العراقي كتابًا وضعه على " الإحياء " خرَّج فيه أحاديثه وميَّز صحيحها من ضعيفها ، وهو المسمَّى بـ " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار " ، فتلهَّفت نفسي جدًّا لهذا الكتاب ، فنزلت إلى السوق أسأل عنه كالعاشق الولهان أين هذا الكتاب ؟ حتى وجدته عند أحدهم ، فإذا به أربع مجلدات طبعة البابي الحلبي ، وعلى ورق أصفر ناعم ، لكني كنت فقيرًا كأبي لا أقدر على شراء هذا الكتاب فاتَّفقت مع مالكه على أن أستأجره منه ، ما أذكر الآن لمدة سنة أو أقل أو أكثر .
الحويني : ... .

الشيخ : آ ، أجرة .
الحويني : أجرة .

الشيخ : أجرة ، أستأجره منه ، ففعلت وأخذت الكتاب وأنا أكاد أطير فرحًا ، وذهبت به إلى الدكان ، فكنت أغتنم فرصة غياب والدي بعد الظهر فأخلو بكتابي ، وخطَّطت خطَّة لنسخ " المغني تخريج الإحياء " ، فبدأت أنسخ ، واشتريت ورقًا ، واتخذت لي مسطِّرة ، وهي عبارة عن مقوَّى كرتون ، يُخيَّط بخطوط متوازية من الخيطان من الوجهين .
الحويني : طيب ؛ قبل أن أنسى شيخنا ، ذاك سنة كم بداية قرأت في " المنار " ؟

الشيخ : طبعًا دون العشرين يمكن يكون 17 ، 18 هكذا .
فآخذ هالمسطِّرة هذه وأضعها في الطَّبق وأضغط على الخيطان ، وإذا الصحيفة ... أصلًا لا تُرى ، لأنُّو ليست مسوَّدة ، وذلك لتقويم خطِّي ، فبدأت أكتب حتى نسَّقت الجزء الأول ، لما وسطْت ... خطرت في بالي خاطرة ، أنُّو أنا الآن مبتدي في طلب العلم ، ثانيًا أعجمي ألباني كثيرًا ما تمرُّ بي بعض الأحاديث ما أفقهها .
الحويني : وعليكم السلام .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، أو تغمض عليَّ بعض الألفاظ الغريبة ، التي عرفت فيما بعد بأنها من غريب الحديث ، فقلت لماذا أنا لا أستعين ببعض الكتب التي كانت في حوزة أو في مكتبة والدي لشرح هذه الكلمات التي تغمض عليَّ ، ففعلتُ ، لكن ما كدتُ أعلِّق بعض التعليقات إلا رجعت ، رجعتُ ألوم نفسي وأقبِّح صنعي ؛ لأنُّو ظهر الآن المجلد الأول متناقض الأسلوب ، القسم الأول ليس فيه تعليق ، والقسم الثاني فيه تعليق ، فما أعجبني هذا التباين ، فألغيتُ ما فعلتُ ، واستأنفتُ الكتابة من جديد على طريقة التعليق من أول الكتاب عند اللزوم ، وهكذا انتهى المجلد الأول وبدأت في الثاني ، ويظهر الفرق واضحًا جدًّا بين المجلد الأول من حيث التعليق عليه وبين المجلد الأخير وما قبله ؛ لأنك ترى في المجلد الأول أكثر الصفحات هي " المغني " ، وقليل من التعليقات ، بينما فيما بعد انعكس الأمر تمامًا ؛ فكنت ترى بعض الصفحات سطر واحد فوق وتحت كله حاشية ، وبخط دقيق جدًّا ؛ كان عندنا في سوريا رِيَش للكتابة ، قسم منها بالخطِّ العربي ، وقسم منها للخطِّ الإفرنسي ، ... هذه بالرِّيش الإفرنسية بأنها دقيقة الرأس جدًّا ، فأنا كنت أكتب في التعليق بالأحرف العربية بالريشة الفرنسية تمييزًا للحاشية عن الأصل ، كتبت صفحة كلها ممتلئة بهذا الخطِّ الدقيق وفوق بالريشة العربية سطر أو سطرين وهكذا ، فأنا شعرت أني استفدت جدًّا من هذه المراجعات لسدِّ النقص الذي كنت أشعر به بسبب ابتدائي في العلم أولًا ، وبسبب عجمتي ثانيًا ، فاستفدت من هذا العمل كثيرًا وكثيرًا جدًّا ، وهو موجود عندي - والحمد لله - كأثر في هذا العمل .

Webiste