تم نسخ النصتم نسخ العنوان
الراوي الذي تجد بعض المحدثين ضعفوه وبعضهم وثقو... - الالبانيالسائل : للراوي الذي تجد بعض المحدثين ضعَّفوه وبعضهم وثَّقوه فإلى من نذهب ؟ وما هي القاعدة التي نذهب إليها حتَّى نحكم على هذا الراوي في هذا السند ؟الشيخ...
العالم
طريقة البحث
الراوي الذي تجد بعض المحدثين ضعفوه وبعضهم وثقوه إلى من نذهب وما هي القاعدة التي نذهب إليها حتى نحكم على هذا الراوي ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : للراوي الذي تجد بعض المحدثين ضعَّفوه وبعضهم وثَّقوه فإلى من نذهب ؟ وما هي القاعدة التي نذهب إليها حتَّى نحكم على هذا الراوي في هذا السند ؟

الشيخ : القاعدة معروفة بقولهم : " الجرح مُقدَّم على التعديل " ، يشترطون في الجرح الذي يجب تقديمه على التعديل أن يكون جرحًا مُفسَّرًا واضحًا مُبيَّنًا ، وإذا بُيِّن السبب فقد يظهر أنه لا يصح أن يُعتبر جرحًا مُسقطًا لعدالة الراوي ؛ لأن العلماء حينما بدؤوا يتكلَّمون حول شروط الراوي الثقة لا شك أنه كان باجتهاد منهم وليس بنصوص صريحة في الكتاب والسنة ، ولذلك فقد تختلف آراؤهم في ذلك ، من أوضح الأمثلة فيما نحن بصدده تجريح الراوي لمذهبه ، فالعلماء سابقًا اختلفوا في هذه المسألة ؛ إذا كان الراوي عدلًا في دينه ؛ أي : لا يأتي بأشياء من المنكرات التي تُسقط عدالته ، ثم هو بالإضافة إلى ذلك حافظ ضابط لحديثه فقد توفَّر فيه الشرطان اللذان إذا اجتمعا في الراوي يُحكم عليه بالثقة ، ولكن مذهبه مُنحرف عن السنة ؛ كالإرجاء - مثلًا - والاعتزال ونحو ذلك ، فبعضهم كان يُسقط حديث هذا العدل الثِّقة في كونه انحرف في شيء من عقيدته عن خطَّة أهل السنة ، فلا يُعتبر حديثه حجة ، وبعضهم كان يرى أن العمدة في رواية الحديث والاحتجاج به إنما هو الثقة عدالةً وحفظًا ، أما المذهب فهذا يُترك بينه وبين ربِّه ؛ فالله حسيبه إن كان وصل إلى ذاك المذهب اتباعًا للهوى أو اجتهادًا منه لم يُصب الحق ، من أجل هذا كان الإمام البخاري يروي لبعض ذوي الأهواء ؛ لأنه وَثِقَ بهذا الراوي أنه توفَّر فيه العدالة والضبط والحفظ ، أما المذهب فالله حسيبه عليه .
مثلًا : عمران ابن حطَّان الخارجي ، فهو مشهور بتعصُّبه على عليٍّ - رضي الله عنه - ؛ مع ذلك فالإمام البخاري لم يمتنع من رواية حديثه لأن مذهبه لم يعتبره جرحًا في عدالته وفي حفظه ، من هنا ينبغي أن يُلاحظ أنَّ الجرح يجب أن يكون جرحًا مقبولًا عند علماء الحديث حتى يُقدَّمَ على التوثيق ، ويجد الباحث في ترجمة بعض الرواة أقوالًا من بعض الأئمة لا يسعه أن يعتمدَ عليها لِبُعدها عن كون عبارته جرحًا في هذا الراوي الذي قد وُثِّقَ من غيره ؛ مثلًا قد يقول بعضهم فلان لا يُحتجُّ بحديثه لماذا ؟ لأنه سُمع من داره صوت الضرب على العود ، هذا جرح ومفسَّر ، ولكن لا يُعتبر جرحًا يُسقط حديث هذا الراوي ما دام توفَّرت فيه تلك الصِّفتان ؛ صفة العدالة مع الضبط والحفظ ، أمَّا إنه سُمع من داره آلات الطرب فهذا الجواب عنه من ناحيتين :
الناحية الأولى : أنه سبق أن وقع اختلاف قديم في آلات الطرب ؛ هل هي محرمة أم لا ؟ ولسنا - مع الأسف حتى في هذا العصر بعد أن تبيَّنت الأدلة الناهضة لإثبات تحريم آلات الطرب ؛ مع ذلك نجد بعض العلماء وهم لا يُذكرون مع أولئك العلماء ؛ فهم ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال ؛ مع ذلك يذهبون إلى هذه الساعة أن آلات الموسيقى مُباحة ، فكيف لا يُعذر مَن كان بالقرون الأولى حيث لم تتجمَّع أدلة الشريعة يومئذٍ في كل مسألة اختلف فيها العلماء ؟ فما ينبغي حين ذاك أن نجرِّح رجلًا من علماء المسلمين ورواة حديث النبي الكريم لمجرَّد أنه كان يرى أن الضرب على العود أو نوع آخر من الآلات الموسيقية مُباح ، هذا رأيه واجتهاده ، ولو أنَّنا فتحنا مثل هذا الباب لإسقاط عدالة الراوي لَسقطت عدالة كثير من أئمة المسلمين ، هذا شيء .
والشيء الثاني : ليس في ذلك القول أن هذا الجارح رأى بعينه ذلك الراوي يضرب على العود ، وإنما كلُّ ما في الخبر أنه سمع ، فيُمكن أن يكون ما سمعه ليس نابعًا من داره ، وإنما من دار جاره ، أو يكون نابعًا من داره ، ولكن ليس هو الذي يضرب على العود ، وإنما بعض أهله وذويه ممَّن قد لا يسمعون له قولًا ، ويرى هو من الحكمة والسياسة أن لا يُطردَ هذا الذي له صلة به من داره من باب السياسة والمداراة ؛ خشيةَ أن يفلت زمام الأمر منه فيما إذا طردَه ، مثل هذه الاحتمالات ترد ؛ فلا يجوز غضُّ النظر عنها والاعتماد على ذلك القول بتجريح هذا الراوي ، فإذًا لا بد من شرطية كون الجرح مبيَّنًا أولًا ، ثم كون هذا الجرح مسلَّم أنه جرح في الراوي ثانيًا ، فإذا اختلف أقوال العلماء في راوي ما ما بين موثِّق ومجرِّح دُرست حجَّة المجرِّح ، فإن استقلت في تجريحه قُدِّمَ تجرحه على توثيق غيره ، وإلا قُدِّم التوثيق على التجريح ، والباحث في هذا المجال في كتب الجرح والتعديل يجد لا شك أقوالًا كثيرة ومتعارضة ، ولا بد له أولًا في الاعتماد على هذه القاعدة مع التفصيل الذي ذكرته آنفًا ، ثم شيء آخر وأخير ؛ وهو أنه لا بد أن يكون له ممارسة قديمة في تطبيق القاعدة وغيرها ؛ لأن التطبيق العملي قد يكشف للباحث أمورًا دقيقة لا يتنبَّه لها لمجرَّد قراءته لعلم المصطلح قراءة نظرية .
هذا جواب السؤال السابق .

Webiste