شرح أحاديث الصيام من " بلوغ المرام " ، قول عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : " من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم " .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : لذلك عقَّب المصنف " ابن حجر " - رحمه الله - الحديث السابق بحديث ثانٍ ؛ وهو قوله : " وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال : " من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم " . ذكره البخاري تعليقًا ووصله الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان " .
" ذكره البخاري تعليقًا " ؛ لعل الكثيرين منكم يعرف النُّكتة من هذا القيد من قوله : ذكره البخاري تعليقًا ، وعادةً يقول : رواه البخاري ، رواه مسلم ، أو متفق عليه كما سمعتم في الحديث الأول ، فهنا نسمعه يقول : ذكره البخاري تعليقًا ، السبب في هذا أنَّ أحاديث الإمام البخاري في " صحيحه " تنقسم إلى قسمين ، والقسم الأول ينقسم إلى قسمين ، القسمان الأوَّلان أحاديث مرفوعة وأحاديث موقوفة ، في " صحيح البخاري " الأحاديث المذكورة فيه قسمان ، أحاديث مرفوعة إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، والقسم الآخر أحاديث موقوفة على الصحابة فمَن دونهم .
القسم الأول الذي هو خاصٌّ بالأحاديث المرفوعة ينقسم إلى قسمين ، أحاديث موصولة وأحاديث معلَّقة .
الأحاديث الموصولة هي التي يسوقها الإمام البخاري بإسناده المتصل منه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا القسم هو الذي يُقصَدُ في كلام العلماء حينما يقولون أن " صحيح البخاري " هو أصحُّ كتاب بعد القرآن الكريم ، أو كما يُعبِّر بعض المدقِّقين في التعبير : أصح ما صُنِّف في الحديث .
المقصود بهذا الكلام ليس هو على إطلاقه ، وإنما يُقصد به هذا القسم الأول وهي الأحاديث الموصولة التي يسوقها المصنِّف البخاري بأسانيده المتَّصلة منه إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - . أما القسم الآخر فهي الأحاديث المعلَّقة ، الأحاديث المعلَّقة في " صحيح البخاري " تنقسم - أيضًا - بخصوصها إلى قسمين ، القسم الأول صحيح والآخر ضعيف .
الأحاديث المعلَّقة التي في " صحيح البخاري " تنقسم إلى قسمين من حيث الصحة صحيح وضعيف ؛ ولذلك لا يصح لنا أن نفهم ذلك الكلام الذي نقرأه في بطون الكتب أن كتاب البخاري أصح ما صُنِّف على إطلاقه ، وإنما يُفهم هذا بالنسبة للقسم الأول وهي الأحاديث التي أسنَدَها البخاري منه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، هذا القسم خاصَّةً هو أصح الأحاديث التي جُمِعَت في كتاب ، أما القسم الثاني وهي الأحاديث المعلقة ففيها الصحيح وفيها الضعيف .
ما الفرق ؟ كيف نستطيع أن نُفرِّق بين القسم الأول والقسم الثاني من أحاديث البخاري ؟ التفريق يكون بالنظر إلى صورة ذكر البخاري للحديث ، فإن كان ذَكَرَه مبتدئًا بقوله : حدثني فلان ، ثم ساق السند منه إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ فهذا معناه أن هذا الحديث من القسم الأول .
وإذا ذَكَرَه بدون إسناد كامل على الأقل كأن يقول - مثلًا - قال رسول الله ، إذًا لم يسُقْ سنده منه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا من القسم الثاني ؛ أي : من قسم الأحاديث المعلقة في " صحيح البخاري " ، أو يقول - مثلًا - : قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهكذا الأمثلة تتعدَّد بنسبة تعدُّد الوسائط بين البخاري وبين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن يأتِيَ أحيانًا فيذكر الحديث معلَّقًا على أحد شيوخه البخاري ، يذكر الحديث معلَّقًا على أحد شيوخه ، هنا يختلط الأمر على مَن لا عناية له بـ " صحيح البخاري " ، فيظن أن هذا الحديث من القسم الأول الموصول لأنه بدأ السند من عند شيخ من شيوخه ، ولكن هنا يجب التنبُّه للدقيقة الآتية ؛ وهي : إذا قال البخاري : قال فلان وهو من شيوخه فهنا اختلف العلماء هل هذا يُلحق بالقسم الأول - أي : الحديث الموصول - أم يُلحق بالقسم الثاني - وهو الحديث المعلَّق - ؟ لأنه إذا قال : حدَّثني فلان ارتفع الاحتمال وزال الإشكال ، أما إذا قال : قال فلان ، فهنا اختلفوا ، وبسبب هذا الاختلاف وقع بعض العلماء المتقدِّمين في وهمٍ ، فضعَّف حديثًا من أحاديث البخاري لأن البخاري لم يقل حينما علَّق الحديث على شيخه : حدثني فلان ، وهذا الشَّيخ بالذات هو هشام بن عمار ، قال في حديث ذمِّ الملاهي : ليكونَنَّ في أمتي أقوامٌ يستحلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف إلى آخر الحديث .
البخاري ساق الحديث بإسناده المتصل منه إلى الرسول - عليه السلام - إلا أنه لمَّا بدأ بالسند من عند شيخه ما قال : حدثني فلان ، وإنما قال : قال فلان ، وهذا التعبير قال هشام صورته صورة التعليق ؛ لأنه كما قلنا آنفًا كيف نعرف الحديث المعلَّق من الحديث المسند ؟ أن يقول : قال رسول الله ما ذكر السند ، أو يقول : قال أبو هريرة ما ذكر السند إليه ، أو يقول : قال سعيد بن المسيب ، أقول : يعني تتعدَّد الصور إلى أن تأتي هذه الصورة الأخيرة ؛ قال هشام بن عمار ، وذكر السند ؛ حدثني فلان عن فلان إلى أبي مالك الأشعري وهو صحابي معروف قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث .
فلما وقف ابن حزم على هذا الحديث في " صحيح البخاري " أعلَّه بأنه معلَّق ، أعلَّه بأنه منقطع بين البخاري وبين هشام بن عمار ، فإذا قيل له : هشام بن عمار هو من شيوخ البخاري ؛ فأين الانقطاع ؟ يقول صحيح هو من شيوخ البخاري ، لكن البخاري عادةً حينما يروي عن هذا الشيخ يصرِّح بالتحديث ، فيقول : حدثني هشام بن عمار ، فلأمر ٍما لم يقل في هذا الحديث خاصَّةً حدثني هشام بن عمار .
هذا الكلام سليم ، لكن العلماء المتأخِّرين قالوا : ليس من الواجب أن يكون سبب قول البخاري قال هشام خلافًا لعادته حدَّثنا هشام ليس السبب هو أنه لم يسمع هذا الحديث من هشام ، وإنما السبب أنه حدَّث بالحديث في مجلس المذاكرة ولم يحدِّث بالحديث في مجلس التحديث ؛ يعني البخاري كشأن أي مدرِّس أو محدِّث ؛ إما أن يكون في مجلس عادي فتأتي مناسبة سؤال أو إلقاء موعظة فيتحدَّث دون أن يتهيَّأ لهذا الدرس ، بينما مجلس التحديث يراجع أصولَه وكتبَه التي عنده استعدادًا لإلقاء الدرس ، فيقولون : فمن الجائز أن البخاري لم يقل هنا حدَّثني هشام بن عمار لأنه لم يكن قد راجع أصوله ، وإنما قال : قال هشام من باب التحفُّظ والاحتياط .
الحديث حول هذا الحديث خاصَّة وإثبات أنه صحيح يطول ، ولا نريد طبعًا أن نخرُج طويلًا عمَّا نحن في صدده ، إنما الغرض أن هذا الحديث بالذات يحشرُه بعض العلماء في قسم الحديث المعلَّق ، لكن ما دام أن الرجل الذي علَّق الحديث عليه هو من شيوخ البخاري فلا يُحشر هذا النوع من الأحاديث المعلَّقة في القسم الثاني ؛ يعني الأحاديث المعلَّقة التي فيها الصحيح وفيها الضعيف ؛ لأن هشامًا معروفٌ أنه من شيوخ البخاري ، وإذا قيل بأن البخاري لم يسمع هذا الحديث كما قال ابن حزم من هشام يلزم منه أمرٌ ، وأريد الآن أن أسأل مَن له اشتغال من إخواننا من باب شحذ الذِّهن ، ما الذي يلزم ؟ إذا قيل : إن البخاري لمّا علَّق هذا الحديث على هشام بن عمار وافتُرِض - كما قال ابن حزم - أنه لم يسمعه منه وهو يقول : قال هشام ؛ فيكون الحديث من أيِّ الأقسام ؟
السائل : يكون ضعيفًا حينئذٍ .
الشيخ : ما ، يكون ضعيفًا بحث ثاني ، من أيِّ الأقسام ؟
سائل آخر : من المعلَّق .
السائل : من المعلَّق ، منقطع منقطع ؛ يعني فيه انقطاع .
الشيخ : تفضل .
سائل آخر : يكون اتَّهمنا البخاري بالتدليس .
الشيخ : أيوا ؛ هذا الجواب الصحيح .
سائل آخر : يكون البخاري مدلِّس .
الشيخ : هذا الجواب الصحيح ؛ لأن التدليس هو أن يرويَ الراوي عمَّن لَقِيَه ما لم يسمع منه ، والبخاري لقيَ هشامًا وحدَّث عنه مباشرةً أحاديث كثيرة كما ذكرنا ، فإذا افترضنا أن البخاري هذا الحديث بالذات لم يسمَعْه من هشام ، ولذلك - كما يقول ابن حزم - قال : قال هشام ، معنى ذلك أن البخاري مدلِّس ، ولم يُعرف الإمام البخاري بالتدليس ؛ فلا يجوز أن يُنسبَ إليه التدليس ؛ ولذلك قلنا آنفًا : إن العلماء ذكروا السبب الآخر ؛ وهو أنه لم يكن قد راجع الحديث ليتثبَّت من أنه سمعه منه ، أما أن يتعمَّد الرواية عن شيخ له لحديث لم يسمعه منه فهذا معناه أنه مدلِّس وهو ليس معروفًا بالتدليس .
هذا كلام حول الأحاديث المعلقة في " صحيح البخاري " ، فالأحاديث المعلقة قسمان ، صحيح وضعيف ، وهذا لا يمكن معرفته إلا في الغالب الأغلب إلا بالنظر لأسانيد هذه الأحاديث المعلقة خارج " الصحيح " .
سائل آخر : ... بنظر .
الشيخ : نظر مين ؟
سائل آخر : بنظر البخاري .
الشيخ : لذلك روى عنه في الصحيح بالتحديث ، روى أحاديث كثيرة من طريق هشام فهو عنده ثقة ، إذا عرفنا هذا الكلام حول الأحاديث المعلقة وأنَّ فيها الصحيح والضعيف تبيَّن لنا الغرض من قول المصنِّف هنا في حديث : " مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم " ، قال ذكره البخاري تعليقًا ، لماذا ذكر هذا ؟ لأنه لو قال : رواه البخاري لَكان مدلِّسًا ، لو قال المصنف : رواه البخاري لَكان مدلِّسًا ، من أين يأتي التدليس ؟ من إيهام القارئ أنُّو هذا حديث من أصح الأحاديث ؛ لأن أحاديث البخاري - كما قلنا - هي أصح الأحاديث ، لكن العلماء يذكرون أنُّو في قسم ثاني ليس من أصح الأحاديث وهي الأحاديث المعلقة ، فلِيكونَ القارئ على بصيرة وعلى علم بالنوع الذي هذا الحديث عند البخاري قال : ذكره البخاري تعليقًا .
ومعنى هذا أنَّ القارئ لهذا التخريج الدَّقيق يجب أن يكون على تنبُّه أنُّو هذا الحديث لعل فيه شيئًا ، لعله من القسم الثاني ، من القسم الثاني ؛ القسم الثاني من أحاديث البخاري الأحاديث المعلقة ، والأحاديث المعلقة تنقسم إلى قسمين ، أحاديث صحيحة وأحاديث ضعيفة .
لعل هذا من القسم الثاني من الأحاديث الضعيفة ؛ فعليك أن تتنبَّه وأن تتحقَّق من هذا الحديث ؛ هل هو من الأحاديث المعلقة الصحيحة أم الضعيفة ؟
وكجواب لمثل هذا السؤال أتبَعَ التخريج في السابق وهو قوله : ذكره البخاري تعليقًا بقوله ، ووَصَلَه الخمسة وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان ؛ وما دام أن المصنِّف نقل هذا التَّصحيح عن هذَين الإمامَين فهو يُشعر بأن هذا الحديث المعلَّق في " صحيح البخاري " من القسم الأول الصحيح يعني ، التعليق قسمين صحيح وضعيف ، فإذًا لمَّا قالوا : صححه ابن خزيمة وابن حبان أشعَرَ بذلك أن هذا الحديث المعلق في " صحيح البخاري " من القسم الصحيح اللي هو الأول من قسمي التعليق .
لكن هذا الإتْباع لهذا التَّخريج " وصححه ابن خزيمة وابن حبان " يجب - أيضًا - أن يُؤخذ بشيء من الحذر ؛ ذلك لأن المذكورَين ابن خزيمة وابن حبان من المعروفين بالتساهل في التصحيح عند علماء الحديث ؛ لأنهما يُصحِّحان لبعض المجهولين في رواية الحديث ، وابن حبان في هذا المجال أوسع خِطْوًا من شيخه ابن خزيمة ، ابن حبان يُصحِّح أحاديث المجهولين أكثر بكثير من شيخه ابن خزيمة ، ويظهر هذا الفرق بصورة بيِّنة لِمَن قرأ كتاب " صحيح ابن خزيمة " الذي طُبِع منه المجلد الأول والثاني وقرأ " صحيح ابن حبان " ولو بواسطة " موارد الظَّمآن في زوائد صحيح ابن حبان " يجد الفرق واضحًا بين الكتابَين والمؤلِّفَين لهما .
ذلك أنَّ ابن خزيمة نجده في كتابه " الصحيح " في كثير من الأحيان يورد الحديث ويُتبعه أو يُقدِّم بين يديه قوله : إن صح ، في " الصحيح " يورد الحديث ويصفه بقوله : " إن صح فإنَّ فلانًا لا أعرفه بجرحٍ ولا توثيق " ، يورده في الصحيح ، وليس الشاهد أنه يورده صحيح ، الشاهد الآن أنَّه يُعِلُّ الحديث بالجهالة ، بينما لا تجد مثل هذا في " صحيح ابن حبان " ؛ لا يُعِلُّ حديثًا مطلقًا بالجهالة ، وهذا من بالغ تساهله في تصحيح أحاديث المجهولين بخلاف ابن خزيمة ؛ فهو ليس واسع الخطْو في تصحيح أحاديث المجهولين ، لكن نجد له مثل هذا التصحيح ؛ إذ الأمر كذلك فلا بد من الاحتياط في الاحتجاج بالأحاديث التي تُعزى لـ " صحيح ابن خزيمة " وبالأخص لـ " صحيح ابن حبان " لتساهلهما في التصحيح كما ذكرنا .
ولكن إذا كان الناقل للتصحيح تصحيح ابن خزيمة وابن حبان مثل الحافظ بن حجر فحينئذٍ النفس تطمئنُّ لنقله لأنه من الأئمة الحفَّاظ ، ومن أكبر مَن عرفنا في المتأخِّرين من العلماء العارفين بعلم الجرح والتعديل والإحاطة بطرق الحديث والمعرفة بعِلَلِه ، فبهذه المجموعة تطمئنُّ النفس لكون هذا الحديث المعلق في " صحيح البخاري " هو حديث صحيح ؛ لأن ابن حجر بعدما عزاه للخمسة أتبَعَه بقوله بأنه صححه ابن خزيمة وابن حبان وأقرَّهما على ذلك ، فالإقرار من ابن حجر بذلك تطمئنُّ النفس لكون الحديث صحيحًا .
ولكن لا يلزم من هذا أن التصحيح يكون عند ابن حجر لذاته ، قد يكون صحيحًا عنده لغيره ، وهذا الذي ثبت عندي أن هذا الحديث إن لم تخنِّي ذاكرتي في إسناده شيء من الجهالة ، ولكن له طريق أخرى تقوَّى الحديث بها فصار صحيحًا لغيره وليس لذاته .
بقيَ بعد هذا أن نفهم هذا الاصطلاح يقول : " رواه الخمسة " ، الخمسة تارةً يُراد بهم أصحاب السنن الأربعة زائد الإمام أحمد هو الخامس ، وهذا اصطلاحه هنا ، في هذا الكتاب المقصود بالخمسة أصحاب السنن الأربعة أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ، الخامس أحمد في " مسنده " ، تارةً يُراد بالخمسة مسلم وأصحاب السنن الأربعة ، وهذا استعمال خاصٌّ بـ " المنتقى " لابن تيمية جدِّ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
إذًا معنى هذا التخريج أن هذا الحديث ذكره البخاري في " صحيحه " بدون إسناد تعليقًا ، وذكره أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد بإسناده المتَّصل إلى عمار بن ياسر ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
ثم هذا الحديث - من ناحية المتن الآن - موقوف ؛ لأنه يقول قال عمار ابن ياسر : " من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه " ، ما قال : قال رسول الله ، فهذا ظاهره الوقف ؛ " من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم " ؛ فهل هذا الحديث في حكم المرفوع أم في حكم الموقوف ؟
الآن ننتظر جواب من أهل الفقه والعلم ، فمن كان عنده علم أو عنده جواب سواء أصاب أو أخطأ المقصود مداولة العلم ، مَن كان عنده علم أو جواب يرفع أصبعه ؟
تفضل .
السائل : موقوف .
الشيخ : ليه ؟
سائل آخر : لأنه ... يعني .
الشيخ : فليس سؤالي - انتبهوا - لم يكن سؤالي هل هو موقوف أو مرفوع ؟ هل هو في حكم المرفوع ، في حكم المرفوع أم الموقوف ؟ هو موقوف واضح .
سائل آخر : نعم .
الشيخ : لأننا قلنا أن الحديث جاء عن عمار بن ياسر قال ، وما جاء عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله ، فهذا الحديث موقوف ؟ موقوف ؛ لكن السؤال هل هو في حكم المرفوع أم لا ؟
الذي عنده جواب يرفع أصبعه مجدَّدًا .
تفضل .
سائل آخر : موقوف لأنه ليس - كما يقال - يُقال بالرأي ؛ لأنه ليس من الأمور الغيبية ؛ لأن الأمور الغيبية يُقال فيها له حكم المرفوع ولا يقال بالرأي ، فهذا ليس من الأمور الغيبية .
الشيخ : طيب ، عندك شيء ولَّا هذا هو ؟
سائل آخر : الجواب أنه مرفوع ، مرفوع لأن ... لا يُقال بالرأي .
سائل آخر : بالعكس هو .
الشيخ : يعني عكس هو مثله .
سائل آخر : نعم ... لأنه لا يُقال بالرأي .
الشيخ : ليش لا يُقال بالرأي ؟ إيه وضّح وضِّح ليش ؟ ليش لا يُقال بالرأي ؟ هلق .
سائل آخر : ... .
الشيخ : أنت ما رفعت أصبعك يا أستاذ ... .
سائل آخر : رفعت .
الشيخ : نعم ؟
السائل : رفعت .
الشيخ : طيب ؛ بس ما أُذِنَ لك بالكلام ، الآن الكلام مع الأخ هنا .
السائل : ابنه ابنه .
الشيخ : ليه . نعم ؟
السائل : مع ابنه .
الشيخ : ابنه ، أهلا وسهلا ، نريد بيان لماذا هذا الحديث في حكم المرفوع ؟
السائل : هو لأنه لا يقال بالرأي .
الشيخ : يعني لأنه قال : " فقد عصى أبا القاسم " ؟
السائل : إي .
الشيخ : طيب ، مدَّه بمددك يا أستاذ ما دام هذا ولده ؟
سائل آخر : يعني القضية فيها قضية عصيان ؛ لأنه الرسول وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، هذا شيء لا يجرؤ أن يقوله عمار من نفسه وفيه ... .
سائل آخر : السلام عليكم .
الحاضرون : وعليكم السلام ورحمة الله .
السائل : هذا يُعتبر حكم المرفوع .
الشيخ : طيب ؛ شو الدليل على أنُّو هذا في حكم المرفوع غير ما ذكرته ؟
سائل آخر : لأنه تعبُّدي أمر تعبُّدي هذا ، والتعبُّد يتوقَّف على ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما جاء عن الله - عز وجل - لا يُقال ... .
الشيخ : طيب ؛ حول هذا الجواب في أحد عنده بيان حول هذا ؟ قد يكون ناس آخرون عندهم جواب غير ما سبق ، فقد يكون ناس آخرون - أيضًا - يوافقون المُجيبَين هنا ، لكن نريد تعليل إضافي إذا ما في ما في ، نسمع أجوبة الآخرين ، شو ؟
سائل آخر : الحديث موقوف .
الشيخ : حول هذا الجواب ولَّا لا ؟
سائل آخر : رد جوابه يعني ؟
الشيخ : لا ، مو رد ؛ تعليل .
سائل آخر : تعليل .
الشيخ : نعم .
سائل آخر : قال : الأمر التعبُّدي لا يُقال بالرأي ، وقد ثبت عن الصحابة كثير من الآراء في الأمور التعبُّدية التي تخالف الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ فبناءً على قوله يجب أن كل أمر كل رأي جاء عن صحابي في أمر تعبُّدي أن نرفعه ، والحُّق خلاف ذلك .
الشيخ : سمعت يا أستاذ ... ؟
سائل آخر : ... فقد عصى .
الشيخ : إي ، بس هو الأخ يُشير إلى أنُّو في أحكام هناك يُقال إنها حرام ، ويقال إنها يجب وهي أمور اجتهادية ، والصحابة اختلفوا في ذلك ؛ ولذلك هذا الواقع يدفع الاحتجاج الذي لجأت إليه .
طيب ؛ تفضل .
سائل آخر : أقول لأنه في حكم المرفوع ، وذلك إشارة من عمار " فقد عصى أبا القاسم " ، وكأنه يُشعر أنه فهم هذا الحكم من الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
الشيخ : طيب ؛ غير هذا ؟
سائل آخر : نعم .
الشيخ : تفضل .
سائل آخر : الحديث موقوفٌ وليس بحكم المرفوع ، والسبب أنني لو كنت مكانه لَفهمت هذا الأمر من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ، وكلُّ بدعةٍ ضلالة ، إلى آخره ؛ فإذًا ابن عمر فهم أن الزيادة .
سائل آخر : عمار .
سائل آخر : عفوًا عمار فهم عصيان أبا القاسم بهذا الفعل من الأحاديث العامة في الابتداع .
الشيخ : طيب ؛ في عندك شيء ؟
سائل آخر : أنا عندي أن أقول : هذا الحديث له حكم المرفوع إلى النبي .
الشيخ : ليه ؟
سائل آخر : لأنُّو عمار بهذه الكلمة فقط " فقد عصى أبا القاسم " كأن سمع يعني كلنا نجزم أنه سمع الرسول يقول ذلك ، ولكن ... .
الشيخ : طيب ؛ بدنا دليل ؟
سائل آخر : الدليل قوله : " عصى أبا القاسم " .
الشيخ : أنت .
سائل آخر : كأنه يشير إلى الحديث الآخر الذي سبق وتحدَّثت عنه أنُّو نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن التقدُّم بين يدي رمضان بيومٍ صيام .
الشيخ : في آخرون عندهم غير هذا ؟ سواء أصابوا أو أخطؤوا ؛ المهم التباحث والتفاهم .
نعم .
سائل آخر : أنا أقول : هذا له حكم المرفوع .
الشيخ : له حكم المرفوع .
سائل آخر : لأن يعني هذا لا يُقال من قبيل الرأي ، بعدين في قضية حلال وحرام ، كذلك في حديث يعني أبي هريرة لمَّا الرجل يعني خرج من المسجد وأذَّن فقال : " أما هذا فقد عصى أبا القاسم " .
الشيخ : نعم .
سائل آخر : فهذا حكم المرفوع يعني .
الشيخ : إي ، لكن جئت بجواب رُدَّ عليه من هنا .
سائل آخر : هذه قضية حلال وحرام يعني ... الحلال والحرام لا يُقال يعني إلا عن الله .
الشيخ : ... اختلفوا في كثير من الأمور ؛ هذا يقول : حلال ، وهذا يقول : حرام ، وهذا يقول : يجب ، وهذا يقول : لا يجب ، في أمور كثيرة اختلفوا فيها .
سائل آخر : نعم .
الشيخ : فممكن يكون الاختلاف سببه الاجتهاد ، فلا يكون التحكيم تحريم صحابي لأمر معناه أنه في حكم المرفوع ولا تحليله لأمر أنه في حكم المرفوع ؛ لأن هذا من موارد الاجتهاد ، والجواب ما سمعتم من الأستاذ علي ؛ وذلك ما أشرنا إليه لمَّا تكلمنا على حديث : لا تقدِّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ، فقلنا : إن هذا الحديث يشمل صوم يوم الشك ؛ لأنه هو اليوم الذي بين يدي رمضان ، فهذا الحديث يدخل فيه صوم يوم الشك ، فلما صرَّح عمار بن ياسر في الحديث ... بأنَّ من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ؛ فجزمُه بأنه عصى أبا القاسم إنما عمدته الحديث الأول ؛ لأنه يقول : لا تقدَّموا ، فمن تقدَّم فقد عصى ، فمن هنا يُقال الحديث له حكم المرفوع لهذا الحديث ، ولولا هذا الحديث لَكان يُقال هذا رأي واجتهاد منه ، وليس معنى تصريح المجتهد بأنُّو مَن فعل كذا فقد عصى الله ورسوله أن ذلك تلقَّاه عن الله ورسوله مباشرةً ، لأننا نعلم جميعًا أن الأئمة كانوا يحرِّمون أمورًا من باب القياس ، وأن هذا القياس تارةً يكون جليًّا للناس جميعًا وتارةً يكون خفيًّا على بعض الناس على الأقل ، ثم هو بالأخير تارةً يصيب وتارةً يخطئ ، لكن هو غير مَلوم لمَّا بيحرِّم أو بيمنع شيء من طريق إيش ؟ الاجتهاد .
لكن بعض العلماء لهم أدب في ذلك ، مثلًا الإمام أحمد المعروف عنه أنَّه نادرًا ما يُصرِّح بتحريم شيء إلا أن يكون منصوصًا عليه ، كذلك مالك ، وإنما يعبِّرون عن ذلك بقولهم : " أكره " ، " أكره " " يُكره " لا يزيدون على ذلك ، وهذا في الواقع من جملة ديانتهم ومن جملتهم دقَّتهم في التعبير عن الأحكام الشرعية خشيةَ أن يُدانوا لماذا حرَّموا وليس هناك نص بالتحريم ؟
خلاصة القول : هذا الحديث له حكم المرفوع بدليل الحديث الذي قبله ؛ ولذلك قلنا إن المصنف أتبَعَ الحديث الأول بالحديث الثاني ليدخل الثاني الذي هو خاص أو أخصُّ في الحديث الأول الذي هو أعمُّ .
الخلاصة : يتبيَّن لنا من الحديثين المذكورَين أن صوم يوم الشك لا يجوز صيامه ، وهذه مسألة فيها خلاف منذ القديم ، وهذا الخلاف يجب أن لا يُعتدَّ به ما دام أن هذا الحديث الأول ينهى صراحةً أن يتقدَّم المسلم رمضان بصوم يومٍ أو يومين نهيًا عامًّا ، فيدخل فيه صيام يوم السبت وقد صرَّح بذلك عمار بن ياسر - رضي الله عنه - ؛ لذلك لا ينبغي أن يُشوَّش ذهننا بهذا الخلاف الطويل المديد الذي نجده هنا في الشرح وفي غير هذا الشرح من الخلاف الكثير بين العلماء في جواز صوم يوم الشك أو عدم جوازه ؛ ما دام أن الرسول - عليه السلام - نهى عنه التقدُّم بين يدي رمضان ، ولا يشك ذي عقل ولبٍّ أنَّ من صام يوم الشك فقد تقدَّم بيومٍ بين يدي رمضان ، وهذا مما يشمله النهي المذكور آنفًا .
" ذكره البخاري تعليقًا " ؛ لعل الكثيرين منكم يعرف النُّكتة من هذا القيد من قوله : ذكره البخاري تعليقًا ، وعادةً يقول : رواه البخاري ، رواه مسلم ، أو متفق عليه كما سمعتم في الحديث الأول ، فهنا نسمعه يقول : ذكره البخاري تعليقًا ، السبب في هذا أنَّ أحاديث الإمام البخاري في " صحيحه " تنقسم إلى قسمين ، والقسم الأول ينقسم إلى قسمين ، القسمان الأوَّلان أحاديث مرفوعة وأحاديث موقوفة ، في " صحيح البخاري " الأحاديث المذكورة فيه قسمان ، أحاديث مرفوعة إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، والقسم الآخر أحاديث موقوفة على الصحابة فمَن دونهم .
القسم الأول الذي هو خاصٌّ بالأحاديث المرفوعة ينقسم إلى قسمين ، أحاديث موصولة وأحاديث معلَّقة .
الأحاديث الموصولة هي التي يسوقها الإمام البخاري بإسناده المتصل منه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا القسم هو الذي يُقصَدُ في كلام العلماء حينما يقولون أن " صحيح البخاري " هو أصحُّ كتاب بعد القرآن الكريم ، أو كما يُعبِّر بعض المدقِّقين في التعبير : أصح ما صُنِّف في الحديث .
المقصود بهذا الكلام ليس هو على إطلاقه ، وإنما يُقصد به هذا القسم الأول وهي الأحاديث الموصولة التي يسوقها المصنِّف البخاري بأسانيده المتَّصلة منه إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - . أما القسم الآخر فهي الأحاديث المعلَّقة ، الأحاديث المعلَّقة في " صحيح البخاري " تنقسم - أيضًا - بخصوصها إلى قسمين ، القسم الأول صحيح والآخر ضعيف .
الأحاديث المعلَّقة التي في " صحيح البخاري " تنقسم إلى قسمين من حيث الصحة صحيح وضعيف ؛ ولذلك لا يصح لنا أن نفهم ذلك الكلام الذي نقرأه في بطون الكتب أن كتاب البخاري أصح ما صُنِّف على إطلاقه ، وإنما يُفهم هذا بالنسبة للقسم الأول وهي الأحاديث التي أسنَدَها البخاري منه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، هذا القسم خاصَّةً هو أصح الأحاديث التي جُمِعَت في كتاب ، أما القسم الثاني وهي الأحاديث المعلقة ففيها الصحيح وفيها الضعيف .
ما الفرق ؟ كيف نستطيع أن نُفرِّق بين القسم الأول والقسم الثاني من أحاديث البخاري ؟ التفريق يكون بالنظر إلى صورة ذكر البخاري للحديث ، فإن كان ذَكَرَه مبتدئًا بقوله : حدثني فلان ، ثم ساق السند منه إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ فهذا معناه أن هذا الحديث من القسم الأول .
وإذا ذَكَرَه بدون إسناد كامل على الأقل كأن يقول - مثلًا - قال رسول الله ، إذًا لم يسُقْ سنده منه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا من القسم الثاني ؛ أي : من قسم الأحاديث المعلقة في " صحيح البخاري " ، أو يقول - مثلًا - : قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهكذا الأمثلة تتعدَّد بنسبة تعدُّد الوسائط بين البخاري وبين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن يأتِيَ أحيانًا فيذكر الحديث معلَّقًا على أحد شيوخه البخاري ، يذكر الحديث معلَّقًا على أحد شيوخه ، هنا يختلط الأمر على مَن لا عناية له بـ " صحيح البخاري " ، فيظن أن هذا الحديث من القسم الأول الموصول لأنه بدأ السند من عند شيخ من شيوخه ، ولكن هنا يجب التنبُّه للدقيقة الآتية ؛ وهي : إذا قال البخاري : قال فلان وهو من شيوخه فهنا اختلف العلماء هل هذا يُلحق بالقسم الأول - أي : الحديث الموصول - أم يُلحق بالقسم الثاني - وهو الحديث المعلَّق - ؟ لأنه إذا قال : حدَّثني فلان ارتفع الاحتمال وزال الإشكال ، أما إذا قال : قال فلان ، فهنا اختلفوا ، وبسبب هذا الاختلاف وقع بعض العلماء المتقدِّمين في وهمٍ ، فضعَّف حديثًا من أحاديث البخاري لأن البخاري لم يقل حينما علَّق الحديث على شيخه : حدثني فلان ، وهذا الشَّيخ بالذات هو هشام بن عمار ، قال في حديث ذمِّ الملاهي : ليكونَنَّ في أمتي أقوامٌ يستحلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف إلى آخر الحديث .
البخاري ساق الحديث بإسناده المتصل منه إلى الرسول - عليه السلام - إلا أنه لمَّا بدأ بالسند من عند شيخه ما قال : حدثني فلان ، وإنما قال : قال فلان ، وهذا التعبير قال هشام صورته صورة التعليق ؛ لأنه كما قلنا آنفًا كيف نعرف الحديث المعلَّق من الحديث المسند ؟ أن يقول : قال رسول الله ما ذكر السند ، أو يقول : قال أبو هريرة ما ذكر السند إليه ، أو يقول : قال سعيد بن المسيب ، أقول : يعني تتعدَّد الصور إلى أن تأتي هذه الصورة الأخيرة ؛ قال هشام بن عمار ، وذكر السند ؛ حدثني فلان عن فلان إلى أبي مالك الأشعري وهو صحابي معروف قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث .
فلما وقف ابن حزم على هذا الحديث في " صحيح البخاري " أعلَّه بأنه معلَّق ، أعلَّه بأنه منقطع بين البخاري وبين هشام بن عمار ، فإذا قيل له : هشام بن عمار هو من شيوخ البخاري ؛ فأين الانقطاع ؟ يقول صحيح هو من شيوخ البخاري ، لكن البخاري عادةً حينما يروي عن هذا الشيخ يصرِّح بالتحديث ، فيقول : حدثني هشام بن عمار ، فلأمر ٍما لم يقل في هذا الحديث خاصَّةً حدثني هشام بن عمار .
هذا الكلام سليم ، لكن العلماء المتأخِّرين قالوا : ليس من الواجب أن يكون سبب قول البخاري قال هشام خلافًا لعادته حدَّثنا هشام ليس السبب هو أنه لم يسمع هذا الحديث من هشام ، وإنما السبب أنه حدَّث بالحديث في مجلس المذاكرة ولم يحدِّث بالحديث في مجلس التحديث ؛ يعني البخاري كشأن أي مدرِّس أو محدِّث ؛ إما أن يكون في مجلس عادي فتأتي مناسبة سؤال أو إلقاء موعظة فيتحدَّث دون أن يتهيَّأ لهذا الدرس ، بينما مجلس التحديث يراجع أصولَه وكتبَه التي عنده استعدادًا لإلقاء الدرس ، فيقولون : فمن الجائز أن البخاري لم يقل هنا حدَّثني هشام بن عمار لأنه لم يكن قد راجع أصوله ، وإنما قال : قال هشام من باب التحفُّظ والاحتياط .
الحديث حول هذا الحديث خاصَّة وإثبات أنه صحيح يطول ، ولا نريد طبعًا أن نخرُج طويلًا عمَّا نحن في صدده ، إنما الغرض أن هذا الحديث بالذات يحشرُه بعض العلماء في قسم الحديث المعلَّق ، لكن ما دام أن الرجل الذي علَّق الحديث عليه هو من شيوخ البخاري فلا يُحشر هذا النوع من الأحاديث المعلَّقة في القسم الثاني ؛ يعني الأحاديث المعلَّقة التي فيها الصحيح وفيها الضعيف ؛ لأن هشامًا معروفٌ أنه من شيوخ البخاري ، وإذا قيل بأن البخاري لم يسمع هذا الحديث كما قال ابن حزم من هشام يلزم منه أمرٌ ، وأريد الآن أن أسأل مَن له اشتغال من إخواننا من باب شحذ الذِّهن ، ما الذي يلزم ؟ إذا قيل : إن البخاري لمّا علَّق هذا الحديث على هشام بن عمار وافتُرِض - كما قال ابن حزم - أنه لم يسمعه منه وهو يقول : قال هشام ؛ فيكون الحديث من أيِّ الأقسام ؟
السائل : يكون ضعيفًا حينئذٍ .
الشيخ : ما ، يكون ضعيفًا بحث ثاني ، من أيِّ الأقسام ؟
سائل آخر : من المعلَّق .
السائل : من المعلَّق ، منقطع منقطع ؛ يعني فيه انقطاع .
الشيخ : تفضل .
سائل آخر : يكون اتَّهمنا البخاري بالتدليس .
الشيخ : أيوا ؛ هذا الجواب الصحيح .
سائل آخر : يكون البخاري مدلِّس .
الشيخ : هذا الجواب الصحيح ؛ لأن التدليس هو أن يرويَ الراوي عمَّن لَقِيَه ما لم يسمع منه ، والبخاري لقيَ هشامًا وحدَّث عنه مباشرةً أحاديث كثيرة كما ذكرنا ، فإذا افترضنا أن البخاري هذا الحديث بالذات لم يسمَعْه من هشام ، ولذلك - كما يقول ابن حزم - قال : قال هشام ، معنى ذلك أن البخاري مدلِّس ، ولم يُعرف الإمام البخاري بالتدليس ؛ فلا يجوز أن يُنسبَ إليه التدليس ؛ ولذلك قلنا آنفًا : إن العلماء ذكروا السبب الآخر ؛ وهو أنه لم يكن قد راجع الحديث ليتثبَّت من أنه سمعه منه ، أما أن يتعمَّد الرواية عن شيخ له لحديث لم يسمعه منه فهذا معناه أنه مدلِّس وهو ليس معروفًا بالتدليس .
هذا كلام حول الأحاديث المعلقة في " صحيح البخاري " ، فالأحاديث المعلقة قسمان ، صحيح وضعيف ، وهذا لا يمكن معرفته إلا في الغالب الأغلب إلا بالنظر لأسانيد هذه الأحاديث المعلقة خارج " الصحيح " .
سائل آخر : ... بنظر .
الشيخ : نظر مين ؟
سائل آخر : بنظر البخاري .
الشيخ : لذلك روى عنه في الصحيح بالتحديث ، روى أحاديث كثيرة من طريق هشام فهو عنده ثقة ، إذا عرفنا هذا الكلام حول الأحاديث المعلقة وأنَّ فيها الصحيح والضعيف تبيَّن لنا الغرض من قول المصنِّف هنا في حديث : " مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم " ، قال ذكره البخاري تعليقًا ، لماذا ذكر هذا ؟ لأنه لو قال : رواه البخاري لَكان مدلِّسًا ، لو قال المصنف : رواه البخاري لَكان مدلِّسًا ، من أين يأتي التدليس ؟ من إيهام القارئ أنُّو هذا حديث من أصح الأحاديث ؛ لأن أحاديث البخاري - كما قلنا - هي أصح الأحاديث ، لكن العلماء يذكرون أنُّو في قسم ثاني ليس من أصح الأحاديث وهي الأحاديث المعلقة ، فلِيكونَ القارئ على بصيرة وعلى علم بالنوع الذي هذا الحديث عند البخاري قال : ذكره البخاري تعليقًا .
ومعنى هذا أنَّ القارئ لهذا التخريج الدَّقيق يجب أن يكون على تنبُّه أنُّو هذا الحديث لعل فيه شيئًا ، لعله من القسم الثاني ، من القسم الثاني ؛ القسم الثاني من أحاديث البخاري الأحاديث المعلقة ، والأحاديث المعلقة تنقسم إلى قسمين ، أحاديث صحيحة وأحاديث ضعيفة .
لعل هذا من القسم الثاني من الأحاديث الضعيفة ؛ فعليك أن تتنبَّه وأن تتحقَّق من هذا الحديث ؛ هل هو من الأحاديث المعلقة الصحيحة أم الضعيفة ؟
وكجواب لمثل هذا السؤال أتبَعَ التخريج في السابق وهو قوله : ذكره البخاري تعليقًا بقوله ، ووَصَلَه الخمسة وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان ؛ وما دام أن المصنِّف نقل هذا التَّصحيح عن هذَين الإمامَين فهو يُشعر بأن هذا الحديث المعلَّق في " صحيح البخاري " من القسم الأول الصحيح يعني ، التعليق قسمين صحيح وضعيف ، فإذًا لمَّا قالوا : صححه ابن خزيمة وابن حبان أشعَرَ بذلك أن هذا الحديث المعلق في " صحيح البخاري " من القسم الصحيح اللي هو الأول من قسمي التعليق .
لكن هذا الإتْباع لهذا التَّخريج " وصححه ابن خزيمة وابن حبان " يجب - أيضًا - أن يُؤخذ بشيء من الحذر ؛ ذلك لأن المذكورَين ابن خزيمة وابن حبان من المعروفين بالتساهل في التصحيح عند علماء الحديث ؛ لأنهما يُصحِّحان لبعض المجهولين في رواية الحديث ، وابن حبان في هذا المجال أوسع خِطْوًا من شيخه ابن خزيمة ، ابن حبان يُصحِّح أحاديث المجهولين أكثر بكثير من شيخه ابن خزيمة ، ويظهر هذا الفرق بصورة بيِّنة لِمَن قرأ كتاب " صحيح ابن خزيمة " الذي طُبِع منه المجلد الأول والثاني وقرأ " صحيح ابن حبان " ولو بواسطة " موارد الظَّمآن في زوائد صحيح ابن حبان " يجد الفرق واضحًا بين الكتابَين والمؤلِّفَين لهما .
ذلك أنَّ ابن خزيمة نجده في كتابه " الصحيح " في كثير من الأحيان يورد الحديث ويُتبعه أو يُقدِّم بين يديه قوله : إن صح ، في " الصحيح " يورد الحديث ويصفه بقوله : " إن صح فإنَّ فلانًا لا أعرفه بجرحٍ ولا توثيق " ، يورده في الصحيح ، وليس الشاهد أنه يورده صحيح ، الشاهد الآن أنَّه يُعِلُّ الحديث بالجهالة ، بينما لا تجد مثل هذا في " صحيح ابن حبان " ؛ لا يُعِلُّ حديثًا مطلقًا بالجهالة ، وهذا من بالغ تساهله في تصحيح أحاديث المجهولين بخلاف ابن خزيمة ؛ فهو ليس واسع الخطْو في تصحيح أحاديث المجهولين ، لكن نجد له مثل هذا التصحيح ؛ إذ الأمر كذلك فلا بد من الاحتياط في الاحتجاج بالأحاديث التي تُعزى لـ " صحيح ابن خزيمة " وبالأخص لـ " صحيح ابن حبان " لتساهلهما في التصحيح كما ذكرنا .
ولكن إذا كان الناقل للتصحيح تصحيح ابن خزيمة وابن حبان مثل الحافظ بن حجر فحينئذٍ النفس تطمئنُّ لنقله لأنه من الأئمة الحفَّاظ ، ومن أكبر مَن عرفنا في المتأخِّرين من العلماء العارفين بعلم الجرح والتعديل والإحاطة بطرق الحديث والمعرفة بعِلَلِه ، فبهذه المجموعة تطمئنُّ النفس لكون هذا الحديث المعلق في " صحيح البخاري " هو حديث صحيح ؛ لأن ابن حجر بعدما عزاه للخمسة أتبَعَه بقوله بأنه صححه ابن خزيمة وابن حبان وأقرَّهما على ذلك ، فالإقرار من ابن حجر بذلك تطمئنُّ النفس لكون الحديث صحيحًا .
ولكن لا يلزم من هذا أن التصحيح يكون عند ابن حجر لذاته ، قد يكون صحيحًا عنده لغيره ، وهذا الذي ثبت عندي أن هذا الحديث إن لم تخنِّي ذاكرتي في إسناده شيء من الجهالة ، ولكن له طريق أخرى تقوَّى الحديث بها فصار صحيحًا لغيره وليس لذاته .
بقيَ بعد هذا أن نفهم هذا الاصطلاح يقول : " رواه الخمسة " ، الخمسة تارةً يُراد بهم أصحاب السنن الأربعة زائد الإمام أحمد هو الخامس ، وهذا اصطلاحه هنا ، في هذا الكتاب المقصود بالخمسة أصحاب السنن الأربعة أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ، الخامس أحمد في " مسنده " ، تارةً يُراد بالخمسة مسلم وأصحاب السنن الأربعة ، وهذا استعمال خاصٌّ بـ " المنتقى " لابن تيمية جدِّ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
إذًا معنى هذا التخريج أن هذا الحديث ذكره البخاري في " صحيحه " بدون إسناد تعليقًا ، وذكره أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد بإسناده المتَّصل إلى عمار بن ياسر ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
ثم هذا الحديث - من ناحية المتن الآن - موقوف ؛ لأنه يقول قال عمار ابن ياسر : " من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه " ، ما قال : قال رسول الله ، فهذا ظاهره الوقف ؛ " من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم " ؛ فهل هذا الحديث في حكم المرفوع أم في حكم الموقوف ؟
الآن ننتظر جواب من أهل الفقه والعلم ، فمن كان عنده علم أو عنده جواب سواء أصاب أو أخطأ المقصود مداولة العلم ، مَن كان عنده علم أو جواب يرفع أصبعه ؟
تفضل .
السائل : موقوف .
الشيخ : ليه ؟
سائل آخر : لأنه ... يعني .
الشيخ : فليس سؤالي - انتبهوا - لم يكن سؤالي هل هو موقوف أو مرفوع ؟ هل هو في حكم المرفوع ، في حكم المرفوع أم الموقوف ؟ هو موقوف واضح .
سائل آخر : نعم .
الشيخ : لأننا قلنا أن الحديث جاء عن عمار بن ياسر قال ، وما جاء عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله ، فهذا الحديث موقوف ؟ موقوف ؛ لكن السؤال هل هو في حكم المرفوع أم لا ؟
الذي عنده جواب يرفع أصبعه مجدَّدًا .
تفضل .
سائل آخر : موقوف لأنه ليس - كما يقال - يُقال بالرأي ؛ لأنه ليس من الأمور الغيبية ؛ لأن الأمور الغيبية يُقال فيها له حكم المرفوع ولا يقال بالرأي ، فهذا ليس من الأمور الغيبية .
الشيخ : طيب ، عندك شيء ولَّا هذا هو ؟
سائل آخر : الجواب أنه مرفوع ، مرفوع لأن ... لا يُقال بالرأي .
سائل آخر : بالعكس هو .
الشيخ : يعني عكس هو مثله .
سائل آخر : نعم ... لأنه لا يُقال بالرأي .
الشيخ : ليش لا يُقال بالرأي ؟ إيه وضّح وضِّح ليش ؟ ليش لا يُقال بالرأي ؟ هلق .
سائل آخر : ... .
الشيخ : أنت ما رفعت أصبعك يا أستاذ ... .
سائل آخر : رفعت .
الشيخ : نعم ؟
السائل : رفعت .
الشيخ : طيب ؛ بس ما أُذِنَ لك بالكلام ، الآن الكلام مع الأخ هنا .
السائل : ابنه ابنه .
الشيخ : ليه . نعم ؟
السائل : مع ابنه .
الشيخ : ابنه ، أهلا وسهلا ، نريد بيان لماذا هذا الحديث في حكم المرفوع ؟
السائل : هو لأنه لا يقال بالرأي .
الشيخ : يعني لأنه قال : " فقد عصى أبا القاسم " ؟
السائل : إي .
الشيخ : طيب ، مدَّه بمددك يا أستاذ ما دام هذا ولده ؟
سائل آخر : يعني القضية فيها قضية عصيان ؛ لأنه الرسول وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، هذا شيء لا يجرؤ أن يقوله عمار من نفسه وفيه ... .
سائل آخر : السلام عليكم .
الحاضرون : وعليكم السلام ورحمة الله .
السائل : هذا يُعتبر حكم المرفوع .
الشيخ : طيب ؛ شو الدليل على أنُّو هذا في حكم المرفوع غير ما ذكرته ؟
سائل آخر : لأنه تعبُّدي أمر تعبُّدي هذا ، والتعبُّد يتوقَّف على ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما جاء عن الله - عز وجل - لا يُقال ... .
الشيخ : طيب ؛ حول هذا الجواب في أحد عنده بيان حول هذا ؟ قد يكون ناس آخرون عندهم جواب غير ما سبق ، فقد يكون ناس آخرون - أيضًا - يوافقون المُجيبَين هنا ، لكن نريد تعليل إضافي إذا ما في ما في ، نسمع أجوبة الآخرين ، شو ؟
سائل آخر : الحديث موقوف .
الشيخ : حول هذا الجواب ولَّا لا ؟
سائل آخر : رد جوابه يعني ؟
الشيخ : لا ، مو رد ؛ تعليل .
سائل آخر : تعليل .
الشيخ : نعم .
سائل آخر : قال : الأمر التعبُّدي لا يُقال بالرأي ، وقد ثبت عن الصحابة كثير من الآراء في الأمور التعبُّدية التي تخالف الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ فبناءً على قوله يجب أن كل أمر كل رأي جاء عن صحابي في أمر تعبُّدي أن نرفعه ، والحُّق خلاف ذلك .
الشيخ : سمعت يا أستاذ ... ؟
سائل آخر : ... فقد عصى .
الشيخ : إي ، بس هو الأخ يُشير إلى أنُّو في أحكام هناك يُقال إنها حرام ، ويقال إنها يجب وهي أمور اجتهادية ، والصحابة اختلفوا في ذلك ؛ ولذلك هذا الواقع يدفع الاحتجاج الذي لجأت إليه .
طيب ؛ تفضل .
سائل آخر : أقول لأنه في حكم المرفوع ، وذلك إشارة من عمار " فقد عصى أبا القاسم " ، وكأنه يُشعر أنه فهم هذا الحكم من الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
الشيخ : طيب ؛ غير هذا ؟
سائل آخر : نعم .
الشيخ : تفضل .
سائل آخر : الحديث موقوفٌ وليس بحكم المرفوع ، والسبب أنني لو كنت مكانه لَفهمت هذا الأمر من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ، وكلُّ بدعةٍ ضلالة ، إلى آخره ؛ فإذًا ابن عمر فهم أن الزيادة .
سائل آخر : عمار .
سائل آخر : عفوًا عمار فهم عصيان أبا القاسم بهذا الفعل من الأحاديث العامة في الابتداع .
الشيخ : طيب ؛ في عندك شيء ؟
سائل آخر : أنا عندي أن أقول : هذا الحديث له حكم المرفوع إلى النبي .
الشيخ : ليه ؟
سائل آخر : لأنُّو عمار بهذه الكلمة فقط " فقد عصى أبا القاسم " كأن سمع يعني كلنا نجزم أنه سمع الرسول يقول ذلك ، ولكن ... .
الشيخ : طيب ؛ بدنا دليل ؟
سائل آخر : الدليل قوله : " عصى أبا القاسم " .
الشيخ : أنت .
سائل آخر : كأنه يشير إلى الحديث الآخر الذي سبق وتحدَّثت عنه أنُّو نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن التقدُّم بين يدي رمضان بيومٍ صيام .
الشيخ : في آخرون عندهم غير هذا ؟ سواء أصابوا أو أخطؤوا ؛ المهم التباحث والتفاهم .
نعم .
سائل آخر : أنا أقول : هذا له حكم المرفوع .
الشيخ : له حكم المرفوع .
سائل آخر : لأن يعني هذا لا يُقال من قبيل الرأي ، بعدين في قضية حلال وحرام ، كذلك في حديث يعني أبي هريرة لمَّا الرجل يعني خرج من المسجد وأذَّن فقال : " أما هذا فقد عصى أبا القاسم " .
الشيخ : نعم .
سائل آخر : فهذا حكم المرفوع يعني .
الشيخ : إي ، لكن جئت بجواب رُدَّ عليه من هنا .
سائل آخر : هذه قضية حلال وحرام يعني ... الحلال والحرام لا يُقال يعني إلا عن الله .
الشيخ : ... اختلفوا في كثير من الأمور ؛ هذا يقول : حلال ، وهذا يقول : حرام ، وهذا يقول : يجب ، وهذا يقول : لا يجب ، في أمور كثيرة اختلفوا فيها .
سائل آخر : نعم .
الشيخ : فممكن يكون الاختلاف سببه الاجتهاد ، فلا يكون التحكيم تحريم صحابي لأمر معناه أنه في حكم المرفوع ولا تحليله لأمر أنه في حكم المرفوع ؛ لأن هذا من موارد الاجتهاد ، والجواب ما سمعتم من الأستاذ علي ؛ وذلك ما أشرنا إليه لمَّا تكلمنا على حديث : لا تقدِّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ، فقلنا : إن هذا الحديث يشمل صوم يوم الشك ؛ لأنه هو اليوم الذي بين يدي رمضان ، فهذا الحديث يدخل فيه صوم يوم الشك ، فلما صرَّح عمار بن ياسر في الحديث ... بأنَّ من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ؛ فجزمُه بأنه عصى أبا القاسم إنما عمدته الحديث الأول ؛ لأنه يقول : لا تقدَّموا ، فمن تقدَّم فقد عصى ، فمن هنا يُقال الحديث له حكم المرفوع لهذا الحديث ، ولولا هذا الحديث لَكان يُقال هذا رأي واجتهاد منه ، وليس معنى تصريح المجتهد بأنُّو مَن فعل كذا فقد عصى الله ورسوله أن ذلك تلقَّاه عن الله ورسوله مباشرةً ، لأننا نعلم جميعًا أن الأئمة كانوا يحرِّمون أمورًا من باب القياس ، وأن هذا القياس تارةً يكون جليًّا للناس جميعًا وتارةً يكون خفيًّا على بعض الناس على الأقل ، ثم هو بالأخير تارةً يصيب وتارةً يخطئ ، لكن هو غير مَلوم لمَّا بيحرِّم أو بيمنع شيء من طريق إيش ؟ الاجتهاد .
لكن بعض العلماء لهم أدب في ذلك ، مثلًا الإمام أحمد المعروف عنه أنَّه نادرًا ما يُصرِّح بتحريم شيء إلا أن يكون منصوصًا عليه ، كذلك مالك ، وإنما يعبِّرون عن ذلك بقولهم : " أكره " ، " أكره " " يُكره " لا يزيدون على ذلك ، وهذا في الواقع من جملة ديانتهم ومن جملتهم دقَّتهم في التعبير عن الأحكام الشرعية خشيةَ أن يُدانوا لماذا حرَّموا وليس هناك نص بالتحريم ؟
خلاصة القول : هذا الحديث له حكم المرفوع بدليل الحديث الذي قبله ؛ ولذلك قلنا إن المصنف أتبَعَ الحديث الأول بالحديث الثاني ليدخل الثاني الذي هو خاص أو أخصُّ في الحديث الأول الذي هو أعمُّ .
الخلاصة : يتبيَّن لنا من الحديثين المذكورَين أن صوم يوم الشك لا يجوز صيامه ، وهذه مسألة فيها خلاف منذ القديم ، وهذا الخلاف يجب أن لا يُعتدَّ به ما دام أن هذا الحديث الأول ينهى صراحةً أن يتقدَّم المسلم رمضان بصوم يومٍ أو يومين نهيًا عامًّا ، فيدخل فيه صيام يوم السبت وقد صرَّح بذلك عمار بن ياسر - رضي الله عنه - ؛ لذلك لا ينبغي أن يُشوَّش ذهننا بهذا الخلاف الطويل المديد الذي نجده هنا في الشرح وفي غير هذا الشرح من الخلاف الكثير بين العلماء في جواز صوم يوم الشك أو عدم جوازه ؛ ما دام أن الرسول - عليه السلام - نهى عنه التقدُّم بين يدي رمضان ، ولا يشك ذي عقل ولبٍّ أنَّ من صام يوم الشك فقد تقدَّم بيومٍ بين يدي رمضان ، وهذا مما يشمله النهي المذكور آنفًا .
الفتاوى المشابهة
- رد الشيخ على قول بعض الكتاب : إن أحاديث صحيح ا... - الالباني
- بالنسبة لحديث عمار بن ياسر ( اللهم بعلمك الغيب... - الالباني
- شرح قول الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام " كتاب ا... - الالباني
- باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إ... - ابن عثيمين
- شرح أحاديث الصيام من " بلوغ المرام " ، قول رسو... - الالباني
- فوائد حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه . - ابن عثيمين
- نرجو منكم توضيح حديث حديث هشام بن عمار في المع... - الالباني
- ما صحة حديث: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى»؟ - ابن باز
- ربط الشيخ لشرح حديث عمار في النهي عن صوم يوم ا... - الالباني
- عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: ( من صام... - الالباني
- شرح أحاديث الصيام من " بلوغ المرام " ، قول عما... - الالباني