السائل : أحد الإخوان يسأل ويقول : لقد حدث أخيرًا ما يؤسف له حقًّا ، وهو فكر العزلة والدعوة إليه ؛ مع العلم أن من يدعو إلى هذه العزلة يحتجُّ بعزلة الإمام مالك ، ويقول : لقد كانت العزلة بين الصحابة ، ثم بين التابعين ، ثم بين تابعي التابعين ؛ ما مدى صحة هذا القول ؟ وما هو مفهوم العزلة في دين الله - سبحانه وتعالى - ؟

الشيخ : ما أظن هذا حدث ، ما حدث أي شيء ، هذا مبالغة في القول ، أما ما ينقل عن مالك فالله أعلم به ، والعزلة لم يأتِ زمانها بعد ، العزلة إنما تُشرع حينما يكثر الهرج وهو القتل بين المسلمين بسبب العصبيات القبلية أو الحزبية أو ما شابه ذلك ، أما العزلة هذه فهي - والحمد لله - لم يأتِ بعد زمانها ، وعسى أن لا ندرِكَ ذلك ، وعلى العكس من ذلك يقول الرسول - عليه السلام - : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ، والناس طبائعهم مختلفة ؛ ناس ينزووا على أنفسهم في كل زمان ولو في عهد الخلفاء الراشدين ، وناس يحبُّوا المخالطة ولو مع الفسَّاق الفجار ، والحقُّ بين هؤلاء وهؤلاء ، فالإنسان يخالط ما لم يجد في مخالطته أذًى في نفسه في دينه أو في بدنه أو في أولاده وفي ذرِّيَّته ، أنا لا أعتقد أن هناك مسلم على علم بالكتاب والسنة يقول : هذا زمان العزلة ، مو زمان فتن ؟ زمن فتن بلا شك ، تمشي في الطرقات ترى التبرُّج ، لكن ليس هو الزمن الذي يُشرع فيه العزلة ؛ لأن إنما يشرع ذلك في زمن اشتداد الفتن بين المسلمين بتقاتلهم بعضهم مع بعض ، فهناك يقول الرسول - عليه السلام - : إذا كان عندك سيف فاضرِبْ به الصخر انتهى الأمر .

السائل : شيخنا ، بعض الناس يقول : أما الحديث يقول : المؤمن الذي يصبر على مخالطة الناس على أذى الناس ... أفضل من المؤمن الذي لا يصبر على مخالطة الناس ، فيقول بعضهم : أنا لا أستطيع أن أصبر على هذه المخالطة ؛ لذلك يعني أرى الاعتزال لنفسي ؛ فهل هذا القول صحيح ؟

الشيخ : أنا قلت آنفًا ، آنفًا قلت : إذا كان هو يجد في نفسه أنَّه لا يستفيد من مخالطة الناس بل قد يتضرَّر فهذا شأنه ، لكن هذا لا يصبح دعوة عامَّة للمسلمين . قلت هذا في الأزمنة الصالحة ؛ قد يكون الإنسان منعزل عن الناس جميعًا لا يستطيع مخالطة الناس .

السائل : إذًا - يا أستاذ - لا يجوز بثُّ هذا الفكر الذي يقتنع به أناس وبين إخوانه ، أو حمل إخوانه على هذا الأمر .

الشيخ : إي نعم ، ما بيجوز طبعًا ؛ لأنُّو ما دام لا سيَّما إذا كان يقول هذا القيد ؛ فمعنى ذلك أن الآخرين لا يأخذون هذا الحكم .
نعم .

سائل آخر : قيل بأن مالك كان عنده مرض ... وقول آخر بأنُّو كان هو يعني محجور عليه ؛ يعني ممنوع من الخروج ؛ فإيش عندك علم من ... ؟

الشيخ : ما عندي علم ، ما عندي علم بهذه ... .