تم نسخ النصتم نسخ العنوان
الإشارة لرسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في القصر... - الالبانيالشيخ : وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قد عالَجَ هذه المسألة معالجةً ما رأيتها لغيره في رسالة خاصَّة في أحكام السفر مطبوعة مع مجموعة الرسائل والمس...
العالم
طريقة البحث
الإشارة لرسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في القصر في الصلاة ، والإشادة بها ، وأنها عظيمة في بابها ، وذكر لشيء مما وَرَدَ فيها وبيان الحق في المسألة والتمثيل لذلك .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قد عالَجَ هذه المسألة معالجةً ما رأيتها لغيره في رسالة خاصَّة في أحكام السفر مطبوعة مع مجموعة الرسائل والمسائل التي كان طبعَها السيد رشيد رضا - رحمه الله - ، ويضرب مثلًا لرجل يقطع مسافة ثلاث مئة كيلومتر أو أكثر من ذلك وهو مع ذلك ليس بمسافر ، وذلك ليؤكِّد للقارئ أنُّو السفر ليس له علاقة بمسافة يقطَعُها طالت أو قصرت ، وإنما السفر يأخذ اسمه وحكمه حسب وضعية الإنسان الذي فارَقَ البنيان ، فيقول - مثلًا - : عندنا في الشام قرية شرقي دمشق تسمَّى بـ " دوما " ، وهي تبعد عن دمشق نحو خمسة عشر كيلو متر ، وعندنا في شمال الشام حلب والتي يسمُّونها عندنا بالعاصمة الثانية ؛ لأنها تَلِي دمشق في سعتها وانطلاق تجارتها ونحو ذلك ، يقول ابن تيمية : إذا خرج رجل من دمشق ليصطادَ في ضواحيها ، وهو لما باشر الصيد لم يجِدْ ما يغنيه ، فجاوز الضواحي إلى قرية قريبة إلى أن وصل إلى " دوما " ، إلى جاوز " دوما " ، وهكذا ما وجد نفسه إلا صار في حلب ، طبعًا هذا أخذ معه في هديك الأيام أخذ معه أيام ، والمسافة بين دمشق وحلب قرابة أربع مئة كيلومتر ، يقول : هذا الرجل ليس بمسافر ، والسبب لأنُّو ما خرج من بلدته مسافرًا ، خرج متسلِّيًا بالصيد ، ثم التهى بهذا الصيد وانطلق وراءه ، وكما جاء في الحديث الصحيح : مَن بدا جَفَا ، ومن اتَّبعَ الصيد غَفلَ ، ومَن أتى أبواب السلطان افتُتِنَ ، فهذا الإنسان غفل وراء الصيد يلَّا شوية ، بعد شوية ، بعد شوية ، بعد شوية ؛ وإذا به رأى نفسه صار في وسط حلب ؛ قال : هذا ليس بمسافر ؛ لأنه ما خرج ولا تهيَّأ للسفر إطلاقًا ، لكن الصيد حَمَلَه على أن يمشي من هنا إلى هنا حتى وصل إلى حلب . إذًا أول أي شيء يجب أن يلاحظه الخارج من البلدة أو المدينة التي هو فيها هل قصد السفر أم لا ؟ هذه قضية .
قضية أخرى ؛ قد تختلف مقاصد الناس فتختلف أحكامهم ، رجلان يخرجان من بلدة واحدة ، ويقطعان مسافةً واحدة ، وهذه المسافة مع اقتران قصد السفر يعني متوفِّر في كلٍّ من الرجلين ، فنَزَلَا البلدة التي قصدا إليها ، فيُعتبر أحدهما ما أقام كلاهما يومين أو ثلاثة يعتبر نفسه مسافرًا ، وهذا صحيح ، لكن الآخر لا يعتبر نفسه مسافرًا ، بل يعتبر نفسه مقيمًا ؛ لماذا ؟ لأنَّ له دارين ؛ دار في البلدة التي خرج منها ، ودار في البلدة التي قصدَ إليها ، فالرجل الأول ليس له دار هناك ، فما أقام في تلك البلدة فهو مسافر ، الرجل الآخر الذي له دار ما أقام في تلك البلدة فهو مقيم ؛ إذًا هذا المثال القصد منه أنُّو شخصين يقطعان مسافة واحدة ، وينزلان في بلدة واحدة ؛ أحدهما يأخذ حكم الآخر .
كذلك ممكن نعتبر الاثنين خرجوا من بلدة هذا بقصد السفر وذاك بقصد الاصطياد كما ذكرنا آنفًا مثال ابن تيمية - رحمه الله - والمسافة واحدة ، لكن الحكم اختلف . رجل - أيضًا - يخرج مسافرًا لِيُتابع أعماله التجارية الحكومية أو ما شابه ذلك في البلدة الأخرى ، وآخر خرج متنزِّهًا ، ويكون هو في نزهته هذا ما خطر في باله إطلاقًا أنه مسافر أو أن يستعدَّ للسفر أو ما شابه ذلك .
خلاصة القول : لا ينبغي أن ننظر حينما نخرج من بلدنا للمسافة التي نقطَعَُها هل هي طويلة أم قصيرة ، هذا في اعتقادي لنرتاح أوَّلًا من " الشُّوشرة " والخلاف ، وثانيًا لكي نعرف الصواب أو أقرب ما يكون للصواب في هذه المسألة ، لا نخطِّر في بالنا المسافة التي قطعناها كم كيلومتر اليوم كثيرة أو قليلة ، والشيء الثاني أن نلاحظ أننا نحن لما خرجنا من البلدة هل خرجنا قاصدين السفر ومستعدِّين للسفر أم لا ؟ وأنا في الأمس القريب يعني سُئلت ونحن في الطريق إلى المكان الذي اجتمَعْنا فيه أمس . إيش تسمُّونه هذا المكان المخيم ؟
نعم ؟

السائل : " الصِّبِّيَّة " .

الشيخ : " الحبِّيَّة " ، فسألنا بعضهم : هذا سفر ولَّا لا ؟ أنا غريب عن البلدة بالطبع ، وأهل الدار أدرى بما فيها ، لكن أنا قلت : والله أنا ما أشعر أني هنا بهذه المسافة مسافر ، أما من حيث أنا خرجت من عمان إلى سورية فأنا لا أزال مسافرًا ، أما لو كنت مقيمًا هنا وخرجت هذه المسافة ما أشعر إطلاقًا أنني في سفر ، بل أنا في نزهة ، لا أخذت طعام ولا شراب ولا تزوَّدت ولا ودَّعت أهلي ولا أي شيء مما يتعلق عادةً بإيش ؟ بوضع المسافر ، ما شعرت بشيء من هذا إطلاقًا ؛ مع ذلك أنا أحكم بهذا ولا يجوز لي لا شرعًا ولا عقلًا أنُّو أحكم على أهل الدار ؛ لأنُّو أهل الدار أدرى بما فيها ، لكن أنا أقول كمثال : أنا لما خرجت من هنا وقيل لي نحن خارجون إلى البرِّ وهناك لنا مخيم وإلى آخره ونجتمع مع الإخوان ، وركبنا السيارة ، وانطلقت بنا تطوي الأرض طيًّا ؛ ما شعرت إطلاقًا بأنني مسافر أبدًا ، لكن هل الأمر كذلك لما جئت من قطر إليكم ؟ طبعًا الأمر يختلف تمامًا ؛ لذلك .

السائل : بالعافية حتَّى جئت .

الشيخ : نعم ؟

السائل : أقول : بالعافية حتى جئت .

الشيخ : هو بالعافية صحيح ، ولكن بالعافية أروح إلى أمريكا - أيضًا - ، لكن .

السائل : يعني سفر حقيقي هذا .

الشيخ : القضية الآن ، على كل حال نحن إذا كان لكم رأي فيما نتكلم نحن نريد أن نسمعه ، والمرء قويٌّ بأخيه ، إي نعم ، فأقول : فالشيء الذي ينبغي ملاحظته وهذا شيء أساسي في الحقيقة لا تبحثوا في طول المسافة وقصرها ؛ لأنُّو هَيْ القضية مو هي التي تحلُّ المشكلة وتقضي عليها ، وإنما ابحثوا في ذوات أنفسكم ؛ لأنُّو ضربنا - مثلًا - لا خلاف فيه أبدًا ؛ رجلان خرجا من بلدة ؛ أحدهما يعتبر مسافر والآخر لا يعتبر مسافرًا ، والمسافة واحدة ؛ إذًا المسافة ما تحدد المسافر من غير المسافر ، إنما تتحدَّد قضية السفر بوضع الإنسان ونيَّته ، فإذا فعلًا استعدَّ استعداد المسافر ، وهذا الاستعداد له دلالات عرفية ، أول ذلك - مثلًا - : هل الغالب على الناس حينما يسافر أحدهم فعلًا سفرًا ومعروف عند الناس أنه سفر ؛ هل شأنه كما لو خرج - مثلًا - من الدار إلى السوق يودِّع أهله ؟
الجواب بطبيعة الحال : لا ، لكن العكس من ذلك لما يسافر سفرًا يودِّع أهله ، قد يعانق مَن يجوز معانقته ، ويقبِّل مَن يجوز معانقته ، ويصافح مَن لا يجوز تقبيله ، ونحو ذلك ، فيودِّع بطريقة ليست يعني هذه الصورة هي من عادة المقيم والذي لا يريد أن يسافر .
هذه ظاهرة أريد منها أن ألفت النَّظر أنُّو يعني كيف نعرف كون الإنسان بعد أن يقصد النية كيف يمكن أن نعرف بالنسبة ... أنُّو هذا مسافر ولَّا لا ؟ فمن ذلك أنه يودِّع أهله بأيِّ طريقة ما ، والطرائق هنا قد تختلف . شيء ثاني في هناك عرف ، عرف عام في كثير من البلاد التي نحن نعيشها ، عندنا - مثلًا - نحن في دمشق مصيف اسمه " مضايا " ، " الزبداني " ، " بقين " ، يبعد عن دمشق خمسين كيلومتر ، لما أحدنا يخرج من دمشق لا يقول : أنا أسافر إلى " الزبداني " أو " مضايا " و " بقين " ، إنما أنا ذاهب للتنزُّه هناك ، بينما إذا ذهب إلى بيروت والمسافة ضعف هذه المسافة ؛ يعني مئة كيلومتر يقول : أنا مسافر إلى بيروت ، مسافر إلى حماة ، مسافر إلى حمص أقرب من حماة ؛ فضلًا عن حلب ؛ فإذًا الذي يُريحنا - أيضًا - في هذه القضية أن ننظر ما هو عرف الناس في خروج أهل البلد من بلدهم إلى بلدة أخرى ؟
أقول هذا بهذا التحديد لأنه قد يخرج الإنسان إلى الصحراء ليس هناك مكان يقصده بذاته ، فهنا حقيقة يأتي بقى أنُّو رجل مسافر ؛ لأنه لا يدري أين يحطُّ رحله ، فإذا كان في هناك عرف عام كما ذكر بعض الإخوان أمسِ أنُّو من هنا إلى " الوفرة " ؛ قال أنهم كانوا قديمًا يعتبرون هذه السفرة يعتبرونها إيش ؟ سفرًا ، والآن لا يعتبرونه سفرًا .
أنا الآن طبعًا ناقل ، قيل لي هكذا ، فقلت : إذا كان الآن هذا الانطلاق من الكويت إلى " الوفرة " لا يُعتبر سفرًا عرفًا فإذًا هذا ليس بسفر ، العرف له دخل في مثل هذه القضايا ؛ لأنُّو العرف ممَّ يتشكَّل ؟ ممَّ يتألَّف ؟ من نظرة الناس إلى واقعهم ، فالذين يقطعون هذه المسافة ما بين الكويت ما بين " الوفرة " إحساسهم الخاصُّ هو الذي يُوحي إليهم أنهم في سفر أو ليسوا في سفر ، فإذًا من الأمور التي يمكن أن يستعين بها طالب العلم ويعرف إذا كان هو مسافر أو غير مسافر النظر إلى عرف الناس ، فإذا اختلف العرف وهذا قد يقع فعلًا فَلْنرجع للضوابط التي أمكَنَنَا آنفًا أن نذكر بعضها ، وعلى كلِّ حال في اعتقادي أنُّو هذه المسألة ما دام هي موضع خلاف بين العلماء قديمًا فما أستحسن أن يقع فيه جدل كثير وطويل بين بعضنا البعض ، وإنما كلُّ إنسان بقى كما قال - تعالى - : بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، فأنتَ حينما تخرج من بلد إلى تلك البلدة معي أنا ، وقد أرى نفسي غير مسافر ، وترى نفسك مسافرًا ، أو العكس ؛ أرى نفسي مسافرًا ، ولا ترى نفسك مسافرًا ؛ فالأمر إذًا واسع ، والإنسان يُدان بحسب ما قام في نفسه .
ونسأل الله - عز وجل - أن يوفِّقنا لما اختلف فيه الناس من الحق .

السائل : جزاك الله خير .

الشيخ : وإياك ، بارك الله فيك .

السائل : نحن متطابقون .

الشيخ : كيف ؟

السائل : نحن متطابقان .

الشيخ : جزاك الله خير .

Webiste