يجب أن نذْكُرَ أن المقصود بهذه السماء في هذه الآية خاصَّة هي العلوُّ المطلق حتى تكون هذه الآية متماشية في معناها مع { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ؛ ذلك لأن العرش فوق المخلوقات كلها ، فوق السموات ، فليس وراء العرش خلق مطلقًا ، ليس وراء العرش إلا خالق العرش وخالق الكون كله - سبحانه وتعالى - .
فحينما نقرأ { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } يجب أن لا نستحضِرَ السماء بمعنى ظرف ؛ لأنُّو هذا الاستحضار صار معنا مثل ما صار مع غيرنا حينئذٍ ، إذا بدنا نقول : " الله في السماء " يعني في هذا الخلق الذي خلقه ؛ فمعناه أنه حصرناه في مكان ، لكن المقصود بالسماء هنا هو العلوُّ المطلق ؛ أي : خارج المخلوقات ؛ أي : فوق العرش { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } .
الآيات والأحاديث وأقول السلف والأئمة كلها تمشي على إثبات هذه الحقيقة وهي أن لله صفة العلوِّ .
ومن لطائف الآيات الواردة في هذه المسألة هي أن الله - عز وجل - يصف عباده بقوله : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } ، وهذا في الحقيقة كأنه امتحان لنا غير مباشر ، نحن الذين نفترض في أنفسنا أننا نخاف من ربِّنا فتُسيطر أحيانًا علينا خشية الله وعظمته ؛ فهل نلاحظ أن هذا الرَّبَّ العظيم هو فوقنا أم هو ممازج ومخالط لنا ؟ ربُّنا بيقول هنا في صفات المؤمنين : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } ؛ إذًا من صفات المؤمنين ما أجابت به الجارية في الحديث السابق : " الله في السماء " ؛ لأنه يقول ربنا - تبارك وتعالى - في حقِّ المؤمنين : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } .
هذه العقيدة لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ما يخالفها أو ما يضطرُّنا أن نسلك فيها سبيل المتأوِّلين لها ، وإنما لهم بعض الشبهات .