إذًا فالمشركون آمنوا من جهة وكفروا من جهة ، آمنوا بتوحيد الربوبية " لا ربَّ إلا الله " ، وكفروا بتوحيد الألوهية ؛ فقال - تبارك وتعالى - : { إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } ، وقالوا : { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ؛ إذًا هم لا يفهمون من معنى " لا إله إلا الله " : " لا ربَّ إلا الله " بس ؛ لا ، يفهمون " لا إله إلا الله " ؛ أي : " لا معبود بحقٍّ إلا الله " ، وهم لا يؤمنون بهذا ، ومن هنا نشأت العداوة بين الرسول - عليه السلام - وبين المشركين ؛ فهم يؤمنون بأنه لا ربَّ إلا الله ، ولكنهم لا يؤمنون بأنه لا إله إلا الله ؛ فإذًا يفرِّقون بين الرَّبِّ وبين الإله ، الإله هو المعبود ؛ فهم عبدوا مع الله غيره ، وهذا هو الشرك الذي يُسمَّى بشرك الألوهية عند العلماء .
كثير من المسلمين اليوم حتى بعض الخاصَّة ، وقد رأيت رسالة عندنا في الشام طُبِعَت لبعض المعاصرين فسَّر " لا إله إلا الله " : " لا ربَّ إلا الله " ، وهذا التفسير إذا قاله المشرك لا يصبح موحِّدًا ؛ لأن المشركين كانوا يقولون : " لا ربَّ إلا الله " ، ولكنهم كانوا لا يقولون : " لا إله إلا الله " ؛ لأنهم يُفرِّقون بسليقتهم العربية بأن معنى الإله هو المعبود الذي تخضع له القلوب وحده لا شريك له ، وهم كانوا يشركون مع الله معبودات أخرى ؛ ولذلك كان من ضلالهم أنهم يصرِّحون في طوافهم حول بيت ربِّهم ، فكان قائلهم يقول : " لبَّيك اللهم لبَّيك ، لبَّيك لا شريك لك ، إلا شريكًا تملكه وما مَلَك " ، أعطوا ربَّ العالمين الربوبية بحذافيرها ؛ فلا خالق معه ، ولا رازق معه ، ولكن يعبدون مع الله آلهةً أخرى ، هم أمثالهم كما قال - تعالى - : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } ، { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا } "" دعاءكم "" { مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } .
نعم ؟
سائل آخر : بدون دعاءكم .
الشيخ : { وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } ، { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } ، فَهُم يعرفون هذا ، ويذكِّرهم الله بما يعرفون ليُثبِتَ عليهم ضلالَهم ؛ فما موقف المسلمين من شهادة لا إله إلا الله ؟ يُفسِّرونها : لا ربَّ إلا الله ، فقد انحرفوا في فهم هذه الشهادة ، ولقد سمعت أحد الخطباء هناك في بلادنا وقد جرى نقاش بيننا وبينه حول توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ، قلت له : ماذا تقول فيمَن ينادي غير الله عند الشدائد ؟ يستغيث بـ " الجيلاني " عندنا وبـ " الباز " ، وبينه وبين المُستغاث نحو ألفي كيلومتر ، ولو كان حيًّا ما سمعه ؟ فقال : هذا أمر جائز !! ويسمِّيه توسُّلًا ! فقلت له : هذا الذي يستغيث بذاك الرجل الصالح لو كان يعتقد أنه لا يسمعه ؛ فهل يُناديه ؟ هل ينادي إنسان عاقل هذا الجدار ؛ فيقول : يا جدار أغِثْني أعنِّي ؟! طبعًا لا .
إذًا هؤلاء المسلمون الذين قد يكونون أشدَّ عبادةً لله من أمثالي أنا يقومون الليل ويصومون النهار ، ولكن الله يقول في صريح القرآن : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ؛ ما فائدة هذه العبادة إذا قامت على أساس الشرك بالله - عز وجل - ؟ فهؤلاء ينادون البعيد ، مسافة بعيدة كما قلنا : لو كان حيًّا ما استطاع أن يستجيب لهم ؛ فلولا أنه يعتقد أنه يسمع ما ناداه ، لو كان أنه يعتقد أنه لا ينفع ولا يضرُّ ما طلب منه النفع والضُّرَّ ؛ قال : لا ، هو لا يعتقد أنه ينفع ويضرُّ ، واعتقاده أن النافع والضَّار هو الله - تبارك وتعالى - ، فصنَّفت له السؤال الآتي - وهنا العبرة يا إخواننا - قلت له : إذًا لو قال هذا المستغيث عبَّر عن الذي تقول أنت إنه في نفسه ، أنت تقول : إنه يعتقد أنه لا ينفع ولا يضرُّ ؛ فلو ناداه قائلًا : يا فلان يا مَن لا ينفع ولا يضرُّ أغِثْني ؛ يجوز ؟ قال : يجوز !! هذا مش جاهل أمِّي عامِّي !!
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
متناقض أشد التناقض ، لكن هذا التناقض في ماذا ؟ في فرعٍ أم في أصل ؟ في أصل الأصول ، في شهادة لا إله إلا الله ، وهذا - مع الأسف الشديد - يسيطر على كثير .
السائل : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } .
الشيخ : بارك الله فيك ، هذا نصٌّ في القرآن الكريم .
إذًا كيف نَنْشد الخلاص من هذا الذُّلِّ ونحن ما حقَّقنا بعد الشهادة الأولى ؟ الركن الأول من الإسلام والركن الأول من الإيمان ، لا إله إلا الله فَهِمْناها فهمًا معكوسًا ، فاتَّخذنا الأنداد من دون الله - عز وجل - ، وهذا بحث طويل وطويل جدًّا .
فإذًا - يا فضيلة الشَّيخ - ، يجب أن نتفق على كلمة سواء ، يجب أن نُفهِمَ المسلمين دينهم في حدود الكتاب والسنة ، فحينما يجتمعون على ذلك فكريًّا ويتعاونون .
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : كنت في هذا البحث .
السائل : ... التعدُّد في هذا الموضوع ، نشرح قول الله - عز وجل - : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } ، في التعليق على حديث : "بُنِيَ الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله" بارك الله فيكم .
الشيخ : إي ، الله يحفظكم ، أنا أعتقد أنه هذا هو الذي يجب أن يشتغل فيه الدعاة الإسلاميون ؛ لأن هذا أسُّ الإسلام ، وما بعده أهون ، فإذا صحَّ الإيمان والإسلام صحَّ ما بعده ، وإلا كما سمعتم قوله - تعالى - : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } .
نعم .
السائل : أستاذ ، هناك مَن يعتقد أن الربوبية لله هي ... إذا سمحت ؛ شو معنى الربوبية بمعناها الشامل يعني ... ؟
الشيخ : العبودية لله هو أن لا يتقرَّب الإنسان إلى الله إلا بما شَرَعَ الله ، ونحن نُفسِّر الشهادتين هذه بيعني تفاسير أخرى ، لعلها جواب لِمَا تسأل عنه ، نحن أشرنا إلى أن كثيرًا من المسلمين لا يحقِّقون معنى لا إله إلا الله في أنفسهم ، فلو فرضنا أن مسلمًا فَهِمَ معنى هذه الشهادة وهذه الكلمة الطَّيِّبة ، وأنها تعني " لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله - عز وجل - " ، وهو حقيقةً لا يعبد إلا الله - عز وجل - ، ولكنه يتَّبع في دين الله مَن لم يأتِ على ما يذهب إليه بدليل من الكتاب والسنة ، فيتَّخذه متبوعًا له ، والله - عز وجل - يقول في حقِّ اليهود والنصارى أو بالأحرى النصارى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } ، وجاء حديث .
الحاضرون : عدي بن حاتم .
الشيخ : عدي بن حاتم ، نعم ، قال لما نزلت الآية : والله يا رسول الله - فيما يظنُّ هو - ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله ! قال - عليه الصلاة والسلام - : "أَلَسْتُم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ؟! وإذا حلَّلوا لكم حرامًا حلَّلتموه ؟َ" . قال : نعم . قال - عليه السلام - : "فذاك اتِّخاذكم إياهم أربابًا من دون الله" .
السائل : "تلك عبادتهم" .
الشيخ : نعم ؟
عيد عباسي : "تلك عبادتهم" .
الشيخ : نعم ، فاليوم المسلمون إذا قلت لأحدهم - ولا أعني العامة ؛ لأن العامة غير مسؤولين ، مسؤليتهم على الخاصَّة - إذا قلت له : قال الله قال رسوله ؛ جابَهَك بقوله : قال الإمام ، أو قال المذهب ، أليست هي هذه ؟
السائل : أو قال ... هذا ... .
الشيخ : هذا ما فيه إشكال .
السائل : ... .
الشيخ : لا ، هذا واضح يا أستاذ ، لكن المشكلة .
السائل : ... .
الشيخ : المشكلة تنطوي حول تقديس أئمَّتنا فوق القداسة التي تجب لهم علينا ، أما " ماركس " و " لينين " و " ستالين " إلى آخره أئمة الطواغيت والكفر ، هذا كفر مكشوف ؛ فإذًا تحقيق معنى لا إله إلا الله هو ألَّا يتَّخذ قول أحد من عباد الله شريعةً له ؛ لأن الله - عز وجل - يقول : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } ؛ لذلك يقول " الفخر الرازي " في تفسير الآية السابقة أنُّو هذه الآية تنطبق على المقلِّدين الذين اتَّخذوا المذهب أصلًا والقرآن فرعًا ، فما وافق من الكتاب والسنة المذهب أخذوا به ، وما لا تأوَّلوه كما نصَّ إمام من أئمة الأصول ؛ قال : إذا كان في الآية أو الحديث مخالفًا للمذهب .
السائل : هذا منسوخًا .
...
الشيخ : إي نعم ، شو نص كلامه ؟
عيد عباسي : " كل آية خلاف قول أصحابنا فهي مؤوَّلة أو منسوخة ، وكل حديث كذلك مؤوَّل أو منسوخ " .
السائل : إي نعم .
الشيخ : جعلوا الأصل المذهب ، وتَبَع الأصل هذا القرآن ... .