تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك) - ابن عثيمين[تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك)]قال تعالى: الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:٣] فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الل...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك)
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
[تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك)]

قال تعالى: الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:٣] فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يذنب، فهل النبي يذنب؟ الجواب نعم، ولا يمكن أن نرد النصوص، لا يمكن أن نردها لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن لا نقول: الشأن ألا يذنب الإنسان، بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما ألا يقع منه ذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) .
لا بد من خطيئة، لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل: الكذب والخيانة فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالته وهذا شيء مستحيل، أما سفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة، التي وجدت لتتمم مكارم الأخلاق، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .

فالحاصل: أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي: أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فكيف بأوزار غيره.
أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا، وكثرة غفلتنا نسأل الله أن يعاملنا بالعفو.

جاء في بعض الآثار: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه، وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا) .

يعني: أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه، ويلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك؛ فاعلم أن قلبك مريض؛ لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

على كل حال أنا أقول: يجب علينا، وأوجه هذا القول لنفسي قبلكم ونرجو الله العون للجميع، أقول: إنه يجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً؛ لأن تجارتهم أعظم من تجارة أهل الدنيا غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف قطاع طريق أو سراق صار أشد قلقاً.

لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الصف:١٠-١٢] تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات.
(جنات عدن) أي: جنات إقامة، وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [الصف:١٢] مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، أتظنون أن بناء الجنة من إسمنت وحصى؟ لا.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما) .
والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر ويقول: ليتني لم أولد، أو يكفيني أن أنجو من النار، وهاهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: [ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني] لأن الإنسان يخاف، قد يظن أنه آمن الآن؛ لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، ويبر الوالدين، وما أشبه ذلك لكن قد يكون في قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة -والعياذ بالله- كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: مدة قريبة لموته، ما هو ذراع في العمل لأن عمله كله هباء، هو (يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) كما جاء في الحديث الصحيح.

لكن قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ليس معناه: أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، المعنى: حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة (ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها) لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فالإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، ويخاف من الرياء، ويخاف من العجب، ويخاف من الإمنان على الله بعمله.
فنسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ونستغفرك ونتوب إليك.

Webiste