تم نسخ النصتم نسخ العنوان
[مجلس آخر] شرح الشيخ للحديث الثالث من الباب وه... - الالبانيالشيخ : درسنا اليوم في الباب الخامس والأربعين بعد المائة وهو باب ليس المؤمن بالطعان وكنا درسنا الحديث الأول وتجاوزنا الحديث الثاني وأشرنا إلى أن طرفه ال...
العالم
طريقة البحث
[مجلس آخر] شرح الشيخ للحديث الثالث من الباب وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم....)
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : درسنا اليوم في الباب الخامس والأربعين بعد المائة وهو باب ليس المؤمن بالطعان وكنا درسنا الحديث الأول وتجاوزنا الحديث الثاني وأشرنا إلى أن طرفه الأول منه صحيح من غير هذا الطريق والآن نقرأ عليكم الحديث الثالث منه وإسناده صحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا السّام - موالسلام - عليكم فقالت عائشة وعليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم قال يعني الرسول عليه السلام مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش قالت أو لم تسمع ما قالوا قال لا أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيَّ .
في هذا الحديث آداب إسلامية بعضها يتعلق بالمسلم بخلقه وبعضها يتعلق بالمسلم من حيث علاقته مع الكافر ، حينما يسلم الكافر عليه سلاماً محرّفاً عمّا وُضع له وبالتعبير الشامي سلام ملغوم ، هكذا قال أولئك اليهود حينما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ، الظاهر أنهم جاءوا وهو في بيت عائشة فسلّموا سلاماً كما ألمحنا لوّوا به ألسنتهم وأوهموا الرسول صلى الله عليه و سلم ومن عنده بأنهم يسلّمون عليه السلام الشرعي لكنهم في الحقيقة قلبوا السلام إلى الدعاء على الرسول صلى الله عليه و سلم بلغتهم حيث قالوا السام ، ومعنى السام هو الموت كما جاء في بعض الأحاديث في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام وهو الموت ، فاليهود من خبثهم ومكرهم لوّوا ألسنتهم بالسلام فقالوا السّام عليكم وما كان ذلك ليخفى على النبي صلى الله عليه و سلم وهو سيّد الأسياد النبهاء ولذلك فهو لم يجب بالجواب على كلامهم الخبيث إلا أن قال لهم وعليكم ، أما السيدة عائشة فلم تصبر لمكرهم وخبثهم وظهر ذلك بشدة في ردها عليهم لما سمعتم من قولها وعليكم ، هي تنبهت وأجابت بمثل جواب الرسول صلى الله عليه و سلم ولكنها زادت وقالت ولعنكم الله وغضب الله عليكم .
فالرسول صلى الله عليه و سلم لم يعجبه جوابها والسبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين أحدهما يتعلق بمبدأ إسلامي والآخر يتعلق بها بشخصها ونفسها ، فأما الأول المبدأ الإسلامي فهو قوله تبارك وتعالى فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فإذا كانت اليهود قالوا السام عليكم فنحن نقول وعليكم ولا نزيد بالرد عليهم شدة فنقول كما قالت السيدة عائشة ولعنكم الله وغضب عليكم ، هذا هو الأمر الأول وهذا المبدأ معروف في الإسلام أنه لا يجوز الزيادة على القود وعلى الأخذ بالثأر وإنما بالمثل فقط ، فقال صلى الله عليه وسلم لها مؤدباً مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والشدة والعنف والفحش في الكلام فقالت ألم تسمع ما قالوا فقال صلى الله عليه و سلم أولم تسمعي ما قلت ، يعني كأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منها أن تكون أكيس مما هي عليه ، هو يقول لها لقد سمعت مثلما سمعت ورددت مثلما رددت وكما قلت وعليكم قلت أنا وعليكم فلماذا الزيادة منك على ما أنا رددت به ، لذلك أمرها بالرفق ونهاها عن العنف والفحش في الكلام الذي لا يجوز أن يجري على اللسان ، قال أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم مثلاً بمثل قالوا السام عليكم فقلت وعليكم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ ، إذا دعا اليهود على النبي صلى الله عليه و سلم بدعاء جائر ظالم ضار فذلك مما لا يستجاب عند الله عز وجل على الرسول صلى الله عليه و سلم أما العكس فنعم إذا دعا الرسول صلى الله عليه و سلم عليهم استجيب دعاءه عند ربه تبارك وتعالى .
فإذن نأخذ من هذا الحديث أمرين اثنين : الأول أن المسلم يجب أن يكون لطيفاً يجب سهلاً سمحاً وألا يكون شديداً حتى مع الكفار في الحياة الاجتماعية يعني حالة كونهم يعيشون ذميين تحت النظام الإسلامي ففي هذه الحالة لا يجوز للمسلم أن يستعمل القسوة والشدة مع اليهود والنصارى ، أما إذا وقعت الواقعة وأقيمت الحرب بين المسلمين والكافرين فهناك يجب على المسلم أن يكون شديداً عليهم وهذا مما وصف الله عز وجل عباده المؤمنين بقوله أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وبعض المسلمين يخلطون فيتوهمون أن هذه الشدة التي ذكرها الله عز وجل في الآية المذكورة أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ يجب أن تكون هذه الشدة بين المسلم والكافر حتى في العلاقات الاجتماعية ؟ هذا خطأ ، الكافر إذا عاش تحت راية الإسلام وحكم الإسلام فيجب أن يعامل بكل الآداب الإسلامية التي أذن الله بها ، وأعني ما أقول حينما أقول الآداب الإسلامية التي أذن الله بها وإلا فلا يجوز للمسلم التسوية في معاملة المسلم للناس لا يجوز له التسوية في هذه المعاملة بين المسلم والكافر في كل شيء ، مثلاً في الوقت الذي نسمع في هذا الحديث هذا التعليم الكريم أن الكافر إذا ألقى سلاماً على المسلم ولوى فيه لسانه ألا نزيد في الشدة عليه فنقول وعليكم ولكنه من ناحية أخرى قال لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتموهم فاضطرّوهم إلى أضيق الطرق ، فلا يجوز للمسلم إذا لقي اليهودي أو النصراني أي الذمّيين لا يجوز إذا ما لقيه أن يبادرهم بالسلام ، ونقصد بالسلام السلام الإسلامي الذي هو بنص الحديث الصحيح حيث قال صلى الله عليه وسلم السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم .
هذا السلام لا يجوز أن يبادر به المسلم الكافر الذمي وإنما إن كان لا بد أن يبتدئه هو يقول له كما يقول بعضهم لبعض صباح الخير مساء الخير من هذا الكلام الذي ليس خاصاً بشريعة الإسلام ، أما هذا السلام الإسلامي فقد سمعتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تبدؤوا اليهود ... بالسلام فإذا لقيتموهم فاضطرّوهم إلى أضيق الطرق .
أقول آسفاً الشطر الثاني من هذا الحديث لا يمكن تطبيقه اليوم لأن النظام ليس نظاماً إسلامياً ولأنك إذا أردت أن تضطر غير المسلم إلى أضيق الطريق فقد نصبت الخلاف والعداء بينك وبين الحكام وهذا ما لا قبل للمسلم اليوم مع الأسف الشديد ، أما الأمر الأول السلام فلا أحد يستطيع أن يتدخل بينك وبين شريعتك المتعلقة بشخصك فإذا ما بادءته بالسلام لا يقول لك أحد لمَ لم تبادئه بالسلام ولا سيما بهذا السلام الشرعي .
ثم نقول في هذا الحديث تعليم لنا ألا نكون شديدين في معاملة أهل الذمة لكن هذه الشدة يجب أن يحكمها الإسلام فلا يقال مثلاً ما دام هؤلاء أهل ذمة وما دام يجوز أن نحسن إليهم وإلى آخره فإذاً نبادئهم بالسلام ؟ لا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وعلى العكس أيضاً ما دام أن الله قال في الآية السابقة أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ إذاً نعاملهم بشدة فإذا تعاملنا معهم بالبيع والشراء غششناهم ومكرنا بهم ؟ كلا هذا لا يجوز لأن الله عز وجل يحب المقسطين أي المحسنين في معاملتهم للناس جميعاً سواءٌ من كان منهم مسلماً أو كافراً . إذن الآية أشداء على الكفار يعني كفار الحرب الذين يسمّون حربيين .
الفائدة الثانية التي يمكن أن نستفيدها من هذا الحديث إنما هو أمر هام جداً يتعلق بالمسلمين جميعاً سواءً من كان منهم ذكراً أو أنثى ألا وهو تقويم الخلق وتحسينه وألا يكون المسلم شديداً عنيفاً في معاملته لأهل الذمة من الكفار فضلاً عن معاملته لإخوانه المسلمين فضلاً عن معاملته لأهل القربى والصلة من أهله وأقاربه ، وصدق الله العظيم إذ يقول بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .

Webiste