تم نسخ النصتم نسخ العنوان
ما هو الراجح في مسألة صلاة تحية المسجد في وقت... - الالبانيالسائل : ... بعد صلاة الصبح إذا دخل أحدكم المسجد ؟الشيخ : والجواب بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... من المسائل الفقهية التي اختلف فيها الف...
العالم
طريقة البحث
ما هو الراجح في مسألة صلاة تحية المسجد في وقت النهي ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : ... بعد صلاة الصبح إذا دخل أحدكم المسجد ؟

الشيخ : والجواب بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... من المسائل الفقهية التي اختلف فيها الفقهاء على قولين اثنين ؛ القول الأول الجواز ، وهو الذي نختاره ، والقول الثاني المنع ، وهو عندنا مرجوح غير مختار ، والسبب في ذلك الترجيح هو أنَّنا نظرنا إلى أدلة المخالفين فوجدناهم ليس عندهم إلا الأدلة العامة التي يعتزُّ بها كلُّ فقيه ، وهي الأصل في النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ؛ كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : لا صلاة بعد الفجر حتى تطلعَ الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغربَ الشمس ، وقد نظرنا في هذا الحديث فوجدناه قد دخله مُخصِّصات كثيرة كالأحاديث الأخرى التي في معناه ، فأول مُخصَّص طرأ على هذا الحديث في شطره الثاني هو حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الصلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقيَّة " ، فقد خصَّص هذا الحديثُ الحديثَ الثاني في شطره الحديثَ الأول في شطره الثاني ، وهو قوله : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، فخصَّص هذا العموم الحديثُ الثاني ؛ " نهى عن الصلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقيَّة " ، فصار حديث : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس من المُخصَّص بالحديث الثاني ، ومعناه حين ذاك : " لا صلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقيَّة " ، والنتيجة الفقهية منه أن الصلاة بعد العصر مباشرةً جائزة مطلقًا حتى تُصبح الشمس صفراء ، فحين ذاك يأتي النهي الوارد في الحديث الأول .
ثم دخل الحديثَ في شطره الأول مُخصِّصات - أيضًا - أخرى كالشطر الثاني ، فمِن ذلك - مثلًا - قوله - عليه الصلاة والسلام - : مَن نَسِيَ صلاةً أو نامَ عنها فليصلِّها حين يذكُرُها لا كفَّارة لها إلا ذلك ، فيدل هذا الحديث على أن النَّاسي لصلاته أو النائم عنها فوقت هذه الصلاة حين يستيقظ لها أو يتذكَّرها ، وهذا الحديث يُعتبر مخصِّصًا بالحديث الأول ، ويكون النتيجة من الناحية الفقهية : " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس إلا الصلاة المنسيَّة أو التي نامَ عنها ؛ فيصليها ولو بعد الفجر أو ولو بعد العصر " .
فهذا - أيضًا - من المخصِّصات للحديث الأول ، ومن تلك المخصِّصات - أيضًا - حديث : يا بني عبد مناف ، لا يمنعنَّ أحدُكم رجلًا طافَ في أيِّ ساعة من ليل أو نهار في مكة ، فهذا الحديث - أيضًا - يُخصِّص النهي العام المذكور في الحديث الأول فتكون النتيجة .
... كما جاء في " الصحيحين " عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال لبلال ذاتَ يومٍ : يا بلال ، إني دخلتُ الجنة فسمعتُ دفَّ نعليك بين يديَّ ؛ فَبِمَ ذلك ؟ . قال : يا رسول الله ، لا أدري إلا أنَّني كلما توضَّأتُ رأيتُ أن لله عليَّ ركعتين . قال - عليه الصلاة والسلام - : فهو ذاك . فكل هذه الأحاديث تُخصِّص النهي المذكور في الحديث الأول كما ذكرنا فيما سبق من المخصِّصات ، وههنا بحديث بلال هذا يُضاف مخصِّص آخر ، فيصبح الحديث : لا صلاة بعد الفجر إلا أن تطلع الشمس وبعد العصر إلا أن تغرب الشمس إلا سنة الوضوء .
كذلك من المخصِّصات التي طرأت على الحديث الأول بقسمه الأول ما رواه الترمذي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلَّى الصبح ذاتَ يومٍ في المسجد كما هي عادته ، فلما سلم رأى رجلًا قام يصلي ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : آلصُّبح أربعًا ؟! آلصُّبح أربعًا ؟! ينكر عليه هذه الزيادة التي ألحَقَها في فريضة الفجر ، فلما انتهى ذلك الرجل من صلاته وكانت ركعتين ؛ قال : يا رسول الله ، إني دخلت المسجد ، فوجدتك تصلي الفرض ، فصليت ، وهما هاتان سنة الفجر ، فأقرَّه - عليه الصلاة والسلام - ولم ينكر ذلك عليه ؛ فصار من المستثنى من قوله - عليه الصلاة والسلام - : لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ركعتا الفجر ، فتُستثنى ؛ فيُقال : " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلعَ الشمس إلا ركعتي الفجر " .
والغرض من هذه من ذكرها لهذه المخصِّصات لحديث النهي عن الصلاة بعد الفجر والعصر هو لِنُبيِّن ما يأتي ؛ وهو أن هناك علمًا في مصطلح الحديث يُسمَّى بعلم مختلف الحديث ، ويذكرون به أنه إذا جاء حديثان اثنان من قسم المقبول ، وكانا متعارضَين وجَبَ التوفيق بينهما بوجهٍ من وجوه التوفيق إذا أمكن ، فإن لم يُمكن صِيرَ إلى اعتبار الناسخ من المنسوخ ؛ يعني إذا أمكن إثبات أن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ كان التوفيق بهذا الاعتبار . =

السائل : ... .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله .
= فإن لم يُمكن اعتبار الناسخ من المنسوخ من بينهما صِيرَ إلى الترجيح من حيث السند ، فيُؤخذ بالأقوى إسنادًا ، ويُترك ما دونه قوَّة ، فإن لم يُمكن الترجيح وهو المرتبة الثالثة حين ذاك يُتوقَّف ويُترك العلم إلى عالمه .
نعود إلى الوجه الأول من وجوه التوفيق بين الحديثين المختلفين اللذين هما من قسم المقبول ، فنقول : قد ذكر علماء الحديث وعلماء الأصول وجوهًا كثيرة جدًّا في سبيل التوفيق بين النَّصَّين المختلفَين دون أن يُصارَ إلى اعتبار الناسخ والمنسوخ ، إلا إذا لم يُمكن التوفيق بين الحديثين على وجهٍ من الوجوه هذه الكثيرة التي أبلَغَها الحافظ العراقي في " حاشيته " على " مقدمة علوم ابن الصلاح " أكثر من مئة وجه ، كلُّ وجهٍ من هذه المئة وجه يُوفَّق بين الحديثين المتعارضين ؛ بمعنى أنه إذا لم يتيسَّر للباحث التوفيق بالوجه الأول انتقل إلى الثاني ، فإن لم يمكن فالثالث ، وهكذا فالرابع إلى مئة وزيادة ؛ ولذلك فمن النادر جدًّا ألَّا يمكن التوفيق بين الحديثين المتعارضين حتى يضطرَّ الإنسان إلى أن يلجأَ إلى المرتبة الثانية من مراتب التوفيق ؛ ألا وهي مرتبة اعتبار الناسخ من المنسوخ .
والشاهد أنهم ذكروا في تلك الوجوه المئة فزيادة وهي التوفيق بين حديثين متعارضين هو : أنه إذا تعارَضَ نصَّان كلٌّ منهما عامٌّ نُظِر إلى هذَين النَّصَّين ؛ فإذا كان أحدهما عام مخصوص ، والآخر عام غير مخصوص ؛ سُلِّط العام هذا غير المخصوص على العام المخصوص فخَصَّصه .
... هذا الكلام مُغلق على كثير من الناس ؛ لأنه اصطلاح محض من علوم الحديث وأصول الفقه ، إلا أن المثل الذي نحن في صدده سيوضِّح لكم هذا الاصطلاح وضوحًا تامًّا ؛ لا سيما بعد أن قدَّمنا الأحاديث المُخصِّصة لعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الأول : لا صلاة بعد الفجر حتى تطلُعَ الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرُبَ الشمس .
... فنجد في حديث التحية حديثين اثنين ؛ أحدُهما عامٌّ يشمل كلَّ الأوقات بعمومه ؛ أَلَا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - من حديث أبي قتادة الأنصاري أنه دخَلَ المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جالسٌ فيه ، فجلس إلى جانبه ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : أَصَلَّيت ؟ . قال : لا . قال : قُمْ فصلِّ . وأنبِّهكم بأن هذا الحديث غير الحديث الثاني الآتي وهو حديث سُلَيك الغطفاني ، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - لأبي قتادة هذا : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلِسْ حتى يصلِّي ركعتين ، وفي رواية أخرى : فليصلِّ ركعتين ، ثم ليجلِسْ ، هذا حديث أبي قتادة الأنصاري في " الصحيحين " .
وهذا كما ترون بعمومه يشمل كل وقت ؛ لأنه قال : إذا دخَلَ أحدكم المسجد فلا يجلِسْ حتى يصلي ركعتين ، أو فليصلِّ ركعتين ، ثم ليجلِسْ ، لم يخصَّ وقتًا دون وقت ، وإنما عمَّمَ وأطلق ، يؤكد لنا العموم وأنه عام إلى أبعد حدود العموم بحيث أنه يشمل - أيضًا - وقتًا من الأوقات المكروهة ، يؤيِّد هذا الحديث الثاني ، هو حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخل رجلٌ يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخطب على المنبر ، فجلس ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : يا فلان ، وكان اسمه سُلَيك قال : يا فلان ، أَصَلَّيتَ ؟ . قال : لا . قال : قُمْ فصلِّ ركعتين . ثم التفت إلى الحاضرين جميعًا فقال لهم : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصلِّ ركعتين ، وليتجوَّز فيهما متفق عليه كما ذكرنا من حديث جابر .
نجد في هذا الحديث أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أمَرَ بصلاة التحية أمرًا عامًّا لكل مَن دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب بأن يصلي ركعتين ، فإذا تذكَّرنا اتفاقَ أهل العلم على النهي عن الصلاة ، الصلاة النافلة المطلقة يوم الجمعة والخطيب يخطب ؛ إذا علمِنا أن وقت كوْنِ الخطيب يخطب يوم الجمعة هو من الأوقات التي لا تُشرع فيها صلاة النوافل ، بل لا يُشرع فيه ما هو آكد من صلاة النافلة ؛ ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما ثبت - أيضًا - في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : مَن قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب : أنصِتْ ؛ فقد لَغَا ؛ إذًا قول القائل لِمَن يتكلَّم والخطيب يخطب يوم الجمعة " أنصِتْ " يعتبره الشارع الحكيم لغوًا من القول . ومعنى هذا أنه لا يجوز لِمَن سمع رجلًا يتكلَّم والخطيب يخطب يوم الجمعة أن يقول له : أنصِتْ ، ولازمه أن الأمر بالمعروف الذي هو واجب معروف يسقط في حالة كون الخطيب يخطب يوم الجمعة .
فإذا كان هذا كذلك ، وتذكَّرنا حديث سُلَيْك الغطفاني آنفًا ، وفيه أمر الرسول إيَّاه بأن يصلي التحية ، وأمر الرسول جميع الحاضرين بأنَّ أحدهم إذا دخل المسجد يوم الجمعة والخطيب يخطب ؛ فعليه - أيضًا - أن يصلي ركعتين ؛ نَتَجَ معنا أنَّ ما يُكْرَه من الأمر بالمعروف في وقت خطبة الخطيب يوم الجمعة يجوز من التحية في ذلك الوقت ما لا يجوز من الواجبات الأخرى ؛ فهل هناك دليل أوضح من هذا الحديث مِن أن صلاة التحية تُصلَّى في وقت الكراهة ؟! فقد عرفنا وتبيَّن لنا بوضوح أن وقت الخطيب يخطب يوم الجمعة هو وقت كراهة ، مع ذلك فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أمَرَ بالتحية في وقت هذه ، في هذا الوقت المكروه ، ونعلم حين ذاك أنه لا فرق بين وقت مكروه ووقت آخر ... .

Webiste