هل للمريض التوكل على الله - عز وجل - وترك التداوي ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ... عليه إثم ، عالَجَ نفسه وغيره بالدواء المادي ، فالإعراض عن الدواء المادي قد يحشر المعرض في جملة ... أو المتصوفين ، وهذا طبعًا لا يجوز إسلاميًّا .
السائل : التوكل على الله هل هو ... ؟
الشيخ : هذه المسألة ... لكن بالنسبة للتوكل على الله المسألة فيها تفصيل في الواقع ، هذا التفصيل يجب أن تعرفوه حقيقة ؛ لأنه أمر هام ، التوكل على الله أمر واجب ، أصل من أصول الشريعة لا بد منه ، ولكن لا بد مع التوكل من الأخذ بالأسباب كما ألمحنا آنفًا ، إلا أن القول في هذه الأسباب فيه تفصيل ، بعض هذه الأسباب قطعية من حيث أنها علاج ودواء ، فحين ذاك يجب الأخذ بها ؛ يعني نضرب مثل واضح جدًّا ؛ رجل قُطِعَ عرقٌ منه ، فلا يحسن أن يقول : أنا متوكل على الله ولا إيش ؟ يضمد الجرح ولا يشد العرق ، متوكل على الله ؛ هذا جاهل ، وإنما يُقال له كما قال - عليه السلام - بغير هذه مناسبة : اعقِلْها ثم توكَّل ، فشدُّ العرق وضمدُ الجرح هذا سبب معروف قطعيًّا بأنه يمنع سيلان الدم الذي لو استمَرَّ بصاحبه لَكانت النهاية الموت . هناك أدوية من مرتبة ثانية يغلب على المتعاطي لها أنه ينتفع من تعاطيه إياها ، فهنا يحسن الأخذ بها ، ثم هناك أدوية في المرتبة الثالثة لا يغلب على الظَّنِّ أنها تفيد ، وهذا النوع لا يحسن تعاطيه ، وهنا يأتي التوكل .
وهذا في الواقع بتجربتي الخاصة ومعرفتي الخاصة الناس اليوم أحوج ما يكونون إليه ؛ لأنني أعلم أن الناس يتعلَّقون في سبيل التداوي بالأدوية الطبية المادية ولو بالأوهام ، ما هو وصفة ؟ انتهى الأمر ، هنا يحصل ما قلت من التوكل ، وهنا يرد ما قلته آنفًا أن يستعمل الإنسان الطب النبوي الروحي هذا ، فإذًا التوكل على الله ليس مطلقًا ، وإنما على أحوال :
في الحالة الأولى : يجب أخذ السبب مع التوكل .
في الحالة الثانية : يحسن أخذ السبب لأنه يغلب على الظَّنِّ فائدته ولا بد من التوكل .
الحالة الثالثة : لا يجوز تعاطي ذلك السبب لأنه سبب موهوم ، وسبب يُشبه الأسباب التي كان أهل الجاهلية يتَّخذونها ويتوهَّمون منها خيرًا ، مثل الطِّيَرة مثلًا .
بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل من هذا القبيل يعني من النوع الثالث من حيث لا يحسن الأخذ به كسبب ، ويرجِّح الرسول - عليه السلام - في هذه الحالة التوكل المحض ؛ أن تطلب من أخيك المسلم أن يدعو لك لِيُعافيك الله - عز وجل - ؛ يعني تطلب منه الرقية ، هنا رجَّح الرسول - عليه السلام - التوكل على أن تطلب الرقية ، وهذا ما جاء صريحًا في قوله - عليه السلام - في حديث " الصحيحين " لمَّا ذكر - عليه السلام - : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر في قصة طويلة ذكرناها في بعض المناسبات ، ثم قال - عليه السلام - : هم الذين السبعون ألف هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ووجوههم كالقمر ليلة البدر ؛ مَن هم ؟ هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكلون .
فمع كون الطيرة من عادات الجاهلية التي أبطَلَها الرسول - عليه السلام - فهو وَصَفَ هؤلاء بأنهم لا يتطيَّرون ؛ قَرَنَ مع الطيرة طلب الرقية ، عدم التطير أمر بدهي من المسلم ؛ لأن الطِّيرة من أمور الجاهلية ، لكن ليس كذلك فيما يبدو بادي الرأي للمسلم أن تطلب من أخيك المسلم الصالح الرقية والدعاء لِيُعافيك الله مما فيك من بلاء ، لا يستويان مثلًا ، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قَرَنَ الرقية أو الاسترقاء بالمعنى الأصح من حيث منافاته التوكل المشروع مع الطيرة ، فالسبب في هذا كما يقول بعض المحقِّقين أنك حين تطلب من أخيك المسلم الدعاء لِيُعافيك فأنت لا تدري هل هذا الدعاء يُستجاب أم لا ؛ فهذا أمر مظنون ، هنا يقول لك الرسول - عليه السلام - : توكَّل على الله واعتمد على الله في أن يعافيك ويشفيك ، وحَشَرَ مع هذه الأمور الثلاثة المنافية للتوكل التدواي بالكيِّ بالنار ، فقال : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ؛ مع أن الكيَّ مِن خير ما تداويتم به كما قال - عليه السلام - في بعض الأحاديث الصحيحة ، فالسبب هنا يُنافي السبب الذي نفى شرعية الاسترقاء ، السبب في نفي شرعية الاسترقاء هو أنك تعتمد على سبب غير راجح ، بينما هنا السبب راجح ، ولكن فيه استعمال النار ، فيه تعذيب ، ولا يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار ؛ لذلك لما ذكر الرسول - عليه السلام - في حديث البخاري : من خير ما تداويتم به ثلاث ، ذكر معهنَّ الكي قال : وأنهى أمتي عن الكيِّ لهذا السبب .
خلاصة القول : فالتوكل يجب أن يقترنَ معه الأخذ بالأسباب الراجحة فضلًا عن الأسباب المقطوع بها .
السائل : ... .
الشيخ : يكفي الآن يا أستاذ ؛ لأنُّو ما بتنتهي القضية .
السائل : التوكل على الله هل هو ... ؟
الشيخ : هذه المسألة ... لكن بالنسبة للتوكل على الله المسألة فيها تفصيل في الواقع ، هذا التفصيل يجب أن تعرفوه حقيقة ؛ لأنه أمر هام ، التوكل على الله أمر واجب ، أصل من أصول الشريعة لا بد منه ، ولكن لا بد مع التوكل من الأخذ بالأسباب كما ألمحنا آنفًا ، إلا أن القول في هذه الأسباب فيه تفصيل ، بعض هذه الأسباب قطعية من حيث أنها علاج ودواء ، فحين ذاك يجب الأخذ بها ؛ يعني نضرب مثل واضح جدًّا ؛ رجل قُطِعَ عرقٌ منه ، فلا يحسن أن يقول : أنا متوكل على الله ولا إيش ؟ يضمد الجرح ولا يشد العرق ، متوكل على الله ؛ هذا جاهل ، وإنما يُقال له كما قال - عليه السلام - بغير هذه مناسبة : اعقِلْها ثم توكَّل ، فشدُّ العرق وضمدُ الجرح هذا سبب معروف قطعيًّا بأنه يمنع سيلان الدم الذي لو استمَرَّ بصاحبه لَكانت النهاية الموت . هناك أدوية من مرتبة ثانية يغلب على المتعاطي لها أنه ينتفع من تعاطيه إياها ، فهنا يحسن الأخذ بها ، ثم هناك أدوية في المرتبة الثالثة لا يغلب على الظَّنِّ أنها تفيد ، وهذا النوع لا يحسن تعاطيه ، وهنا يأتي التوكل .
وهذا في الواقع بتجربتي الخاصة ومعرفتي الخاصة الناس اليوم أحوج ما يكونون إليه ؛ لأنني أعلم أن الناس يتعلَّقون في سبيل التداوي بالأدوية الطبية المادية ولو بالأوهام ، ما هو وصفة ؟ انتهى الأمر ، هنا يحصل ما قلت من التوكل ، وهنا يرد ما قلته آنفًا أن يستعمل الإنسان الطب النبوي الروحي هذا ، فإذًا التوكل على الله ليس مطلقًا ، وإنما على أحوال :
في الحالة الأولى : يجب أخذ السبب مع التوكل .
في الحالة الثانية : يحسن أخذ السبب لأنه يغلب على الظَّنِّ فائدته ولا بد من التوكل .
الحالة الثالثة : لا يجوز تعاطي ذلك السبب لأنه سبب موهوم ، وسبب يُشبه الأسباب التي كان أهل الجاهلية يتَّخذونها ويتوهَّمون منها خيرًا ، مثل الطِّيَرة مثلًا .
بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل من هذا القبيل يعني من النوع الثالث من حيث لا يحسن الأخذ به كسبب ، ويرجِّح الرسول - عليه السلام - في هذه الحالة التوكل المحض ؛ أن تطلب من أخيك المسلم أن يدعو لك لِيُعافيك الله - عز وجل - ؛ يعني تطلب منه الرقية ، هنا رجَّح الرسول - عليه السلام - التوكل على أن تطلب الرقية ، وهذا ما جاء صريحًا في قوله - عليه السلام - في حديث " الصحيحين " لمَّا ذكر - عليه السلام - : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر في قصة طويلة ذكرناها في بعض المناسبات ، ثم قال - عليه السلام - : هم الذين السبعون ألف هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ووجوههم كالقمر ليلة البدر ؛ مَن هم ؟ هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكلون .
فمع كون الطيرة من عادات الجاهلية التي أبطَلَها الرسول - عليه السلام - فهو وَصَفَ هؤلاء بأنهم لا يتطيَّرون ؛ قَرَنَ مع الطيرة طلب الرقية ، عدم التطير أمر بدهي من المسلم ؛ لأن الطِّيرة من أمور الجاهلية ، لكن ليس كذلك فيما يبدو بادي الرأي للمسلم أن تطلب من أخيك المسلم الصالح الرقية والدعاء لِيُعافيك الله مما فيك من بلاء ، لا يستويان مثلًا ، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قَرَنَ الرقية أو الاسترقاء بالمعنى الأصح من حيث منافاته التوكل المشروع مع الطيرة ، فالسبب في هذا كما يقول بعض المحقِّقين أنك حين تطلب من أخيك المسلم الدعاء لِيُعافيك فأنت لا تدري هل هذا الدعاء يُستجاب أم لا ؛ فهذا أمر مظنون ، هنا يقول لك الرسول - عليه السلام - : توكَّل على الله واعتمد على الله في أن يعافيك ويشفيك ، وحَشَرَ مع هذه الأمور الثلاثة المنافية للتوكل التدواي بالكيِّ بالنار ، فقال : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ؛ مع أن الكيَّ مِن خير ما تداويتم به كما قال - عليه السلام - في بعض الأحاديث الصحيحة ، فالسبب هنا يُنافي السبب الذي نفى شرعية الاسترقاء ، السبب في نفي شرعية الاسترقاء هو أنك تعتمد على سبب غير راجح ، بينما هنا السبب راجح ، ولكن فيه استعمال النار ، فيه تعذيب ، ولا يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار ؛ لذلك لما ذكر الرسول - عليه السلام - في حديث البخاري : من خير ما تداويتم به ثلاث ، ذكر معهنَّ الكي قال : وأنهى أمتي عن الكيِّ لهذا السبب .
خلاصة القول : فالتوكل يجب أن يقترنَ معه الأخذ بالأسباب الراجحة فضلًا عن الأسباب المقطوع بها .
السائل : ... .
الشيخ : يكفي الآن يا أستاذ ؛ لأنُّو ما بتنتهي القضية .
الفتاوى المشابهة
- حكم الجمع بين فعل الأسباب والتوكل على الله - الفوزان
- التوكل على الله عقيدة في القلب - الفوزان
- الكلام على التوكل. - ابن عثيمين
- ما حقيقة التوكل على الله ؟ - ابن عثيمين
- التوكل المشروع والتوكل الممنوع - ابن عثيمين
- كلام الشيخ على معنى التوكل الصحيح في الإسلام. - الالباني
- حقيقة التوكل على الله - اللجنة الدائمة
- الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله - اللجنة الدائمة
- معنى التوكل على الله - ابن باز
- هل من تمام التوكل ترك التداوي؟ - الالباني
- هل للمريض التوكل على الله - عز وجل - وترك التد... - الالباني