تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح أبواب من كتاب الحج من زاد المستقنع. - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدينسبق أن المؤلف رحمه الله ذكر أنه يسن دخول مكة...
العالم
طريقة البحث
شرح أبواب من كتاب الحج من زاد المستقنع.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
سبق أن المؤلف رحمه الله ذكر أنه يسن دخول مكة من أعلاها، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلها من أعلاها، وأن العلماء اختلفوا هل هذا الدخول مقصود أو وقع اتفاقا، فمنهم من قال أنه مقصود وأن الإنسان لو أتى من الغرب من مكة فإنه يدور حول مكة حتى يدخل من الشرق، ومنهم من قال بل وقع هذا اتفاقا لأنه أيسر، أيسر لدخوله عليه الصلاة والسلام، وليس هذا ببعيد، فهذا القول أقرب للصواب من القول الأول، كذلك أيضا نقول يدخل المسجد من باب بني شيبة وهو معروف، ويقال فيه ما يقال في دخول مكة من أعلاها هل هو مقصود أو وقع اتفاقا، فإن قلنا إنه مقصود صار الإنسان يطوف على المسجد حتى يحاذي هذا الباب فيدخل من هناك، وإذا قلنا ليس بمقصود وإنما وقع اتفاقا لم يشرع ذلك، وسبق أن الإنسان أنه إذا دخل البيت يطوف مضطبعا، وأن الاضطباع هو أن يجعل وسط ردائه تحت كتفه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، والحكمة من ذلك إظهار القوة والنشاط، لأن هذا أنشط للإنسان مما إذا التحف والتف بردائه، وقبل هذه الحكمة، الحكمة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فعله بالنسبة لنا، لكن لماذا فعله؟ لأنه يدل على النشاط والقوة والجلد.
يطوف مضطبعا، يقول آخر ما وقفنا عليه : يبتدئ المعتمر بطواف العمرة، هذا مبتدأ درس الليلة، يبتدئ المعتمر بطواف العمرة، وهذا يشمل المعتمر عمرة تمتع والمعتمر عمرة مفردة، فالمعتمر عمرة مفردة هو الذي يعتمر في أي شهر من شهور السنة والمعتمر عمرة تمتع هو الذي يعتمر في أشهر الحج ناويا الحج من عامه، هذا هو المتمتع، فإن اعتمر في أشهر الحج وهو لا يريد الحج ثم طرأ له بعد أن يحج فليس بمتمتع، بل هو معتمر وقولنا يبتدئ المعتمر بطواف العمرة، ظاهره أنه لا يصلي تحية المسجد، وهو كذلك فإن من دخل المسجد الحرام للطواف أغناه الطواف عن تحية المسجد، ومن دخله للصلاة أو الذكر أو للقراءة أو ما أشبه ذلك فإنه يصلي ركعتين كما يصلي إذا دخل أي مسجد آخر، قال : والقارن والمفرد للقدوم، يعني يطوف القارن والمفرد للقدوم، وليس هذا بواجب، أعني طواف القدوم، ودليل ذلك حديث عروة بن مضرس أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي الفجر في مزدلفة، وأخبره أنه ما ترك جبلا إلا وقف عنده، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ولم يذكر طواف القدوم، فدل هذا على أنه ليس بواجب.
وسمي طواف القدوم، لأنه جاء عند قدوم الإنسان إلى مكة، ولهذا ينبغي أن يبتدأ الإنسان به قبل كل شيء، قبل أن يحط رحله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة عمد إلى البيت وأناخ راحلته وطاف، ولكن إذا شق على الإنسان هذا العمل، وأراد أن يذهب إلى مكان سكناه ويحط رحله فلا حرج، فالمسألة مبناها على السنية فقط.
قال : فيحاذي الحجر الأسود بكله، يحاذي : أي : يوازي، يكون حذوه، الحجر الأسود هو الذي في الركن الشرقي الجنوبي من الكعبة، ويوصف بالأسود لسواده، ويخطئ من يقول الحجر الأسعد، فإن هذه تسمية بدعية، فإن اسمه الحجر الأسود، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن ولكنه سودته خطايا بني آدم فإن كان الحديث صحيحا فلا غرابة فيه أن يكون نازلا من الجنة، وإن لم يكن صحيحا وهو الأقرب أنه ضعيف فلا إشكال فيه.
قال : ويحاذي الحجر الأسود بكله، وقوله : "بكله "، يعني : بكل بدنه، لا بد أن يحاذي الحجر بكل البدن، فلو وقف أمام الحجر، وبعض الحجر بدنه خارج الحجر فإن طوافه ليس بصحيح، لا بد أن يحاذي الحجر الأسود بكله، وقول المؤلف : يدل على أنه لاينبغي أن يتقدم نحو الركن اليماني، فيبتدئ من قبل الحجر فإن هذا بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتدأ الطواف من الحجر، فكونك تتقدم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام وتبتدئ من قبل الحجر هذا من البدع ومن التنطع في دين الله، فلا ينبغي أن يخطو الإنسان خطوة واحدة قبل الحجر الأسود، بل يبتدئ من الحجر، إلا أنه يجب أن يلاحظ أنه لا بد من محاذاته بكل البدن، ولهذا قال يحاذي الحجر الأسود بكله، ويستلمه، يستلمه يعني يمسحه بيده، هذا هو الاستلام، واستلام كل شيء بحسبه، فاستلام النقود من المشتري يعني قبضها باليد، أما استلام الحجر الأسود أو الركن اليماني فالمراد به أن يمسحه، وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ورد حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض وأن من صافحه فكأنما صافح الله عز وجل وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه ذكر عن ابن عباس من قوله، وابن عباس رضي الله عنهما ممن عرف بالأخذ عن الإسرائيليات، فلا يعول على قوله في مثل هذا، لأن العلماء ذكروا من شرط كون الخبر مرفوعا حكما إذا أخبر به صحابي أن لا يكون الصحابي معروفا عن الأخذ من بني إسرائيل.
قال : ويقبله، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقبله، لكن هل يقبله محبة له لكونه حجرا، أو تعظيما لله عز وجل ؟ الثاني بلا شك، لا محبة له من حيث كونه حجرا، ولا للتبرك به أيضا، كما يصنعه بعض الجهال يمسح يده بالحجر الأسود، ثم يمسح بها بدنه، أو يمسح الحجر الأسود، ثم يفيضها على بدنه ، أو يمسح بالحجر الأسود ثم يمسح به صبيانه الصغار تبركا به، فإن هذا من البدع، وهو نوع من الشرك، ولهذا قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الحجر الأسود وقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، حجر من الأحجار ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك، فأفاد رضي الله عنه بهذا أنه مجرد تعبد واتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، أننا رأينا النبي صلى الله عليه وآله يقبله فقبلناه، لكننا نعلم أننا نقبله تعظيما لله عز وجل ومحبة له، وقد قال مجنون ليلى : " أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا، وما حب الديار شغفن قلبي، ولكن حب من سكن الديارا "، فهذا المجنون، هو مجنون جنون عشق، يمر على ديارها، فيأتي إلى بيتها ويقبله جدارا جدارا، يقول ما حب الديار شغفن قلبي، ولكن حب من سكن الديارا،
فالإنسان إذا أحب شخصا أحب مسكنه وأحب القرب منه، فلذلك كان تقبيلنا للحجر الأسود محبة لله عز وجل وتعظيما له ومحبة للقرب منه سبحانه وتعالى.
يقول : " يحاذي الحجر الأسود بكله ويستلمه ويقبله، فإن شق قبل يده "، يعني بعد استلامه إن شق، أي شق الاستلام والتقبيل فإنه يستلمه بيده ويقبل يده، ولهذا قال قبل يده يعني بعد أن يستلمه ويمسحه، لا أنه يقبل يده بدون مسح بدون استلام، فإن شق اللمس أشار إليه، وإذا أشار إليه فإنه لا يقبله، كل هذه الصفات وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي مرتبة حسب الأسهل، فأعلاها استلام وتقبيل، ثم استلام بلا تقبيل، إذا شق التقبيل، ولكن يستلم، ولكن يقبل يده الاثنتين ثم إشارة إذا لم يمكن استلامه بيده يشير، وفي هذه الحال لا تقبيل فالمراتب ... المراتب ثلاث، أعلاها استلام وتقبيل، ثم استلام بلا تقبيل ولكن يقبل اليد ثم إشارة بلا تقبيل، لأنه لا تقبيل مع الإشارة إذ أن يدك لم تمس الحجر حتى تقبلها، فإن شق أشار إليه ويقول ما ورد، يعني ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن في ابتداء الطواف، بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما كان ابن عمر يقول ذلك، أما في الدورات الأخرى، فإنه يكبر كلما حاذى الحجر كبر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بقي أن يقال كيف الإشارة؟ هل الإشارة كما يفعل العامة أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة؟ أي ترفع اليدين هكذا الله أكبر؟ لا، الإشارة باليد اليمنى، كما أن المسح يكون باليد اليمنى، تشير، ولكن هل تشير وأنت ماش، والحجر على يسارك؟ أو تستقبله؟ روي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له : إنك رجل قوي، فلا تزاحم فتؤذي الضعيف إن وجدت فرجة فاستلم وإلا فاستقبله وهلل وكبر ، قال : وإلا فاستقبله ، وهذا هو الظاهر أنه عند الإشارة يستقبله، لأن هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل، والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلا له بالضرورة، الظاهر أنه يستقبله، لكن إن شق أيضا مع كثرة الزحام، فلا حرج أن يشير وهو ماش، ويقول ما ورد، إذا الحجر له سنتان، سنة فعلية وسنة قولية.
قال : " ويجعل البيت عن يساره "، إذا طاف، يجعل البيت عن يساره، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف هكذا أي جعل البيت عن يساره، وقال : لتأخذوا عني مناسككم ، هذا هو الدليل، التعليل، التعليل لأن الإنسان إذا وقف أمام الحجر فسوف ينصرف، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على تقديم الأيمن، وهو إذا انصرف الآن ينصرف إلى اليمين أو إلى اليسار؟ إلى اليمين، وإذا انصرف إلى اليمين لزم أن تكون الكعبة عن يساره، طيب، وأيضا باب الكعبة من المشرق شرقا، والباب هو وجه الكعبة وخلفه دبر الكعبة، فإذا انصرف عن يمينه وجعل الكعبة عن يساره فقد قدم وجه الكعبة على دبرها هذا وجه ثاني، وهي حكمة مناسبة لا شك، في وجه ثالث أن الحركة إذا جعل البيت عن يساره، يعتمد فيها الأيمن على الأيسر إن لف هكذا يعتمد الأيمن على الأيسر فيكون هذا أولى، أن يعتمد الأيمن على الأيسر فيعلو على الأيسر، بخلاف ما لو اعتمد الأيسر على الأيمن فإن الأيسر يكون هو الأعلى، في حكمة رابعة ذكرها بعض العلماء قال : إن القلب باليسار، القلب باليسار، وهو بيت تعظيم الله عز وجل، محل التعظيم، محل تعظيم الله عز وجل ومحبته، فصار من المناسب أن يجعل البيت عن يساره ليقرب محل ذكر الله وعبادته وتعظيمه من البيت المعظم، من البيت المعظم، فيكون القلب مواليا للبيت إذا جعل الكعبة عن يساره، فهذه أربعة أمور أعلاها بالنسبة لنا ما هو؟ اتباع السنة هذا أعلاها، لكن لماذا فعل الرسول هكذا؟ نقول له هذه الأوجه الأربعة، نعم.
يقول : ويطوف سبعا، يطوف يعني يتردد بدوران على الكعبة، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسبعا كاملة، كاملة لا تقل، فلو نقص خطوة واحدة من أوله أو آخره لم يصح، كما لو نقص شيئا من الصلاة الرباعية، أو الثلاثية، أو الثنائية، فإنها لا تصح، لا بد أن تطوف سبعا .
يقول : يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثا ثم يمشي أربعا، يرمل الأفقي، الأفقي قال العلماء : هو الذي أحرم من بعيد عن مكة، من الميقات أو ما دونه إذا كان بعيد، فمثلا من أحرم من قرن المنازل أو يلملم أو ذات عرق أو الجحفة فإنه يرمل، ومن أحرم من ذي الحليفة فإنه يرمل من باب أولى لأنه أبعد، ومن أحرم دون ذلك لكنه يعتبر بعيدا عن مكة، فإنه يرمل حتى لو كان من أهل مكة ودخل مكة وأحرم من مكان بعيد فإنه يرمل في هذا الطواف، في هذا المشار إليه طواف القدوم.

Webiste