تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح الحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضل... - الالبانيالشيخ : حديثنا في هذه الليلة يبدأ بالحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضله و الحديث صحيح كما يدلكم تخريجه قال المؤلف رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله...
العالم
طريقة البحث
شرح الحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر أن يجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له رواه البخاري ومسلم ورواه مالك والنسائي ونحوه
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : حديثنا في هذه الليلة يبدأ بالحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضله و الحديث صحيح كما يدلكم تخريجه قال المؤلف رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذرّوني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبنّي عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغُفر له وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر أن يجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له رواه البخاري ومسلم ورواه مالك والنسائي بنحوه .
هذا الحديث من الغرائب يتضمّن من غرائب الحوادث التي كانت تقع في الزمن السابق ما قبل الرسول صلى الله عليه و سلم فكان يقع فيه من الغرائب و العجائب التي إما هو لم يعد يقع مثلها بعد الرسول صلى الله عليه و سلم لحكمة أرادها الله و إما أنه قد يقع شيء منها و لكن لا يبلغنا خبرها لأنه ليس لنا هناك من يستقصي هذه الأخبار إلا الخالق لأصحابها و أصحاب العلاقات بها ثم هو يوحي بها إلى نبينا المعصوم عليه الصلاة و السلام ثم هو يبلّغها أمّته موعظة و ذكرى من أجل ذلك أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم بلغوا عنّي و لو آية و حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار و الشاهد هو الفقرة الوسطى في هذا الحديث ألا وهي قوله عليه الصلاة و السلام وحدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج و إن من خير ما يحدّث به أحدنا اليوم عن نبي إسرائيل هو ما حدّثنا به رسول الله صلى الله عليه و سلّم ممّا صحت الأسانيد في ذلك عنه عليه الصلاة و السلام ... فهذا الحديث كما سمعتم فيه عجيبة من تلك العجائب فالرسول صلى الله عليه و آله وسلّم يقول كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت في الرواية الأخرى لم يعمل خيرا قط في هذه الرواية الأولى استمر في إسرافه على نفسه أي ظلمه لها حتى حضره الموت أي لم يكن من أولئك الذين يقضون شطرا من حياتهم في الإسراف ، في الفسق ، في ثم قبيل وفاتهم يرجعون إلى الله تبارك و تعالى و يتوبون إليه هذا الإنسان لم يكن كذلك و إنما استمر في إسرافه وفي ظلمه لنفسه ومعصيته لربه حتى حضره الموت لكنه لم يكن من أولئك الناس المغرورين الذين يسيؤون العمل ثم يرجون من الله تبارك و تعالى المغفرة هكذا الكثير من المسلمين اليوم مع الأسف الشديد يتواكلون على مغفرة الله عز و جلّ و لا يتعاطون من الأعمال الصالحات ما بها يستحقون مغفرة الله تبارك و تعالى هذا الرجل كان معترفا بتقصيره و بجنايته على نفسه ومع ذلك فيبدو من هذه القصّة العجيبة بأنه كان إيمانه لا يزال حيّا في قلبه و كان لا يزال فيه شيء استحق به أن ينال مغفرة الله تبارك و تعالى مع أنه سلك سبيلا ربما لم يسلكه أحد قبله و لا أحد بعده ذلك أنه أوصى بهذه الوصية الجائرة حيث قال عليه الصلاة و السلام لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ولم يقنع بهذا فقال اطحنوني تصورا منه أن الحرق قد لا يأتي على عظامه كلّها فيبقى هناك شيء قائم من هذه العظام فتأكيدا لما خيّل له من وسيلة للنجاة من عذاب الله عز و جلّ قال لهم اطحنوني يعني باعتبار ما كان كان إنسانا سويا فمات فأمرهم بأن يحرّقوه بالنار ثم أكّد لهم ذلك بأن يطحنوه ثم يأخذوا الحاصل من ذلك الحرق و الطحن وهو أن يصبح رميما قال ثم ذروني في الريح و في رواية أخرى فيها توضيح كما سمعتم و سيأتي أيضا أنه أمر بأن يذرّوا أو يذروا روايتان نصف الرماد هذا في الريح ونصفه في البحر مبالغة أيضا في أن يضيع على الله عزّ و جلّ في زعمه الضال قال ثم ذروني في الريح لماذا أوصى بهذه الوصية الجائرة الغريبة ؟ حلف و بيّن فقال فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا أي من المسرفين على أنفسهم فلما مات فعل به و هنا يظهر نوع من الطاعة من الأولاد للآباء طاعة متناهية ولكن يظهر أنه لم يكن عندهم إما لم يكن عندهم في شرعهم أن مثل هذه الوصيّة هي وصية جائرة لا يجوز الإيصاء بها و إذا ما أوصى بها جائر كهذا فلا يجوز الموصى له أن ينفّذها لأنها مخالفة لشريعة الله عز و جل فتنفيذ هؤلاء الأبناء لوصية أبيهم هذا يحمل على وجه من وجهين الأول أنه ربما لم يكن في شرعهم أن هذا لا يجوز و الوجه الآخر أنه إذا كان ذلك في شرعهم فهؤلاء لم يكونوا على علم بذلك ولذلك بادروا فنفّذوا وصية أبيهم هذه قال عليه الصلاة و السلام في تمام الحديث فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك بعد ما تفرّقت ذرات هذا الإنسان المحرّق بالنار و الذر في الريح و في البحر قال لكل من البحر و الأرض اجمعي ذرات فلان و قال لها كوني فلانا فكانت بشرا سويا فقال تبارك و تعالى مخاطبا لهذا الإنسان بعد أن أعاده كما كان ما حملك على ما صنعت ؟ قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له و في رواية أن رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه انتقل الخطاب إلى الغيبة ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر أن يجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له في هذا الحديث مثل رائع و عظيم جدّا كتفسير لبعض النصوص من الكتاب و السّنّة كقوله تعالى و رحمتي وسعت كلّ شيء و كقوله عليه الصلاة و السلام في صحيح البخاري سبقت رحمتي غضبي مثل هذا الإنسان إذا ما سئل أي عالم في الدنيا عالما حقيقيا عن إنسان أوصى بمثل هذه الوصية و نفّذت فيه هل يكون مسلما أم كافرا ؟ لابد أن يكون الجواب هو كافر و الحجة واضحة بينة ذلك لأن هذا الإنسان في هذه الوصية يذكّرنا بذاك الذي ذكره الله عز و جل في القرآن مشيرا إليه بقوله و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة إلى آخر الآية فهذا الإنسان كأنه لا يؤمن ، كأنه من هذا الجنس الذي قال من يحيي العظام و هي رميم مع ذلك نجد أن الله عز و جلّ قد غفر لهذا الإنسان فإذا سئل عالم عن مثل هذا الإنسان يوصي بمثل هذه الوصية لا يسعه إلا أن يحكم عليه أنه كافر كفرا يخلّد صاحبه في النار أبدا لا يخرج منها و إذ الأمر كذلك فكيف يمكن أن نتلقى هذا الحديث بالقبول و ظاهره يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة لأنه منصوص هذا المعلوم في القرآن الكريم حين قال رب العالمين إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء فهذه الآية صريحة الدلالة أي بتعبير علماء الأصول هي قطعية الثبوت قطعية الدلالة و دلالتها أن الله عزّ و جلّ يمكن أن يغفر أي ذنب مهما كان عظيما إلا الشرك بالله تبارك و تعالى فإن الله لا يغفره إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء

Webiste