هل يجب علينا كمسلمين اتِّباع مذهب من المذاهب الأربعة أو لنا أن نأخذ ما يناسبنا من تلك المذاهب ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : طبعًا المرجع ... هو معروف كتاب الله وسنة النبي لا نقاش فيه ، والمذاهب الأربعة الفقهاء لتوضيح بعض الااجتهادات ... أو تفسير لما ورد في السنة ؛ فهل نحن كمسلمين ملزمين بالالتزام بمذهب معيَّن ولَّا نعتمد على أيِّ شيء يقع بين أيدينا ، أو نأخذ ما يناسبنا من المذاهب ؟
الشيخ : أنت عم تسأل وواضح من أحاديثك أنك تؤكد دائمًا على مسألة وتكرِّر عليها منشان ترسخ في الأذهان جيِّدًا ، وإلا قد سبق أني قلت : نحن لا نرى التديُّن بالتقليد وإن كان التقليد قد يجب على كثير من العلماء حينما يجهلون الحكم الشرعي ، فالأئمة الأربعة خدموا الإسلام ، وفسَّروا القرآن ، وبيَّنوا الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة ؛ هذا أمر لا إشكال فيه ، وهو مما لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان أو كبشان ، لكن الذي ينبغي أن يكون راسخًا في الأذهان هو أن اجتهادات الأئمة فيها الخطأ وفيها الصواب ، وأن تمييز الخطأ من الصواب هو من وظيفة العلماء وليس من وظيفة عامة الناس ، ولعلي كنت ذكرت في بعض الجلسات وأنت حاضر فيها يمكن قلت : إن الله - تبارك وتعالى - جعل المجتمع الإسلامي من حيث علمه وجهله قسمين في مثل قوله - عز وجل - : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ، فقسم أهل ذكر ، وقسم لا يعلمون ، فأوجب على كلٍّ من القسمين واجبًا غير واجب على الآخر ، أوجب على مَن لا علم عنده أن يسأل أهل العلم ، وأوجب على أهل العلم أن يبيِّنوه ولا يكتموه على الناس ، فالسَّائلون الواجب عليهم أن يسألوا أهل العلم ما عيَّن لهم شخصًا بعينه ، ما قال لهم - مثلًا - : سلوا أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليًّا ، إنما قال : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ، فكان الأصحاب إذا وقعت لهم مسألة ما يعرفوا الحكم فيها لقوا أبو بكر سألوه ، لقوا عمر سألوه ، ابن مسعود سألوه ، إلى آخره ، ما فيهم واحد يقول : أنا بكري ما أؤمن إلا بعلم أبو بكر ، وآخر عمري وعثماني و ، ما في شيء من هذا أبدًا ، وإنما أهل الذكر ، مَن كان عندهم من أهل الذكر سألوه ، فيكون الواقع أنُّو تارةً يسألون أبو بكر ، تارةً عمر ، تارةً ابن مسعود ، تارةً ابن عمر إلى آخره ، وهكذا ينبغي أن تمشي الخطة ؛ لأنُّو :
" وكلُّ خيرٍ في اتِّباع من سَلَفْ *** وكلُّ شرٍّ في اتباع مَن خَلَفْ "
لما صارت القضية بقى حزبية مذهبية صار كل ناس يتحزب لإمام ويتعصب له ، فنتج من ذلك مفسدتان ، إحداهما هي ثمرة الأولى . فالمفسدة الأولى : أنه خَسِرَ علم الأئمة الآخرين ، فهو لا يعترف عليهم ولا يستفيد منهم ؛ لأنُّو متمسك بهذا الإمام ، وقُلْ على الناس الآخرين كل واحد له إمامه ، فلا يستفيدون من الأئمة الآخرين ؛ علمًا أن الأئمة كما قلنا ونقول دائمًا : ربنا - عز وجل - ما حصر علمه وفضله في أربعة أئمة في هذا العالم الإسلامي الذي يعد الملايين إذا لم نقل بلايين ، فهناك مو بس أربعة ، أربعين وأربع مئة وأربعة آلاف وعدَّ ما شئت ، فحينما يتمسك الإنسان بمذهب لإمام من هؤلاء الأئمة خَسِرَ جهود الأئمة الآخرين وعلومهم وأحاديثهم فلا يستفيد منهم شيئًا ، هذه أول خسارة .
الخسارة الثانية - التي هي ثمرة الأولى كما قلنا - : هو أنه ستقع الحزبية العمياء التي تقع بين الناس اللادينيين ، القوميين والشيوعيين وإلى آخره ، يقع مثل هذا النزاع والخلاف بين المتدينين بالتقليد ، هذا يقول : إمامي أبو حنيفة أعلم هو الإمام الأعظم ، أنت إمامك الشافعي هو أصغر ، وهذا ليس بأعظم ، بيعكس الشافعي القضية ويقول : الإمام الأعظم هو الشافعي ، وهذا كله واقع مش خيال مش شيء نظري ، فهناك مَن ألَّفَ كتابًا والكتاب موجود اليوم مطبوع عدَّة طباعات ، عنوانه : " المذهب الحق " ، يثبت فيه أن المذهب الشافعي هو المذهب الحق ، ويروي هناك حكاية أنا أعتقد أنها خيالية ، وإن كانت واقعية فبيكون الملك هاللي كان هو سبب الحكاية بيكون واحد أخرق أحمق ، وبخاصة أنُّو كان شيعي ؛ لأن الحكاية ماذا تقول ؟
هناك في دولة للفاطميين في مصر بعض العلماء من أهل السنة ، استطاع أن يؤثِّر في حاكم كان طبعًا فاطمي شيعي ، واقتنع الرجل بأن هداك المذهب فاسد ، وأنُّو لازم يتمسك بمذهب من مذاهب أهل السنة ، فلما اقتنع هذه القناعة الأولى سأل : بأنو مذهب لازم أنا أتمسك فيه بعدما تركت مذهب التشيع ؟ قالوا له : في مذاهب أربعة فاختر منها ما شئت . وكما يقولون اليوم - وقولهم غير الحق بطبيعة الحال - : " وكلهم من رسول الله ملتمسُ " ، لا يفرِّقون بين ما أخذوه من آية أو حديث ، أو أخذوه اجتهادًا واستنباطًا ، وهذا معرض للصواب والخطأ ، فقال هذا الملك : جيبوا لي رجلين من علماء المذهب الحنفي والشافعي ، خلِّي كل واحد منهم يصلي قدام مني الصلاة حسب مذهبه ، وأنا بعدين أختار ، زعم هذا الكتاب جابوا عالمين ، العالم الحنفي جاء وقد تدرَّع ولبس جلد كلب مذكَّى مقلوبًا ، والذباب رَكِبَه من جميع الأطراف ، هذا يشير إلى رأي في المذهب الحنفي أنُّو إذا ذبح الكلب وقال : بسم الله طَهُرَ ؛ فإذًا هو ذبح كلب على هالطريقة سلخه وحط الجلد على بدنه وأحرم ، ما أقول : كبَّر ؛ لأنُّو لسا ما كبَّر ، لما إجا بدو يكبِّر ما قال باللغة العربية : الله أكبر كما هو السنة بل الأمر ، قال باللغة التركية - مثلًا - : " Tanrı büyük " ، أو بالألباني : " ... " ، ما قال : الله أكبر ؛ يشير بهذا أنه يجوز في المذهب الحنفي أن يدخل في الصلاة بأيِّ جملة فيها تعظيم لله ولو كانت غير عربية ، المذهب الشافعي وغيره لا يُجيز هذا ، بدو يقرأ : مُدْهَامَّتَانِ وركع ، ما قرأ الفاتحة ؛ لأنُّو يصح عندهم ولو آية قصيرة ، وفي قول ثاني لازم تكون آية طويلة ، ركع ، لسا ما ركع رفع رأسه ما قال شيء .
الخلاصة : القصة باختصار أخذوا من المذهب الحنفي أسوأ صلاة يُجيزونها ، والنكتة أن الأحناف يقولون : يجب أن يخرج من الصلاة بصنعه ؛ لو بدل ما يقول : السلام عليكم سبَّ جاره ، صحت الصلاة !
السائل : سبَّه ؟!
الشيخ : سبَّه شتمه ؛ ليش ؟ لأنه خرج بصنعه .
القصة مو هيك ، بدل ما يسلِّم - ولا مؤاخذة - ضرط ؛ لأنُّو هذا يجوز في المذهب الحنفي ، شوفوا بقى هداك الشافعي كيف صلى ؟ لبس ثياب نظيفة وتعطَّر ، ووقف بكلِّ أدب وخشوع ، الله أكبر ، وجَّهت وجهي ، قرأ الفاتحة ، وقرأ السورة وإلى آخره ، وركع واطمأنَّ وقرأ ؛ يعني صلاة كاملة ، لما تُعرض صلاتان لمذهبين أمام أيِّ أحمق كان مين بدو يختار ؟ المذهب الأول اللي يجيز الصلاة بجلد كلب مذكَّى ، ولا يقرأ ، وإنما آية مختصرة جدًّا ، ولا يذكر الله في الركوع وفي السجود ، وبعدين ختامها زفت ؟ مين بيفضل هَيْ الصلاة على هديك ؟ لا أحد ، فمن يومها صار هذا الرجل إيش ؟ شافعي المذهب !!
كيف يُطبع مثل القصة في كتاب تحت عنوان : " المذهب الحق " ، وينشر يطبع في مصر ... ؟ هذا كله كمثال ، والأمثلة أكثر بكثير جدًّا ، ما فعل التديُّن بالتمذهب بالمسلمين !! أَلَا يكفي حتى اليوم موجود النص في كتب الأحناف ، منها كتاب : " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " ، سؤال : هل يجوز لحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ؟ قال : لا . لماذا ؟ لأنَّ الشافعية يشكُّون في إيمانهم ، وهذا بحث طويل الحقيقة له علاقة بعلم الكلام ، الشافعي إذا قيل له : هل أنت مؤمن ؟ يقول : إن شاء الله . الحنفي إذا قلت له نفس الكلام : هل أنت مؤمن ؟ أنا مؤمن حقًّا . هاللي يقول : أنا مؤمن حقًّا يشكُّ في إيمان الذي يقول : إن شاء الله . والسبب مختلفين في تعريف الإيمان ؛ هل يدخل في مسمَّى الإيمان العمل الصالح أم لا يدخل ؟ قيل وقيل ، فالأحناف يقولون : الإيمان شيء والعمل الصالح شيء آخر ، الشوافعة يقولوا : لا ، العمل الصالح من الإيمان ، وهذا بلا شك هو الصحيح الذي يدلُّ عليه نصوص الكتاب والسنة .
يتفرَّع من هذا الخلاف هاللي يعتقد أن الإيمان ليس له علاقة بالعمل الصالح ، لما تسأله عمَّا في قلبه هو يعرف أنُّو مؤمن ؛ ولذلك يجزم يقول لك : أنا مؤمن حقًّا ، بس هذا بناءً على تعريفه للإيمان الذي لا يدخل في مسمَّاه العمل الصالح ، هداك الثاني الشافعي وأنا معهم في هذه المسألة يقول لك : أنا مؤمن إن شاء الله ؛ ليه ؟ لأنُّو مفهوم الإيمان عنده أوسع ؛ يدخل في الإيمان الأعمال الصالحة ، وهذا صريح القرآن : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ إلى آخر الآيات المعروفة ، فلما يقول مسلم فاهم لعقيدته حقًّا : أنا مؤمن حقًّا ؛ معناها هو خاشع هو عن اللغو معرض هو ، هو ، هو ؛ مين يقدر أن يشهد على نفسه بهذه الشهادة ؟ لا ، لكن اللي يقول : الإيمان هو بس التصديق بالقلب وإقرار اللسان ؛ وين هذه ؟ يقول : أنا مؤمن حقًّا ، بل بعضهم قال : إيماني كإيمان جبريل - عليه السلام - !!
من هذا الخلاف جاءت الفتوى السابقة جواب لسؤال مَن سأل : هل يجوز للحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ؟ يقول لك : لا . ليش ؟ لأنها تقول : أنا مؤمنة إن شاء الله ، هَيْ تشك في إيمانها !! هي ما تشكُّ في إيمانها ، تشكُّ في الإيمان بمفهوم العمل الصالح مش بالإيمان بمفهوم الحنفية ، وراح زمن يعمل الأحناف يمكن خمسين سنة ما يتزوَّج الحنفي بالشافعية ، إلى أن جاء رجل معروف عند الأحناف وله كتاب اليوم من كتب التفاسير " تفسير أبي السعود " ، هذا " أبو السعود " من شهرته بالإفتاء سُمِّي بمفتي الثقلين ؛ لأنُّو يزعموا أن كانوا الجن يجو يستفتوه فيفتيهم . جاء دور هذا العالم الفاضل فسُئِل نفس السؤال السابق ؛ هل يجوز للحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ؟ شوفوا بقى الجواب الأحسن من الأسوأ أنو ؟ هاد ولَّا هداك ؟ قال : نعم ، يجوز تنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب !! شو رأيكم ؟! هذا كله سببه التحزُّب المذهبي كل مين ماسك المذهب هذا هو دين الله ؛ لذلك هلق بعض البلاد الإسلامية ما يتعرَّفوا على شيء اسمه غير المذهب الحنفي ، ومنها بلادنا نحن ، وتحت منها اسطنبول كلها تركيا ، ما بيعرفوا غير مذهب أبي حنيفة ، لا عقيدةً ولا فقهًا ، المذاهب الأخرى .
سائل آخر : ... .
الشيخ : المذاهب الأخرى - إذا سمحت لكمل الكلمة - في " حاشية ابن عابدين " : إذا سُئلنا عن مذهبنا قلنا : مذهبنا حقٌّ يحتمل الخطأ ، وإذا سُئلنا عن مذهب غيرنا قلنا : خطأ يحتمل الصواب .
تفضَّل .
الشيخ : أنت عم تسأل وواضح من أحاديثك أنك تؤكد دائمًا على مسألة وتكرِّر عليها منشان ترسخ في الأذهان جيِّدًا ، وإلا قد سبق أني قلت : نحن لا نرى التديُّن بالتقليد وإن كان التقليد قد يجب على كثير من العلماء حينما يجهلون الحكم الشرعي ، فالأئمة الأربعة خدموا الإسلام ، وفسَّروا القرآن ، وبيَّنوا الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة ؛ هذا أمر لا إشكال فيه ، وهو مما لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان أو كبشان ، لكن الذي ينبغي أن يكون راسخًا في الأذهان هو أن اجتهادات الأئمة فيها الخطأ وفيها الصواب ، وأن تمييز الخطأ من الصواب هو من وظيفة العلماء وليس من وظيفة عامة الناس ، ولعلي كنت ذكرت في بعض الجلسات وأنت حاضر فيها يمكن قلت : إن الله - تبارك وتعالى - جعل المجتمع الإسلامي من حيث علمه وجهله قسمين في مثل قوله - عز وجل - : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ، فقسم أهل ذكر ، وقسم لا يعلمون ، فأوجب على كلٍّ من القسمين واجبًا غير واجب على الآخر ، أوجب على مَن لا علم عنده أن يسأل أهل العلم ، وأوجب على أهل العلم أن يبيِّنوه ولا يكتموه على الناس ، فالسَّائلون الواجب عليهم أن يسألوا أهل العلم ما عيَّن لهم شخصًا بعينه ، ما قال لهم - مثلًا - : سلوا أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليًّا ، إنما قال : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ، فكان الأصحاب إذا وقعت لهم مسألة ما يعرفوا الحكم فيها لقوا أبو بكر سألوه ، لقوا عمر سألوه ، ابن مسعود سألوه ، إلى آخره ، ما فيهم واحد يقول : أنا بكري ما أؤمن إلا بعلم أبو بكر ، وآخر عمري وعثماني و ، ما في شيء من هذا أبدًا ، وإنما أهل الذكر ، مَن كان عندهم من أهل الذكر سألوه ، فيكون الواقع أنُّو تارةً يسألون أبو بكر ، تارةً عمر ، تارةً ابن مسعود ، تارةً ابن عمر إلى آخره ، وهكذا ينبغي أن تمشي الخطة ؛ لأنُّو :
" وكلُّ خيرٍ في اتِّباع من سَلَفْ *** وكلُّ شرٍّ في اتباع مَن خَلَفْ "
لما صارت القضية بقى حزبية مذهبية صار كل ناس يتحزب لإمام ويتعصب له ، فنتج من ذلك مفسدتان ، إحداهما هي ثمرة الأولى . فالمفسدة الأولى : أنه خَسِرَ علم الأئمة الآخرين ، فهو لا يعترف عليهم ولا يستفيد منهم ؛ لأنُّو متمسك بهذا الإمام ، وقُلْ على الناس الآخرين كل واحد له إمامه ، فلا يستفيدون من الأئمة الآخرين ؛ علمًا أن الأئمة كما قلنا ونقول دائمًا : ربنا - عز وجل - ما حصر علمه وفضله في أربعة أئمة في هذا العالم الإسلامي الذي يعد الملايين إذا لم نقل بلايين ، فهناك مو بس أربعة ، أربعين وأربع مئة وأربعة آلاف وعدَّ ما شئت ، فحينما يتمسك الإنسان بمذهب لإمام من هؤلاء الأئمة خَسِرَ جهود الأئمة الآخرين وعلومهم وأحاديثهم فلا يستفيد منهم شيئًا ، هذه أول خسارة .
الخسارة الثانية - التي هي ثمرة الأولى كما قلنا - : هو أنه ستقع الحزبية العمياء التي تقع بين الناس اللادينيين ، القوميين والشيوعيين وإلى آخره ، يقع مثل هذا النزاع والخلاف بين المتدينين بالتقليد ، هذا يقول : إمامي أبو حنيفة أعلم هو الإمام الأعظم ، أنت إمامك الشافعي هو أصغر ، وهذا ليس بأعظم ، بيعكس الشافعي القضية ويقول : الإمام الأعظم هو الشافعي ، وهذا كله واقع مش خيال مش شيء نظري ، فهناك مَن ألَّفَ كتابًا والكتاب موجود اليوم مطبوع عدَّة طباعات ، عنوانه : " المذهب الحق " ، يثبت فيه أن المذهب الشافعي هو المذهب الحق ، ويروي هناك حكاية أنا أعتقد أنها خيالية ، وإن كانت واقعية فبيكون الملك هاللي كان هو سبب الحكاية بيكون واحد أخرق أحمق ، وبخاصة أنُّو كان شيعي ؛ لأن الحكاية ماذا تقول ؟
هناك في دولة للفاطميين في مصر بعض العلماء من أهل السنة ، استطاع أن يؤثِّر في حاكم كان طبعًا فاطمي شيعي ، واقتنع الرجل بأن هداك المذهب فاسد ، وأنُّو لازم يتمسك بمذهب من مذاهب أهل السنة ، فلما اقتنع هذه القناعة الأولى سأل : بأنو مذهب لازم أنا أتمسك فيه بعدما تركت مذهب التشيع ؟ قالوا له : في مذاهب أربعة فاختر منها ما شئت . وكما يقولون اليوم - وقولهم غير الحق بطبيعة الحال - : " وكلهم من رسول الله ملتمسُ " ، لا يفرِّقون بين ما أخذوه من آية أو حديث ، أو أخذوه اجتهادًا واستنباطًا ، وهذا معرض للصواب والخطأ ، فقال هذا الملك : جيبوا لي رجلين من علماء المذهب الحنفي والشافعي ، خلِّي كل واحد منهم يصلي قدام مني الصلاة حسب مذهبه ، وأنا بعدين أختار ، زعم هذا الكتاب جابوا عالمين ، العالم الحنفي جاء وقد تدرَّع ولبس جلد كلب مذكَّى مقلوبًا ، والذباب رَكِبَه من جميع الأطراف ، هذا يشير إلى رأي في المذهب الحنفي أنُّو إذا ذبح الكلب وقال : بسم الله طَهُرَ ؛ فإذًا هو ذبح كلب على هالطريقة سلخه وحط الجلد على بدنه وأحرم ، ما أقول : كبَّر ؛ لأنُّو لسا ما كبَّر ، لما إجا بدو يكبِّر ما قال باللغة العربية : الله أكبر كما هو السنة بل الأمر ، قال باللغة التركية - مثلًا - : " Tanrı büyük " ، أو بالألباني : " ... " ، ما قال : الله أكبر ؛ يشير بهذا أنه يجوز في المذهب الحنفي أن يدخل في الصلاة بأيِّ جملة فيها تعظيم لله ولو كانت غير عربية ، المذهب الشافعي وغيره لا يُجيز هذا ، بدو يقرأ : مُدْهَامَّتَانِ وركع ، ما قرأ الفاتحة ؛ لأنُّو يصح عندهم ولو آية قصيرة ، وفي قول ثاني لازم تكون آية طويلة ، ركع ، لسا ما ركع رفع رأسه ما قال شيء .
الخلاصة : القصة باختصار أخذوا من المذهب الحنفي أسوأ صلاة يُجيزونها ، والنكتة أن الأحناف يقولون : يجب أن يخرج من الصلاة بصنعه ؛ لو بدل ما يقول : السلام عليكم سبَّ جاره ، صحت الصلاة !
السائل : سبَّه ؟!
الشيخ : سبَّه شتمه ؛ ليش ؟ لأنه خرج بصنعه .
القصة مو هيك ، بدل ما يسلِّم - ولا مؤاخذة - ضرط ؛ لأنُّو هذا يجوز في المذهب الحنفي ، شوفوا بقى هداك الشافعي كيف صلى ؟ لبس ثياب نظيفة وتعطَّر ، ووقف بكلِّ أدب وخشوع ، الله أكبر ، وجَّهت وجهي ، قرأ الفاتحة ، وقرأ السورة وإلى آخره ، وركع واطمأنَّ وقرأ ؛ يعني صلاة كاملة ، لما تُعرض صلاتان لمذهبين أمام أيِّ أحمق كان مين بدو يختار ؟ المذهب الأول اللي يجيز الصلاة بجلد كلب مذكَّى ، ولا يقرأ ، وإنما آية مختصرة جدًّا ، ولا يذكر الله في الركوع وفي السجود ، وبعدين ختامها زفت ؟ مين بيفضل هَيْ الصلاة على هديك ؟ لا أحد ، فمن يومها صار هذا الرجل إيش ؟ شافعي المذهب !!
كيف يُطبع مثل القصة في كتاب تحت عنوان : " المذهب الحق " ، وينشر يطبع في مصر ... ؟ هذا كله كمثال ، والأمثلة أكثر بكثير جدًّا ، ما فعل التديُّن بالتمذهب بالمسلمين !! أَلَا يكفي حتى اليوم موجود النص في كتب الأحناف ، منها كتاب : " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " ، سؤال : هل يجوز لحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ؟ قال : لا . لماذا ؟ لأنَّ الشافعية يشكُّون في إيمانهم ، وهذا بحث طويل الحقيقة له علاقة بعلم الكلام ، الشافعي إذا قيل له : هل أنت مؤمن ؟ يقول : إن شاء الله . الحنفي إذا قلت له نفس الكلام : هل أنت مؤمن ؟ أنا مؤمن حقًّا . هاللي يقول : أنا مؤمن حقًّا يشكُّ في إيمان الذي يقول : إن شاء الله . والسبب مختلفين في تعريف الإيمان ؛ هل يدخل في مسمَّى الإيمان العمل الصالح أم لا يدخل ؟ قيل وقيل ، فالأحناف يقولون : الإيمان شيء والعمل الصالح شيء آخر ، الشوافعة يقولوا : لا ، العمل الصالح من الإيمان ، وهذا بلا شك هو الصحيح الذي يدلُّ عليه نصوص الكتاب والسنة .
يتفرَّع من هذا الخلاف هاللي يعتقد أن الإيمان ليس له علاقة بالعمل الصالح ، لما تسأله عمَّا في قلبه هو يعرف أنُّو مؤمن ؛ ولذلك يجزم يقول لك : أنا مؤمن حقًّا ، بس هذا بناءً على تعريفه للإيمان الذي لا يدخل في مسمَّاه العمل الصالح ، هداك الثاني الشافعي وأنا معهم في هذه المسألة يقول لك : أنا مؤمن إن شاء الله ؛ ليه ؟ لأنُّو مفهوم الإيمان عنده أوسع ؛ يدخل في الإيمان الأعمال الصالحة ، وهذا صريح القرآن : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ إلى آخر الآيات المعروفة ، فلما يقول مسلم فاهم لعقيدته حقًّا : أنا مؤمن حقًّا ؛ معناها هو خاشع هو عن اللغو معرض هو ، هو ، هو ؛ مين يقدر أن يشهد على نفسه بهذه الشهادة ؟ لا ، لكن اللي يقول : الإيمان هو بس التصديق بالقلب وإقرار اللسان ؛ وين هذه ؟ يقول : أنا مؤمن حقًّا ، بل بعضهم قال : إيماني كإيمان جبريل - عليه السلام - !!
من هذا الخلاف جاءت الفتوى السابقة جواب لسؤال مَن سأل : هل يجوز للحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ؟ يقول لك : لا . ليش ؟ لأنها تقول : أنا مؤمنة إن شاء الله ، هَيْ تشك في إيمانها !! هي ما تشكُّ في إيمانها ، تشكُّ في الإيمان بمفهوم العمل الصالح مش بالإيمان بمفهوم الحنفية ، وراح زمن يعمل الأحناف يمكن خمسين سنة ما يتزوَّج الحنفي بالشافعية ، إلى أن جاء رجل معروف عند الأحناف وله كتاب اليوم من كتب التفاسير " تفسير أبي السعود " ، هذا " أبو السعود " من شهرته بالإفتاء سُمِّي بمفتي الثقلين ؛ لأنُّو يزعموا أن كانوا الجن يجو يستفتوه فيفتيهم . جاء دور هذا العالم الفاضل فسُئِل نفس السؤال السابق ؛ هل يجوز للحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ؟ شوفوا بقى الجواب الأحسن من الأسوأ أنو ؟ هاد ولَّا هداك ؟ قال : نعم ، يجوز تنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب !! شو رأيكم ؟! هذا كله سببه التحزُّب المذهبي كل مين ماسك المذهب هذا هو دين الله ؛ لذلك هلق بعض البلاد الإسلامية ما يتعرَّفوا على شيء اسمه غير المذهب الحنفي ، ومنها بلادنا نحن ، وتحت منها اسطنبول كلها تركيا ، ما بيعرفوا غير مذهب أبي حنيفة ، لا عقيدةً ولا فقهًا ، المذاهب الأخرى .
سائل آخر : ... .
الشيخ : المذاهب الأخرى - إذا سمحت لكمل الكلمة - في " حاشية ابن عابدين " : إذا سُئلنا عن مذهبنا قلنا : مذهبنا حقٌّ يحتمل الخطأ ، وإذا سُئلنا عن مذهب غيرنا قلنا : خطأ يحتمل الصواب .
تفضَّل .
الفتاوى المشابهة
- سؤاله الثالث والأخير يقول هل الناس العوام غي... - ابن عثيمين
- حكم الإتيان بمذهب آخر غير المذاهب الأربعة - ابن باز
- حكم التمذهب بمذهب من المذاهب الأربعة - ابن باز
- ما رأيك في التقليد لمذهب من المذاهب أو عالم من... - الالباني
- ما حكم تقليد مذهب من المذاهب الأربعة يا فضيل... - ابن عثيمين
- بيان أنه لا يجوز التديُّن بمذهب معيَّن من المذ... - الالباني
- حكم التمسك بمذهب واحد من المذاهب الأربعة - ابن باز
- يقول في رسالته يقال إن هناك عدة مذاهب في الإ... - ابن عثيمين
- ما حكم تقليد المذهب ؟ - الالباني
- حكم اتباع مذهب من المذاهب الأربعة - ابن باز
- هل يجب علينا كمسلمين اتِّباع مذهب من المذاهب ا... - الالباني