هل صحيح أن الجامعات اليوم في الدنيا لا تدرِّس العقيدة السلفية إلا في السعودية وقطر ، وإذا كان الأمر كذلك ؛ فهل لكم كلمة تنصحوننا تجاه هذه الجامعات ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : والله كان عندي استفسار على سؤال الأخ هنا ، سمعت أحدهم يقول أنُّو من الجامعات الإسلامية الحالية لا تُدرَّس العقيدة إلا عقيدة الأشاعرة ، إلا جامعتين ، الجامعات - عفوًا - من ناحية الدول العربية السعودية وفي قطر ، أما الجامعة الأردنية وجامعة الكويت وكذا إلى آخره فلا تُدرَّس العقيدة الصحيحة ؛ هل هذا صحيح ؟
الشيخ : إي طبعًا هذا صحيح ، وهذا ما ألمَحْنا إليه آنفًا .
السائل : لا ، قصدي بالتحديد حتى إنسان يدرك كثير مما تفضَّلت الدكاترة في علم الفقه في كذا في كذا ، فيخرج على التلفزيون ويخرج في المجلَّات ، فلو عرفنا مصادر هؤلاء ومصادر علمهم - إن شاء الله - نتحرَّس من فتاويهم أو نقول فيهم كذا وكذا ؛ فلو سمحت تعقَّب على هذا ؟
الشيخ : على كل حال هذا الذي ألمحْتَ إليه هو الواقع ، وأنا أشرت إلى شيء منه آنفًا لمَّا قلت في المغرب بطوله من شرقه إلى غربه يُدرَّس العقيدة الأشعرية ؛ لأن هناك تلازم واقعي كلُّ مالكيٍّ فقهًا فهو أشعريٌّ عقيدةً ، كذلك كلُّ شافعيٍّ فقهًا فهو - أيضًا - أشعريٌّ عقيدةً ، كذلك - إلا القليل - كلُّ حنبليٍّ فهو - أيضًا - عقيدةً أشعريٌّ إلا نوادر خاصَّة في العصر الحاضر ؛ وهذا بلا شك يعود الفضل فيه إلى الإمام " محمد بن عبد الوهاب " - رحمه الله - ، والذين جاؤوا من بعدهم والذين يصرِّحون بالدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة كالشَّيخ بن باز وأمثاله ، لكن المذاهب الثلاثة هذه خاصَّة المالكية والشافعية فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا في العقيدة إلا أشاعرة ، وكل حنفي لزامًا أن يكون ماتريديًّا ، لا يمكن إلا هكذا .
نعم ؟
السائل : لزامًا ؟
الشيخ : آ ، فلا تجد - مثلًا - حنفي أشعري ، أو شافعي ماتريدي ، هذا مستحيل كواقع ، لكن إذا رجعت إلى أهل السنة حقًّا وأهل الحديث فستجد كثيرين منهم عاشوا في جوٍّ حنفي فروعًا وأصولًا ، لكن حينما هداهم الله - عز وجل - للأصول حقًّا لم يبقوا أحنافًا لا في الأصول ولا في الفروع ، وإنما أخذوا الحقَّ حيثما كان ، فمصر يغلب عليها التمذهب بالمذهب الشافعي ، فهناك تُدرَّس العقيدة الأشعرية ، وقلت آنفًا الأتراك ما يعرفون إلا المذهب الماتريدي ، الحنابلة يختلفون ، حنابلة بلاد نجد يختلفون تمامًا عن الحنابلة في بلاد أخرى ، مثلًا نحن في سوريا عندنا حنابلة في بعض البلاد الشرقية عن دمشق كـ " الضمير " و " الرحيبة " و " دير عطية " ونحو ذلك ، فهؤلاء في الفروع حنابلة ، وفي العقيدة أشاعرة ، هؤلاء أصابَهم ما أصاب الأشاعرة ؛ أي : تركوا مذهبَ إمامهم الأول إمام السنة الإمام أحمد وتأثَّروا بمذهب الأشاعرة ، والآن لا أقول بالمذهب الأشعري ؛ لأني قلت آنفًا أنُّو هؤلاء أصابهم حنابلة سوريا وأمثالهم ما أصاب الأشاعرة ، الأشاعرة ينتمون إلى " أبي الحسن الأشعري " ، لكن " أبو الحسن الاشعري " رجع عن أشعريَّته واتبع مذهب الإمام " أحمد بن حنبل " ، وله كتاب هام جدًّا مطبوع عدَّة مرَّات اسمه : " الإبانة في أصول الديانة " ، مذهبه هناك على مذهب أهل الحديث مذهب الإمام أحمد ، ليت الأشاعرة يعملون بهذا الكتاب في كلِّ بلاد الإسلام ، إن كان - مثلًا - في مصر ، أو هنا ؛ لأنُّو ألاحظ - أيضًا - هنا يغلب عليها من ناحية الفروع التمذهب بالمذهب الشافعي ، والكثير منهم لا يعرفون العقيدة الماتريدية بغضِّ النظر عن صوابها أو خطئها بقدر ما يعرفون المذهب الأشعري ، فالدراسة في الجامعات في هذه البلاد هي الحقيقة من ناحية الفروع إما جمودًا على مذهب معيَّن ، أو على طريقة ما قلناه نقلًا عن الاصطلاح السوري : " حنفشعي " ، أو ما يُسمَّى بالإصطلاح الفقهي بالتلفيق ، فهناك تقليد وهناك تلفيق .
التقليد هو اتباع إمام معيَّن ، وهذا طبعًا لا يجوز ، بينما التقليد لا بد منه ، قلنا نحن آنفًا في التعليق على قوله - تعالى - : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أنُّو عامة الناس بدهم يسألوا أهل الذكر ، لكن أهل الذكر فيهم الخير والبركة مش زيد وبكر وانتهى الأمر ؛ لا ، فكلما عنَّ لفرد من أفراد المسلمين أن يسأل عن مسألة ما لازم يتقصَّد ويتعصَّب لشخص معيَّن ، وإنما يسأل مَن يعتقد أنه من أهل العلم ؛ فحينئذٍ وجب عليه الاتباع ، لأنُّو فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ منشان إيش ؟ منشان العمل بقولهم أم منشان مخالفتهم ؟ طبعًا العمل بقولهم ، الدراسة الآن التي تسمَّى بالدراسة الجامعية هو على طريقة التلفيق ، ويسمُّونه على قاعدة الحديث الصحيح : يشربون الخمر يسمُّونها بغير اسمها ، سبحان الله ! هذا الوصف تعدَّى أمورًا كثيرة جدًّا ، فالرسول - عليه السلام - تكلَّم بهذا الكلام بخصوص الخمر ، لكن نحن نجد أنُّو هذا الوصف يسمُّونها بغير اسمها يتعلق بأمور كثيرة وكثيرة جدًّا ، مثلًا يسمُّون بعض البيوع الربويَّة بيع ، أو يسمُّونه مرابحة ، أو أو من هذه الأسماء الخفيفة واللطيفة والتي لا تنبي مَن يسمعها عمَّا تتضمَّنها من انحراف عن الشريعة ، أما تسمية الرَّقص والتصوير بالفنون الجميلة فهذا كلُّكم يعلم ذلك .
الآن يُدرَّس الفقه باسم الفقه المقارن ، هذا عظيم جدًّا لو كان في مقارنة ، لكن الحقيقة هو التلفيق بعينه ؛ لأن الذي يقع أن الدكتور المختصّ في الشريعة بيقرِّر المسألة على وجوه الاختلاف الموجودة في المذاهب ، لكن هو في النتيجة ما بيراجح ، ما بيقول : والصواب من هذه الأقوال القول الفلاني بدليل كذا وكذا ، وإنما هو يعرض الأقوال كما قرأها ، وهؤلاء المساكين من الطلاب يضيعون حيارى ؛ لأنُّو هو الأستاذ اللي عم يدرِّس المادة ما عنده هالنَّضج والقوة العلمية التي تمكِّنه من أن يرجِّح قولًا على آخر ؛ فضلًا عن يدرَّس عليهم وهم التلامذة ، فماذا تكون الثمرة ؟ الثمرة أنُّو يسع الطَّالب أنُّو المسألة فيها اختلاف ، والذي يقع وهذه بتجربتنا نحو أكثر من نصف قرن من الزمان لما أنت بتقول : أخي ، السنة كذا يقول لك : يا أخي ، المسألة فيها خلاف . ويدعم هذا الجواب بالحديث اللي ما له أصل : " اختلاف أمتي رحمة " ؛ ولذلك فنحن الدُّعاة إلى السنة نُنسب إلى التشدُّد والتنطُّع في الدين ، وهذا قد يقوله بعضهم صراحةً ؛ لماذا ؟ لأننا نقول : الحقّ كذا ، وهم يعني هذا الدكتور الآن في الشريعة في الأمس القريب كان طالبًا ، في آخر السنة أخذ شهادة شو صار ؟ دكتور ، طيب ؛ هذا الدكتور اللي تلقَّنه هو اللي بدو يلقنه لغيره ، وهكذا ؛ فليس هناك علم يُدرَّس باسم الفقه المقارن ، الفقه المقارن أن يُقال - مثلًا - مسألة يُبتلى بها الناس كثيرًا ، وتكثر الأسئلة حولها بشدَّة البلوى بها كما يقول الفقهاء ، وهي أنُّو رجل - مثلًا - مسَّ امرأة قصدًا أو عفوًا ؛ انتقض وضوؤه ولَّا لا ؟ الدكتور اللي بيدرِّس الفقه المقارن بيقول لك : في المسألة ثلاثة أقوال .
السائل : هذا الذي يجب أن يكون يعني .
الشيخ : القول الأول : أن مسَّ المرأة لا ينقض مطلقًا ؛ سواء كان بشهوة أو بلا شهوة . القول الثاني : ينقض مطلقًا ؛ سواء كان بشهوة أو بغير شهوة . القول الثالث : إن كان بشهوة نقض ، وإلا فلا . فهو ما عنده استطاعة بقى يعمل مراجحة .
السائل : يعني يقول هذه الأقوال ويقف .
الشيخ : بس . لا ؛ ما يقف ، لكن يزيد البلَّة طين والطنبور نغمة ، بيقول : الجماعة هدول علماء وكلُّ واحد عنده دليله ، واختلاف أمتي رحمة ، فكل واحد من الحاضرين بيأخذ بقى من هذه الأقوال ما يناسبه ، تجي أنت - مثلًا - ربنا امتنَّ عليك بالاطلاع على السنة بتقول : يا أخي ، التَّقبيل ما بيفسد الوضوء ، عفوًا أنا قفزت للأمر الأخطر ، وهذا خطأ بالأسلوب العلمي ، اللمس ما ينقض الوضوء ؛ ليه ؟ لأنُّو ثبت عندنا أحاديث كثيرة أنَّ الرسول - عليه السلام - لمس أو لُمِس من زوجته وهو في أثناء الصلاة ومضى في صلاته ، فلو كان اللمس ينقض الوضوء كان قطع الصلاة وجدَّد الوضوء .
وأكثر من هيك بقى نقفز الآن هديك القفزة أنُّو ثبت أن الرسول كان يقبِّل ، ويقوم إلى الصلاة ولا يتوضَّأ ، فتُعارض فورًا ، ما بحجة ، بس هذا القول مخالف للمذهب الشافعي ، وهذا الواقع هنا كما قلنا آنفًا الغالب المذهب الشافعي ، ثم يجد مَن يدعمهم بهذه الوساوس فتُداس السنة باسم الفقه المقارن أنُّو في المسألة قولان !!
لا بأس من أن نذكِّر في المسألة قولان قصة هداك المفتي ؛ لأنُّو بيقولوا بعض الناس اليوم : يا أخي ، العلم جاف لازم يتخلله شوية هيك . في المسألة قولان تُحكى حولها قصة ، وهي في الواقع تمثِّل واقع كثير من العلماء . الله أكبر ! شو رأيكم مسطور في الكتب اليوم قبل ما أحكي لكم هديك القصة ، أحد العلماء المعروفين الأزهريين قبل هذا العصر يقول : إذا كان في المسألة قولان فنحن نُفتي بأحدهما حسب الدرهم والدينار .
السائل : الله أكبر ! الله أكبر !
الشيخ : يعني - مثلًا - إنسان بيجي مسكين خايف تكون زوجته طلقت منه ، بيركض لعند الشَّيخ ، يقول له : يا سيدي الشَّيخ ، أنا صار معي كذا وكذا - مثل مسألتك اليوم - دخلَكْ شو الحل ؟ يكون في المسألة قولان ، قول أنُّو طلقت منه المرأة ، وقول : لا ، ما تطلق المرأة ، فإذا كان هداك قدَّم الطعم يفتيه بما يناسبه ، وإذا ما قدَّم يقول له : طلقت منك الزوجة !! دخلَكْ يا شيخ !!
السائل : مثل اللي جابت شيخ يقرأ للميِّت أعطته عشرة قروش ... خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . [ الجميع يضحك ! ] .
الشيخ : هديك القصة بيقولوا زعموا بأنَّ أحد المفتين فيما مضى من الزمان خرج لحاجة لسفر حج أو عمرة ، فخلى مكانه ، له أب لا يكاد يفقه شيئًا ، قال له : يا أبي ، أنا الآن مسافر ، وأنت تقعد مكاني وبتستقبل الناس وتتلطَّف معهم . قال له : يا ابني ، أنا شو يعرِّفني ؟ أنا مثل ما تعرفني رجل جاهل . قال له : أنا أعطيك قاعدة تستريح عليها ، كل ما إجاك رجل سألك سؤال قل له : في المسألة قولان . إجا رجل - مثلًا - : يا سيدي ، أنا توضَّأت ولمست امرأة ، انتقض وضوئي ولَّا لا ؟ تقول له : في المسألة قولان . أنا ضحكت في الصلاة تكلَّمت في الصلاة ساهيًا ؛ بطلت صلاتي ولَّا صحت ؟ في المسألة قولان ، وهكذا . غاب الابن المفتي وجلس الوالد مكانه ، وبدأت الناس كالعادة تفد عليه ، تأتي الأسئلة ويأتي الجواب كليشة مدبوغة مختومة : في المسألة قولان . انتبه أحد الأذكياء اللي كان يتردَّدوا ع المجلس أنُّو الشَّيخ ما عنده علم ؛ ولذلك ستر جهله بهذه الكلمة ؛ في المسألة قولان ، هذا الذكي يقول لجاره : بيقول له : دخلك ، اسأل المفتي قل له : أَفِي الله شكٌّ ؟ قال له : يا حضرة الشَّيخ ، أَفِي الله شكُّ ؟ قال : في المسألة قولان !!
فضيَّعوا الناس بكلمة إيش ؟ مش ضروري يقول : في المسألة قولان ، اختلاف أمتي رحمة حديث نبوي شريف .
السائل : الأولاني يقول : هذا جائز وهذا جائز .
الشيخ : الله المستعان ! إي نعم ، هذا هو التلفيق !
السائل : هذا يعني أبله !
الشيخ : يلَّا ، أذِّنوا لنمشي يا أستاذ أبو أيوب .
الشيخ : إي طبعًا هذا صحيح ، وهذا ما ألمَحْنا إليه آنفًا .
السائل : لا ، قصدي بالتحديد حتى إنسان يدرك كثير مما تفضَّلت الدكاترة في علم الفقه في كذا في كذا ، فيخرج على التلفزيون ويخرج في المجلَّات ، فلو عرفنا مصادر هؤلاء ومصادر علمهم - إن شاء الله - نتحرَّس من فتاويهم أو نقول فيهم كذا وكذا ؛ فلو سمحت تعقَّب على هذا ؟
الشيخ : على كل حال هذا الذي ألمحْتَ إليه هو الواقع ، وأنا أشرت إلى شيء منه آنفًا لمَّا قلت في المغرب بطوله من شرقه إلى غربه يُدرَّس العقيدة الأشعرية ؛ لأن هناك تلازم واقعي كلُّ مالكيٍّ فقهًا فهو أشعريٌّ عقيدةً ، كذلك كلُّ شافعيٍّ فقهًا فهو - أيضًا - أشعريٌّ عقيدةً ، كذلك - إلا القليل - كلُّ حنبليٍّ فهو - أيضًا - عقيدةً أشعريٌّ إلا نوادر خاصَّة في العصر الحاضر ؛ وهذا بلا شك يعود الفضل فيه إلى الإمام " محمد بن عبد الوهاب " - رحمه الله - ، والذين جاؤوا من بعدهم والذين يصرِّحون بالدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة كالشَّيخ بن باز وأمثاله ، لكن المذاهب الثلاثة هذه خاصَّة المالكية والشافعية فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا في العقيدة إلا أشاعرة ، وكل حنفي لزامًا أن يكون ماتريديًّا ، لا يمكن إلا هكذا .
نعم ؟
السائل : لزامًا ؟
الشيخ : آ ، فلا تجد - مثلًا - حنفي أشعري ، أو شافعي ماتريدي ، هذا مستحيل كواقع ، لكن إذا رجعت إلى أهل السنة حقًّا وأهل الحديث فستجد كثيرين منهم عاشوا في جوٍّ حنفي فروعًا وأصولًا ، لكن حينما هداهم الله - عز وجل - للأصول حقًّا لم يبقوا أحنافًا لا في الأصول ولا في الفروع ، وإنما أخذوا الحقَّ حيثما كان ، فمصر يغلب عليها التمذهب بالمذهب الشافعي ، فهناك تُدرَّس العقيدة الأشعرية ، وقلت آنفًا الأتراك ما يعرفون إلا المذهب الماتريدي ، الحنابلة يختلفون ، حنابلة بلاد نجد يختلفون تمامًا عن الحنابلة في بلاد أخرى ، مثلًا نحن في سوريا عندنا حنابلة في بعض البلاد الشرقية عن دمشق كـ " الضمير " و " الرحيبة " و " دير عطية " ونحو ذلك ، فهؤلاء في الفروع حنابلة ، وفي العقيدة أشاعرة ، هؤلاء أصابَهم ما أصاب الأشاعرة ؛ أي : تركوا مذهبَ إمامهم الأول إمام السنة الإمام أحمد وتأثَّروا بمذهب الأشاعرة ، والآن لا أقول بالمذهب الأشعري ؛ لأني قلت آنفًا أنُّو هؤلاء أصابهم حنابلة سوريا وأمثالهم ما أصاب الأشاعرة ، الأشاعرة ينتمون إلى " أبي الحسن الأشعري " ، لكن " أبو الحسن الاشعري " رجع عن أشعريَّته واتبع مذهب الإمام " أحمد بن حنبل " ، وله كتاب هام جدًّا مطبوع عدَّة مرَّات اسمه : " الإبانة في أصول الديانة " ، مذهبه هناك على مذهب أهل الحديث مذهب الإمام أحمد ، ليت الأشاعرة يعملون بهذا الكتاب في كلِّ بلاد الإسلام ، إن كان - مثلًا - في مصر ، أو هنا ؛ لأنُّو ألاحظ - أيضًا - هنا يغلب عليها من ناحية الفروع التمذهب بالمذهب الشافعي ، والكثير منهم لا يعرفون العقيدة الماتريدية بغضِّ النظر عن صوابها أو خطئها بقدر ما يعرفون المذهب الأشعري ، فالدراسة في الجامعات في هذه البلاد هي الحقيقة من ناحية الفروع إما جمودًا على مذهب معيَّن ، أو على طريقة ما قلناه نقلًا عن الاصطلاح السوري : " حنفشعي " ، أو ما يُسمَّى بالإصطلاح الفقهي بالتلفيق ، فهناك تقليد وهناك تلفيق .
التقليد هو اتباع إمام معيَّن ، وهذا طبعًا لا يجوز ، بينما التقليد لا بد منه ، قلنا نحن آنفًا في التعليق على قوله - تعالى - : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أنُّو عامة الناس بدهم يسألوا أهل الذكر ، لكن أهل الذكر فيهم الخير والبركة مش زيد وبكر وانتهى الأمر ؛ لا ، فكلما عنَّ لفرد من أفراد المسلمين أن يسأل عن مسألة ما لازم يتقصَّد ويتعصَّب لشخص معيَّن ، وإنما يسأل مَن يعتقد أنه من أهل العلم ؛ فحينئذٍ وجب عليه الاتباع ، لأنُّو فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ منشان إيش ؟ منشان العمل بقولهم أم منشان مخالفتهم ؟ طبعًا العمل بقولهم ، الدراسة الآن التي تسمَّى بالدراسة الجامعية هو على طريقة التلفيق ، ويسمُّونه على قاعدة الحديث الصحيح : يشربون الخمر يسمُّونها بغير اسمها ، سبحان الله ! هذا الوصف تعدَّى أمورًا كثيرة جدًّا ، فالرسول - عليه السلام - تكلَّم بهذا الكلام بخصوص الخمر ، لكن نحن نجد أنُّو هذا الوصف يسمُّونها بغير اسمها يتعلق بأمور كثيرة وكثيرة جدًّا ، مثلًا يسمُّون بعض البيوع الربويَّة بيع ، أو يسمُّونه مرابحة ، أو أو من هذه الأسماء الخفيفة واللطيفة والتي لا تنبي مَن يسمعها عمَّا تتضمَّنها من انحراف عن الشريعة ، أما تسمية الرَّقص والتصوير بالفنون الجميلة فهذا كلُّكم يعلم ذلك .
الآن يُدرَّس الفقه باسم الفقه المقارن ، هذا عظيم جدًّا لو كان في مقارنة ، لكن الحقيقة هو التلفيق بعينه ؛ لأن الذي يقع أن الدكتور المختصّ في الشريعة بيقرِّر المسألة على وجوه الاختلاف الموجودة في المذاهب ، لكن هو في النتيجة ما بيراجح ، ما بيقول : والصواب من هذه الأقوال القول الفلاني بدليل كذا وكذا ، وإنما هو يعرض الأقوال كما قرأها ، وهؤلاء المساكين من الطلاب يضيعون حيارى ؛ لأنُّو هو الأستاذ اللي عم يدرِّس المادة ما عنده هالنَّضج والقوة العلمية التي تمكِّنه من أن يرجِّح قولًا على آخر ؛ فضلًا عن يدرَّس عليهم وهم التلامذة ، فماذا تكون الثمرة ؟ الثمرة أنُّو يسع الطَّالب أنُّو المسألة فيها اختلاف ، والذي يقع وهذه بتجربتنا نحو أكثر من نصف قرن من الزمان لما أنت بتقول : أخي ، السنة كذا يقول لك : يا أخي ، المسألة فيها خلاف . ويدعم هذا الجواب بالحديث اللي ما له أصل : " اختلاف أمتي رحمة " ؛ ولذلك فنحن الدُّعاة إلى السنة نُنسب إلى التشدُّد والتنطُّع في الدين ، وهذا قد يقوله بعضهم صراحةً ؛ لماذا ؟ لأننا نقول : الحقّ كذا ، وهم يعني هذا الدكتور الآن في الشريعة في الأمس القريب كان طالبًا ، في آخر السنة أخذ شهادة شو صار ؟ دكتور ، طيب ؛ هذا الدكتور اللي تلقَّنه هو اللي بدو يلقنه لغيره ، وهكذا ؛ فليس هناك علم يُدرَّس باسم الفقه المقارن ، الفقه المقارن أن يُقال - مثلًا - مسألة يُبتلى بها الناس كثيرًا ، وتكثر الأسئلة حولها بشدَّة البلوى بها كما يقول الفقهاء ، وهي أنُّو رجل - مثلًا - مسَّ امرأة قصدًا أو عفوًا ؛ انتقض وضوؤه ولَّا لا ؟ الدكتور اللي بيدرِّس الفقه المقارن بيقول لك : في المسألة ثلاثة أقوال .
السائل : هذا الذي يجب أن يكون يعني .
الشيخ : القول الأول : أن مسَّ المرأة لا ينقض مطلقًا ؛ سواء كان بشهوة أو بلا شهوة . القول الثاني : ينقض مطلقًا ؛ سواء كان بشهوة أو بغير شهوة . القول الثالث : إن كان بشهوة نقض ، وإلا فلا . فهو ما عنده استطاعة بقى يعمل مراجحة .
السائل : يعني يقول هذه الأقوال ويقف .
الشيخ : بس . لا ؛ ما يقف ، لكن يزيد البلَّة طين والطنبور نغمة ، بيقول : الجماعة هدول علماء وكلُّ واحد عنده دليله ، واختلاف أمتي رحمة ، فكل واحد من الحاضرين بيأخذ بقى من هذه الأقوال ما يناسبه ، تجي أنت - مثلًا - ربنا امتنَّ عليك بالاطلاع على السنة بتقول : يا أخي ، التَّقبيل ما بيفسد الوضوء ، عفوًا أنا قفزت للأمر الأخطر ، وهذا خطأ بالأسلوب العلمي ، اللمس ما ينقض الوضوء ؛ ليه ؟ لأنُّو ثبت عندنا أحاديث كثيرة أنَّ الرسول - عليه السلام - لمس أو لُمِس من زوجته وهو في أثناء الصلاة ومضى في صلاته ، فلو كان اللمس ينقض الوضوء كان قطع الصلاة وجدَّد الوضوء .
وأكثر من هيك بقى نقفز الآن هديك القفزة أنُّو ثبت أن الرسول كان يقبِّل ، ويقوم إلى الصلاة ولا يتوضَّأ ، فتُعارض فورًا ، ما بحجة ، بس هذا القول مخالف للمذهب الشافعي ، وهذا الواقع هنا كما قلنا آنفًا الغالب المذهب الشافعي ، ثم يجد مَن يدعمهم بهذه الوساوس فتُداس السنة باسم الفقه المقارن أنُّو في المسألة قولان !!
لا بأس من أن نذكِّر في المسألة قولان قصة هداك المفتي ؛ لأنُّو بيقولوا بعض الناس اليوم : يا أخي ، العلم جاف لازم يتخلله شوية هيك . في المسألة قولان تُحكى حولها قصة ، وهي في الواقع تمثِّل واقع كثير من العلماء . الله أكبر ! شو رأيكم مسطور في الكتب اليوم قبل ما أحكي لكم هديك القصة ، أحد العلماء المعروفين الأزهريين قبل هذا العصر يقول : إذا كان في المسألة قولان فنحن نُفتي بأحدهما حسب الدرهم والدينار .
السائل : الله أكبر ! الله أكبر !
الشيخ : يعني - مثلًا - إنسان بيجي مسكين خايف تكون زوجته طلقت منه ، بيركض لعند الشَّيخ ، يقول له : يا سيدي الشَّيخ ، أنا صار معي كذا وكذا - مثل مسألتك اليوم - دخلَكْ شو الحل ؟ يكون في المسألة قولان ، قول أنُّو طلقت منه المرأة ، وقول : لا ، ما تطلق المرأة ، فإذا كان هداك قدَّم الطعم يفتيه بما يناسبه ، وإذا ما قدَّم يقول له : طلقت منك الزوجة !! دخلَكْ يا شيخ !!
السائل : مثل اللي جابت شيخ يقرأ للميِّت أعطته عشرة قروش ... خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . [ الجميع يضحك ! ] .
الشيخ : هديك القصة بيقولوا زعموا بأنَّ أحد المفتين فيما مضى من الزمان خرج لحاجة لسفر حج أو عمرة ، فخلى مكانه ، له أب لا يكاد يفقه شيئًا ، قال له : يا أبي ، أنا الآن مسافر ، وأنت تقعد مكاني وبتستقبل الناس وتتلطَّف معهم . قال له : يا ابني ، أنا شو يعرِّفني ؟ أنا مثل ما تعرفني رجل جاهل . قال له : أنا أعطيك قاعدة تستريح عليها ، كل ما إجاك رجل سألك سؤال قل له : في المسألة قولان . إجا رجل - مثلًا - : يا سيدي ، أنا توضَّأت ولمست امرأة ، انتقض وضوئي ولَّا لا ؟ تقول له : في المسألة قولان . أنا ضحكت في الصلاة تكلَّمت في الصلاة ساهيًا ؛ بطلت صلاتي ولَّا صحت ؟ في المسألة قولان ، وهكذا . غاب الابن المفتي وجلس الوالد مكانه ، وبدأت الناس كالعادة تفد عليه ، تأتي الأسئلة ويأتي الجواب كليشة مدبوغة مختومة : في المسألة قولان . انتبه أحد الأذكياء اللي كان يتردَّدوا ع المجلس أنُّو الشَّيخ ما عنده علم ؛ ولذلك ستر جهله بهذه الكلمة ؛ في المسألة قولان ، هذا الذكي يقول لجاره : بيقول له : دخلك ، اسأل المفتي قل له : أَفِي الله شكٌّ ؟ قال له : يا حضرة الشَّيخ ، أَفِي الله شكُّ ؟ قال : في المسألة قولان !!
فضيَّعوا الناس بكلمة إيش ؟ مش ضروري يقول : في المسألة قولان ، اختلاف أمتي رحمة حديث نبوي شريف .
السائل : الأولاني يقول : هذا جائز وهذا جائز .
الشيخ : الله المستعان ! إي نعم ، هذا هو التلفيق !
السائل : هذا يعني أبله !
الشيخ : يلَّا ، أذِّنوا لنمشي يا أستاذ أبو أيوب .
الفتاوى المشابهة
- كلمة جامعة لطلاب العلم ؟ - ابن عثيمين
- ثم تكلم الشيخ على أهمية العقيدة . - الالباني
- هل تجوز تسمية الجامعة بالحرم الجامعي ؟ - الالباني
- هل تجوز الدراسة في الجامعات ؟ - الالباني
- هل الجماعات الإسلامية قديمًا وحديثًا اختلافها... - الالباني
- طلب من الشيخ أن يقدم نصيحة لرجل يدرس في بلاد ا... - الالباني
- تتمة الكلام حول رأي الشيخ في طريقة تدريس الفقه... - الالباني
- ما رأيكم في تدريس كثير من الجامعات للعقيدة الأ... - الالباني
- رجل درس في الجامعة الإسلامية مذهب السلف وبعد... - ابن عثيمين
- الاختلافات الحاصلة بين أهل السنة قديماً وحديثا... - الالباني
- هل صحيح أن الجامعات اليوم في الدنيا لا تدرِّس... - الالباني