فلما وصل خبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هاله الأمر وغضب غضبا شديدا على أولئك الذين أفتوه بأنه لا بد له من الغسل فدعى على أولئك الذين أفتو بغير علم قائلا عليه الصلاة والسلام: "قتلوه قاتلهم الله" , "قتلوه قاتلهم الله ألا سألوا حين جهلوا فإن شفاء العي السؤال" "ألا سألوا" هنا الشاهد من هذا الحديث الصحيح, "ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال" ثم قال عليه الصلاة والسلام ولي عودة قريبة إن شاء الله إلى قوله: "ألا سألوا" .
ثم قال عليه الصلاة والسلام كان يكفيه أن يضرب ضربة بالأرض ثم يمسح بها كفيه ووجهه فإذا هو طاهر ففي هذا الحديث مما يتعلق بهذه المقدمة القصيرة إن شاء الله وجوب التحري في الإفتاء للناس وأنه لا يجوز أن يفتي أحد بفتوى إلا بعد أن يكون على بينة من فتواه وإلا كان إثم فتواه على من أفتاه يعود إلى الذي أفتاه .
ومن هنا نعيد التنبيه إلى أن الخروج كما يقال في العصر الحاضر للتبليغ تبليغ الدعوة إنما هو أمر خاص بأهل العلم وليس للجهلة ولا للذين هم في الخط في طلب العلم وإنما يكون الخروج لمن كان عالما بالكتاب والسنة لكي يتمكن من أن يفتي فتوى صادقة وصحيحة مطابقة للكتاب والسنة فيما إذا سئل مسألة تعرض لبعض من حوله وليست تلك المسألة من المسائل المعتاد وقوع الناس فيها والتي يشترك في معرفتها عادة كل طلاب العلم فها أنتم ترون في هذا الحديث أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم جرح في سبيل الله واحتلم فوجب عليه الغسل فسأل من حوله هل يجدون له رخصة في ألا يغتسل قالوا له: لا بد لك أن تغتسل.
فأطاعهم وهو مأجور في طاعته لأنه قام بالواجب الذي رتب عليه شرعا ألا هو { فاسألوا أهل الذكر } ولكن الذي سئل أو الذين سئلوا لم يكونوا من أهل الذكر وأنتم تعلمون أن الذكر في هذه الآية كلفظة الذكر في آية أخرى كمثل قوله تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم } أي هو القرآن فحين قال عز وجل في الآية الأولى: { فاسألوا أهل الذكر } إنما يعني أهل القرآن العارفين بمعاني القرآن وبخاصة ما كان منها من الآيات المتعلقة بالأحكام ما يجوز, ما لا يجوز, ما يجب وما لا يجب ونحو ذلك هؤلاء الذين ينبغي لهم أن يتصدروا لإجابة الناس عن أسئلتهم والطرف الأكثر من الأمة المسلمة أولئك الذين يجب عليهم أن يسألوا فمن قام بالسؤال وهو لا يعلم فقد قام بالواجب الذي أوجبه الله عز وجل في الآية والرسول في ذاك الحديث ومن أفتى بغير علم فلم يقم بالواجب لأن الإفتاء منوط ومربوط بأهل الذكر .