تفسير قول الله تعالى: [ إن جهنم كانت مرصادا ] إلى قوله تعالى: [ لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا ] .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإننا نفتتح هذه الجلسة الأسبوعية وهي الجلسة الأولى لشهر جمادى الأولى الخميس الأول منه الرابع عشر من الشهر عام 1413 وكنا نتكلم على تفسير سورة النبأ .
حتى بلغنا إلى قوله تعالى : وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً ثم قال الله عز وجل : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً أي : مرصدة ومعدة للطاغين ، وجهنم : اسم من أسماء النار التي لها أسماء كثيرة وسميت بهذا الاسم لأنها ذات جُهمة وظلمة لسوادها وقعرها أعاذنا الله وإياكم منها وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن فهي موجودة كما قال تعالى : فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ و رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف ورأى فيها امرأة تعذب في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار يعني أمعاءه لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب هذه النار .
يقول الله عز وجل إنها : لِلْطَّاغِينَ مَآباً والطاغين جمع طاغ وهو الذي تجاوز الحد لأن الطغيان مجاوزة الحد كما قال الله تعالى : إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ أي : زاد وتجاوز حده .
وتجاوز الحد يكون في حقوق الله ويكون في حقوق العباد أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم وأما الطغيان في حقوق الآدميين فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع في عدة مواضع فقال : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام .
فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العبد هم أهل النار والعياذ بالله ولهذا قال : لِلْطَّاغِينَ مَآباً أي : مكان أوب والأوب في الأصل الرجوع كما قال تعالى : نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي : رجاع إلى الله عز وجل قال تعالى : لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً أي : باقين فيها أحقابا أي : مددا طويلة وقد دل القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحا به في ثلاث آيات من كتاب الله :
في سورة النساء في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وفي سورة الأحزاب إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً وفي سورة الجن في قوله تعالى : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً .
فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبدًا فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين .
وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار والجنة مخلوقتان ولا تفنيان أبدا .
ووجد خلاف يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار وزعموا أنها غير مؤبدة واستدلوا بحجج هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى فهو خلاف لا معول على المخالف فيه ولا على قوله والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالة صريحة لا تحتمل التأويل والآيات كما سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ ولا يتطرق إليها الاحتمال .
أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر وأخبار الله عز وجل لا تنسخ وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحدهما إما تعمدا من المخبر أو جهلا بالحال وكل ذلك ممتنع في خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم المبني على الوحي .
المهم أيها الإخوة أنه يجب علينا أن نعتقد شيئين : الشيء الأول : وجود الجنة والنار الآن وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة منها قوله تعالى : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ والإعداد التهيئة وهذا الفعل أُعِدَت فعل ماضي يدل على أن الإعداد قد وقع .
وكذلك قال الله تعالى في النار : وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ والإعداد تهيئة الشيء والفعل هنا ماضٍ يدل على وقوع .
وقد جاءت السنة صريحة في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى الجنة ورأى النار الأمر الثاني : اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبدا أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها كما قال الله تعالى : وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ .
وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهم أنه لا بد من اعتقاد هذن الأمرين أولهما الإجابة عندكم .
السائل : قول بعض ... مخلوقتان الآن.
الشيخ : أن الجنة والنار مخلوقتان الآن والثاني : أنهما أبديتان لا تفنيان .
فقوله تعالى : لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة يعني أنها إلى أمد ثم تنتهي بل المعنى أحقابا كثيرة لا نهاية لها .
لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً نفى فيها البرد الذي تكون به برودة ظاهر الجسم والشراب الذي يكون فيه برودة داخل الجسم .
وذلك لأنهم والعياذ بالله كما قال الله تعالى : وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً وهل الماء الذي كالمهل وإذا قرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه ؟ الجواب : لا بل بالعكس وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى : خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ .
وقال الله تعالى : يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ما في بطونهم من الأمعاء والجلود ظاهر الجسم فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا يطفئ حرارة حرارة بطونهم .
ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف : عجبت للنار كيف ينام هاربها وعجبت للجنة كيف ينام طالبها إننا لو قال لنا قائل : إن لكم في أقصى الدنيا قصورا وأنهارا وزوجات وفاكهة لكنا نسير على أهداب أعيينا ليلا ونهارا لنصل إلى هذه الجنة التي بهذا النعيم العظيم والتي نعيمها دائم لا ينقطع وشباب ساكنها دائم لا يهرم وصحته دائمة ليس فيها سقم أعتقد أننا لو وعدنا بذلك لكنا نسير على أهداب أعيينا حتى نصل إلى هذا المكان .
وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهما من الدنيا أو دينارا قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة وهذا الموقف من الهرب من النار ؟! نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلَّا حَمِيماً وغَسَّاقاً إلى آخره .
وسنؤجل الباقي إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى لنتفرغ للإجابة على أسئلتكم وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجعلنا الله وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم .
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإننا نفتتح هذه الجلسة الأسبوعية وهي الجلسة الأولى لشهر جمادى الأولى الخميس الأول منه الرابع عشر من الشهر عام 1413 وكنا نتكلم على تفسير سورة النبأ .
حتى بلغنا إلى قوله تعالى : وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً ثم قال الله عز وجل : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً أي : مرصدة ومعدة للطاغين ، وجهنم : اسم من أسماء النار التي لها أسماء كثيرة وسميت بهذا الاسم لأنها ذات جُهمة وظلمة لسوادها وقعرها أعاذنا الله وإياكم منها وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن فهي موجودة كما قال تعالى : فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ و رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف ورأى فيها امرأة تعذب في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار يعني أمعاءه لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب هذه النار .
يقول الله عز وجل إنها : لِلْطَّاغِينَ مَآباً والطاغين جمع طاغ وهو الذي تجاوز الحد لأن الطغيان مجاوزة الحد كما قال الله تعالى : إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ أي : زاد وتجاوز حده .
وتجاوز الحد يكون في حقوق الله ويكون في حقوق العباد أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم وأما الطغيان في حقوق الآدميين فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع في عدة مواضع فقال : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام .
فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العبد هم أهل النار والعياذ بالله ولهذا قال : لِلْطَّاغِينَ مَآباً أي : مكان أوب والأوب في الأصل الرجوع كما قال تعالى : نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي : رجاع إلى الله عز وجل قال تعالى : لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً أي : باقين فيها أحقابا أي : مددا طويلة وقد دل القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحا به في ثلاث آيات من كتاب الله :
في سورة النساء في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وفي سورة الأحزاب إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً وفي سورة الجن في قوله تعالى : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً .
فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبدًا فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين .
وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار والجنة مخلوقتان ولا تفنيان أبدا .
ووجد خلاف يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار وزعموا أنها غير مؤبدة واستدلوا بحجج هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى فهو خلاف لا معول على المخالف فيه ولا على قوله والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالة صريحة لا تحتمل التأويل والآيات كما سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ ولا يتطرق إليها الاحتمال .
أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر وأخبار الله عز وجل لا تنسخ وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحدهما إما تعمدا من المخبر أو جهلا بالحال وكل ذلك ممتنع في خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم المبني على الوحي .
المهم أيها الإخوة أنه يجب علينا أن نعتقد شيئين : الشيء الأول : وجود الجنة والنار الآن وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة منها قوله تعالى : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ والإعداد التهيئة وهذا الفعل أُعِدَت فعل ماضي يدل على أن الإعداد قد وقع .
وكذلك قال الله تعالى في النار : وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ والإعداد تهيئة الشيء والفعل هنا ماضٍ يدل على وقوع .
وقد جاءت السنة صريحة في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى الجنة ورأى النار الأمر الثاني : اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبدا أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها كما قال الله تعالى : وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ .
وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهم أنه لا بد من اعتقاد هذن الأمرين أولهما الإجابة عندكم .
السائل : قول بعض ... مخلوقتان الآن.
الشيخ : أن الجنة والنار مخلوقتان الآن والثاني : أنهما أبديتان لا تفنيان .
فقوله تعالى : لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة يعني أنها إلى أمد ثم تنتهي بل المعنى أحقابا كثيرة لا نهاية لها .
لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً نفى فيها البرد الذي تكون به برودة ظاهر الجسم والشراب الذي يكون فيه برودة داخل الجسم .
وذلك لأنهم والعياذ بالله كما قال الله تعالى : وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً وهل الماء الذي كالمهل وإذا قرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه ؟ الجواب : لا بل بالعكس وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى : خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ .
وقال الله تعالى : يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ما في بطونهم من الأمعاء والجلود ظاهر الجسم فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا يطفئ حرارة حرارة بطونهم .
ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف : عجبت للنار كيف ينام هاربها وعجبت للجنة كيف ينام طالبها إننا لو قال لنا قائل : إن لكم في أقصى الدنيا قصورا وأنهارا وزوجات وفاكهة لكنا نسير على أهداب أعيينا ليلا ونهارا لنصل إلى هذه الجنة التي بهذا النعيم العظيم والتي نعيمها دائم لا ينقطع وشباب ساكنها دائم لا يهرم وصحته دائمة ليس فيها سقم أعتقد أننا لو وعدنا بذلك لكنا نسير على أهداب أعيينا حتى نصل إلى هذا المكان .
وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهما من الدنيا أو دينارا قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة وهذا الموقف من الهرب من النار ؟! نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلَّا حَمِيماً وغَسَّاقاً إلى آخره .
وسنؤجل الباقي إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى لنتفرغ للإجابة على أسئلتكم وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجعلنا الله وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم .
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) - ابن عثيمين
- فوائد قول الله تعالى : (( وأعد للكافرين عذاب... - ابن عثيمين
- تفسير آيات من سورة النبأ - ابن عثيمين
- النار لا تفنى والكافر مخلد في النار - اللجنة الدائمة
- إكمال تفسير سورة البينة من قوله تعالى:"إن ال... - ابن عثيمين
- تفسير قول الله تعالى : [ إلا حميما وغساقا )... - ابن عثيمين
- ما الضابط في استخدام كلمة " كان " وما وجه ور... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (لابثين فيها أحقابا) - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (إن جهنم كانت مرصادا) - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (لا يذوقون فيها بردا ولا ش... - ابن عثيمين
- تفسير قول الله تعالى: [ إن جهنم كانت مرصادا... - ابن عثيمين